نفيسة البيضاء (نفيسة المرادية) أم المماليك.
عرض في رمضان قبل الماضي مسلسل نابليون والمحروسة وتناول المسلسل في جانب من أحداثه شخصية السيدة نفيسة البيضاء .
وجسدت دور نفيسة البيضاء الفنانة ليلى علوي .
ولأن معظم هذه الفترة قد دونها الجبرتي فقطعاً وبدون أي شك دور ليلى علوي في المسلسل هو دور ثناء وإجلال وتعظيم لنفيسة البيضاء .
فالمشكلة الحقيقية أن تاريخ الجبرتي كان ينظر للدولة العثمانية التي حكمت مصر خلال هذه الفترة بأنها الدولة الغازية الظالمة الغاشمة التي سعت إلى احتلال الدول ومد نفوذها كي تخضع جميع الدول تحت سيطرتها لاستغلالها ونهب ثرواتها .
دون أي إدراك حقيقي للمخطط التآمري الذي كان يحاك للدولة العثمانية بتمزيقها من أجل إقامة دولة إسرائيل فيما بعد .
ومن منطلق محاولة بحثنا عن الحقيقة ومن منطلق فهمنا لمخطط مسار الأفعى اليهودي الذي يتم تسييره رويداً رويداً عبر القرون والعصور عبر أحداث منها ما هو حقيقي ومنها ما هو مفتعل .
فثمة شكوك قطعاً ستدور حول نفيسة البيضاء من جهتنا ومع ذلك نحن لا نتهم أحداً فالخيانة ليس شرطاً أن تكون بالوعي و الإدراك ولكن كثيراً تكون بالسيطرة الذهنية .
وكما قلنا سابقاً ليس كل مكتوب في الكتب هو ما يحدث في الواقع فتاريخ الجبرتي من منطلق وجهه نظره المعادي للعثمانيين يصور قطعاً علي بك الكبير أول من سعى للانفصال بمصر عن الدولة العثمانية وتعاون مع الغرب علي ذلك بأنه بطل همام عظيم يسعى أن يخلص مصر من الاحتلال العثماني الغاشم.
ويصور أيضاً مملوكه محمد بك أبو الذهب الموالي للدولة العثمانية والذي سعي دائماً إلى نصح علي بك الكبير بعدم الجواز شرعاً التحالف مع الغرب وانتهاك حرمة الحرمين ومحاربة الخليفة بأنه خائناً خان سيده لأنه لا يسعى إلى أن تتحرر مصر من هذا الاحتلال العثماني.
وهذا قطعاً يعتبر خللاً تاريخياً ، وقطعاً بالنسبة لنا فالعكس هو الصحيح.
فمن يتحالف مع الغرب لكي يفصل دولته عن إمبراطورية كانت عائقاً لمخططات الغرب ولذلك سعوا دائماً إلى تفتيتها.
فهذا قطعاً ليس بطولة بل يعتبر نوعاً من الخيانة سواء بعلم أو بدون علم.
فحين نعلم أن علي بك الكبير قبل أن يصبح حاكماً لمصر كان قد تم بيعه وهو صبي في سن الخامسة عشر لاثنين من اليهود :
وحين نعلم أن نفيسة البيضاء كانت جارية مجهولة النسب تم إحضارها إلى مصر واشتراها علي بك الكبير ثم أعتقها وتزوجها.
وحين نعلم أنها كانت تجيد الفرنسية ولم تكن تجيد العربية أو التركية إلا بعدما أحضر لها علي بك الكبير معلماً للغة العربية ومعلماً للغة التركية .
وحين نعلم أن علي بك الكبير قد اشترى نفيسة في وقت كان يريد فيه الاستقلال بمصر عن الدولة العثمانية .
وحين نعرف أن نفيسة تزوجت مراد بك فيما بعد .
وحين نعرف أن مراد بك كان سبباً من أسباب الحملة الفرنسية على مصر حيث كان يصادر أموال التجار الأوروبيين فكانت هذه التصرفات هي ذريعة الحملة الفرنسية لدخول مصر.
وحين نعرف أن نفيسة كانت على علاقة جيدة بنابليون والحكومة الفرنسية وأن نابليون كان يكن لها كل الاحترام خاصة بعدما قامت باستضافة الجرحى من الجنود الفرنسيين في قصرها وقامت بمساعدتهم في العلاج.
وحين نعرف أن نفيسة كانت الوسيط حين تدخلت في إنهاء الصراع بين زوجها مراد بك ونابليون مقابل أن يكون مراد بك حاكماً للوجه القبلي وكافأها نابليون على ذلك بأن أعطاها ١٠٠ ألف فضة كانت تصرفها شهرياً.
بعد كل هذا لابد أن نسأل :
هل كانت نفيسة البيضاء الملقبة بأم المماليك جارية عادية أم جارية مدفوعة ؟
من جهة المعلومات لا توجد مصادر وافية عن أصل نفيسة البيضاء أو المرادية ولا عن ديانتها الأصلية ، وإن كان يرجح أنها شركسية الأصل، ولا عن سيرتها قبل أن تظهر في حريم علي بك الكبير.
من جهة التحليل يوجد في سيرتها وسلوكها أمران غريبان يستلفتان النظر.
الأول : تعاطفها مع التجار الأوروبيين الوافدين إلى مصر وتوسطها وأحياناً ضغطها على زوجها مراد بك لإزالة الغرامات عنهم وتقليل الضرائب عليهم وأغلب هؤلاء التجار كانوا من اليهود.
وكثير منهم كانوا من الجواسيس والتجارة غطاء جمعهم للمعلومات وهذه المعلومات والتقارير كانت تمهيداً لغزو نابليون لمصر بكشف حالتها وأوضاعها أمامه.
الأمر الثاني المريب :هو علاقتها الوثيقة والودية بقادة الحملة الفرنسية وبنابليون نفسه وهم في عرف ذلك الزمان كفار ومحتلون.
فانتقالها من عصمة علي بك الكبير إلى عصمة مراد بك الذي خانه مفهوم ومقبول بمقياس هذا الزمان.
لكن سلوكها مع قادة الحملة ليس له تفسير منطقي إلا أن يكون لها وجه آخر مجهول يصبح سلوكها هذا معه مفهوماً.
ورغم أن هذه مسألة لا يصح القطع فيها بالتحليل وحده دون معلومات إلا أن نفيسة البيضاء تشبه في موقعها الذي وصلت إليه وسلوكها فيه نموذج أستير في السفر المسمى باسمها.
وهي الفاتنة اليهودية التي تخفي هويتها إلى أن تصل إلى مخدع صاحب الأمر والسلطان وتستوطن عقله لتعين بني قومها وملتها وتكون حامية لهم.
هذا النموذج شائع بين اليهود في كل الأمم وله نماذج عديدة غرباً وشرقاً وهو أحد إستراتيجياتهم وهي إستراتيجية مقدسة خصصوا عيداً دينياً للاحتفال بها وبذكرى مثلها الأعلى أستير وهو عيد الفوريم .
يتبع إن شاء الله .