بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين .
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي بإذنك إلى صراطك المستقيم وعلى آله وسلم تسليما حق قدره ومقداره العظيم .
أما بعد :
فإن الشريعة الإسلامية شريعة سمحة ، جاءت بالرحمة والتيسير والتخفيف ورفع الحرج عن العباد ، ولم تأت الشريعة بالتعسير والتشديد ووضع الحرج على العباد وكيف يكون ذلك وربنا تبارك وتعالى قال لسيدنا محمد صلى الله عليه و آله وسلم :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) } سورة الأنبياء .
ولقد أدرك ذلك علماؤنا من الفقهاء والأصوليين وفهموه من خلال الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، بل واستنبطوا من ذلك قواعد جليلة بنوا عليها كثيرا من المسائل الفقهية ، ومن هذه القواعد :
قاعدة : ( المشقة تجلب التيسير )
بل وتعتبر هذه القاعدة من إحدى القواعد الكبرى التي ينبني عليها صرح الفقه الإسلامي وأصوله، ولها علاقة بمقاصد الشريعة، حيث إنها تدعو إلى التيسير و رفع الحرج والمشقة .
ومن تتبع الشريعة الغراء في أصولها وفروعها يجد ذلك واضحا جليا في العبادات والحقوق والقضاء، والأحوال الشخصية، وغير ذلك مما يتصل بعلاقة الخلق بخالقهم وعلاقة بعضهم ببعض بما يضمن سعادتهم في الدنيا والآخرة.
مفهوم القاعدة : المعنى اللغوي الإجمالي للقاعدة: أن الصعوبة والعناء تصبح سببا للتسهيل. !!!
أما المفهوم الشرعي للقاعدة: أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة في نفسه أو ماله، فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج ، لأن في المشقات إحراجا، والحرج مرفوع عن المكلف بنصوص الشريعة .
أدلة هذه القاعدة :
دل على هذه القاعدة، وعلى بعض القواعد الفرعية الأخرى، التي هي امتداد لها، نصوص من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة، وإجماع الأمة على رفع الحرج والمشقة، منها:
1 – من القرآن الكريم :
- قوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } سورة البقرة، الآية 185.
- وقوله تعالى: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) } سورة المائدة .
- وقوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) } سورة النساء .
- وقوله تعالى :
{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } سورة الحج الآية رقم 78 .
2- ومن السنة النبوية :
• ما رواه البخاري 8/30 ،ومسلم 3/1359 : عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: { يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا } .
• وما رواه البخاري 1/16 : عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة } .
• وما رواه البخاري 1/16 : عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه قال : { أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة } .
أسباب التخفيف :
حصر السادة الفقهاء أسباب التخفيف والتيسير في سبعة أسباب رئيسة، وهي مجملة: 1- السفر. 2- والمرض. 3- والإكراه. 4- والنسيان. 5- والجهل. 6- والعسر. 7- وعموم البلوى والعجز.
القـواعد المتفرعة عنها :
تفرع عن قاعدة المشقة تجلب التيسير:
قاعدة : إذا ضاق الأمر اتسع.
وقاعدة : إذا اتسع الأمر ضاق.
وقاعدة : الضرورات تبيح المحظورات.
وقاعدة : الضرورة تقدر بقدرها.
وقاعدة : ما جاز لعذر بطل بزواله.
وقاعدة : الحاجة تنزل منزلة الضرورة.
وقاعدة : الاضطرار لا يبطل حق الغير.
وقاعدة : الميسور لا يسقط بالمعسور.
كل ذلك يبين مدى سماحة وتيسير الشرع الشريف على الأمة المحمدية ، ويبين أيضا مدى فهم وإدراك السادة العلماء – الحقيقيين - وغوصهم في بحار بواطن وظواهر نصوص الشريعة الغراء ، على صاحبها أفضل الصلوات و أتم التسليمات .
واتباعا للشريعة الإسلامية في السماحة والتيسير والتخفيف ورفع الحرج عن العباد نذكر بابا من أبواب الشرع الشريف في هذا الأمر وهو :
( فقه ذوي الأعذار والمرضى )
وهو باب عظيم ، ورحمة من رحمات سيد الخلق – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وبركة من بركاته وقبس من أنواره الشريفة الزاكية ، أنعم الله بها على الأمة المحمدية تيسيرا وتخفيفا ورحمة ونورا وبركة إكراما لحضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وإن شاء الله تعالى ستكون الكتابة في هذا الموضوع على طريقة الحوار قدر المستطاع ودون ذكر الاختلافات المذهبية تيسيرا على أحباب سيدنا رسول الله وأهل بيته الكرام – صلى الله على حضرته وعلى آله وسلم .
والله تعالى أسأل وبسيدنا رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أتوسل، أن يمن علينا بالعون والمدد والتوفيق وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والحمد لله أولا وآخرا ظاهرا وباطنا
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
اللهم صلى على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبى الأمى وعلى آله وسلم تسليماً عدد ما أحاط به علمك وخط به قلمك وأحصاه كتابك والرضا عن سادتنا أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
_________________ مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
|