إلى الفوضويين مدعين الحرية والإسلام المنادين بأن تكون القوة في يد الشعب من لايريدون رئيساً ولا دولة مركزية ولا حكومة قوية ولا جيشاً متماسكاً ولا قضاءاً نزيهاً ولا شرطة قوية نقول لهم إن لم يكن هناك رئيساً قوياً لن يكون هناك إسلام فالإسلام والسلطان توأمان كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى كل هؤلاء وإن إختلفت مسيماتهم وأشكالهم وطرقهم في تنفيذ المخطط الدجالي نقدم لهم هذا النص الديني.
((قال تعالى:
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر [آل عمران: 110] ويدخل في هذا الباب: الأئمة المنصوبون من قبل الله تعالى لأجل إقامة الحدود وإظهار شعائر الإسلام ونظيره قوله تعالى:
ادفع بالتي هي أحسن السيئة [المؤمنون: 96] وفي موضع آخر: ويدرؤن بالحسنة السيئة [الرعد: 22] .
الاحتمال الثالث: ولولا دفع الله بعض الناس عن الهرج والمرج وإثارة الفتن في الدنيا بسبب البعض، واعلم أن الدافعين على هذا التقدير هم الأنبياء عليهم السلام، ثم الأئمة والملوك الذابون عن شرائعهم، وتقريره: أن الإنسان الواحد لا يمكنه أن يعيش وحده، لأنه ما لم يخبز هذا لذاك ولا يطحن ذاك لهذا، ولا يبني هذا لذاك، ولا ينسج ذاك لهذا، لا تتم مصلحة الإنسان الواحد، ولا تتم إلا عند اجتماع جمع في موضع واحد، فلهذا قيل: الإنسان مدني بالطبع، ثم إن الاجتماع بسبب المنازعة المفضية إلى المخاصمة أولا، والمقاتلة ثانيا، فلا بد في الحكمة الإلهية من وضع شريعة بين الخلق، لتكون الشريعة قاطعة للخصومات والمنازعات، فالأنبياء عليهم السلام الذين أوتوا من عند الله بهذه الشرائع هم الذين دفع الله بسببهم وبسبب شريعهم الآفات عن الخلق فإن الخلق ما داموا يبقون متمسكين بالشرائع لا يقع بينهم خصام ولا نزاع، فالملوك والأئمة متى كانوا يتمسكون بهذه الشرائع كانت الفتن زائلة، والمصالح حاصلة فظهر أن الله تعالى يدفع عن المؤمنين أنواع شرور الدنيا بسبب بعثة الأنبياء عليهم السلام واعلم أنه كما لا بد في قطع الخصومات والمنازعات من الشريعة فكذا لا بد في تنفيذ الشريعة من الملك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام «الإسلام والسلطان أخوان توأمان»
وقال أيضا: «الإسلام أمير، والسلطان حارس، فما لا أمير له فهو منهزم، وما لا حارس له فهو ضائع»
ولهذا يدفع الله تعالى عن المسلمين أنواع شرور الدنيا بسبب وضع الشرائع وبسبب نصب الملوك وتقويتهم، ومن قال بهذا القول قال في تفسير قوله: لفسدت الأرض أي لغلب على أهل الأرض القتل والمعاصي، وذلك يسمى فسادا قال الله تعالى: ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد [البقرة: 205]))أهـ
المصدر: تفسير الرازي جـ6 , صـ518-519