وله1 في حديث فاطمة بنت قيس: فلما قضى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-صَلاُتَهُ جَلَس على المنبر - وهو يضحك- فقال: "ليَلْزَم كُلّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّه". ثمّ قال: "أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُم؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إِنِّي والله ما جَمَعْتُكُم لرَغَبِةٍ ولا لِرَهْبَةٍ، ولكن جَمَعْتُكُم، لأنّ تَميماً الدّاري2، كان رجلاً نَصْرَانِياً، فجاء فَبَايَعَ وَأَسْلَم، وحدّثنِي
__________
1 - صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب قصّة الجساسة، ص: 80، وما بعدها، وفي سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتن، باب فتنة الدّجّال، ص: 1354.
2 - "لأنّ تميماً الدّاري"، هذا معدود من مناقب تميم؛ لأنّ النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ روى عنه هذه القصة.
وفيه: رواية الفاضل عن المفضول ـ ورواية المتبوع عن تابعه ـ وفيه قبول خبر الواحد.
حديثاً وافق الّذي كنت أحدِّثكم عن مسيح الدّجّال".
حدّثني: أنّه ركب فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مع ثلاثين رجلاً مِنْ لَخْم وجُذَمَ، فلعب بِهِمُ الْمَوجُ شهراً فِي الْبَحر، ثُمّ أَرْفَؤُوا إلى جزيزة1 في البحر حين2 مغرب الشّمس، فجلسوا في أقرب السّفينة3، فدخلوا الجزيرة، فَلَقِيَتْهُم دَابَّةٌ أهلبٌ4 كثير الشّعر، لا يدرون ما قبله مِنْ دُبُره، من كثرة الشّعر. فقالوا: وَيْلَكَ ما أنت؟ قالت5: أنا الْجَسَّاسَةُ. قالوا: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت:
__________
1 - "ثم ارفؤوا إلى جزيرة"، أي: التجأوا إليها، قال في اللّسان: أرفأت السّفينة إذا أدنيتها إلى الجدة، والجدّة: وجه الأرض أي: الشّطّ.
2 - في صحيح مسلم: "حتّى مغرب الشّمس".
3 "فجلسوا في أقرب السّفينة"، الأقرب جمع قارب، على غير قياسٍ، والقياس: قوارب، وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة، كالجنيبة يتصرّف فيها ركاب السّفينة لقضاء حوائجهم.
وقيل: أقرب السّفينة: أخرياتها وما قرب منها للنّزول.
4 "أهلب"، الأهلب: غليظ الشّعر كثيره.
5 في صحيح مسلم: "فقالت": والجساسة: سمّيت بذلك لتجسسها الأخبار للدّجّال.
أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرّجل في الدَّيْر؛ فإنّه إلى خبركم بالأشواق1.
قال: لمّا سَمَّت لنا رجلا ًَ فَرِقْنَا منها2 أن تكون شيطانةً. قال: فانْطَلَقْنَا سِراعاً، حتّى دَخَلْنا الدَّيْرَ، فإذا فيه أعظم إنسانٍ3 رأيناه قطُّ خَلْقاً. وأشدُّه وثَاقاً مَجموعة يداه إلى عنقه، ما بين رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْه بالْحَديد4. قلنا: ويلك! ما أنت؟ فقال5: قد قدرتم على خبري. فَأَخْبِرُونِي ما أنتم؟ قالوا: نَحن من العرب، ركبنا في سفينةٍ بَحريَّةٍ، فصادفنا البحر
__________
1 - "فإنّه إلى خبركم بالأشواق"، أي: شديد الأشواق إلى خبركم.
2 - "فرقنا منها"، أي: خفنا.
3 - "أعظم إنسان"، أي: أكبره جثة، أو أهيب هيئة.
4 - "بالحديد" الباء متعلّق بمجموعة، "وما بين ركبتيه إلى كعبيه"، بدل: اشتمال من يداه.
5 - في صحيح مسلم: "قال".
حين اغْتَلَمَ1، فلعب بنا الموج شهراً، ثمّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيْرَتِك هذه. فجلسنا في أقربِها؛ فدخلنا الْجزيرة، فَلَقِيَتْنا دابّةٌ أهلب كثير الشّعر، لا ندري2 ما قبله من دبره من كثرة الشّعر. قلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الْجَسَّاسَةُ. قلنا3: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت: اعمدُوا إلى هذا الرّجل في الدّير؛ فإنّه إلى خَبَرِكُم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعاً. وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانةً. قال4: أخبروني عن نخل بيسان5. قلنا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِر؟ قال: [هل فيها ماءُ؟ قالوا: هي كَثِيْرَةُ الماء. قال] 6: أسألكم عن نَخْلِها
__________
1 - "صادفنا البحر حين اغتلم"، أي: هاج وجاوز حدّه المعتاد.
قال الكسائي: "الاغتلام: أن يتجاوز الإنسان ما حدّ له من الخير والمباح.
2 - في صحيح مسلم: "لا يدرى" بالبناء للمجهول.
3 - في صحيح مسلم: "فقلنا" بالفاء.
4 - في صحيح مسلم: "فقال" بالفاء .
5 - "نخل بيسان"، هي: قرية بالشّام.
6 - ما بين القوسين لا يوجد في مسلم، والظّاهر أنّه خطأ من النّاسخ.
هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أمّا إنّه يُوْشِكُ ألاّ يثمر. قال: أَخْبِرُونِي عن بًحَيْرَة الطَّبَريّة1. قلنا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أمَا إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زَغَرَ2. قالوا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل في العين ماءٌ؟ وهل يَزْرَعُ أهلها بماء ذلك3 العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأُمَّتَيْن. ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكّة ونزل بيثرب4. قال: قاتله5 العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صَنَعَ بِهُم؟ فَأَخْبَرْنَاه أنّه قد ظهر على من يليه من
__________
1 - "بحيرة الطّبرية"، هي: بحر صغير معروف بالشّام.
2 - "عين زغر"، هي: بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشّام.
3 - في صحيح مسلم: "بماء العين" بدون اسم الإشارة.
4 - في صحيح مسلم: "ونزل يثرب"، بدون الجارّ.
5 - في صحيح مسلم: "أقاتله" بهمزة الاستفهام لفظاً.
العرب وأطاعوه. قال1: قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إنّ ذلك2 خير لهم أن يطيعوه، وإنِّي مخبركم عنِّي: إنِّي أنا المسيح الدّجّال3، وإنِّي أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فَأَسِيْر في الأرض، فلا أدع قرية إلاّ هَبَطتها في أربعين ليلة، غير مكّة وطيبة4، فهما مُحَرَّمَتَان عليّ، كلتاهما كلّما أرادت أن أدخل واحدة منهما5، اسْتَقْبَلَنِي ملك بيده السّيف صلتاً6 يصدّني عنها، وأنّ على كلّ نقب منها ملائكة يَحْرُسُونَها. قال7 رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- وطعن بمخصرته في المنبر "هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ"، يَعْنِي: المدينة. "ألا هلْ كنْتُ حَدَّثْتُكم ذلك؟ ".
__________
1 - في صحيح مسلم لا توجد: "قال الأولى".
2 - في صحيح مسلم: "أما إنّ ذاك"، بدون اللام.
3 - في صحيح مسلم لا توجد كلمة: "الدّجّال".
4 - "طيبة" هي: المدينة، ويقال لها أيضاً: طابة.
5 - في صحيح مسلم: "أن أدخل واحدة أو واحد منهما".
6 - "صلتا" بفتح الصّاد وضمّها، أي: مسلولاً.
7 - في صحيح مسلم: "قالت: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.
فقال النّاس: نعم. "فإنّه أعْجَبَنِي حديث تَمِيم: لأنّه1 وفق الّذي كنتحدّثتكم2 عنه وعن المدينة ومكّة ألا إنّه في بحر الشّام، أو بَحْر الْيَمَن؛ لا بل من قبل الْمَشْرِق، ما هو، من قبل3الْمَشْرِقِ ما هو، من قبل الْمَشْرِقِ ما هو، وأومأ بيده إلى الْمَشْرِقِ قالت: فحفظت هذا من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم.
__________
1 - في صحيح مسلم: "أنّه وافق" بدون اللام.
2 - في صحيح مسلم: "كنت أُحَدِّثُكم عنه".
3 - "ما هو" قال القاضي: "لفظة: ما هو، زائدة، صلة للكلام ليست بنافية: والمراد إثبات أنّه في جهات المشرق.