موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: حول الإيمان بالقضاء والقدر والاعتقاد به.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 31, 2015 1:07 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 15, 2013 10:47 am
مشاركات: 901
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على سيدنا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :فهذه جملة محاضرات ألقاها فضيلة الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين الحسيني رضي الله تعالى عنه في جامع بانقوسا الذي كان يدرّس فيه كل يوم جمعة بعد صلاة العصر , وهذه المحاضرات تتعلق بموضوع القضاءوالقدر الذي هو ركن من أركان الإيمان , لا يقبل الله إيمان المؤمن إذا لم يعتقد به .. بدليل الحديث المشهور الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أن سيدنا جبريل عليه السلام - الذي تمثل بصورة رجل - سأل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم : فأخبرني عن الإيمان
فقال صلى الله عليه وسلم : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِر وتؤمن بالقدر خيره وشره, قال : صدقت(كتاب الإيمان)
في حين أن بعض الناس يجهل معنى هذا الركن الإيماني العظيم ويغفل عن أهميته , بل وربما يتهم القدر بالظلم وينسب إليه ارتكابه للمعاصي وتراخيه عن فعل الطاعات , ويتعلل بكلمات خطيرة ربما تندرج تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم :
[وإن العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها فى جهنم]((انظر المسند 9508و صحيح البخاري كتاب الرقاق)) وفي رواية : [يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه]((الموطأ كتاب الجامع))
وقد أجاد سيدنا الشيخ الإمام رضي الله عنه وأفاد في كلامه عن القضاء والقدر فذكر أطرافاً من هذا البحث في كتبه :[ الإيمان بالملائكة ] و [ حول تفسير سورة الملك ] و[ حول تفسير سورة الإنسان ] .
وفصل الكلام هنا مبيناً بأسلوبه السهل الجامع أهمية حسن الاعتقاد بهذا الركن الإيماني العظيم , ووجوب الإيمان بعلم الله تعالى السابق على وجود الأشياء , وكتابته سبحانه لها , وأنه سبحانه حكيم عادل لا يظلم أحداً.
ثم بيّن رضي الله عنه أن قضاء الله تعالى وقدره لا يسلب الإنسان مشيئته
واختياره بدليل أن الله تعالى أثبتهما للإنسان بقوله جل وعلا:[وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ]((الكهف من الآية 29))
وقد ثبت الاختيار للإنسان شرعاً وعقلاً وذوقاً ووجداناً وفطرة ,فأنى له الإنكار بعد هذا ؟!
ونوّ ه شيخنا الإمام رضي الله عنه إلى أن القضاء والقدر ليسا بحجة للعبد على فعله المعاصي والذنوب لأن الكتابة السابقة لا تمنع العبد اختياره ولا تسلبه إرادته , وقد ثبتت له جميع صفاته على الحقيقة , فلا يصح له أن ينكر صفة الاختيار فيه , وإلا لزمه أن ينكر سائر صفاته أيضاً , وهذا ما لا يقول به عاقل , وهذه الشبهة : ( العبد لا اختيار له مطلقاً ).
هي شبهة الكافرين كما أخبر عنهم سبحانه بقوله :[سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ](الأنعام من الآية148)
فرد عليهم جل وعلا بقوله :[كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ](الأنعام)
ويوم القيامة عندما تحق الحقائق يحمد جميع الناس ربهم , فيحمده المؤمنون لفضله ورحمته سبحانه , ويحمده الكافرون لعدله جل وعلا.
قال تعالى:[وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)](الزمر)
أي : وقال كل قائل من أهل الموقف : الحمد لِلّه رب العالمين.
وهناك بعض الناس يتمسكون - أثناء حديثهم عن القضاء والقدر - يتمسكون بفهمهم الخاطئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:[فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلِا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ].((صحيح مسلم كتاب القدر و سنن ابن ماجه في المقدمة واللفظ له)).
علما أنه جاء في حديث آخر عند الإمام البخاري ومسلم جاء قوله صلى الله عليه وسلم:
[إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ]((صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير وصحيح مسلم كتاب الإيمان))
يعني : أن عمله رياء وسمعة ، وهذا من شعب النفاق ، فزال الإشكال وانجلى الحق ، والحمد لِلّه على ذلك ، لأن روايات الحديث يفسر بعضها بعضاً،فالروايات يكون اختلافها أحيانا بسبب اختلاف فهم الصحابة رضى الله عنهم ، وإن اختلاف مفاهيم الصحابة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم هو حجة يعتّد بها، وإن ما أجمله صلى الله عليه وسلم فى حديث فصله فيه حديث آخر حسب ما تقتضيه الحكمة والمناسبة.
وقد أشار الشيخ الإمام رضي الله عنه إلى أن سبب خروج البعض عن الحق والعدل إنما هو بسبب إعمالهم العقل في مسألة القضاء والقدر ، وأنى للعقل البشري أن يحيط علما بأسرار و ِ حكم أفعال الله تعالى ؟!
لذلك يجب على العاقل أن يعتقد أن القضاء يتعلق بجميع أموره وحركاته وسكناته ، لَا بأفعال الطاعة والمعصية فقط.
وجزى الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم معلّم الناس الخير جزاه الله كل خير فهو الذي كفانا مؤونة إعمال العقل في القضاء والقدر ، فقال :
[إذا ُذكِر القدر فأمسِكوا] ((رواه الطبراني في المعجم الكبير والحارث في مسنده والبيهقي في القضاء والقدر وحكم الحافظ ابن حجر في الفتح بأن سنده حسن))
ونفى صاحب جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم نفى شبهة عدم اختيار العبد فقال:
[اعملوا فكل ُ ميَسر لما خُلِق له]((طرف حديث في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن وصحيح مسلم كتاب القدر))
فجزى الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم عنّا كل خير .

_________________
من مثلكم لرسول الله ينتسبُ ليت الملوك لها من جدكم نسبُ صلى الله عليه وسلم
سيدى أنت أحسن الناس وجها**كن شفيعى فى هول يوم كريه
قــدروى صحـبُك الـكرام حـديــثاً**اطلبوا الخير من حسان الوجوه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حول الإيمان بالقضاء والقدر والاعتقاد به.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 31, 2015 1:53 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
الحمدلله رب العالمين
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
اللهم نسألك الرضى
جزاك الله خيرا أخي الفاضل وبارك الله فيك
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا فيه ملئ السموات والأرض وملئ ما بينهما وملئ ما شئت بعد

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حول الإيمان بالقضاء والقدر والاعتقاد به.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 31, 2015 3:42 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 15, 2013 10:47 am
مشاركات: 901
حول الإيمان بالقضاء والقدر

إن البحث في القضاء والقدر يشتمل على أمور عدة
أولها : الإيمان بالقدر
وثانيها : الإيمان بعلمه سبحانه بالأشياء قبل وجودها وقبل أن يخلقها ،ثم الإيمان بأنه جل وعلا كتب الأشياء قبل خلقها ، وهذه الكتابة على مراتب، ثم الإيمان بمشيئته وإرادته وحكمته سبحانه ، وأنه تصرّف في العالم بحكمته وعدله ، وأنه سبحانه لم يَظلم أحدا في قضائه وقدره.
ثم الإيمان بأن القضاء والقدر لا يسلب اختيار الإنسان ، وليس القضاء والقدر حجة للإنسان العاصي على ربه ، وإليك تفصيل هذا :
أولاً : الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان :
إن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الَعتقادية القلبية ، التي من أنك واحدة منها فهو خارج من الملّة ، وقد جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم : فأخبرني عن الإيمان جاء قوله صلى الله عليه وسلم [: أن تؤمن بالِلّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ ثلاث من أصل الإيمان :الكف عمن قال : لا إله إلَا الله ، ولَا نكفّره بذنب ، ولَا نخرجه من الإسلام بعمل ]
ثم قال صلى الله عليه وسلم : [ والإيمان بالأقدار ]((سنن أبي داود كتاب الجهاد والسنن الكبرى للبيهقي وسنن سعيد بن منصور))
ومن جملة الإيمان بالقضاء والقدر :
أن لَا يحاكم الإنسان قضايا القدر إلى عقله دون أن يستند إلى دليل شرعي ،وإن هو فعل ذلك وحاكم قضايا القدر إلى نظريات عقله فقد يخرج عن الحق والعدل ..
وقد أشارت إلى هذا جملة من الأحاديث النبوية الشريفة . منها :[ إذا ذكر القدر فأمسكوا ]،أي لَا تتركوا مجالَ للأحكام العقلية أوالنظريات الفكرية أن تجري في قضاء الله تعالى وقدره ، لأن الإنسان مهمابحث وعرف فإن علم الله تعالى أعظم ، وحكمته سبحانه أجلّ وأعلى ،والعقل عاجز عن إدراك ما هنالك من الحكم والأسرار الإلهية في خلقه .
تعريف القضاء والقدر :
القضاء هو : حكم الله تعالى على الأشياء السابق على وجودها لعلمه الأزلي سبحانه .
والقدر هو : تنفيذ ما حكم به سبحانه.
ثانياً:
إن الإيمان بالقضاء والقدر يرتكز على الإيمان بعلمه سبحانه السابق على الأشياء ، وذلك أن يعتقد الإنسان أن جميع الأشياء والحركات والسكَنات والأقوال والأفعال والخواطر كلها معلومة عند الله تعالى في أزل الآزال بالعلم القديم الذي لا أول له ، وهو العلم الذاتي الملازم للذات الإلهية التي لا أول لها ولا آخر .
واعلم أن هذا الأمر شرعي وفطري وعقلي قال تعالى :[أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ]((الملك من الآية 14))
أي : إن خالق الشيء أعلم بالشيء ، ولولا أن علمه سبحانه بالشيء سابق على وجود الشيء لما صدر هذا الشيء .
وقد بيّن سبحانه أن علمه بقلوب المؤمنين المستعدة للإيمان ، بيّن جل وعلا أن علمه بذلك قديم لا أول له ، وأنه سبحانه عالم - بالعلم القديم الأزلي -بالقلوب غير المستعدة للإيمان ، وفي هذا قال سبحانه في الصحابة رضي الله عنهم ومن كان متّبعا لهم :
[وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)](سورة الفتح)
وكلمة التقوى هي : [لَ إله إلَ الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
وهي التي جمعت مراتب التقوى كلها ، وبها الوقاية من عذاب الله تعالى ،ومن كل شدة وكرب .
وقد بيّن سبحانه لماذا ألزمهم بها وجعلها ملازمة لهم فقال جل وعلا :
[ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا]أي أنهم كانوا في علم الله القديم هم أحق بها من غيرهم وهم أهلها[وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)](سورة الفتح)أي : كان ولا يزال عالما بكل شيء.
وقال سبحانه في الكفار :[وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ]أي :لأسمعهم القرآن سماع فهم وقبول وإجابة[ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23)](الأنفال)فهو سبحانه عليم((ومِن عِلْمه سبحانه : أنه عالم بما كان وما هو كائن إلى يوم الدين،وأنه سبحانه يعلم ما لا يكون كيف يكون لو كان،وفي هذا يقول سبحانه في الكفار عندما يدخلون النار ويطلبون الرجوع إلى الدنيا:[وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)](الأنعام).))بالقلوب المستعدة وغير المستعدة ، والقلوب القابلة وغير القابلة ، وهو سبحانه حكيم يضع الشيء في موضعه اللائق به ، وقد تصرّف بخلقه بعلمه وحكمته ومشيئته سبحانه ، ولا مستكره له ولا حاكم عليه،ولا معقّب لحكمه سبحانه وتعالى.
واعلم أن الحكيم لا يُنتقد ولا يُعترض عليه ، فلا تظنن بالِلّه سوءا،فإن الحكمة حكمته ، وسر الحكمة هو أعلم بها ، ومن أيقن بذلك وأن الله هو الحكم العدل ، استسلم لأمره سبحانه ، أما من كان شاكا مرتابا في ربوبيةالله تعالى فشأنه الإعتراض والإنتقاد ، والعياذ بالِلّه تعالى.
وإليك مثالَ يحملك على الإستسلام لأمر الله تعالى لأنه رب العالمين وأحكم الحاكمين :إنك عندما تثق بحكمة الطبيب ، وأنه طبيب عالمي ماهر ، تراك تذهب إليه وتسلم نفسك بين يديه ، وتثق بما يصفه لك من علاج ، وربما غيّب فكرك وشق بطنك وأنت مستسلم له لأنك تعتقد أنه حكيم يضع الدواء موضع الداء ، ولكنك أيها الإنسان لم تطّلع على أسرار حكمة هذا الطبيب ومدى علمه ،كما أنك لم تطّلع على تركيب الدواء الذي يصفه لك .
فإن ثقتك بحكمته جعلتك تستسلم له بالسمع والطاعة دون انتقاد أو اعتراض ، ومن هنا - ولِلّه المثل الأعلى - فإنك إذا آمنت بالِلّه تعالى حقا وأيقنت أن الله تعالى حقا هو الحكم العدل ، فلا تظنن سوءا في قضائه وقدره ، وإنما يجب عليك الإستسلام لذلك ، وأن تعلم وتؤمن أن حكمته سبحانه أجلّ وأعلى،وأن هناك أحكاما ووراء هذه الأحكام ِ حكم ، وأن للحكم أسرارا،والأسرار من غوامض الأمور ، ولَ يمكن أن تطّلع عليها أيها الإنسان لأنك ما بلغت مرتبة الربوبية حتى تحيط علما بحكمة أسرار رب العالمين جل وعلا .
ولهذا لما جاء رجل إلى سيدنا علي رضي الله عنه فقال :أخبرني عن القدر ؟ قال له : طريق مظلم فلا تسلكه ، فأعاد السؤال - أي :جاء يريد أن يفهم سر الله تعالى في القدر - فقال له : بحر عميق فلا تَلِجهُ ،فأعاد السؤال فقال : سر الله في الأرض قد خفي عليك فلا تفتّشه.((تاريخ دمشق لَبن عساكر وفيض القدير للمناوي ومرقاة المفاتيح للقاري وتحفة الأحوذي للمباركفوري))
أي : لا تكلف نفسك ذلك ، فأنت وأمثالك لا تحيطون علما بذلك ، ولكن هناك يوم ترتفع فيه الحجب ، وتنكشف فيه الدقائق ، وتظهر الحقائق،وهو يوم القيامة الذي تقول فيه الخلائق كلها
[الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ](سورةالزمر).
فالمؤمنون قالوا : الحمد لِلّه رب العالمين ، والكفار في جهنم اعترفوا بذنوبهم وأيقنوا بحكمة ربهم فيهم فقالوا : الحمد لِلّه رب العالمين ، وفي هذا يقول سبحانه :[وَقُضِيَ بَيْنَهُم]أي : بين الخلائق وأصنافهم [بِالْحَقِّ وَقِيلَ]أي وقال كل مخلوق[الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ].
ثالثاً:
إن الإيمان بالقدر يكون بأن الله تعالى كتب جميع المقادير على مقتضى علمه سبحانه ، وهذه الكتابة على مراتب :فهناك كتابة سابقة على خلق السموات والأرض ، وهناك كتابة بعد خلق
السموات والأرض وقبل خلق آدم عليه السلام ، وهناك كتابة عند خلق كل إنسان وهو في رحم أمه ، وهناك كتابة سنوية ، واعلم أن كل كتابة لَحقة إنما هي تابعة للكتابة السابقة ، وتخصيص وتفصيل لها ، وجميع الكتابات إنما هي تخصيص وتفصيل من الكتاب العام الجامع .
ومن هذا ما ورد في سنن أبي داود والترمذي أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال لَبنه - عندما كان في مرض الوفاة - : ( يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ) - أي : ما نالك من خير و ِبر إنماهو ّلك- ( وما أخطأك ) أي : لم ينلك ولم تحصل عليه ( لم يكن ليصيبك ) أي أنه ليس لك ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول : [ إن أول ما خلق الله القلم(أي : أن القلم هو أول المخلوقات ، وهذه الأولية نسبية) - بضم الميم - فقال له : اكتب ،قال : رب وماذا أكتب ؟
قال : ( اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ).
وفي رواية : قال سبحانه : ( اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد ) ،يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :[ من مات على غير هذا فليس ِ منِّي](سنن أبي داود كتاب السنة وسنن الترمذي كتاب القدر).
وقد يتوهم بعض الناس :
أنه ما الفائدة من العمل إذا كان الأمر مقضيا ومكتوبا ؟!
فيقال له : أليس من المكتوب والمقضي والمقدر أن تعمل ؟
وأنك تعمل باختيارك وإرادتك ؟
ولو قال : أنا لا أعمل ، فهذا كلام منه ، لأنه يدعي أن القضاء والقدر مسلّط على أمر السعادة والشقاء فقط ، فأبطل العمل لأنه مفروغ منه .
فيقال له : وهل القضاء والقدر مسلّط على أعمال التكليف فقط ؟
أم أنه عام ويتعلق بجميع حركاتك وسكناتك ومأكلك ومشربك وسعيك ؟
نعم لا شك أنه عام يتعلق بأعمال التكليف وغيرها .فإذا كنت تبطل العمل في أسباب السعادة لأن السعادة والشقاء من المكتوبات والمقدرات ، فيجب عليك أن تبطل السعي في أسباب رزقك لأن رزقك من المقدرات أيضا ،ثم يجب عليك أن تمكث في بيتك ولا تأكل ولا تشرب ،لأن أكلك وشربك من المقدرات والمقضيّات أيضا.
وكذلك يجب عليك أن لا تتنفس ، لأن أجلك وحياتك من جملة المقضيّات،فما فائدة الأكل والشرب على زعمك ؟
لأن الأجل من المقدرات أيضا.
وعلى هذا فيجب أن تعطّل وجودك ، بل وجود الكائنات بأجمعها ، وهذا محض الجنون ، ولكي تدفع عنك أيها الإنسان هذه الوساوس والشبهات الباطلة يجب أن تعلم يقينا أن تقدير الله تعالى لأهل السعادة وكتابته لأعمالهم لم يجبرهم على أعمال السعادة ، وإنما فعلوا ذلك باختيارهم وإرادتهم .
فقد كتب سبحانه أن فلانا وفلانا من أهل السعادة ، وكتب أنهم سيعملون عمل أهل السعادة باختيارهم وإرادتهم ومشيئتهم ، وكذلك أهل الشقاء فإن كتابة الله تعالى لهم ذلك لم تجبرهم على فعل المعاصي والفجور ، وإنما فعلوا ذلك باختيارهم وإرادتهم ، فقد كتب سبحانه أن فلانا وفلانا من أهل الشقاء ، وكتب أنهم سيعملون عمل أهل الشقاء باختيارهم وإرادتهم ومشيئتهم ، فليس أهل السعادة مجبرين على عمل أهل السعادة ، بل هذا باختيارهم ومشيئتهم ، وليس أهل الشقاء مجبرين على عمل أهل الشقاء ، بل هو باختيارهم وإرادتهم .
وهذا معنى قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :
[ اعملوا فكل ُ ميَسر لما خلِق له ](صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن ، وصحيح مسلم كتاب القدر عن علي رضي الله عنه) ولم يقل : فكل ُ مكره أو مضطر.
ثبوت صفة الاختيار عند الإنسان شرعاً :
لقد أناط الشارع المسؤولية والتكليف على وجود الَختيار ، وإذا فُقد الإختيار فلا مسؤولية ولا حساب ، فلو فرضنا أن رجلين تكلما بكلمة الكفر، الأول تكلم بها باختياره ومشيئته فيقال عنه : لقد كفر .
وأما الثاني فتكلم بها لأن هناك رجلا رفع السيف فوقه وأجبره على كلمة الكفر فتكلم بها مكرها مضطرا ، لكن قلبه مطمئن بالإيمان ، فلا مسؤولية عليه ، وهو مؤمن ، وفي هذا يقول سبحانه :[إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا].
أي : قالها باختياره وشرح صدر منه[فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)](النحل ).
فلو كان القدر يسلب اختيار الإنسان لم يكن مسؤولَ في ذلك ، لأن الشارع لا يسألك أو يحاسبك عما لا اختيار لك فيه ، ومن ذلك أيضا قوله تعالى :
[حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ]وهذا التحريم حالة الإختيار ، أما عند الإكراه والإضطرار فقد قال سبحانه:[فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)](البقرة).
فالمسؤولية والعقوبات منوطة على وجود الَختيار ، وحيث لَ اختيار فلا مسؤولية ، كمن اضطر في الصحراء لأكل الميتة ليدفع عنه الموت وهكذا .

_________________
من مثلكم لرسول الله ينتسبُ ليت الملوك لها من جدكم نسبُ صلى الله عليه وسلم
سيدى أنت أحسن الناس وجها**كن شفيعى فى هول يوم كريه
قــدروى صحـبُك الـكرام حـديــثاً**اطلبوا الخير من حسان الوجوه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 25 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط