بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على سيدنا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :فهذه جملة محاضرات ألقاها فضيلة الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين الحسيني رضي الله تعالى عنه في جامع بانقوسا الذي كان يدرّس فيه كل يوم جمعة بعد صلاة العصر , وهذه المحاضرات تتعلق بموضوع القضاءوالقدر الذي هو ركن من أركان الإيمان , لا يقبل الله إيمان المؤمن إذا لم يعتقد به .. بدليل الحديث المشهور الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أن سيدنا جبريل عليه السلام - الذي تمثل بصورة رجل - سأل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم : فأخبرني عن الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِر وتؤمن بالقدر خيره وشره, قال : صدقت(كتاب الإيمان) في حين أن بعض الناس يجهل معنى هذا الركن الإيماني العظيم ويغفل عن أهميته , بل وربما يتهم القدر بالظلم وينسب إليه ارتكابه للمعاصي وتراخيه عن فعل الطاعات , ويتعلل بكلمات خطيرة ربما تندرج تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم : [وإن العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها فى جهنم]((انظر المسند 9508و صحيح البخاري كتاب الرقاق)) وفي رواية : [يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه]((الموطأ كتاب الجامع)) وقد أجاد سيدنا الشيخ الإمام رضي الله عنه وأفاد في كلامه عن القضاء والقدر فذكر أطرافاً من هذا البحث في كتبه :[ الإيمان بالملائكة ] و [ حول تفسير سورة الملك ] و[ حول تفسير سورة الإنسان ] . وفصل الكلام هنا مبيناً بأسلوبه السهل الجامع أهمية حسن الاعتقاد بهذا الركن الإيماني العظيم , ووجوب الإيمان بعلم الله تعالى السابق على وجود الأشياء , وكتابته سبحانه لها , وأنه سبحانه حكيم عادل لا يظلم أحداً. ثم بيّن رضي الله عنه أن قضاء الله تعالى وقدره لا يسلب الإنسان مشيئته واختياره بدليل أن الله تعالى أثبتهما للإنسان بقوله جل وعلا:[وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ]((الكهف من الآية 29)) وقد ثبت الاختيار للإنسان شرعاً وعقلاً وذوقاً ووجداناً وفطرة ,فأنى له الإنكار بعد هذا ؟! ونوّ ه شيخنا الإمام رضي الله عنه إلى أن القضاء والقدر ليسا بحجة للعبد على فعله المعاصي والذنوب لأن الكتابة السابقة لا تمنع العبد اختياره ولا تسلبه إرادته , وقد ثبتت له جميع صفاته على الحقيقة , فلا يصح له أن ينكر صفة الاختيار فيه , وإلا لزمه أن ينكر سائر صفاته أيضاً , وهذا ما لا يقول به عاقل , وهذه الشبهة : ( العبد لا اختيار له مطلقاً ). هي شبهة الكافرين كما أخبر عنهم سبحانه بقوله :[سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ](الأنعام من الآية148) فرد عليهم جل وعلا بقوله :[كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ](الأنعام) ويوم القيامة عندما تحق الحقائق يحمد جميع الناس ربهم , فيحمده المؤمنون لفضله ورحمته سبحانه , ويحمده الكافرون لعدله جل وعلا. قال تعالى:[وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)](الزمر) أي : وقال كل قائل من أهل الموقف : الحمد لِلّه رب العالمين. وهناك بعض الناس يتمسكون - أثناء حديثهم عن القضاء والقدر - يتمسكون بفهمهم الخاطئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:[فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلِا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ].((صحيح مسلم كتاب القدر و سنن ابن ماجه في المقدمة واللفظ له)). علما أنه جاء في حديث آخر عند الإمام البخاري ومسلم جاء قوله صلى الله عليه وسلم: [إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ]((صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير وصحيح مسلم كتاب الإيمان)) يعني : أن عمله رياء وسمعة ، وهذا من شعب النفاق ، فزال الإشكال وانجلى الحق ، والحمد لِلّه على ذلك ، لأن روايات الحديث يفسر بعضها بعضاً،فالروايات يكون اختلافها أحيانا بسبب اختلاف فهم الصحابة رضى الله عنهم ، وإن اختلاف مفاهيم الصحابة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم هو حجة يعتّد بها، وإن ما أجمله صلى الله عليه وسلم فى حديث فصله فيه حديث آخر حسب ما تقتضيه الحكمة والمناسبة. وقد أشار الشيخ الإمام رضي الله عنه إلى أن سبب خروج البعض عن الحق والعدل إنما هو بسبب إعمالهم العقل في مسألة القضاء والقدر ، وأنى للعقل البشري أن يحيط علما بأسرار و ِ حكم أفعال الله تعالى ؟! لذلك يجب على العاقل أن يعتقد أن القضاء يتعلق بجميع أموره وحركاته وسكناته ، لَا بأفعال الطاعة والمعصية فقط. وجزى الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم معلّم الناس الخير جزاه الله كل خير فهو الذي كفانا مؤونة إعمال العقل في القضاء والقدر ، فقال : [إذا ُذكِر القدر فأمسِكوا] ((رواه الطبراني في المعجم الكبير والحارث في مسنده والبيهقي في القضاء والقدر وحكم الحافظ ابن حجر في الفتح بأن سنده حسن)) ونفى صاحب جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم نفى شبهة عدم اختيار العبد فقال: [اعملوا فكل ُ ميَسر لما خُلِق له]((طرف حديث في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن وصحيح مسلم كتاب القدر)) فجزى الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم عنّا كل خير .
_________________ من مثلكم لرسول الله ينتسبُ ليت الملوك لها من جدكم نسبُ صلى الله عليه وسلم سيدى أنت أحسن الناس وجها**كن شفيعى فى هول يوم كريه قــدروى صحـبُك الـكرام حـديــثاً**اطلبوا الخير من حسان الوجوه
|