البحث عن القوة الخامسة وجسيم 'Z
منذ قرون، سعى العلماء إلى فهم القوى الأساسية التي تتحكم في بنية الكون وسلوكه، من حركة الكواكب في السماء إلى التماسك العجيب داخل نواة الذرة. ومع تطور المعرفة، توصّلنا اليوم إلى أن هناك أربع قوى رئيسية تحكم تفاعلات المادة والطاقة في الطبيعة:
1. قوة الجاذبية
وهي القوة التي تجذب الأجسام نحو بعضها البعض، وتفسر سقوط التفاحة على الأرض، ودوران القمر حول الأرض، وحركة الكواكب حول الشمس. وعلى الرغم من أنها أضعف هذه القوى، فإنها ذات تأثير واسع النطاق لأنها تؤثر على الأجسام الضخمة في الكون.
2. القوة الكهرومغناطيسية
تتحكم في الظواهر المرتبطة بالضوء، والكهرباء، والمغناطيسية. وهي القوة التي تجعل الإلكترونات تدور حول النواة، وتفسر سلوك المغناطيس، وانتقال الإشارات في الأسلاك الكهربائية، كما تلعب دوراً محورياً في الكيمياء وتكوين الجزيئات.
3. القوة النووية القوية
هي أقوى القوى المعروفة في الطبيعة، لكنها تعمل في نطاق صغير جداً داخل نواة الذرة. وهي المسؤولة عن ربط البروتونات والنيوترونات معاً، متغلبة بذلك على التنافر الكهربي بين الشحنات الموجبة للبروتونات.
4. القوة النووية الضعيفة
تؤثر في بعض أنواع التحلل الإشعاعي، وتلعب دوراً حاسماً في تفاعلات الجسيمات دون الذرية، مثل تلك التي تحدث في الشمس والنجوم. كما تسهم في تحويل أحد أنواع الجسيمات إلى آخر، مما يجعلها عنصراً أساسياً في فهمنا للفيزياء النووية والفيزياء الفلكية.
في السنوات الأخيرة، أثارت بعض التجارب والنظريات الحديثة احتمال وجود "قوة خامسة" في الطبيعة، إلى جانب القوى الأربع المعروفة. وتستند هذه الفرضية إلى ملاحظات دقيقة لانحرافات بسيطة عن التوقعات النموذجية في سلوك بعض الجسيمات، ما قد يشير إلى وجود تفاعل جديد لم يُكتشف بعد. أحد أبرز النماذج المقترحة لشرح هذه الظواهر يفترض وجود جسيم جديد يُعرف باسم "البوزون Z برايم" ('Z) ، وهو شبيه بالبوزون Z المعروف في النموذج القياسي، لكنه أثقل مما يجعل اكتشافها أصعب.
إذا تأكد وجود هذا البوزون، فقد يكون مؤشراً على قوة جديدة لم تُدرج بعد في المعادلات الأساسية التي تصف الكون. هذا من شأنه أن يُحدث تحولاً كبيراً في فهمنا للبنية العميقة للمادة والطاقة، وربما يربط بين النموذج القياسي ومفاهيم أخرى مثل المادة المظلمة أو الأبعاد الإضافية. وبالتالي فأنه يمثل بوابة محتملة إلى عالم من الفيزياء الجديدة.
يظهر البوزون 'Z في العديد من الامتدادات النظرية للنموذج القياسي، وهو عنصر شائع في النماذج التي تسعى إلى توسيع فهمنا للتفاعلات الأساسية. من بين هذه النماذج، يبرز نموذج تماثل "العدد الباريوني ناقص العدد اللبتوني" (B−L)، الذي عملنا عليه في السنوات الأخيرة. في هذا النموذج، يرتبط البوزون 'Z ارتباطًا مباشرًا بكسر هذا التماثل، وهو ما يؤدي إلى توليد كتلة للنيوترينوات.
وبما أن النموذج القياسي لا يفسر كتلة النيوترينو بطبيعته، فإن ظهور هذا البوزون في سياق تماثل B−L يُعد خطوة مهمة نحو بناء صورة أكثر اكتمالًا للفيزياء دون الذرية. كما أن هذا الربط بين البوزون 'Z وكتلة النيوترينو يفتح آفاقًا جديدة لفهم أصل الكتلة، والتفاعلات النادرة، وربما حتى طبيعة المادة المظلمة.
تتميّز "القوة الخامسة" المقترحة بخصائص تجعلها مختلفة تمامًا عن القوى الأربع المعروفة، كما تجعل رصدها تجريبيًا أمرًا بالغ الصعوبة. فهي قوة يُعتقد أنها تعمل على مسافات قصيرة جدًا لا تتجاوز أجزاء من المليمتر، كما أن تفاعلها مع المادة العادية ضعيف للغاية، فلا يظهر أثرها إلا تحت ظروف دقيقة وخاصة. ومن الخصائص المثيرة أيضًا احتمال أن تتفاعل هذه القوة بشكل انتقائي مع أنواع معينة من اللبتونات دون غيرها، مثل تفضيلها التفاعل مع جسيم الميون على حساب الإلكترون، وهو ما يشكّل خرقًا لمبدأ "عالمية اللبتونات" في النموذج القياسي. في هذا السياق، يُعتبر البوزون 'Z مرشحًا طبيعيًا لحمل هذه القوة، ويجري البحث عنه في تجارب مصادم الهادرونات الكبير (LHC)وغيرها، من خلال دراسة أحداث نادرة تنتج فيها أزواج من اللبتونات، والتي قد تنشأ عن تحلل البوزون 'Z إذا تم توليده خلال التصادم. كما يُحلل العلماء أطياف الكتل الناتجة عند طاقات عالية، ويقيسون بعناية التوزيعات الزاوية والمقاطع العرضية للتصادمات، بحثًا عن أي انحراف عن تنبؤات النموذج القياسي قد يكشف عن وجود هذا الجسيم الجديد.
https://www.facebook.com/share/p/17vLs3vkgK/