موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 301 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 8, 9, 10, 11, 12, 13, 14 ... 21  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 16, 2023 11:10 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قوله تعالى: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا}.
قال الجريرى: علمه اسمًا من أسمائه المخزونة فعلم به جميع الأسامى.
فقال بعضهم علم آدم الأسماء كلها قال: علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه عليه ونسى ما عهد عليه، لأنه وَكَّله فيه إلى نبيه فقال: { عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [طه: 115].
وقال ابن عطاء: لو لم يكشف لآدم عليه السلام علم تلك الأسامى لكان لعجز من الملائكة فى الإخبار عنها، وقوله غلب علمه على علم الملائكة؛ لقوة مشاهدة الخطاب من غير واسطة فى قوله {وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا}.
وقيل لبعضهم: أليس علم آدم على قدره؟ فقال: بل علمه أكثر من قدرة وجملة تعلمه إذ فيه تدابير الخلق.قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} قال ابن عطاء: لما استعظموا تسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره؛ يريهم استغناءه عنهم وعن عباداتهم. وقال بعض العراقيين: ورد الخطاب على أسرار الملائكة فهم عاجزون عن المخالفة، ورد على سر إبليس وهو عاجز عن الموافقة.قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ}.
قال القاسم: السكون إلى الجنة وفى الجنة وحشة من الحق ولكنه رد المخلوق إلى المخلوق إظهار الملك ورعونات الطبع، وقيل فى قوله {ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ} قال السكنى: تكون مدة ثم تنقطع فيكون دخولهما فى الجنة دخول سكنى لا دخول ثواب.
قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ}.
قال بعضهم: معناه أنه يقول نهاهما عن قرب الشجرة وقضى عليهما ما قضى ليريهما فيهما وأن العصمة تقواهما لا جحدهما وطاقتهما.
قال ابن عطاء: نهى عن جنس الشجرة، فظن آدم أن النهى عن المشار إليه فتناول على حد النسيان وترك المحافظة لا على التعمد والمخالفة قال الله تعالى { { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } } [طه: 115].
---
حقائق التفسير للسلمي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 16, 2023 6:43 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قدَّموا الثناء على ذكر ما اعتذروا به، ونزَّهوا حقيقة حُكْمِه عن أن يكون يَعرِض وهم المعترضون، يعني لا علم لنا بما سألتنا عنه، ولا يتوجَّه عليكَ لوم في تكليف العاجز بما علمتَ أنه غير مستطيع له، إنك أنت العليم الحكيم أي ما تفعله فهو حقٌّ صِدْقٌ ليس لأحد عليكَ حكمٌ، ولا منك سَفَهٌ وقبحولمَّا توهموا حصول تفضيلهم بتسبيحهم وتقديسهم عرَّفهم أن بِساط العز مقدس عن التجمل بطاعة مطيع أو التدنس بزلة جاحد عنيد، فَرَدُّهم إلى السجود لآدم أَظهرَ الغَنَاء عن كل وفاق وخلاف.ومن غَلَبَه القضاء لا ينفعه العناء.
ولقد حصلت من آدم هفوة بشرية، فتداركتهْ رحمة أحدية، وأما إبليس فأدركته شقوة أزلية، وغلبته قسمة وقضية. خاب رجاؤه، وضلَّ عناؤه.أسْكَنَه الجنةَ ولكن أثبت مع دخوله شجرة المحنة، ولولا سابق التقدير لكان يبدل تلك الشجرة بالنضارة ذبولاً، وبالخضرة يبساً، وبالوجود فقداً، وكانت لا تصل يد آدم إلى الأوراق ليخصفها على نفسه - ويقع منه ما يقع.
ولو تطاولت تلك الشجرة حتى كانت لا تصل إليها يده حين مدَّها لم يقع في شأنه كل ذلك التشويش ولكن بدا من التقدير ما سبق به الحكم.
ولا مكانَ أفضل من الجنة، ولا بَشَرَ أكيس من آدم، ولا ناصح يقابل قوله إشارة الحق عليه، ولا غريبة (منه) قبل ارتكابه ما ارتكب، ولا عزيمة أشد من عزيمته - ولكنَّ القدرةَ لا تُكابَرَ، والحُكْمَ لا يُعَارض.
ويقال لما قال له: {ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً} كان فيه إشارة إلى أن الذي يليق بالخَلْق السكون إلى الخَلْق، والقيام باستجلاب الحظ، وآدم عليه السلام وَحْدَه كان بكل خير وكل عافية، فلمَّا جاء الشكلُ والزوجُ ظهرت أنياب الفتنة، وانفتح باب المحنة؛ فحين سَاكَنَ حواء أطاعها فيما أشارت عليه بالأكل، فوقع فيما وقع، ولقد قيل:
داءٌ قديمٌ في بني آدم صبوةُ إنسان بإنسان

فصل: وكلُّ ما منِع منه ابن آدم توفرت دواعيه إلى الاقتراب منه.
فهذا آدم عليه السلام أبيحت له الجنة بجملتها ونُهِيَ عن شجرة واحدة، فليس في المنقول أنه مدَّ يده إلى شيء من جملة ما أبيح، وكان عِيلَ صبره حتى واقع ما نُهِيَ عنه - هكذا صفة الخَلْق.
فصل: وإنما نبَّه على عاقبة دخول آدم الجنة من ارتكابه ما يوجب خروجه منها حين قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً} فإذا أخبر أنه جاعله خليفته في الأرض كيف يمكن بقاؤه في الجنة؟
ويقال أصبح آدم عليه السلام محمود الملائكة، مسجود الكافة، على رأسه تاج الوصلة، وعلى وسطه نطاق القُرَبة، وفي جيده (...) الزلفة، لا أحد فوقه في الرتبة، ولا شخص مثله في الرفعة، يتوالى عليه النداء في كل لحظة يا آدم يا آدم. فلم يُمْسِ حتى نُزِعَ عنه لباسهُ، وسُلِبَ استئناسه، والملائكة يدفعونه بعنف أن اخْرج بغير مُكْثٍ:
وأَمِنْتُهُ فأتاح لي من مَأْمني مكراً، كذا من يأمن الأحبابا

ولمّا تاه آدم عليه السلام في مِشيته لم يلبث إلا ساعة حتى خرج بألف ألف عتاب، وكان كما قيل:
لله دَرُّهُمُ من فِتْيةٍ بَكَرُوا مثلَ الملوكِ وراحوا كالمساكين

فصل: نهاه عن قرب الشجرة بأمره، وألقاه فيما نهاه عنه بقهره، ولبَّس عليه ما أخفاه فيه من سِرِّه.
---
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مارس 18, 2023 8:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قال الجريرىُّ علمه اسماً من اسمائه المخزونة فعلم به جميع الاسامى وقال ابن عطا لو لم يكشف لادم علم تلك الاسامى لكان عَجزَ من الملائكة في الاخبار عنا وقيل غلب علمه على علم الملائكة لقوة مشاهدة الخطاب من غير واسطةٍ فى قوله وعلم ادم الاسماء كلّها.{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ} البس الملائكة لباس العبودية فاَعجبوا بعبادتهم والبس الربوبيّة ورقهم عليه طراز صفاته وعَرَضه على الملائكة فراوة ملتبساً الحق فخجلوا عن تعجبهم بعبادتهم فاَمُرهم الله بسجود ادم تغييرا لهم وتعليماً انّ عبادتهم لا يزيد بالربوبيّة ولا نيقض عن الالوهيّة وايضا لما خلقه بخلقه وصوره بصورته والبَسَه انواره ونفخ فيه من روحه سُكنضهَ جنته واجلسَه على سرير ململكته فاسجدوا ملائكته حتى اكمل له في العبوديّة صفات الربوبيّة فلما سجدا الملائكة لادم فابى ابليس عن السجود لان الملائكة راو فيه سر الله تعالى وعليه لباس الله مصبوغاً بصبغ الله ولم يَرَا ابليس ما كشف لهم فابى واستكبر من غَضبِ الله عليه وكان من الكافرين اي في سابق عمله من المطرودين وقال ابن عطا لما استغظموا تسبيحهم وتقديسهم اَمَرَهم بالسجود غيره يريهم به استغناه عنهم وبمن عبادتهم قال الحسن بن منصوب لما قيل الابليس سجد لادم خاطب الحق فقال رفع شرف السجود عن سرّى الا لك في السجود حتى اسجد له ان كنت امرتنى فقد نهيتنى فقال له فانى اعذبك عذاب الابد فقال ولسَتُ ترانى في عذابك لى قال بلى فقال فرويتك لى تحملني على رؤية العذاب افعل بى ما شئت فقال اجعَلك رحيماً قال ابليس وليس لم يحامد سوى غيرك افعل بى ما شئتَ.{يَاآدَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ} اي اُسكن في جوارى من قطيعتى وان تصيبك خطيئة فان في عصيانك في دار العصمة عذر عصَاه اولادك من اهل التوحيد في دار المحنة واشتياقك الى نعمتى بعد هجرانك من جوارى وبلوغك بعد فنائك في القدم الى لقائى وايضاً اوصاه بالتمكين عند خدّاع ابليسُ مكره حتى لا يزول قدمه عن مقام التمكين بمقالته العين وايضاً اراد الله ان يَعصيَا فولكلهُم الى انفسهما او عَزَها عن القربة بِادخالِهما في لاجنة لان أدمَ وحَوا طفلا الزمان لا يتسقران فى جبروت الرحمن فالجاهما الى كل ثمار اشجارِ الجنان لافراد القديم عن الحديثان الا ترى الى قوله تعالى {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} وقال القاسم السكون في الجنة وحشة من الحق وانه ردّ المخلوق ان المخلوق وهو النقص لامتناع الازل عن الحوادث وقال بعضهم ردّهما في السكون الى انفسهما وكلهما اليها فقلا اسُكن انت وزوجك الجنة وفي رَدّ المخلوق الى المخلوق اظهار العلل عونات الطبع {هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ} اخفى الله تعالى في الشجر اسرار الربوبيّة لادم وحوّا ومنعهما عن قُربها حتى لا يتشوّش عليهما عيش الانسانية ولكن هَيّجهما بمضنعِهما عن قرب الشجرة كسى الشجرة انوار القدس وتجلى الحق سبحانه لهما من الشجرة كما تجلى من شجرة موسى لموسى فعشاق الشجرة ووقعا فيها ونَسيا ذكر النهى عن قربها قال ابن عطا انهى عن جنس الشجرة فظن أدم ان لانهى عن المشار اليه فتنَاولَ على حَدِ النسيان وترك المحافاظة لاعلى التعمد والمخالفة قال تعالى فنسىَ ولم نجد له عَزماً {فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ} اى من المجاورين عن حد العقل الى حدّ العشق وقال بعضهم معناه انَّه نَهَا هما عن قرب الشجرة وقضى عليهما ما قَضَى عليهما ما قَضَى لنريهما عجزهما وان العصمة هي التي تقومُ في مالا جهدهما وطقاتهما.
--
حقائق القرآن للبقلي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 22, 2023 12:25 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{وعلم آدم الاسماء كلها} قال وهب بن منبه لما اراد الله ان يخلق آدم اوحى الى الارض اى افهمها وألهمها انى جاعل منك خليفة فمنهم من يطيعنى فادخله الجنة ومنهم من يعصينى فادخله النار فقالت الارض منى تخلق خلقا يكون للنار قال نعم فبكت فانفجرت منها العيون الى يوم القيامة وبعث اليها جبريل عليه السلام ليأتيه بقبضة من زواياها الاربع من اسودها وابيضها واحمرها واطيبها واخبثها وسهلها وصعبها وجبلها فلما اتاها جبريل ليقبض منها قالت الارض بالله الذى ارسلك لا تأخذ منى شيأ فان منافع التقرب الى السلطان كثيرة ولكن فيه خطر عظيم

فرجع جبريل عليه السلام الى مكانه ولم يأخذ منها شيأ فقال يا رب حلفتنى الارض باسمك العظيم فكرهت ان اقدم عليها فارسل الله ميكائيل عليه السلام فلما انتهى اليها قالت الارض له كما قالت لجبريل فرجع ميكائيل فقال كما قال جبريل فارسل الله اسرافيل عليه السلام وجاء ولم يأخذ منها شيأ وقال مثل ما قال جبريل وميكائيل فارسل الله ملك الموت فلما انتهى قالت الارض اعوذ بعزة الله الذى ارسلك ان تقبض منى اليوم قبضة يكون للنار فيها نصيب غدا فقال ملك الموت وانا اعوذ بعزته ان اعصى له امرا فقبض قبضة من وجه الارض مقدار اربعين ذراعا من زواياها الاربع فلذلك يأتى بنوه اخيافا اى مختلفين على حسب اختلاف ألوان الارض واوصافها فمنهم الابيض والاسود والاحمر واللين والغليظ فصار كل ذرة من تلك القبضة اصل بدن للانسان فاذا مات يدفن فى الموضع الذى اخذت منه ثم صعد الى السماء فقال الله له أما رحمت الارض حين تضرعت اليك فقال رأيت امرك اوجب من قولها فقال انت تصلح لقبض ارواح ولده.
قال فى روضة العلماء فشكت الارض الى الله تعالى وقالت يا رب نقص منى قال الله على ان ارد اليك احسن واطيب مما كان فمن ثمه يحنط الميت بالمسك والغالية انتهى.
فامر الله تعالى عزرائيل فوضع ما اخذ من الارض فى وادى نعمان بين مكة والطائف بعدما جعل نصف تلك القبضة فى النار ونصفها فى الجنة فتركها الى ما شاء الله ثم اخرجها ثم امطر عليها من سحاب الكرم فجعلها طينا لازبا وصور منه جسد آدم. واختلفوا فى خلقة آدم عليه السلام فقيل خلق فى سماء الدنيا وقيل فى جنة من جنات الارض بغر بيتها كالجنة التى يخرج منها النيل وغيره من الانهار واكثر المفسرين انه خلق فى جنة عدن ومنها اخرج كما فى كشف الكنوز وفى الحديث القدسى "خمرت طينة آدم بيدى اربعين صباحا" .
يعنى اربعين يوما كل يوم منه الف عام من اعوام الدنيا فتركه اربعين سنة حتى يبس وصار صلصالا وهو الطين المصوت من غاية يبسه كالفخار فامطرعليه مطر الحزن تسعا وثلاثين سنة ثم امطر عليه مطر السرور سنة واحدة فلذلك كثرت الهموم فى بنى آدم ولكن يصير عاقبتها الى الفرح كما قيل ان لكل بداية نهاية وان مع العسر يسرا

وكانت الملائكة يمرون عليه ويتعجبون من حسن صورته وطول قامته لان طوله كان خمسمائة ذراع الله اعلم بأى ذراع وكان رأسه يمس السماء ولم كونوا رأوا قبل ذلك صورة تشابهها فمر به ابليس فرآه ثم قال لامر ما خلقت ثم ضربه بيده فاذا هو اجوف فدخل فيه وخرج من دبره وقال لاصحابه الذي معه من الملائكة هذا خلق اجوف لا يثبت ولا يتماسك ثم قال لهم ارأيتم ان فضل هذا عليكم ما انتهم فاعلون قالوا نطيع ربنا فقال ابليس فى نفسه والله لا اطيعه ان فضل على ولئن فضلت عليه لأهلكنه

وجمع بزاقه فى فمه وألقاه عليه فوقع بزاق الِلعين على موضع سرة آدم عليه السلام فامر الله جبريل فقور بزاق اللعين من بطن آدم فخفرة السرة من ثقوير جبريل وخلق الله من تلك القوارة كلبا وللكلب ثلاث خصال فانسه بآدم لكونه من طينه وطول سهره فى الليالى من أثر مس جبريل عليه السلام وعضه الانسان وغيره وأذاه من غير خيانة من اثر بزاق اللعين وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة وسمى بآدم لكونه من أديم الارض لانه مؤلف من أنواع ترابها ولما أراد الله ان ينفخ فيه الروح امره ان يدخل فيه فقال الروح موضع بعيد القعر مظلم المدخل فقال له ثانيا ادخل فقال كذلك فقال له ثالثا فقال كذلك فقال أدخُل كرها اى بلا رضى واخرج كرها ولذا لا يخرج الروح من البدن الا كرها فلما نفخه فيه مار فى رأس آدم وجبينه واذنيه ولسانه ثم مار فى جسده كله حتى بلغ قدميه فلم يجد منفذا فرجع منخريه فعطس فقال له ربه قل الحمد لله رب العالمين فقالها آدم فقال يرحمك الله ولذا خلقتك يا آدم فلما انتهى الى ركبيته اراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغ قدميه وثبت فقال تعالى وخلق الانسان عجولا فصار بشر لحما ودما وعظاما وعصبا واحشاء ثم كساه لباسا من ظفر يزداد جسده فى كل يوم وهو فى ذلك منتطق متوج وجعل فى جسده تسعة ابواب سبعة فى رأسه اذنين يسمع بهما وعينين يبصر بهما ومنخرين يجد بهما كل رائحة وفما فيه لسان يتكلم به وحنك يجد به طعم كل شئ وبابين فى جسده وهما قبله ودبره يخرج منهما ثقل طعامه وشرابه وجعل عقله فى دماغه وشرهه فى كليتيه وغضبه فى كبده وشجاعته فى قلبه ورغبته فى رئته وضحكه فى طحاله وفرحه وحزنه فى وجهه فسبحان من جعله يسمع بعظم ويبصر بشحم وينطق بلحم ويعرف بدم فلما سواه ونفخ فيه من روحه علمه اسماء الاشياء كلها اى ألهمه فوقع فى قلبه فجرى على لسانه فما فى قلبه بتسمية الاشياء من عنده فعلمه جميع اسماء المسميات بكل اللغات بان اراد الاجناس التى خلقها وعلمه ان هذه اسمه فرس وهذا اسمه بعير وهذا اسمه كذا وعلمه احوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية وعلمه اسماء الملائكة واسماء ذريته كلهم واسماء الحيوانات والجمادات وصنعة كل شئ وأسماء المدن والقرى واسماء الطير والشجر وما يكون وكل نسمة يخلقها الى يوم القيامة واسماء المطعومات والمشروبات وكل نعيم فى الجنة واسماء كل شئ حتى القصعة والقصيعة وحتى الجنة والمحلب.
قال فى كشف الكنوز اتفق جم غفير من اهل العلم على ان الاسماء كلها توقيفية من الله تعالى بمعنى ان الله تعالى خلق لآدم علما ضروريا بمعرفة الالفاظ والمعانى وان هذه الاللاظ موضوعة لتلك المعانى.
وفى الخبر لما خلق الله آدم بث فيه اسرار الأحرف ولم يبث فى احد من الملائكة فخرجت الاحرف على لسان آدم بفنون اللغات فجعلها الله صورا له ومثلت له بانواع الاشكال.
وفى الخبرعلمه سبعمائة الف لغة فلما وقع فى اكل الشجرة سلب اللغات الا العربية فلما اصطفاه بالنبوة رد الله عليه جميع اللغات فكان من معجزاته تكلمه بجميع اللغات المختلفة التى يتكلم بها اولاده الى يوم القيامة من العربية والفارسية والرومية والسريانية واليونانية والعبرانية والزنجية وغيرها.
قال بعض المفسرين علم الله آدم آألف حرفة من المكاسب ثم قال قل لاولادك ان اردتم الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين واحكام الشرائع وكان آدم حراثاً اى زراعاً ونوح نجارا وادريس خياطا وصالح تاجرا وداود زرادا وسليمان كان يعمل الزنبيل فى سلطنته ويأكل من ثمنه ولا يأكل من بيت المال وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة وكان اكثر عمله صلى الله تعالى عليه وسلم فى البيت الخياطة.
وفى الحديث "عمل الابرار من الرجال الخياطة وعمل الابرار من النساء الغزل" كذا فى روضة الاخيار.
وقال العلماء الاسماء فى قوله تعالى {وعلم آدم الاسماء} تقتضى الاستغراق واقتران قوله كلها يوجب الشمول فكما علمه اسماء المخلوقات علمه اسماء الحق تعالى فاذا كان تخصيصه بمعرفة اسماء المخلوقات يقتضى ان يصح سجود الملائكة له فما الظن بتخصيصه بمعرفة اسماء الحق وما الذى يوجب له { ثم عرضهم على الملائكة } [البقرة: 31] اى عرضها اى المسميات وانما ذكر الضمير لان فى المسميات العقلاء فغلبهم والعرض اظهار الشئ للغير ليعرف العارض منه حاله.
وفى الحديث "انه عرضهم امثال الذر" ولعله عز وجل عرض عليهم من افراد كل نوع ما يصلح ان يكون انموذجا يتعرف منه احوال البقية واحكامها والحكمة فى التعليم والعرض تشريف آدم واصطفاؤه واظهاره الاسرار والعلوم المكنونة فى غيب علمه تعالى على لسان من يشاء من عباده وهو المعلم المكرم آدم الصفى كيلا يحتج الملك وغيره بعلمه ومعرفته وذلك رحمة الله التى وسعت كل شئ {فقال} الله عز وجل تبكيتا وتعجيزا للملائكة وخطاب التعجيز جائز وهو الامر باتيان الشئ ولم يكن اتيانه مرادا ليظهر عجز المخاطب وان كان ذلك محالا كالامر باحياء الصورة التى يفعلها المصورون يوم القيامة ليظهر عجزهم ويحصل لهم الندم ولا ينفعهم الندم {انبئونى} اى اخبرونى {باسماء هؤلاء} الموجودات {ان كنتم صادقين} فى زعمكم انكم احقاء بالخلافة ممن استخلفته كما ينبئ عنه مقالكم.
ويقال هذه الآية دليل عى ان اولى الاشياء بعد علم التوحيد تعلم علم اللغة لانه تعالى أراهم فضل آدم بعلم اللغه.
ودلت ايضا ان المدعى يطالب بالحجة فان الملائكة ادعوا الفضل فطولبوا بالبرهان وبحثوا عن الغيب فقرعوا بالعيان اى لا تعلمون اسماء ما تعاينون فكيف تتكلمون فى فساد من لا تعاينون فيا ارباب الدعاوى اين المعانى ويا ارباب المعرفة اين المحبة ويا ارباب المحبة اين الطاعة.
قال ابو بكر الواسطى من المحال ان يعرفه العبد ثم لا يحبه ومن المحال ان يحبه ثم لا يذكره ومن المحال ان يذكره ثم لا يجد حلاوة ذكره ومن المحال ان يجد حلاوة ذكره ثم يشتغل بغيره.
---
روح البيان لإسماعيل حقي


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 22, 2023 11:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


الإشارة: اعلم أن الروح القائمة بهذا الآدمي هي قطعة من الروح الأعظم التي هي المعاني القائمة بالأواني، وهي آدم الأكبر والأب الأدم، وفي ذلك يقول ابن الفارض:
وإنِّي وإنْ كنتُ ابن آدمَ صُورةً فلِي فِيه مَعْنىً شاهدٌ بأُبوَّتِي

فلمّا أراد الحق تعالى أن يستخلف هذا الروح في هذه البشرية لتدبرها وتصرفها فيما أريد منها، قالت الملائكة بلسان حالها: كيف تجعل فيها من يفسد فيها بالميل إلى الحظوظ والشهوات، ويسفك الدماء بالغضب والحميات، ونحن نسبحك وننزهك عما لا يليق بك؟ رأت الملائكة ما يصدر من بعض الأرواح من الميل إلى الحضيض الأسفل، ولم تر ما يصدر في بعضها من التصفية والترقية، فقال لهم الحق تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}؛ فإن منها من تعرج إلى عرش الحضرة، وتعبدني بالفكرة والنظرة، وتستولي على الوجود بأسره، وتنكشف لها عند ذلك أسرار الذات وأنوار الصفات وأسماء المسميات.
فيقول الحق تعالى للملائكة: هل فيكم من كشف له عن هذا السر المكنون، والاسم المصون، فقالوا: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} من علم الصفات دون أسرار الذات {إنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} يقول الحق تعالى لروح العارف التي نفذت إلى بحر وحدة الذات وتيار الصفات: أنبئهم بما غاب عنهم من أسرار الجبروت، وأسماء الملكوت، فلما أعلمهم بما كوشف له من الأسرار، وانفق له من الأنوار، أقروا بشرف الآدمي، وسجدوا لطلعة آدم عليه السلام فقال الحق لهم: {أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}؟ أي: ما غاب في سماء الأرواح من الأسرار وفي أرض النفوس من الأنوار، وأعلم ما تظهرونه من الانقياد، وما تكتمونه من الاعتقاد، والله تعالى أعلم.
ولما تبينّ شرف آدم عليه السلام وبان فضله أمرهم بالسجود له.
---
البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 23, 2023 9:03 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَالإشارة: إذا كمل تصفية الروح، وظهر شرفها، خضع لها كل شيء، وتواضع لها كل شيء، وانقاد لأمرها من سبقت له العناية، وهبت عليه ريح الهداية، لأنها صارت آدم الأكبر، إلا من إبلسته المشيئة، وطردته القدرة، فاستبكر عن تحكيم جنسه على نفسه، وكان من الكافرين لوجود الخصوصية، جزاؤه حرمان شهود طلعة الربوبية، وهبوطه إلى حضيض العمومية.وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَالإشارة: يقول الحقّ جلّ جلاله للروح، إذا كمل تهذيبها، وتمت تريبتُها: اسكن أنت وبشريتك التي تزوجتها - قال تعالى: { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } [التّكوير: 7] - جنة المعارف، وَكُلا من ثمار أذوابها وأنهار علومها، وتبوَّءًا من قصور ترقياتها، أكلاً واسعاً ما دمتما متحليين بالأدب، ولا تقربا شجرة المعصية وسوء الأدب {فتكونا من الظالمين}، فلما سكنت جنة الخلود، وشَرهَتْ إلى الخلود، أهبطها الله إلى أرض العبودية، وردها إلى البقاء؛ لتستحق الخلافة، وتقوم بحقوق الربوبية، بسبب ما ارتكبه من المعصية، وهي الشَّرهُ إلى دوام الحرية، "أكْرِمْ بها معصيةً أورثت الخلافة!"، فكل ما ينزل بالروح إلى قهرية العبودية، فهو سبب إلى الترقي لشهود نور الربوبية، وربما قضي عليك بالذنب فكان سبب الوصول، فلام أراد الحق تعالى أن ينزلها إلى أرض العبودية بالسلوك بعد الجذب، قال لها ولمن يحاربها من الشيطان والهوى والدنيا وسائر الحظوظ: اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم - أيها العارفون بعد جهاد أعدائكم - في أرض العبودية، استقرار وتمتعٌ بتجليات أنوار الربوبية، إلى حين الملاقاة الحقيقية. فتلقت الروح من ربها كلمات الإنابة، وهبَّ عليها، نسيم الهداية، بما سبق لها من عين العناية، فتاب عليها، وقرَّبها إلى حضرة الشهود، ومعاينة طلعة الملك الودود، إنه تواب رحيم جواد كريم.
----
البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 23, 2023 5:43 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{وَعَلَّمَ ءَادَمَ} سبحانه؛ أي: ذكره {ٱلأَسْمَآءَ} التي أودعها في ذاته وأوجد بها ما في العالم من الآثار البديعة {كُلَّهَا} بحيث لا يبقى من الأوصاف المتقابلة والأسماء المتخالفة المتضادة شيء إلا ما استأثر به في غيبه {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} الأسماء المودعة باعتبار مسمياتها وآثارها الظاهرة في الآفاق {عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ} الذين يدعون الأولوية في أمر الخلافة {فَقَالَ} تعالى لهم مخاطباً على سبيل الإسكات والتبكيت: {أَنْبِئُونِي} عن روية وبصيرة {بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ} المسميات، وبأسباب هؤلاء الآثار والمسببات {إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ} [البقرة: 31] في دعوى الأولوية والأحقية للنيابة، محقين في الاعتراض على آدم لا عن علم بحاله.
{قَالُواْ} مستوحشين من هذه الكلمات، معتذرين متذليين خائفين من عتابه تعالى، متذكرين عن سوء الأدب مع الله، مستحيين عن سؤالهم من فعله الذي لا يسأل عنه قائلين: {سُبْحَٰنَكَ} ننزهك من أن يعترض عليك ويسأل عن فعلك، ذلك الحكم في ملكوتك والتصرف في مقتضيات أسمائك، وإنما بسطنا معك الكلام لا لانبساطك بنا؛ إذ {لاَ عِلْمَ لَنَآ} منها {إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ} بقدر استعداداتنا وقابلياتنا {إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ} بجميع الاستعدادات والقابليات {ٱلْحَكِيمُ} [البقرة: 32] بإقامته ما ينبغي لمن ينبغي بلا عللٍ واعتراضٍ.
----
تفسير الجيلاني


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة مارس 24, 2023 2:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


ومتى اعترفوا بذنوبهم واعتذروا عن قصورهم وإجرامهم قبل الله عنهم عذرهم وتوبتهم، ثم أظهر عليهم الحكمة المقتضية لخلافة آدم - صلوات الله عليه - جبراً لانكسارهم ورفعاً لحجابهم وامتناناً عليهم حيث: {قَالَ يَآءَادَمُ} المستجمع لجميع الأسماء المتخالفة {أَنبِئْهُمْ} عن خبرةٍ وحضورٍ {بِأَسْمَآئِهِمْ} المركوزة في هويتك عن هؤلاء المسميات المسببات المعروضة عليك المعبرة عنها بالعالم، ثم لما سمع آدم نداء ربه بادر إلى الجواب بمقتضى الوحي والإلهام الإلهي {فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ} بتوفيق الله وإلهامه ووحيه {بِأَسْمَآئِهِمْ} على التفصيل الذي أودعه الحق في ذاته؛ لأن المرأة تظهر جميع ما في الرائي، فلما سمعوا منه التفصيل واستخرجوا بإنبائه، وندموا عما صدر عنهم في حقه، وزادوا الاستحياء من الله وتوجهوا نحوه ساكتين نادمين حتى لطف معهم وأدركتهم الرحمة الواسعة، تكلم سبحانه معهم وخاطبهم مذكراً لهم عما جرى بينه وبينهم، ومستفهماً لهم على وجه التأديب؛ لئلا يصدر عنهم أمثاله ولئلا يغتروا بعلومهم ومعامالاتهم، ولا يستحقروا مظاهر الحق، ولا ينظروا إليها بعين الاحتقار بل بنظر الاعتبار، ولا يتوهم إخفاء شيء من علم الله المحيط بالأشياء إحاطة حضور حيث {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ} إجمالاً أولاً: {إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ} أي: ما غاب عنهم في علم السماوات التي ادعيتم العلم بتفاصيل أحوالها {وَ} غيب {ٱلأَرْضِ} التي قلتم فيها كلاماً على التخمين وبحسب الظاهر {وَأَعْلَمُ} أيضاً {مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 33] تظهرون في حق آدم باللسان ودعوى الاستقلال فيها والانحصار عليها.
ثم لما اعترفوا بذنوبهم وقصورهم، وتضرعوا إلى الله نادمين تائبين عن اجترائهم ومجادلتهم معه مستحيين عنه وعمن استخلفه لنفسه - يعني آدم - بنسبة المكروهات إليه، خائبين عما نووا في نفوسهم من الأولوية في الاستحقاق، تقبل الله عذرهم وأسقط حقه عنهم، ثم أمر بسجودهم لمن استخلفه؛ استجلالاً معه وإيفاء لحقه ليسقط أيضاً عن ذمتهم، فقال: {وَإِذْ قُلْنَا} أي: واذكر يا أكمل الرسل وقت قولنا {لِلْمَلَٰئِكَةِ} النادمين عن الجراءة التي صدرت عنهم {ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ} تذللوا وتواضعوا تكريماً لآدم وامتثالاً لأمرنا {فَسَجَدُواْ} مجتمعين متذللين واضعين جباههم على تراب المذلة والندامة {إِلاَّ إِبْلِيسَ} منهم {أَبَىٰ} وامتنع عن السجود {وَٱسْتَكْبَرَ} عن الانقياد له، وأصر على ما هو عليه من الجحود {وَكَانَ} بعدم ا لامتثال الأمر الوجوبي {مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ} [البقرة: 34] المطرودين عن ساحة عز الحضور.
والسر في استثنائه تعالى عن هذا الحكم وعدم توفيقه إياه وعدم اقتداره على السجود، أن يظهر سر الحضور والإظهار والربوبية والعبودية، وسر الإيمان والكفر والجنة والنار وجميع القيودات الشرعية والتكاليف الإلهية؛ إذ نسبته يظهر الاثنينية ويتعدد الطرق وتتفاوت الآراء والمقالات وتبين المخالفات والمنازعات، ويظهر الباطل ويستر الحق، وهو الرقيب المحافظ لآدابه والحاجب المعتكف ببابه، حتى لا تكون شرعية لكل وارد، أو يتوجه إليه واحد بعد واحد، غيره على الله وحمية لنفسه، ولهذا تمنى كثير من المحققين مرتبته.
ومن غيرته على ربه إلهاؤهم واغترارهم بالمستلذات والمزخرفات التي مالت إليها نفوسهم بطبعها يشغلهم ويلهيهم بها عن التوجيه إلى جنابه والعكوف ببابه، والسر في طرده ولعنه وإبعاده وبكفره تحذيرهم عن الانقياد والاقتداء على أبلغ وجه وآكده، وتمرين لعداوته ورقابته معهم في نفوسهم؛ لئلا يغفلوا عنه، ومع ذلك لم يتركوا متابعته ولم يجتنبوا من إقطاعه الملهية، نعوذ بالله من شرور أنفسنا.
{وَ} وبعد ما خلقنا آدم في الأرض خليفة وأنزلنا عنه قوادح القاحدين، وأمرمنا جميع خصمائه بسجوده وتكريمه، وامتثلوا بالمأمور جميعاً إلا إبليس، تركه للحكمة المذكورة آنفاً ولئلا يتكبر آدم ويتجه بسببه انقياد جميعهم كما تجبر كثير من أبنائه في الأرض بانقياد الشرذمة القليلة {قُلْنَا} له على سبيل الشفقة والنصيحة: {يَآءَادَمُ} المستخلف المختار، لازم العبودية إنما تحصل بامتثال أوامرنا واجتناب نواهينا، ومتى قبلت بحمل الامتثال والاجتناب {ٱسْكُنْ أَنْتَ} أيها الخليفة أصالة {وَزَوْجُكَ} تبعاً لك {ٱلْجَنَّةَ} التي هي دار السرور ومنزل الفراغ والحضور، ومقام الأنس من الرب الغفور {وَ} إذا سكنتما فيها {كُلاَ} تمتعاً {مِنْهَا} من جميع محظوظاتها ومستلذاتها الروحانية والجسمانية {رَغَداً} واسعاً بلا مقدار وعدد {حَيْثُ شِئْتُمَا} بلا مزاحمة أحد {وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ} المخصوصة المعينة حتى لا تخرجا من رق العبودية وإن قربتما {فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ} [البقرة: 35] الخارجين عن حدو الله بارتكاب المنهي.
ولما استشعر إبليس التوصية والمعاهدة المذكورة المنبئة عن كمال العناية الإلهية بالنسبة إلى آدم، بادر إلى دفعها ورفضها، فوسوس لهما بأن ألقى في قلبهما الدغدغة في تخصيص هذه الشجرة المعنية بالنهي وأنساهما المعاهدة المذكورة في العبودية، وبالجملة: {فَأَزَلَّهُمَا} ألجأهما إلى ارتكاب الزلة بوسوسة {ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا} العدو لهما والرقيب معهما فتنادوا عنها عن الشجرة المنهية {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا} أي: من الحضور الذي {كَانَا فِيهِ} أي: في دار السرور {وَ} بعدما ظهر زلتهما {قُلْنَا} لهما ولناصحهما: {ٱهْبِطُواْ} من دار السرور إلى دار الغرور، ومن دار الكرامة إلى دار الابتلاء والملائمة، وعيشوا فيها مع النزاع والخصومة؛ إذ {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ينتهز الفرصة لمقته {وَ} بعد هبوطمم {لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ} التي هي محل التفرقة وموطن الفتن والمحن {مُسْتَقَرٌّ} موضع قرار {وَمَتَاعٌ} استمتاع لمزخرفاتها ومستلذاتها الغير القارة التي ألهاكم الشيطان بها عن النعيم الدائم {إِلَىٰ حِينٍ} [البقرة: 36] قيام الساعة التي هي الطامة الكبرى.
ثم لما لم يكن زلة آدم من نفسه ومن مقتضى طبعه بل بسوسوة عدوه، أشفق عليه وتوجه نحوه وتطلف معه {فَتَلَقَّىٰ} استفاد {ءَادَمُ} المذنب العاصي {مِن رَّبِّهِ} المستخلف المستقبل عليه {كَلِمَٰتٍ} مشتملات على الرجوع والإنانية عما صدر عنه من زلة هي قوله: { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23] ولما تلقى آدم من ربه هذه الكلمات واستغفر بها، ورجع عما صدر {فَتَابَ} الله {عَلَيْهِ} أي: قبل توبته ورحم عليه {إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ} الرجاع للمذنبين المنهمكين في العصيان بالإنابة إليه عن ظهر الجنان {ٱلرَّحِيمُ} [البقرة: 37] لهم عما صدر عنهم من المعاصي والآثام بلا معاتبة ولا انتقام.
----
تفسير الجيلاني


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مارس 25, 2023 11:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قوله جلّ ذكره: {فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}.
أزلَّهما أي حَمَلَهما على الزَّلة، وفي التحقيق: ما صَرَّفَتْهُما إلا القدرة، وما كان تقلبهما إلا في القضية، أخرجهما عما كانا فيه من الرتبة والدرجة جهراً، ولكن ما ازداد - في حكم الحق سبحانه - شأنُهما إلا رفعةً وقدراً.
قوله جلّ ذكره: {وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.
أوقع العداوة بينهما وبين الشيطان، ولكن كان سبحانه مع آدم (وحرب وهو معهم محالهم بالظفر).
فصل: لم يكن للشيطان من الخطر ما يكون لعداوته إثبات، فإن خصوصية الحق سبحانه عزيزة قال تعالى: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الحجر: 42].
فصل: لو كان لإبليس سلطان على غواية غيره لكان له إمكانٌ في هداية نفسه، وكيف يكون ذلك؟ والتفرد بالإبداع لكل شيء من خصائص نعته سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ}.
مشهد الأشباح ومألفها أقطار الأرض، و معهد الأرواح ومرتعها رداء العرش، ولفظ الرداء استعارة وتوسع فكيف يكون للهمم بالحِدْثان تَعَلُّق، ولصعود القصود إلى الحقائق على الأغيار وقوع.
----
لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ)

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 26, 2023 10:51 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الاشارة فيه انّ المريد لا يجوزان يعتدى بكل احدٍ ورُبما يقع بكلام اهل الخِداع في هاوية الهلاك والمريد قلب غلب عليه الارادة وحلاوة المعالة وكل من يدعوه الى شئ من المعاملة يسمع كلامه وان كان مدعيا لانه لا يعرف كيفيّة الاموال فيسقط عن درجة الارادة بشوم صحبه الاضداد وايضاً من سَلَكَ طريق الشهوة احتجاب مشاهد القرية لان سوء الادب يوجب سقوط المريد عن درجة الحُرمة {وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} اي مشهد اشباحكم في ملكوت الارض ومستقرّا ارواحكم في ملكوت الحضرة {وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} متاعهم انوار تجلى الحق يترادف على قلوبهم ليعيشوا به تسلياً عن فقدان المشاهدة.
---
عرائس البيان في حقائق القرآن للبقلي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 26, 2023 10:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


سئل ابو مدين قدس سره عن خروج آدم من الجنة على وجه الارض ولم تعدى فى اكل الشجرة بعد النهى فقال لو كان ابونا يعلم انه يخرج من صلبه مثل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لصار يأكل عرق الشجرة فكيف ثمرها ليسارع فى الخروج على وجه الارض ليظهر الكمال المحمدى والجمال الاحمدى
---
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد النور وآله
---
روح البيان لإسماعيل حقي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مارس 27, 2023 12:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}.
قال بعضهم: ربط بنى إسرائيل بذكر النعم، وأسقط عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذلك ودعاهم إلى ذكره فقال {فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] ليكون نظر الأمم من النعمة إلى المنعم، ونظر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وآله وسلم من المنعم إلى النعم.
وقال سهل بن عبد الله: أراد الله أن يخص أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بزيادة على الأمم كما خص نبيهم صلى الله عليه وسلم بزيادة على الأنبياء فقال للخليل صلى الله عليه وسلم { { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } } [الأنعام: 75] وقطع سر محمد صلى الله عليه وسلم ورُؤيته عمن سواه فقال: { { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } } [الفرقان: 45].
قوله تعالى عز وجل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}.
قال بعض البغداديين: أوفوا بعهدى الذى عهدتم فى الميثاق الأول بلفظة "بلى"، فلا ترجعوا فى طلب شىء إلى غيرى.
وقيل: أوفوا بعهدى احفظوا ودائعى عندكم، لا تظهروها إلا عند أهلها، أوف بعهدكم أُبح لكم مفاتيح خزائنى وقربى فأنزلكم منازل الأصفياء.
وقيل أوفوا بعهدى فى أداء الفرائض على السنة والإخلاص، أوف بعهدكم بقبولها منكم ومجازاتكم عليها.
وقال ابن عطاء: أوفوا بعهدى فى حفظ الجلود ظاهرًا وباطنًا، أوف بعهدكم بحفظ أسراركم عن مشاهدة الأعيان.
وقال سهل: أوفوا بعهدى فى مجاهدة أنفسكم، أوف بعهدكم لمعاونتكم عليها.
وقال أبو عثمان: أوفوا بعهدى فى حفظ آداب الظواهر، أوف بعهدكم بتزين سرائركم.
وقال بعضهم: أوفوا بعهدى في التوكل، أوف بعهدكم بكفاية مهماتكم. وقال بعض العراقيين: أوفوا بعهدى كونوا لى خلقاً، أوف بعهدكم أكن لكم حقًا.
قال أبو الحسن الوراق: أوفوا بعهدى فى العبادات، أوف بعهدكم أوصلكم إلى منازل الدعايات. سُئل الثورى عن فهم هذه الآية أوفوا بعهدى قال: أوفوا بعهدى فى دار محبتى على بساط خدمتى بحفظ حرمتى، أوف بعهدكم فى دار نعمتى على بساط قربى بسرور رؤيتى.
قوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ}.
الرهبة: هى خشية القلب من روى خواطره وقال سهل: وإياى فارهبون موضع اليقين ومعرفته وإياى فاتقون، موضع العلم السابق وموضع المكر والاستدراج.
------
حقائق التفسير للسلمي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مارس 27, 2023 11:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


جرت على لسان آدم مع الحق - سبحانه - كلماتٌ، وأسمع الحقُّ - سبحانه - آدمَ كلماتٍ، وأنشدوا:
وإذا خِفْنا من الرقباء عينا تكلمت السرائر في القلوب

وأجمل الحقُّ سبحانه القولَ في ذلك إجمالاً ليُبْقي القصة مستورة، أو ليكون للاحتمال والظنون مساغ، ولما يحتمله الحال من التأويل مطرح.
ويحتمل أن تكون كلمات آدم عليه السلام اعتذاراً وتنصلا، وكلمات الحق سبحانه قبولاً وتفضلاً. وعلى لسان التفسير أن قوله تعالى له: أفراراً منا يا آدم؟ كذلك قوله عليه السلام: { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23] وقوله: أمخرجي أنت من الجنة؟ فقال: نعم، فقال أتردني إليها؟ فقال: نعم.
ويقال حين أمر بخروجه من الجنة جعل ما أسمعه إياه من عزيز خطابه زاداً، ليكون له تذكرة وعتاداً:
وأذكر أيام الحمى ثم انْثَني على على كبدي من خشية أن تَقطَّعا

ومخاطبات الأحباب لا تحتمل الشرح، ولا يحيط الأجانب بها علماً، وعلى طريق الإشارة لا على معنى التفسير والتأويل، والحكم على الغيب بأنه كان كذلك وأراد به الحق سبحانه ذلك يحتمل في حال الأحباب عند المفارقة، وأوقات الوداع أن يقال إذا خرجت من عندي فلا تنسَ عهدي، وإن تَقَاصَر عنك يوماً خبري فإياك أن تؤثر عليّ غيري، ومن المحتمل أيضاً أن يقال إن فاتني وصولك فلا يتأخَّرَنَّ عني رسولُك.
سوء الأدب على البساط يوجب الرد إلى الباب، فلما أساء آدم عليه السلام الأدب في عين القربة قال الله تعالى: {ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} بعد أن كان لكم في محل القربة قرار ومتاع إلى حين، يستمتعون يسيراً ولكن (في) آخرهم يعودون إلى الفقر، وأنشدوا:
إذا افتقروا عادوا إلى الفقر حسبة وإن أيسروا عادوا سراعاً إلى الفقر

وحين أخرجه من الجنة وأنزله إلى الأرض بَشَّره بأنه يردَّه إلى حاله لو جنح بقلبه إلى الرجوع فقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.والذين قابلوا النعمة بغير الشكر، وغفلوا عن التصديق والتحقيق فلهم عذاب أليم مؤجَّل، وفراق معجَّل.قوله جلّ ذكره: {يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}.
حقيقة النعمة على لسان العلماء لذة خالصة عن الشوائب، وما يوجب مثلها فهي أيضاً عندهم نعمة، وعند أهل الحقيقة النعمة ما أشهدك المُنْعم أو ما ذكرَّك بالمنعم أو ما أوصلك إلى المنعم أو ما لم يحجبك عن المنعم.
وتنقسم إلى نعمة أَبشار وظواهر، ونعمة أرواح وسرائر، فالأولى وجوه الراحات والثانية صنوف المشاهدات والمكاشفات. فمن النعم الباطنة عرفان القلوب ومحاب الأرواح ومشاهدات السرائر.
فصل: ويقال أمَرَ بني إسرائيل بذكر النِّعَم وأمَرَ أَمَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم بذكر المُنعِم، وفرق بين من يقال له: { ٱذْكُرْ نِعْمَتِي } [المائدة: 110] وبين من يقال له: { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة: 152].
قوله جلّ ذكره: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ}.
عهدهُ - سبحانه - حفظ المعرفة وعهدنا اتصال المغفرة، عهده حفظ محابه وعهدنا لطف ثوابه، عهده حضور الباب وعهدنا جزيل المآب.
أوفوا بعهدي بحفظ السر أوفِ بعهدكم بجميل البِر، أوفوا بعهدي الذي قبلتم يوم الميثاق أوفِ بعهدكم الذي ضمنت لكم يوم التلاق، أوفوا بعهدي في ألا تؤثروا عليّ غيري أوف بعهدكم في ألا أمنع عنكم لطفي وخيري، أوفوا بعهدي برعاية ما أثبتُّ فيكم من الودائع أوفِ بعهدكم بما أُديم لكم من شوارق اللوامع وزواهر الطوالع، أوفوا بعهدي بحفظ أسراري أوف بعهدكم بجميل مَبَارِّي، أوفوا بعهدي باستدامة عرفاني أوفِ بعهدكم في إدامة إحساني، أوفوا بعهدي في القيام بخدمتي أوفِ بعهدكم في المِنَّةِ عليكم بقبولها منكم، أوفوا بعهدي في القيام بحسن المجاهدة والمعاملة أوفِ بعهدكم بدوام المواصلة والمشاهدة، أوفوا بعهدي بالتبري عن الحوْل والمُنَّة أوف بعهدكم بالإكرام بالطول والمِنَّة، أوفوا بعهدي بالتفضيل والتوكل أوفِ بعهدكم بالكفاية والتفضل، أوفوا بعهدي بصدق المحبة أوفِ بعهدكم بكمال القربة، أوفوا بعهدي اكتفوا مني بي أوفِ بعهدكم أرضي بكم عنكم، أوفوا بعهدي في دار الغيبة على بساط الخدمة بشدِّ نطاق الطاعة، وبذل الوسع والاستطاعة أوفِ بعهدكم في دار القربة على بساط الوصلة بإدامة الأُنْس والرؤية وسماع الخطاب وتمام الزلفة، أوفوا بعهدي في المطالبات بترك الشهوات أوف بعهدكم بكفايتكم تلك المطالبات، أوفوا بعهدي بأن تقولوا أبداً: ربي ربي أوفِ بعهدكم بأن أقول لكم عبدي عبدي. وإياي فارهبون، أي أَفْرِدُوني بالخشية لانفرادي بالقدرة على الإيجاد فلا تصح الخشية ممن ليس له ذرة ولا مِنَّة.
---
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 28, 2023 1:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ ٤١ -البقرة
فقيل له: ما معنى قوله: {وَإِيَّايَ فَٱتَّقُونِ}[41] قال: أراد بذلك موضع علمه السابق فيهم، أي لا تأمنوا المكر والاستدراج، فتسكن قلوبكم إلى ملاحظة سلامتكم في الدنيا مع الإقامة على التقصير، وإلى حلمي عنكم في المعاجلة لكم في نفس أمنكم واغتراركم وغفلتكم فتهلكوا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو زاد في اليقين عيسى بن مريم لمشى على الهواء كما مشى على الماء" ، وقد مشى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على الهواء لقوة نور يقينه التي أعطاه الله تعالى من نوره زيادة نور إلى نور كان من الله تعالى. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو ثبتت المعرفة على قلب داود صلوات الله عليه ولم يغفل ما عصى" فلعمري أن المعرفة أدرجت في أوطانها لتجري عليه ما كان من علم الله سابقاً فيه، فلا بد من إظهاره على أوصافه إذا كان على حتم لا يتغير العلم إلى غير ما علم العالم جل وعز، فإنما ستر الله عزَّ وجلَّ في أوطان داود صلوات الله عليه نور اليقين الذي به يبصر عين اليقين وكليته، ليتم حكم الله تعالى فيه، ألا ترى أن العبد إنما ينظر إلى الحق بسبب لطيفة من الحق بوصولها إلى قلبه هي من أوصاف ذات ربه ليست بمكونة ولا مخلوقة ولا موصولة ولا مقطوعة، وهي سر من سر إلى سر وغيب من غيب إلى غيب، فبالله اليقين، والعبد موقن بسبب منه إليه على قدر ما قسم الله له من الموهبة وجملة سويداء قلبه. وللإيمان وطنان، وهو ما سكن فلم يخرج، ونور اليقين خطرات، فإذا سكن واستقر صار إيماناً، واليقين خطرات بعده، فهو في المريد هكذا حاله أبداً.
----
تفسير القرآن للتسترى

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 29, 2023 11:43 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَٱتَّقُونِ} قال بعضهم: التقوى على أربعة أوجه: للعامة تقوى الشرك وللخاص تقوى المعاصى وللعارفين تقوى التوسل ولأهل الصفوة تقواهم منه إليه، والتقوى النظر إلى الكون بعين النقص.قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [الآية: 44].
قيل فيه: أتطالبون الناس بحقائق المعانى وأنتم خالون من ظاهر رسومها.قوله تعالى: {وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ...} الآية.
قال سهل بن عبد الله: استعينوا بها على إقامة الدين وثبات اليقين.
قال ابن عطاء: استعينوا بهما على البلوغ إلى درك الحقائق، وقال أبو عثمان: استعينوا بهما على فراغة أوقاتكم.
{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} الآية. قال: لمن خشع قلبه وروحه وسره لموارد الهيبة وطوالع الإجلال.
قال أبو عثمان: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ} قال: لمن ذلت جوارحه للعبادات فرحاً بمجل خطاب الآمر فيه.
وقال بعض العراقيين: استعينوا بالصبر عمن دون الله والصلاة الوقوف بحسن الأدب مع الله، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين إلا على من أيد فى الأزل بخصائص الاجتباء.
وقال بعضهم: استعينوا بى فى الصبر والصلاة فإنهما لا يحصلان لكم إلا بمعونتى.
---
حقائق التفسير للسلمي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 301 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 8, 9, 10, 11, 12, 13, 14 ... 21  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 8 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط