[align=center]بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" الآية[/align]
[priq][align=center]( نفحة حسينية )[/align][/priq]
[align=center]سيدي الإمام الليث بن سعد[/align] (هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي نسبة إلى فهم، وهم من بطن من قيس عيلان، وهو أصفهاني الأصل مصري المولد) (رضي الله تعالى عنه وأرضاه).
ولد في ليلة النصف من شعبان عام 93 هـ. في قرية قلقشندة من أعمال مركز طوخ محافظة القليوبية. وكان أبوه واسع الغنى يملك ضيعة واسعة خصبة تنتج خير الثمار من فواكه وزروع، حفظ القرآن في قريته، وحفظ كل ما وصل إليه من أحاديث نبوية، وكل ما عرفه العصر من تراث الشعر العربي وعلوم اللغة.
• اتجه إلى جامع عمرو بالفسطاط منارة العلم بمصر لحضور حلقات دراسة القرآن وتفسيره ودراسة الأحاديث والسنة والفقه وكذا حلقات علوم اللغة وحلقات معارف الأقدمين (مصريين ويونان ورومان وفرس وهنود)، واستطاع أن يتقن بجانب اللغة العربية اللغات القبطية واليونانية واللاتينية وهي لغات الميراث الحضاري.
• وتلقى الليث من كل من أهل التمسك بالنصوص ورفض الاجتهاد ومن أصحاب الرأي وهل الاستنباط، وأى غلواً في كلا الحزبين، ورأى أن يستقل بالنظر فأهل التشدد في أخذهم بالنص يعتمدون على الآية الكريمة" ولو ردوه إلى الله والرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم" الآية، وهذا حق وأصحاب الرأي يقولون أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ) قد اجتهد رأيه فيما لم ينزل فيه قرآن وكذا الصحابة قد اجتهدوا في حياته وأقرهم على اجتهادهم. وهذا كله حق أيضاً...! فلماذا إذن العلو في الاقتصار على النص أو الاعتماد على الرأي، كما أن الليث أدرك أن النصوص ليست كلمات فحسب بل هي روح لها دلالات وفحوى وعلل يدركها من يتقن اللغة ويعرف أسرار بلاغتها، وهذا ينطبق أيضاً في فهم الأحاديث النبوية.
• وعلى الرغم من إعجاب زملائه الطلاب به فقد لقى كثيراً من العنت والاضطهاد وهو لم يجلس بعد للفتوى، وعاد إلى قريته بعد وفاة والده فإذا بالوالي قد أمر بهدم بيت أسرة الإمام وكلما بناها الليث هدمها الوالي، فبات مهموما فجاءه في المنام من يقول له "قم يا ليث فاقرأ قوله تعالى " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) الآية، فأصبح الليث وقد أصيب الوالي بالفالج ( الشلل ) وأوصى كل من حوله بألا يظلموا الليث، ومات الوالي بعد ثلاثة أيام وتسامع الناس القصة وامتلأت بها أروقة جامع عمرو والأسواق.
• وقابل خلال الحج في المدينة الإمام شهاب الدين الزهري الذي أعجب بفكر وسعة أفق الليث ( وكان وقتذاك في العشرين من عمره ) كما قابل فقهاء العصر من أهل السنة وأهل الرأي على السواء، وزامل الإمام مالك في حلقة ربيعة الرأي، وتبادل الرأي ونشأت بينهما مودة، وعاد الليث إلى مصر واتصلت بينه وبين مالك الرسائل وتعود الليث أن يزوره في المدينة كلما ذهب للحج أو العمرة، وظل الليث يصل مالك بن أنس بمائة دينار كل عام ولم ينقطع عطاء الليث لمالك حتى أصاب مالك عطاء الخلفاء وأصبح ثريا. وسأل أحد شيوخ الزمان بعد مناظره الليث " كم عمرك " فقال الليث: " عشرون " فقال الشيخ ولكنك تحمل علم ابن الستين ولحية ابن الأربعين.
• حصل الليث علمه من كل فقهاء عصره فسافر إلى العراق وإلى الإسكندرية وقد أستأثر بلقاء نافع مولى عبد الله بن عمر في الحجاز وحفظ عنه أحاديث وفتاوى الصحابة.
• بنى داراً كبيرة في الفسطاط لها نحو عشرين باباً. وحولها حديقة غناء. وملأ داره بالكتب. وفتحها لأصحاب الحاجات والأصدقاء وكان يطعم كل يوم ثلاثمائة فلما حصل على خراج إقطاع الجيزة أمر بإطعام ثلاثمائة مسكين بعد كل صلاة.
• وكان الليث يأكل الرقاق وأطايب الطعام ويلبس أبهى الثياب ويتنزه في الحدائق على شاطئ النيل، إلا أنه لم يستمتع وحده بذلك فقد كان يوزع على أهل العلم وأصحابه وجيرانه ومن يعرف أنه صاحب حاجة، كان يورع المال ويهدى الثياب والدواب وما أكل وحده قط، كانت له ضيعة بالفرما ( ببووسعيد ) كان يتصدق بخراجها كله حين يأتيه قبل أن يدخل داره، وعلى الرغم من هذا الثراء الضخم فما وجبت عليه زكاة قط فما حال الحول عليه وعنده دينار واحد. إذ كان ينفق ويتصدق بكل دخله وكان ينادى بأنه ليس من حق أحد أن يحتفظ بمال إلا إذا بلغ الناس حد الكفاية لا حد الكفاف. ( حد الكفاف هو ما يحفظ للناس حماتهم من الطعام والشراب وحد الكفاية فهو ما يكفى كل حاجات الناس من جودة الطعام والشراب وصالح المسكن والملبس والدواب والعلم ).
• وجلس الليث في مجلسه بجامع عمرو لأول مرة وما كان قد بلغ الثلاثين من عمره وقسم مجلسه إلى أربعه مجالس. الأول : للوالي والقاضي وأولياء الأمور للمشورة. والثاني : لأهل الحديث يسمع منهم ويشرح لهم. والثالث : مجلس المسائل للفتيا للناس كافة والرابع : فكان في داره وهو مخصص لحاجات الناس.
• وقد أعجب به المنصور وعرض عليه أن يوليه مصر فاعتذر، ونصبه بعد ذلك كبيراً للديارالمصرية بحيث يصبح الوالي والقاضي تحت أمر مشورته.
• ولما قال الرشيد لزوجته زبيدة ( أنت طالق إن لم أدخل الجنة ) ثم ندم وجمع الفقهاء واختلفوا ثم طلب الليث الذي أشار بأن يرجع إلى قوله تعالى "ولمن خاف مقام ربه جنتان" الآية، ودعاه أن يقسم بالله تعالى أنه يخاف مقام ربه ففعل، فأمر له الرشيد بخلع وجوائز وأقطعه أرض الجيزة كلها.
• وظل الشيخ يعلم الناس ويرعى أهل العلم ويتصدق ويسدد الديون ويعمر البيوت حتى أصابه مرض لأيام قلائل انتقل بعدها في ليلة النصف من شعبان عام 175هـ. وللأسف لم يكتب طلابه تفسيره للقرآن أو الحديث ولا شروحه الفقهية. أما ما كتبه هو فقد عمل حساده من القضاة والولاة على إخفانه كما أخفى وأتلف بعض المتعصبين كتبه.
• وجاء الشافعي بعد أعوام ليقف على قبر الليث ويقول: "الليث أفقه من مالك إلا أن قومه أضاعوه وتلاميذه لم يقوموا به" وبكى الشافعي وقال: "لك الله يا إمام لقد حزت أربع خصال لم يكملهن عالم : العلم والعمل والزهد والكرم".
[poet font="Simplified Arabic,5,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/13.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""] لَيْتَ الْتَّارِيخَ كَاشِفٌ لِلِّثَامِ= عَنْ رِجَالٍ خَلَتْ وَأَمْجَادٍ عِظَامِ بِهَا نَسْتَرْجِعُ لِذِكْرَيَاتٍ حِسَانِ= وَمَشَاهِدَ تَحْكِي أَفْضَالَ الْإِمَامِ فِي قَلْقَشَنْدَة وَسَطَ مُرُوجِ الْرَّيْحَانِ= بَزَغَ مِيلَادُ الْفَقِيهِ الْهُمَامِ *** فَارِعُ الْقَامَةِ مَلِيحٌ فِي رَيْعَانِ= جَمِيلُ الْصَّوْتِ مُعَطَّرُ الْأَنْسَامِ طَيِّبُ الْقَلْبِ مَوْفُورُ الْحَنَانِ= مَرِحُ الْحَدِيثِ فِي أَدَبٍ جَامِ مَجْبُولٌ عَلَى الْخَيْرِ بِالْإِحْسَانِ= فِي حِلٍّ وَرَحْلٍ وَفِي إِحْرَامِ كَأَنَّهُ غَيْثٌ حَلَّ بِالْوِدْيَانِ= يَبْعَثُ الْنَّمَاءَ لِلْأَرْضِ وَالْأَنَامِ *** أَبُوهُ عَلَمٌ مِنْ كِبَارِ الْأَعْيَانِ= مَالِكٌ لِضِيَاعٍ وَاسِعَةِ الْزِّمَامِ أَعَدَّ ابْنَهُ لِمَدَارِجِ الْرِّضْوَانِ= فِي رَكْبِ أَقْطَابٍ عُلَمَاءٍ أَعْلَامِ *** بَدَأَ بِحِفْظِ الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ= وَإِجَادَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِفُتُوحِ الْعَلَّامِ ثُمَّ إِلَى الْفُسْطَاطِ لِمَزِيدِ تِبْيَانِ= فِي جَامِعِ عَمْرو مَنَارِ الْإِسْلَامِ *** لَازَمَ حِلَقًا لِأَشْيَاخٍ أَرْكَانِ= فِي جِدٍّ وَمُثَابَرَةٍ عَلَى الْدَّوَامِ وَعَاصَرَ الْآخِذِينَ بِالْنَّصِّ فِي إِذْعَانِ= وَأَهْلَ الْرَّأْيِ وَإِعْمَالِ الْأَفْهَامِ وَجَاءَ اجْتِهَادُهُ بِمَذْهَبِ رُجْحَانِ= جَامِعٌ وَسِيطٌ فِي جُرْأَةِ إِقْدَامِ فَالْنَّصُّ وَالْرَّأْيُ لِلْشَّرْعِ جَنَاحَانِ= إِنْ غَابَ نَصٌّ فَقِيَاسٌ فِي الْتِزَامِ وَالْتَّفَقُّهُ مَطْلُوبٌ لِلْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ= بِإِتْقَانِ الْعَرَبِيَّةِ تَأْصِيلًا بِإِتْمَامِ *** وَمَا رَحِمَ الْإِمَامَ أَهْلُ الْبُهْتَانِ= وَالْتَّشَدُّدِ الْرَّافِضِ لِكُلِّ إِقْدَامِ فَلَقِيَ ظُلْمًا بَيِّنًا فِي امْتِهَانِ= بِإِحَالَةِ الْوَالِي دَارَهُ لِحُطَامِ وَدَعَا بِإِلْهَامٍ بِآيِ الْقُرْآنِ= فَتَرَاجَعَ الْوَالِي وَتَرَفَّقَ بِالْإِمَامِ وَانْتَقَلَ وَالِدُهُ لِجِوَارِ الْمَنَّانِ= فَانْشَغَلَ بِعِلْمٍ وَزِرَاعَةٍ فِي اهْتِمَامِ *** وَانْقَشَعَ ظَلَامٌ بِتَبْدِيدِ أَحْزَانِ= وَتَوَلَّى بَنُو الْعَبَّاسِ قِيَادَةَ الْزِّمَامِ وَتَسَاوَى الْمُسْلِمُوْن عَرَبٌ وَتُرْكَانِ= بِشَرِيعَةِ حَقٍّ وَعَدَالَةِ إِسْلَامِ وَتَرَاءَى الْلَّيْثُ دُرَّةً فِي الْزَّمَانِ= يَلْقَى مِنَ الْمَنْصُوْرِ جَزِيلَ إِنْعَامِ يُنَصِّبُهُ رَقِيبًا عَلَى وَالِي الْبُلْدَانِ= رَاعِيًا لِلْشَّرِيعَةِ وَشُئُونِ الْأَنَامِ وَرَدَّ لِلْرَّشِيدِ طَلَاقًا بِأَيْمَانِ= إِنْ لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الْإِنْعَامِ وَأَبَانَ الْلَّيْثُ أَنَّ لَهُ جَنَّتَيْنِ= إِنْ خَافَ مَقَامَ الْوَاحِدِ الْعَلَّامِ وَغَدَا إِنْقَاذُ الْزَّوَاجِ مِنَ الْهَوَانِ= مَزِيْدَ فَضْلٍ وَعَطَاءَ إِكْرَامِ *** لَمْ يَنْقَطِعِ الْلَّيْثُ عَنْ فُقَهَاءِ الْزَّمَانِ= وَعَاشَ وَصُولًا بِهِمْ فِي دَوَامِ تَأَثَّرَ بِالْزُّهْرِيِّ وَطِيِدِ الْأَرْكَانِ= وَنَاظَرَ أَبَا حَنِيفَةَ بِسَعَةِ إِلْمَامِ وَرَاسَلَ مَالِكًا بِمَا يُبْهِرُ الْأَذْهَان= فَالْخِلَافُ إِثْرَاءٌ لِفِقْهِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا الْرَّفِيْقَانِ فِي حَلْقَةِ الْمُعَانِ= رَبِيعَة الْرَّأْي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَفَرَّدَ بِلِقَاءِ نَافِعٍ فِي كِتْمَانِ= مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ حَبْرِ الْإِتْمَامِ *** وَمَا عَرَفَ الْلَّيْثُ خُنُوعَ اسْتِكَانِ= أَوْ ذَاقَ رَاحَةً وَاسْتِرْخَاءَ مَنَامِ نَهَارُهُ بَذْلٌ لِتَحْصِيلٍ وَتِبْيَانِ= وَلَيْلُهُ ذِكْرٌ وَتَهَجُّدُ الْقِيَامِ لَهُ بَاعٌ فِي الطِّبِّ بِبَالِغِ رُجْحَانِ= وَفِي الْأَدَبِ ارْتِقَاءٌ وَفِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَإِتْقَانِ الْلَّاتِينِيَّةِ وَلُغَةِ الْيُوْنَانِ= وَمُطَالَعَةٍ لِتُرَاثٍ حَضَارِيٍّ هَامِ *** سَخَاؤُهُ يُجِلُّ عَنْ وَصْفٍ وَبَيَانِ= إِهْدَاءٌ وَكَفَالَةٌ وَإِقْرَاءُ إِطْعَامِ مَلَاذُ الْأَرَامِلِ وَالأَيْتَامِ فِي حَنَانِ= وَمُجِيبُ كُلَّ سَائِلٍ ضَائِقٍ مُضَامِ عِشْرُونَ بَابًا لِدَارِهِ فِي الْجُدْرَانِ= لِجُمُوعِ الْوَافِدِينَ فُقَرَاءِ الْأَنَامِ عَوَائِدُهُ خُصِّصَتْ لِزَادِ الْإِخْوَانِ= وَلَمْ يَعُدْ لِلْزَّكَاةِ نِصَابُ الْدَّوَامِ *** وَانْقَضَتْ لَيَالٍ وَأَيَّامٌ حِسَانُ= وَمَرِضَ الْإِمَامُ مُعْتَزِلًا لِلْأَنَامِ وَفِي لَيْلَةِ الْدُّعَاءِ لِنِصْفِ شَعْبَانِ= صَعِدَتْ رُوحُهُ لِبَارِئِ الْأَنَامِ *** لِلَّهِ دَرُّكَ يَا لَيْثَ الْزَّمَانِ= كَمْ أَسْدَيْتَ فِقْهًا فِي احْتِكَامِ حَاقِدُونَ أَشْقِيَاءُ دُعَاةُ افْتِتَانِ= أَحْرَقُوا تُرَاثَكَ يَا خَيْرَ إِمَامِ وَطُلَّابٌ تَرَاخَوْا إِنْكَارًا لِلْعِرْفَانِ= وَإِهْمَالًا لِمَنْهَجِ فِقْهٍ فِي تَمَامِ وَجَاءَكَ الْشَّافِعِيُّ آسِفًا فِي أَحْزَانِ= لِفُقْدَانِ مَذْهَبِكَ فِي طَيِّ الْظَّلَامِ *** يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى رَحْمَةِ الْأَكْوَانِ= الْنُّورِ الْمُبِينِ لِلْكَوْنِ وَالْأَنَامِ وَآَلٍ وَصَحْبٍ عُيُونِ الْإِحْسَانِ= مَا طَالَ لَيْلُ الْعَابِدِينَ فِي قِيَامِ
(وَصَلَّى الْلَّه عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم) كتبها الفقير إلى الله تعالى= محمد محمد بيومي رمضان 1416هـ = يناير 1996م
[/poet]
_________________ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .
|