نبضة الارتداد بالزمن المروّعة
https://www.skynewsarabia.com/blog/1544 ... 8%B9%D8%A9فجأة في مكتبك بينما أنت منهمك في أداء مهمة عاجلة على اللابتوب، تاركًا الشمس تتسلل من النافذة لأنك تحب الضوء الطبيعي على حين غرّة تسوّد الشاشة ويتوقف الجهاز عن العمل، تمتد يدك سريعًا إلى الهاتف الداخلي لاستدعاء الموظف التقني لمعالجة هذه المشكلة الطارئة، فتجد الهاتف بلا حرارة، عندها تمتد يدك إلى الموبايل بديل الاتصال السهل والمتاح، فتجده قد تحوّل إلى قطعة صماء كما لو صار قطعة مِن حجر، لذا تخرج من مكتبك مستطلعًا الأمر لتجد موظفي الشركة متجمهرين يتبادلون التساؤل في حيرةٍ وغضبٍ بسبب انقطاع الكهرباء وتوقف كلّ وسائل الاتصال، بعد فترة سوف تعرف بعد وصولك لبيتك على ظهر عربة تجرّها الخيول أن المدينة تعرّضت لهجومٍ من نبضة كهرومغناطيسية أصابت بالعطب كل أدوات التكنولوجيا الحديثة.
نعم هي النبضة الكهرومغناطيسية EMP التي تم استغلالها كسلاح فتاك، وهو سلاح رحيم بالكائنات الحية على إطلاقها، لكن ليس رحيمًا باحتياجات الإنسان من منجزات الحضارة المعاصرة التي ارتبط بها البشر، كلها تعمل بدوائر إلكترونية، فهذه النبضة لا تقتل أو تصيب البشر بأي أضرار بيولوجية وبالمثل النبات والحيوان وصولًا إلى الأحياء الدقيقة. هذه النبضة قادرة على الفتك بالأجهزة والأدوات والمعدات بطريقةٍ تجعل منها هياكل فاقدة القيمة والمعنى، لا تزيد على كونها قطعًا من الحجارة ترقد في خلاء الصحراء.
اكتشف العلماء التأثير الكهرومغناطيسي بعد إجراء تجارب التفجيرات النووية التي تنتج موجات متعددة؛ منها الكهرومغناطيسية ذات التأثير الرهيب، ومِن ثمّ تحولت ذهنية القائمين على إنتاج الأسلحة إلى البحث عن أسلوب للحصول على النبضات الكهرومغناطيسية التي ثبت بالتجربة أنها قادرة على التعطيل الكامل لشبكات الكهرباء، وتدمير كل رقائق الكمبيوتر والتلفزيون والسنترالات والهواتف الأرضية والموبايلات والدوائر الحديثة في السيارات والقطارات وأجهزة دور العرض في السينما والكاميرات الرقمية.. إلخ.
وهكذا تدمر هذه الهجمة النبضية كل ما يعمل بالرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات وما أكثرها في أدوات هذا العصر.
الوسيلة الأمثل التي استقر عليها العلماء العاملون في حقل استخدام النبضات الكهرومغناطيسية عسكريًّا هي تفجير قنبلة نووية على ارتفاع حده الأدنى 30 كيلومترا وحده الأقصى 300 كيلومتر، وبالطبع كلما زادت القوة التدميرية للقنبلة النووية وزاد ارتفاعها امتد تأثير موجاتها الكهرومغناطيسية لمساحةٍ أكبر من الأرض في حالة الهجوم على المدن أو في مسارح العمليات، حيث ستتوقف مراكز القيادة والسيطرة وتتوقف الاتصالات السلكية واللاسلكية، ويصيب العطب الأسلحة الأرضية التي تعمل بأشباه موصلات ودوائر إلكترونية.
ليس في التأثير الطاغي للقنبلة الإلكترونية أي مبالغة، لأنها تقوم بإعطاب غير قابل للإصلاح مكونات بالغة الأهمية في الأجهزة لا استغناء عنها؛ منها: الدوائر الإلكترونية المتكاملة Integrated Circuit واختصارها IC أو بمُسمّى آخر الشرائح الإلكترونية Chips، وتهلك وحدات المعالجة المركزية Central Processing Unit واختصارها CPU، ويمتد تأثيرها أيضًا إلى أشباه الموصلات المعروفة أحيانًا برقائق السيلكون البللوري، ولا يتوقف الإتلاف الذي تتسبب فيه النبضة الكهرومغناطيسية عند هذا الحد، لأنه يطال أيضًا المحركات الكهربائية وأدوات الحث المغناطيسي في المولدات والمحولات.
يؤدي الانفجار النووي إلى إنتاج نبضة كهرومغناطيسية جبارة تنتشر بسرعةٍ مذهلةٍ لا مثيل لها تقاس بالنانو ثانية (النانو ثانية: وحدة قياس زمن تعادل جزءًا مِن ألف مليون من الثانية)، حيث تنتشر موجتها من موقع الانفجار آخذة في الاضمحلال كلما ابتعدت عن مركز هذا الانفجار، لكن لهذه النبضات أيضًا أسلوب إنتاج آخر غير نووي Non-nuclear electromagnetic pulse (NNEMP) عبارة عن قنبلة ذات غلاف من الإيبوكس اللاصق أو الفيبرغلاس أو الإسمنت، لأن الغلاف يجب أن يكون من مادة غير مغناطيسية نظرًا لتولد قوة مغناطيسية هائلة بالداخل أثناء التشغيل لإنتاج النبضة من القنبلة، وتسمية قنبلة هي تسمية مجازية، لأنها لا تقتصر على مواد كيماوية شديدة الانفجار، إذ تزدحم في داخل هيكلها بالمكونات ووسائل الحث المنتجة للكهرومغناطيسية.
تستطيع النبضة الكهرومغناطيسية المتولدة من قنبلة نووية قوية على ارتفاع عالٍ أن تحدث تأثيرًا يصل في مداه إلى تغطية حيز دولة بمساحة الولايات المتحدة كاملة، بينما لا تستطيع النبضة المغناطيسية المنتجة من سلاح غير نووي التأثير سوى في مساحة محدودة من الأرض، وهي بذلك أقرب لأن تكون نبضة استخدام تكتيكي لتدمير أنظمة التحكم الإلكترونية الضرورية في رقعة معينة من مدينة صغيرة أو جزء من مسرح عمليات عسكرية.
قد تبدو الطريقة المتبعة للوقاية من تأثير النبضة الكهرومغناطيسية سهلة إذ تعتمد على فكرة قديمة هي "قفص فاراداي"، الذي اخترعه سنة 1938 الفيزيائي البريطاني "مايكل فاراداي"، وهو عبارة عن صندوق أو أنبوب أو غرفة مصنوعة من مادة معدنية ذات قدرة على التوصيل الجيد للكهرباء تعمل على عزل وحماية الأجهزة والمعدات من فرق الجهد العالي بامتصاص النبضة، ولتحقيق صيغة عملية لاستخدام هذا القفص تبطن جدران وأسقف المباني التي توجد بداخلها هذه الأجهزة بألواح من المعادن الموصلة للكهرباء؛ مثل الألومنيوم أو النحاس أو الرصاص لحماية الأجهزة داخل المبنى، لكن طرأت مشكلة أخرى تمثلت في أن الكابلات أو الموصلات المعدنية من الجهاز وإليه ستعمل كهوائي ينقل الجهد العالي للنبضة إلى المكونات التي تحتاج الحماية، وللتغلب على هذه المشكلة تم إحلال كابلات دخول وخروج الإشارات بالألياف الضوئية التي لا تتأثر بالمجالات الكهرومغناطيسية. أما كابلات القوى الكهربية فيلزم وضع دائرة كهربية لحمايتها.
لا يمتلك هذا السلاح إلا دولًا قليلة للغاية وتحديدًا القنبلة غير النووية، كما أن بعض الدول التي تمتلك قنابل نووية لا تمتلك آلية للتفجير على ارتفاعات كبيرة، ويشار بصفة عامة إلى أن الدول القادرة على استخدام النوعين المنتجين للنبضة الكهرو مغناطيسية لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.