الحديث السادس والثلاثون: بعض من خصائص الحبيب الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: سجد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا , فَلَمْ يَرفع حتى ظَنَنَّا أَنَّ نَفْسَهُ قد قُبِضَتْ فِيهَا(1) , فَلَمَّا رَفَعَ قَالَ: " إِنَّ رَبِّي اسْتَشَارَنِي(2) فِي أُمَّتِي: مَاذَا يفعَلُ بِهِمْ، فقُلْتُ: مَا شِئْتَ يَارَبِّ؛ خَلْقُكَ وَعِبَادُكَ , فَاسْتَشَارَنِي الثَّانِيَةَ , فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ , فاسْتَشَارَنِي الثالثة فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ: إِنِّي لَن أَخْزَيكَ فِي أُمَّتِكَ, وَبَشَّرَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ معي مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ , ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ: ادْعُ تُجَبْ , وَسَلْ تُعْطَهْ , وأَعْطَانِي أن غَفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ من ذنبي(3) وَمَا تَأَخَّرَ وأنا أمشي حياً صحيحاً , وَشَرَحَ لي صَدْرِي , وَأَنَّهُ أَعْطَانِي الْكَوْثَرَ , نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ يَسِيلُ فِي حَوْضِي , وَأَنَّهُ أَعْطَانِي القوة وَالنَّصْرَ والرعب(4)يسعى بين يدي شَهْرًا , وَأَنَّهُ أَعْطَانِي أَنِّي أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ دُخُولًا الْجَنَّةَ , وَطَيَّبَ لأمَّتِي الْغَنِيمَةَ , وَأَحَلَّ لنا كَثِيرًا مِمَّا شَدَّدَ عَلَى مَنْ قَبْلِنَا , وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ , فَلَمْ أَجِدْ شُكْرًا إِلَّا هَذِهِ السَّجْدَةَ " .. رواه الإمام أحمد وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" وأبو نعيم وابن عساكر.
الهامش:
(1)أي ظننا أن الله تعالى توفاه صلى الله عليه وآله وسلم في سجدته هذه.
(2)غير خافٍ أن معنى "استشارني " هنا هو : أن الله تعالى تفضَّل على الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بأن وكل أمر أمته إليه ولكن الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم - لأدبه وعلمه برحمة ربه وعظيم فضله عليه وعلى أمته - يفوض أمر أمته إلى ربه جلا وعلا.. وإلا فإن الله تعالى منزه عن أن يستشير أحدا من خلقه أو أن يكون عند غيره ما ليس عنده من العلم والحكمة والإرادة والقدرة والتدبير ، بل إن كل ما أُوتي الخلق من ذلك إنما هو من فيض عطائه وإمداده سبحانه وتعالى.
(3)على فرض وجوده ، ولما كان صلى الله عليه وآله وسلم معصوماً عن الذنوب -صغيرها وكبيرها - وجب توجيه ذلك على أمته أو على إظهار فضل الله عليه على فرض وجود الذنب.. راحع في ذلك رسالة الحافظ السيوطي: القول المحرر في تفسير قوله تعالى "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر".
(4)في قلوب أعدائه صلى الله عليه وآله وسلم.