وللعلماء أقوال كثيرة فى معنى " كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به " قال القرطبى معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق كأنه يقول إن الصائم يتقرب الى بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي.( ) وهذا والله أعلم من أقرب الأقوال ويؤيده حديث أبى أمامة . عن أبى أمامة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : مرنى بأمر آخذه عنك , قال: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له " . ( ) قال بعض أهل الله فى حديث أبى هريرة السابق وفيه " للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقى ربه فرح بصومه " أن الفرح عند الفطر راجع إلى: الرجوع إلى ما فيه الغذاء والقوت وفى ذلك قوام البدن فيتقلب بين تجليات أسماء الله عليه ما بين حظ بدنه وحظ نفسه ( إذا أفطر ) وهذا حظ العوام , أما حظ الخواص وخواص الخواص ففى الفرح بتوفيق الله لإتمام هذا التلبس والاستغراق بهذا الحال حتى أذن المؤذن برجوعك إلى عبوديتك ، كما سمح لك بتلاوة قوله تعالى: إنني أنا الله فاعبدني وأقم الصلاة لذكري , ولم يخسف بك الأرض فإنه سمح لك أن تتلوها حكاية عنه لا عنك ، وأما الآخر ففى رجوعه لسر عبوديته ( وعدم مشابهة السيد ) دون نقض الأمر , مع تلذذه بقهر مولاه له بأمره بالاتيان بصفة من صفاته ، أما "وإذا لقى ربه فرح بصومه" فللكل فيه نصيب ، فصومه " لا مثيل له " والكلام فيه تضيق عنه العبارة ولا تكفيه الإشارة.
على حسب أين ومتى لقى ربه وكيف لقيه حيث لا أين ولا كيف ولا زمان ولا مكان.
الصائم الذى ترك شهوته وإرادته وحاله وصف النبى صلى الله عليه وسلم صومه بقوله : " الصوم نصف الصبر " .( ) الصبر وصفه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله : " والصبر ضياء ".( )
الصائم بصبره وبحرمانه من مطلوباته يصبح عنده نوع من أنواع انكشاف البصيرة. فشمس المعارف تشرق فى باطنه. ما من عابد إلا وله خلوة فيها التقلل من متاع الحياة الدنيا وأولها الطعام.
بالحال الربانى وبالضياء الذى يبدد ظلمات الأغيار - كل ما هو غير الله -كانت تربية الله عز وجل للأمة المحمدية بالصيام الذى فرض فى شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة والتى كان فيها تحويل القبلة ، فصام المسلمون رمضان بعد خمسة عشر يوم من تحويل القبلة إلى مكة.
ما من حجب ولا منع ولا حظر يأتى بعده رفع هذا الحكم إلا وأتى فرج وإجابة دعاء. ألم تر أن الصلاة مكروهة قبل الزوال ثم كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى أربع ركعات بدون تسليم قبل صلاة الظهر ويقول إن أبواب السماء تفتح. ( )
لاحظ هذا أيضا عند سقوط المطر. كذلك عند فطر الصائم له دعوة مستجابة. هل عرفت قدر الصيام ؟
وعلى حسب اليوم الذى يقع فيه الصيام يكن جزيل الثواب , فشتان بين صيام يوم عرفة , الذى يقبل الله فيه على خلقه فيغفر لهم , وبين صيام يوم نجى الله فيه سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم.
أما وقد ذكرنا سيدنا موسى وعاشوراء أحب أن أنقل جزءا من كتاب خصوصية وبشرية النبى صلى الله عليه وسلم عند قتلة الحسين ملخصا وهو : " ما هو السر بين صيام عاشوراء وتكفير سنة ماضية " ؟ ما هى العلاقة بين التوسعة فى يوم عاشوراء وبين توسعة الله على العبد سائر السنة ؟ اعلم أن عاشوراء هو يوم من أيام الله.
النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا اليوم فى مكة ثم فى المدينة، وكان يُرغب فيه. فقد روى الإمام مسلم فى صحيحه ( 2 / 819 ) عن أبى قتادة الأنصارى قال: وسئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية" قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراءفقال: "يكفر السنة الماضية". بل قد ورد عن الربيع بنت معوذ أنها قالت: أرسل النبى صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار "من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم" قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون الإفطار. ( رواه البخارى2/692ومسلم2/798).
|