موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 27 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يناير 14, 2006 7:22 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله
[align=justify]{ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }[/align]


[align=justify]إن الذي قدر على إخراج الماء من الصخرة الصمَّاء كان قادراً على إروائهم بغير ماء ولكن لإظهار المعجزة فيه، وإيصال محل الاستغاثة إليه، وليكون على موسى عليه السلام - أيضاً في نقل الحجر - مع نفسه شغل، ولتكليفه أن يضرب بالعصا مقاساةُ نوعٍ من معالجةِ ما أمضى حكمه عند استسقائه لقومه.

ثم أراد الحق سبحانه أن يكون كل قوم جارياً على سُنَّتْ، ملازماً لحَدّه، غير مُزَاحِمٍ لصاحبه فأفرد لكل سبطة علامةً يعرفون بها مشربهم، فهؤلاء لا يَرِدُون مشرب الآخرين، والآخرون لا يَرِدُون مشرب الأولين.

وحين كفاهم ما طلبوا أمرَهُم بالشكر، وحِفْظِ الأمرِ، وتَرْكِ اختيار الوِزر، فقال: { وَلاَ تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }.

والمناهل مختلفة، والمشارب متفاوتة، وكلٌّ يَرِدَ مَشْرَبه فمشربٌ عَذْبٌ فُرات، ومشربٌ مِلْح أُجاج، ومشربٌ صافِ زلال، ومشرب رتق أوشال. وسائقُ كلِّ قوم يقودهم، ورائد كُلِّ طائفة يسوقهم؛ فالنفوس تَرِدُ مناهل المنى والشهوات، والقلوب ترد مشارب التقوى والطاعات، والأرواح ترد مناهل الكشف والمشاهدات، والأسرار ترد مناهل الحقائق بالاختطاف عن الكون والمرسومات، ثم عن الإحساس والصفات ثم بالاستهلاك في حقيقة الوجود والذات.
[/align]

[[align=justify]color=#006600]
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بالذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }
[/color][/align]

[align=justify]لم يرضَوْا بحسن اختياره لهم، ولم يصبروا على قيامه بتولي ما كان يَهُمُّهُم من كفاية مأكولهم وملبوسهم، فنزلوا في التحير إلى ما جرت عليه عاداتهم من أكل الخسيس من الطعام، والرضا بالدون من الحال، فردَّهم إلى مقاساة الهوان، وربطهم بإدامة الخذلان، حتى سفكوا دماء الأنبياء وهتكوا حرمة الأمر بِقِلَّة الاستحياء، وتَرْكِ الاروعاء، فعاقبهم على قبيح فعالهم، وردَّهم إلى ما اختاره لأنفسهم من خسائس أحوالهم، وحين لم تنجح فيهم النصيحة، أدركتهم النقمة والفضيحة. ويقال كان بنو إسرائيل متفرقي الهموم مُشَتَّتِي القصود؛ لم يرضوا لأنفسهم بطعام واحد، ولم يكتفوا في تدينهم بمعبود واحد، حتى قالوا لموسى عليه السلام - لمَّا رأوا قَوماً يعبدون الصنم - يا موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم إله، وهكذا صفة أرباب التفرقة. والصبر مع الواحد شديد، قال تعالى:
{ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى القُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا }
[الإسراء: 46].
[/align]

[align=justify]{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[/align]

[align=justify]اختلاف الطريق مع اتحاد الأصل لا يمنع من حسن القبول، فمن صدَّق الحق سبحانه في آياته، وآمن بما أخبر من حقه وصفاته، فتبايُن الشرع واختلاف وقوع الاسم غيرُ قادح في استحقاق الرضوان، لذلك قال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذَِينَ هَادُوا } ثم قال: { مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ }. أي إذا اتفقوا في المعارف فالكُلُّ لهم حُسْنُ المآب، وجزيلُ الثواب. والمؤمن مَنْ كان في آمان الحق سبحانه، ومَنْ كان في أمانه - سبحانه وتعالى - فَبالحريِّ
{ أَلاَّ خَوْفَ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
[آل عمران: 170].
[/align]


[align=justify]{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ }[/align]

[align=justify]أخذ سبحانه ميثاقَ جميع المُكَلَّفِين، ولكنَّ قوماً أجابوا طوعاً لأنه تعرَّف إليهم فوَحَّدوه وقوماً أجابوه كرهاً لأنه ستر عليهم فجحدوه، ولا حُجَّة أقوى من عيان ما رفع فوقهم من الطور - وهو الجبل - ولكن عَدِموا نورَ البصيرة، فلا ينفعهم عيانُ البصر. قال الله تعالى: { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } ، أي رجعتم إلى العصيان بعد ما شاهدتم تلك الآيات بالعيان، ولولا حكمه بإمهاله، وحِلْمُه بأفضاله لعَاجَلكُم بالعقوبة، وأحلَّ عليكم عظيمَ المصيبة ولخَسِرَتْ صفقتُكم بالكُلِّيَة.[/align]

[align=justify]{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }[/align]


[align=justify]مسْخُ هذه الأمة حصل على القلوب، فكما أنهم لما تركوا الأمر واستهانوا بما أُلزموا به من الشرع - عجلت عقوبتهم بالخسف والمسخ وغير ذلك من ضروب ما ورد به النَّصُّ، فهذه الأمة مِنْ نَقْضِ العهدِ ورفض الحدِّ عوقبت بمسخ القلوب، وتبديل الأحوال، قال تعالى:
{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ }
[الأنعام: 110] وعقوبات القلوب أنكى من عقوبات النفوس، وفي معناه أنشدوا:
[/align]

[poet font="Tahoma,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/4.gif" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
يا سائلي: كيف كنتَ بَعْده؟ لقيتُ ما ساءني وسَرَّه
ما زلت أختال في وِصالي حتى أمِنت من الزمانِ مَكره
طال عليَّ الصدود حتى لم يُبْقِ مما شَهِدَت ذرَّه
[/poet]

[align=justify]{ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }[/align]

[[align=justify]color=#000066]هكذا مَنْ مُنِيَ بالهجران، ووُسِمَ بالخذلان؛ صارت أحوالُه عِبْرة، وتجرَّع - مِنْ مُلاحَظته لحاله - عليه الحسرة، وصار المسكين - بعد عِزِّه لكلِّ خسيسٍ سُخْرَة. هكذا آثار سُخْطِ الملوك وإعراض السادة عن الأصاغر:

وقد أحدق الصبيان بي وتَجمعوا عليَّ وأشلوا بالكلاب ورائيا
[/color][/align]

_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 29, 2006 7:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله
[align=justify]{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ }[/align]

[align=right][font=Tahoma]قوله جلّ ذكره: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً }.

كان الواجب عليهم استقبال الأمر بالاعتناق ولكنهم تعللوا ببقاء الأشكال توهماً بأن يكون لهم (...) تُفضِي بالإخلاد إلى الاعتدال عن عهدة الإلزام فتضاعفت عليهم المشقة وحل بهم ما حَذِرُوه من الافتضاح.

فصل: ولما قال: { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ } أي ليست بِفَتيَّةٍ ولا مُسِنَّة بل هي بين السِّنَّيْنِ. حصلت الإشارة أن الذي يصلح لهذه الطريقة مَنْ لا يستهويه نَزَقُ الشباب وسُكْره، ولم يُعَطِّلْه عجزُ المشيب وضعفُه، بل هو صاحٍ استفاق عن سُكْرِه، وبقيت له - بَعْدُ - نضارةٌ من عمره.

قوله جلّ ذكره: { صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَنَا مَا هِىَ إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ }.

كما كان يأخذ لونها الأبصار فالإشارة منها أن من كان من أهل القصة يستغرق شاهدُه القُلوبَ لِمَا أُلبس من رداء الجبروت، وأقيم به من شاهد الغيب حتى أن من لاحَظَه تناسى أحوال البشرية واستولى عليه ذكر الحق، كذا في الخبر المنقول: " أولياء الله الذين إذا رأوا ذكر الله "
[/font]
[/align]

[align=justify]{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }[/align]


[align=right][font=Tahoma]كما أنَّ تلك البقرة لم يُذلِلْها العملُ، ولم تُبْتَذَلُ في المكاسب، لا لونَ فيها يخالف عِظَمَ لَوْنِها فالإشارة منه أن أهل الولاية الذين لم يتبذلوا بالأغيار لتحصيل ما طلبوا من الأسباب، ولم يركنوا بقلوبهم إلى الأشكال والأمثال، ولم يتكلوا على الاختيار والاحتيال، وليسوا نهباً لمطالبات المنى، ولا صيداً في مخلب الدنيا، ولا حكمَ للشهوات عليهم، ولا سلطان للبشرية تَمَلَّكهم، ولم يسعَوْا قط في تحصيل مرادهم، ولم يشقوا لدرك بُغيتهم، وليس عليهم رقم الأغيار، ولا سِمَةُ الأسباب - فَهُمْ قائمون بالله، فانون عما سوى الله، بل هم محو، مُصْرِّفُهم الله. والغالب - على قلوبهم - الله.

وكما أن معبودَهم الله كذلك مقصودهم الله.

وكما أن مقصودهم الله كذلك مشهودهم الله، وموجودهم الله، بل هم محو بالله و (...) عنهم الله، وأنشد قائلهم:

إذا شِئتِ أن أرْضَى وترضي وتملكي زِمَامِيَ - ما عشنا معاً - وعناني
إذن فارمُقي الدنيا بعيني واسمعي بأذني وانطقي بلساني
قوله جلّ ذكره: { قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ }.

طلبوا الحيلة ما أمكنهم فلما ضاقت بهم الحِيَل استسلموا للحكم فتخلصوا من شدائد المطالبات، ولو أنهم فعلوا ما أمِروا به لما تضاعفت عليهم المشاق.
[/font][/align]

_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة مارس 17, 2006 9:13 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله
[align=justify][font=Arial]{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }[/font][/align]
[align=justify]الخائن خائف، ولخشية أن يظهر سرُّه يركن إلى التلبيس والتدليس، والإنكار والجحود ولا محالة ينكشف عوارُه، وتتضح أسرارُه، وتهتك عن شَيْنِ فعله أستارُه. قال الله تعالى: { وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }.[/align]

[align=justify][font=Arial]{ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَي
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
[/font][/align
]

[align=justify]أراد الله سبحانه أن يحي ميتهم ليفضح بالشهادة على قاتله فأمر بقتل حيوان لهم فجعل سبب حياة مقتولهم قتل حيوان لهم، صارت الإشارة منه:

أن من أراد حياة قلبه لا يصل إليه إلا بذبح نفسه؛ فمن ذبح نفسه بالمجاهدات حَيِيَ قلبُه بأنوار المشاهدات، وكذلك من أراد الله حياةَ ذِكْرِه في الأبدال أمات في الدنيا ذكره بالخمول.
[/align]



[align=justify]{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }[/align]


[align=justify]بَيَّن أنهم - وإن شاهدوا عظيم الآيات وطالعوا واضح البينات - فحين لم تساعدهم العناية ولم يخلق الله (لهم) الهداية، لم تزدهم كثرة الآيات إلا قسوة، ولم تبرز لهم من مكامن التقدير إلا شقوة (على شقوة، وشبَّه قلوبهم بالحجارة لأنها لا تنبت ولا تزكو، وكذلك قلوبهم لا تفهم، ولا تغنى. ثم بيَّن أنها أشد (....) من الحجارة، فإنَّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار، ومنها ما تظهر عليه آثار خشية الله، وأمَّا قلوبهم فخالية عن كل خير، وكيف لا وقد مُنِيَتْ بإعراض الحقِّ عنها، وخُصَّتْ بانتزاع الخيرات منها.[/align]

[align=justify]{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[/align]


[align=justify]أنبأهم عن إيمانهم، وذكر أنهم بعد سماع الخطاب من الله - سبحانه - حرَّفوا وبدّلوا فكيف يؤمنون لكم وإنما يسمعون بواسطة الرسالة، ومن لم يَبقَ على الإيمان بعد العيان فكيف يؤمن بالبرهان، والذي لم يصلح للحق لا يصلح لكم، ومن لم (يحتشم من الحق) فكيف يحتشم منكم؟.[/align]

[align=justify]{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }[/align]

[align=justify]
تواصوا فيما بينهم بإنكار الحق، وإخفاء الحال على المسلمين، ولم يعلموا أن الله يُطْلِعُ رسولَه عليه السلام على أسرارهم، وأن نوراً أظهره الغيب لا ينطفئ بمزاولة الأغيار. وموافقةُ اللِّسانِ مع مخالفة العقيدة لا يزيد إلا زيادة الفُرقة.
[/align]

[align=justify]{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }[/align]


[align=justify]قوله جلّ ذكره: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلاَّ أمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً }.

أخبر أنهم متفاوتون في نقائص كفرهم، فقومٌ منهم أخَسُّ درجةً وأكثر جهلاً ركنوا إلى التقليد، ولم يملكهم استيلاء شبهة بل اغتروا بظنِّ وتخمين، فهم الذين لا نصيب لهم من كتبهم إلا قراءتها، دون معرفة معانيها. ومنهم مَنْ أكثرُ شأنه ما يتمناه في نفسه، ولا يساعده إمكان، ولا لظنونه قط تحقيق. ثم أخبر عن سوء عاقبتهم بقوله جل ذكره:

{ فَوَيْلُ لَّهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ }.

أي خَسِروا في الحال والمآل، والإشارة في هذه الآية لمن عَدِم الإخلاص في الصحبة في طريق الحق؛ يَنْضَمُّ إلى الأولياء ظاهراً ثم لا تَصْدُقُ له إرادة فهو مع أهل الغفلة مُصَاحِب، وله مع هذه الطريقة جانب، كلما دَعَتْهُ هواتف الحظوظ تَسَارَعَ إلى الإجابة طوعاً، وإذا قادته دواعي الحق - سبحانه - يتكلف شيئاً، فَبِئْسَتْ الحالة حين لم يخلص، وما أشد ندمه فيما ادَّخَرَ عن الله ثم لا يُفْلحْ.
[/align]


[align=justify]{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[/align]

[align=justify]
الإشارة في هذه الآية لمن مرت على قلبه دعاواه العريضة، وغلب عليه حسبانه، فحكم لنفسه - لفرط غفلته - بأنه من أهل القصة ويَخْلَدُ إلى هواجس مناه، فيحكم على الغيب بأنه يُتَجاوز عنه؛ نَسِيَ قبائح ما أسلفه، ويذكر مغاليط ما ظنَّه، فهو عَبْدُ نَفْسِه يغلب عليه حسن ظنه، وفي الحقيقة تعتريه نتائج غفلته ومكره، قال تعالى:
{ وَذَلِكَم ظَنُّكُمْ الَّذِى ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخَاسِرِينَ }
[فصلت: 23].
[/align]

[align=justify]
{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[/align]


[align=justify]الذي أحاطت به خطيئته هو الكافر - على لسان العلم.

ولكنّ الإشارة منه إلى مَنْ سكن قلبُه على استغاثاته على وجه الدوام، فإن أصحاب الحقائق كالحب على المَقْلَى - في أوقات صحوهم، فَمَنْ سَكَنَ فَلِفَرْطِ عَزّتِه - لا يفترون.

ومَنْ استند إلى طاعة يتوسَّلُ بها ويَظن أنه يقرب بها ينبغي أن يتباعد عن السكون إليها ومَنْ تَحَقَّقَ بالتوحيد علِمَ ألا وسيلة إليه إلا به.
[/align]


[align=justify]{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[/align]



[align=justify]في الحال جنان الوصل................

..........................................

..........................................

.........................................
[/align]



[align=right]
[font=Tahoma]عذرا اخوتي الاحباء الكرام تفسير الايتين 83 ,84 غير متوفر في المصدر [/B[/font]][/align]


[B][align=justify][B][size=24]{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
[/align][/B][/size]

[align=justify]قوله جلّ ذكره: { ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ }.

... أضرابكم وقرنائكم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، الإشارة فيه أن نصرتكم لإخوانكم على ما فيه بلاؤهم نصرة عليهم بما فيه شقاؤهم، فالأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو.

قوله جلّ ذكره: { وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ }.

أي كما تراعون - بالفداء عنهم - حقوقهم، فكذلك يُفْتَرَضُ عليكم كَفُّ أيديكم عنهم، وتَرْكُ إزعاجهم عن أوطانهم، فإذا قُمتم ببعض ما يجب عليكم فما الذي يقعدكم عن الباقي، حتى تقوموا به كما أُمِرْتُم؟ أما علمتم أن مَنْ فَرّقَ بين ما أُمِرَ به فآمن ببعضٍ وكَفَرَ ببعضٍ فقط حبط - بما ضيَّعه - أجرُ ما عَمِلَهُ.

قوله جلّ ذكره: { فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلَى أشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.

أي ظنوا أن ما فعلوه نَفَعهم، فانكشف لهم في الآخرة أن جميع ما فعلوه - لمَّا مزجوه بالآفات وجرَّدُوه عن الصدق والإخلاص - غيرُ مقبولٍ منهم.

والأُسَرَاء أصناف: فَمِنْ أسير غَرِقَ في بحار الهوى فإنقاذُه بأن تدلَّه على الهُدَى. ومِنْ أسيرٍ بقي في أيدي الوساوس فافتداؤه أن ترشده إلى اليقين بلوائح البراهين لتنقذَه من الشك والتخمين، وتخرجه عن ظلمات التقليد فيما تقوده إلى اليقين. ومن أسيرٍ تجده في أسر هواجسه استأسرته غاغة نفسه، فَفَكُّ أسْرهِ بأن تدلَّه على شهود المِنن، بِتَبَرِّيه عن حسبانِ كلِّ حَوْلٍ بِخلْقٍ وغَيْر. ومن أسيرٍ تجده في ربيطة ذاته ففكُّ أسره إنشاده إلى إقلاعه، وإنجاده على ارتداعه. ومن أسير تجده في أسر صفاته فَفَكُّ أسْرِه أن تدله على الحق بما يحل عليه من وثائق الكون، ومن أسيرٍ تجده في قبضة الحق فتخبره أنه ليس لأسرائهم فداء، ولا لقتلاهم عَوْد، ولا لربيطهم خلاص، ولا عنهم بُدُّ، ولا إليهم سبيل، ولا مِنْ دونهم حيلة، ولا معَ سِواهم راحة، ولا لحكمهم رَدٌّ.
[/align]


[align=justify]{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }[/align]

[align=justify]
إن الذين آثروا عليه شيئاً خسروا في الدنيا والآخرة كما قالوا:

أناسٌ أعرضوا عنَّا بلا جُرْمٍ ولا معنى
فإن كانوا قد استَغْنَوْا فإنَّا عنهم أغنى
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 26, 2006 9:25 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله
[align=right]{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }[/align]
[align=right]
الإشارة: أوصلنا لهم الخطاب، وأردفنا رسولاً بعد رسول، والجميع دَعَوْا إلى واحد. ولكنهم أضغَوْا إلى دعاء الداعين بسمع الهوى، فما استلذته النفوس قَبلُوه، وما استثقلته أهواؤهم جحدوه، فإذا كان الهوى صفتهم ثم عبدوه، صارت للمعبود صفات العابد، فلا جَرَمَ الويل لهم ثم الويل!.
[/align]



[align=right]{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }[/align]

[align=right]لو كان منهم شيء بمجرد الدعوى لهان وجود المعاني، ولكن عند مطالبات التحقيق تَفْتَرُّ أنيابُ المُتَلَبِّسِين عن أسنانٍ شاحذة بل (....) وقيل:

إذا انسكبت دموعٌ في خدود تبيَّن مَنْ بكى ممن تباكى
[/align]


[align=right]{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }[/align]


[align=right]الإشارة فيه لمن عزم على الصفاء، ووعد من نفسه تحقيق الوفاء، ونشر أعلام النشاط عند البروز إلى القتال، تنادى بالنِّزال وصدق القتال - انهدم عند التفات الصفوف، وانجزل عن الجملة خشية هجوم المحذور، قال تعالى:
{ فَإذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }
[محمد: 21].
[/align]


[align=right]{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }[/align]


[align=right]أنزلهم التحاسُد عن مقر العِزِّ إلى حضيض الخزي، وسامهم ذُلَّ الصّغِرَ حين لم يَرْضُوا بمقتضى الحُكْم، فأضافوا استيجاب مقتٍ آنفٍ إلى استحقاق مَقْتٍ سالف.[/align]

[align=right]
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }[/align]

[align=right]الإشارة فيه: إذا قيل لهم حَقِّقُوا ما أظهرتم من حكم الوفاق بتحقيق الحال وإقامة البرهان سَمَحَتْ نفوسُهم ببعض ما التبس عندهم لما يوافق أهواءهم، ثم يكفرون بما وراء حظوظهم، (....) بُعداً عن زمرة الخواص، غير معدودين في جملة أرباب الاختصاص.[/align]


[align=right]{ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ }[/align]


[align=right]أي دعاكم إلى التوحيد، وإفراد المعبود عن كل معبود ومحدود، ولكنكم لم تجنحوا إلا إلى عبادة ما يليق بكم من عِجْلٍ اتخذتموه، وصنمٍ تمنيتموه. فرفع ذلك من بين أيديهم، ولكن بقيت آثاره في قلوبهم وقلوب أعقابهم، ولذلك يقول أكثرُ اليهود بالتشبيه.[/align]


[align=right]{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }[/align]


[align=right]كرَّرَ الإخبار عن غُلُوِّهم في حُبِّ العجل، ونُبُوِّهم عن قبول الحق، و (....) وتعريفهم معاجلتهم بالعقوبة على ما يسيئون من العمل، فلا النصحُ نَجَعَ فيهم، ولا العقوبةُ أوجبت إقلاعهم عن معاصيهم، ولا بالذم فيهم احتفلو، ولا بموجب الأمر عملوا.[/align]

[align=right]{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }[/align]


[align=right]من علامات الاشتياق تمنى الموت على بساط العوافي؛ فمن وَثِقَ بأن له الجنة قطعاً - فلا محالةَ - يشتاق إليها، ولمَّا لم يتمنوا الموت - وأخبر الله سبحانه أنهم لن يتمنوهُ أبداً - صار هذا التعريف معجزةً للرسول صلوات الله عليه وعلى آله إذ كان كما قال.

وفي هذا بشارة للمؤمنين الذين يشتاقون إلى الموت أنهم مغفور لهم، ولا يرزقهم الاشتياق إلا وتحقق لهم الوصول إلى الجنة، وقديماً قيل: كفى للمقصر الحياء يوم اللقاء. قال الله تعالى: { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمِتْ أَيْدِيهِمْ }.
[/align]


[align=right]
{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
[/align]


[align=right]حُبُّ الحياة في الدنيا نتيجة الغفلة عن الله، وأشد منه غفلة أَحبُّهم للبقاء في الدنيا.. وحالُ المؤمن من هذا على الضدِّ. وأما أهل الغفلة وأصحاب التهتك فإنما حرصهم على الحياة لعلمهم بما فقدوا فيها من طاعتهم؛ فالعبد الآبِق لا يريد رجوعاً إلى سَيِّده. والانقلابُ إلى مَنْ هو خيرُه مَرجوٌ خيرٌ للمؤمنين من البقاء مع مَنْ شَرُّه غيرُ مأمون، ثم إن امتداد العمر مع يقين الموت (لا قيمة له) إذا فَاجَأ الأمرُ وانقطع العُمْرُ. وكلُّ ما هو آتٍ فقريب، وإذا انقضت المُدَّةُ فلا مردَّ لهجوم الأجل على أكتاف الأمل.[/align]

_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 28, 2006 8:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله
[align=right]{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }[/align]


[align=right]زعمت اليهود أن جبريل لا يأتي بالخير، وأنهم لا يحبونه، ولو كان ميكائيل لكانوا آمنوا به، فأكذبهم الحقُّ سبحانه فقال: { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ } لأنه لا يأتي بالخير فأي خير أعظم مما نزل به من القرآن؟!

ثم قال إن مَنْ عادى جبريل وميكائيل فإِن الله عدو له، فإنَّ رسولَ الحبيبِ إلى الحبيبِ العزيزِ المَوْرِد - كريمُ المنزلة، عظيم الشرف. وما ضرَّتْ جبريلَ - عليه السلام - عداوةُ الكفار، والحق سبحانه وتعالى وليُّه، ومَنْ عَادَى جبريلَ فالحقُّ عَدُوُّه، وما أَعْزِزِ بهذا الشرف وما أَجَلَّه! وما أكبر علوه!
[/align]


[align=right]{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[/align]


[align=right]لم يكفر بواضح آياته إلا من سُدَّتْ عن الإدراك بصائرُه، وسبقت من الله بالشقاوة قِسْمَتُه، ولا عقلَ لِمَنْ يجحدُ أنَّ النهارَ نهار، وكذلك لا وَصْلَ لمن لم تساعده من الحق أنوارٌ واستبصار. أوَ كُلَّما عاهدوا عهداً سابقُ التقدير لهم كان يشوِّش عليهم، وينقض عَهْدَهُم لاحِقُ التدبيرُ منهم، والله غالبٌ على أمره.[/align]

[align=right]{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }[/align]


جحدوا رُسلَ الحق إلى قلوبهم من حيث الخواطر، وكذَّبوا رسلهم الذين أتوهم في الظاهر، فيا جهلاً ما فيه شظية من العرفان! ويا حرماناً قَارَنَه خِذلان!


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }



قوله جلّ ذكره:

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِّنْ أحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقْ }.


مَنْ فرَّقَتْه الأهواء وقع في كل مطرح من مطارح الغفلة، فيستقبله كل جنس من قضايا الجهالة، ثم إن مَنْ طالت به الغيبة صار للناس عِبْرة، ولِمَنْ سلك طريقه فتنة، فمن اقتدى به في غيِّه انخرط في سِلْكِه، والتحق بجنسه، هكذا صفة هاروت وماروت فيما استقبلهما، صارا للخلْق فتنة بل عبرة، فمَنْ أصغى إلى قيلهما، ولم يعتبر بجهلهما تعلَّق به بلاؤهما، وأصابه في الآخرة عناؤهما.

والإشارة من قصتهما إلى مَنْ مآلَ في هذه الطريقة إلى تمويهٍ وتلبيس، وإظهار دعوى بتدليس، فهو يستهوي مَنْ اتّبعه، ويلقيه في جهنم بباطله، (......).

ومن تهتك بالجنوح إلى أباطيله تهتكت أستارُه، وظهر لذوي البصائر عوارُه. وإن هاروت وماروت لما اغتَّرا بحاصل ما اعتاداه من المعصية بَسَطَا لسان الملامة في عُصاة بني آدم، فَلِمَا رُكِّب فيهما من نوازع الشهوات، ودواعي الفتن والآفات، اقتحما في العصيان، وظهر منهما ما انتشر ذِكْرُه على ألسنة القصاص، وهما مُنَكَّسَان إلى يوم القيامة ولولا الرفق بهما وبشأنهما لَمَا انتهى في القيامة عذابُهما، ولكنَّ لطفَ الله مع الكافة كثيرٌ. ولَمَّا قال الله تعالى: { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ } عَلِم أهل التحصيل أن العلم بكل معلوم - وإن كان صفةَ مدح - ففيه غيرُ مرغوبٍ فيه، بل هو مستعاذٌ منه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعوذ بك من علم لا ينفع ".

قوله جلّ ذكره: { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.

لو علم المغبونُ ماذا أبقى وماذا أبلى لتقطعت أحشاؤه حسراتٍ، ولكن سيعلم:
{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }
[الطارق: 9] الذي فاته من الكرائم.



{ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }



ولو آثروا الإقبالَ على الله على اشتغالهم عن الله، لحصَّلُوا ذُخْرَ الداريْن، ووصلوا إلى عِزِّ الكَوْنَيْن، ولكن كَبَسَتْهُمْ سطواتَ القهر، فأثبَتَهُمْ في مواطن الهجر.

{ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قصودُ الأعداء في جميع أَحوالهم - من أعمالهم وأقوالهم - قصودٌ خبيثة؛ فهم - على مناهجهم - يبنون فيما يأتون ويَذَرُون. فسبيلُ الأولياء التَّحرزُ عن مشابهتهم. والأخذ في طريق غير طريقهم.

_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تفسير لطائف الاشارات - القشيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 28, 2012 1:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله

{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }


كراهية الأعداء لانتظام صلاح الأولياء متصِلَةٌ مُستَدامةٌ، ولكن الحسود لا يسود، ولا يحصُل له مقصود. وخصائص الرحمة للأولياء كافية - وإنْ زَعَمَ مِنَ الأعداء أفَّاكٌ أنه انهدمت من أوطان فرحهم أكناف وأطراف.

{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


النسخُ الإزالة أي ما ينقلك من حال إلى ما هي فوقها وأعلى منها، فغُصنُ وَصْلِك أبداً ناضر، ونجمُ عِزِّكَ أبداً ظاهر، فلا ننسخُ من آثار العبادةِ شيئاً إلا وأبدلنا عنه أشياء من أنوار العبودية، ولا نسخنا من أنوار العبودية أشياء إلا أقمنا مكانها أشياء من أقمار العبودةِ.

فأبداً سِرُّك في الترقي، وقدرك في الزيادة بحسن التَوَلِّي.

وقيل ما رقَّاكَ عن محل العبودية إلا سَلكَكَ بساحات الحرية، وما رَفَعَ شيئاً من صفات البشرية إلا أقامك بشاهدٍ من شواهد الألوهية.

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }


سُنَّتُه - سبحانه - أن يجذب أولياءه عن شهود مُلْكِه إلى رؤية مِلْكِه، ثم يأخذهم من مُطالعةِ مِلْكه إلى شهود حقِّه، فيأخذهم من رؤية آياته إلى رؤية صفاته، ومن رؤية صفاته إلى شهود ذاته.

{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }


إنَّ بني إسرائيل آذَوْا موسى عليه السلام، فنُهِيَ المسلمون عن فِعْل ما أسلفوه، وأُمِروا بمراعاة أن حشمة الرسول صلى الله عليه وسلم بغاية ما يتسع في الإمكان. فكانوا بحضرته كأنَّ على رؤوسهم الطير. قال تعالى:
{ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }
[الفتح: 9] وحسنُ الأدب - في الظاهر - عنوانُ حسن الأدب مع الله في الباطن

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


مَنْ لَحِقَهُ خسران الفهم من أصحاب الغفلة ودَّ أَلاّ يطلع لأحدٍ بالسلامة نجمٌ، ومَنْ اعتراه الحسد أراد ألا تنبسط على محسوده شمسٌ.

وكذلك كانت صفات الكفار، فأرغم اللهُ أَنْفَهُم، وكبَّهم على وجوههم.

والإشارة من هذا إلى حال أصحاب الإرادة في البداية إذا رغبوا في السلوك، فمن لم يساعده التوفيق (في الصحبة، وعاشر أناساً مترسِّمين بالظواهر) فإنهم يمنعون هؤلاء من السلوك ولا يزالون يخاطبونهم بلسان النصح، والتخويف بالعجز والتهديد بالفقر حتى ينقلوهم إلى سبيل الغفلة، ويقطعوا عليهم طريق الإرادة، أولئك أعداء الله حقاً، أدركهم مقت الوقت. وعقوبتهم حرمانهم من أن يشموا شيئاً من روائح الصدق.

{ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } فسبيل المريد أن يحفظ عن الأغيار سِرَّه، ويستعمل مع كل أحدٍ ضلة، ويبذل في الطلب رفعة، فعن قريب يفتح الحق عليه طريقه

{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }


الواجب على المريد إقامة المواصلات، وإدامة التوسل بفنون القُربات، واثقاً بأن ما يقدمه من صدق المجاهدات تُدرك ثمرته في أواخر الحالات.

{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }


كلُّ حِزْبٍ يُمَهِّد الأملَ لنفسه، ويظنُّ النجاة لحاله، ويدعي الوسل من سهمه. ولكنّ مجرد الحسبان دون تحقق البرهان لا يأتي بحاصل، ولا يجوز بطائل.

{ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }


أسلم وجهه أي أخلص لله قصده، وأفرد لله وجهه، وطهَّر عن الشوائب عقله. { وَهُوَ مُحْسِنٌ }. عالِمٌ بحقيقة ما يفعله وحقيقة ما يستعمله، وهو محسن في المآل كما أنه مسلم في الحال.

ويقال: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه " فتكون مستسلماً بظاهرك، مشاهداً بسرائرك، في الظاهر جهد وسجود وفي الباطن كشف ووجود.

ويقال: { أَسْلَمَ وَجْهَهُ } بالتزام الطاعات، { وَهُوَ مُحْسِنٌ } قائمٌ بآداب الخدمة بحسن آداب الحضور، فهؤلاء ليس عليهم خوف الهجر، ولا يلحقهم خفيُّ المكر، فلا الدنيا تشغلهم عن المشاهدة ولا الآخرة تشغلهم غداً عن الرؤية.

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }


الإشارة في هذه الآية على العكس من حكم الظاهر؛ فالأعداء يتبرأ بعضهم من بعض اليوم، والأولياء من وجه كذلك، ولذا قالوا: لا زالت الصوفية بخبرٍ ما تنافروا، ولا يَقْبَلُ بعضهم بعضاً لأنه لو قَبِل بعضُهم بعضاً بقي بعضُهم مع بعض.

لكنّ الأعداء كلهم على الباطل: عند تَبَرِّي بعضهم من بعض أمَّا الأولياء فكُلُّهم على الحق - وهذه ما ذكرنا من حكم العكس

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }


الإشارة فيه أن الظالم مَنْ خَرَّبَ أوطان العبادة بالشهوات، وأوطان العبادة نفوس العابدين. وخَرّبَ أوطان المعرفة بالمُنى والعلاقات، وأوطان المعرفة قلوب العارفين. وخَرَّب أوطان المحبة بالحظوظ والمُسَاكنات، وهي أرواح الواجدين. وخرَّب أوطان المشاهدات بالالتفات إلى القربات وهي أسرار الموحدين.

قوله جلّ ذكره: { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

لأهل الإشارة خزي الدنيا بذل الحجاب، وعذاب الآخرة الامتناع بالدرجات.

{ وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }


الإشارة منها إلى مشارق القلوب ومغاربها. وللقلوب شوارق وطوارق. وطوارقها هواجس النفوس تطرق في ظلمات المنى والشهوات.

وشوارقها نجوم العلوم وأقمار الحضور وشموس المعارف.

فما دامت الشوارق طالعة فَقِبلْةُ القلوب، واضحة ظاهرة، فإذا استولت الحقائق خَفَى سلطانُ الشوارق، كالنجوم تستتر عند طلوع الشمس، كذلك عند ظهور الحق يحصل اصطلام وقهر، فلا شهود رسم، ولا بقاء حِسِّ وفَهْم، ولا سلطان عقل وعلم، ولا ضياء عرفان. فإن وجدان هذه الجملة صفات لائقة ببقاء البشرية، وإذا صار الموصوف محواً فأنَّى لهم ببقاء الصفة.

قال تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ }
ما دام يبقى من الإحساس والتمييز بقية - ولو شظية - فالقِبْلة مقصودة، فإن لم تكن معلومة تكون مطلوبة. وعلى لسان العلم إذا اشتبهت الدلائلُ بكلِّ وِجْهَةٍ، ولا معرفةَ بالقِبْلة تَسَاوَتْ الجهاتُ في جواز الصلاة إلى كل واحدٍ منها إذا لم يكن للنية ترجيح.
{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }


قوله جلّ ذكره: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ }.

مَكَرَ بهم لم يُفْنِهم - من الإفناء - في الحال، بل جعل موجب اغترارهم طول الإمهال، فنطقوا بعظيم الفِرْية على الله، واستنبطوا عجيب المِرْية في وصف الله، فوصفوه بالولد! وأنَّى بالولد وهو أحدي الذات؟! لا حدَّ لذاتِه، ولا تجوز الشهوة في صفاته.

قوله جلّ ذكره: { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }.

أي ليس في الكون شيء من الآثار المفتقرة أو الأعيان المستقلة إلا وتنادي عليه آثار الحِلْقَة، وتفصح منه شواهد الفطرة، وكل صامتِ منها ناطق، وعلى وحدانيته - سبحانه - دليلٌ وشاهد.

{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }


البديع عند العلماء مُوجِد العين لا على مِثْل، وعند أهل الإشارة الذي ليس له شيء مِثله. فهذا الاسم يشير إلى نفي المثل عن ذاته، ونفي المثال عن أفعاله، فهو الأحد الذي لا عدد يجمعه، والصمد الذي لا أَمَدَ يقطعه، والحق الذي لا وهم يصوِّره، والموجود الذي لا فهم يقدره. وإذا قضى أمراً فلا يعارض عليه مقدور، ولا ينفكُ من حكمه محظور.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }


كلام الله سبحانه متعلق بجميع المخلوقات بأعيانها وآثارها، وأمر التكوين (يتناول المكلفين وأفعال المكلفين)، لكن من عَدم سمع الفهم تصامم عن استماع الحق، فإنه - سبحانه - خاطب قوماً من أهل الكتاب، وأسمعهم خطابه، فلم يطيقوا سماعه، وبعدما رأوا من عظيم الآيات حرَّفوا وبدَّلوا. وفي الآيات التي أظهرها ما يزيح العِلَّة من الأغيار، ويشفي الغُلَّة من الأخيار، ولكن ما تُغْنِي الدلائل - وإنْ وَضُحَتْ - عمن حُقَّتْ لهم الشقاوة وسبقت؟


{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ }


أفردناكَ بخصائص لم نُظْهِرْها على غيرك؛ فالجمهور والكافة تحت لوائك، والمقبول من وافَقَك، والمردود من خالفَك، وليس عليك من أحوال الأغيار سؤال، ولا عنك لأحدٍ (...).

{ وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }


لا تبالِ برضاء الأعداء بعد ما حصل لك رضانا، فإنهم لا يرضون عنك إلا بمتابعة أديانهم، ودون ذلك لهم حظ القتال فَأَعْلِنْ التبري منهم، وأظهر الخلاف معهم، وانصب العداوة لهم، واعلم أن مساكنتهم إلى ما يرضون سبب الشقاوة المؤبدة، فاحرص ألا يخطر ذلك بِبالِك، وادعُ - إلى البراءةِ عنهم وعن طريقتهم - أُمَّتَكَ، وكُنْ بِنا لَنَا، مٌتَبرِّياً عمن سوانا، واثقاً بنصرتنا، فإنَّكَ بِنَا وَلَنَا.


_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تفسير لطائف الاشارات - القشيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 10, 2012 2:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله

{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

الذين فتحنا أبصارهم بشهود حقنا وَكَلْنَا أسماع قلوبهم بسماع خطابنا، وخصصناهم بإسبال نور العناية عليهم، وأيَّدناهم بتحقيق التعريف في أسرارهم، يقومون بحق التلاوة، ويتصفون بخصائص الإيمان والمعرفة فهم أهل التخصيص، ومَنْ سِواهم أصحابُ الرد.

{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

جرت سُنتُه - سبحانه - في الخطاب مع قوم موسى عليه السلام أن يناديهم بنداء العلامة فيقول: يا بني إسرائيل اذكروا، أي يا بني يعقوب، ومع هذه الأُمة أن يخاطبهم بنداء الكرامة فيقول: { يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا }.

{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }

أَمَّا الأعداء فلا يَقْبَلُ منهم شيئًا، وأمَّا الأولياء فقال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة " ، والكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين فهذا حكم كل أمةٍ مع نبيِّها، وأمَّا المؤمنون - فعلى التخصيص - تنفعهم شفاعة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم.

وكلُّ أحدٍ يقول يومئذٍ نفسي نفسي ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول: " أمتي أمتي ".

{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }
قوله جلّ ذكره: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }.


البلاء تحقيق الولاء، فأصدقهم ولاءً أشدُّهم بلاء.

ولقد ابتلى الحق - سبحانه - خليلَه عليه السلام بما فرض عليه وشرع له، فقام بشرط وجوبها، ووَفَّى بحكم مقتضاها، فأثنى عليه سبحانه بقوله:
{ وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ }
[النجم: 37] - من التوفيه - أي لم يُقَصِّر بوجهٍ ألبتة.

يقال حملَّه أعباء النبوة، وطالبه بأحكام الخُلَّة، وأشد بلاء له كان قيامه بشرائط الخلة، والانفراد له بالتجافي عن كل واحد وكل شيء، فقام بتصحيح ذلك مختليًا عن جميع ما سواه، سِرًّا وعَلَنًا.

كذلك لم يلاحظ جبريلَ عليه السلام حين تعرض له وهو يُقْذف في لُجة الهلاك، فقال: هل من حاجة؟ فقال: أمَّا إِليكَ... فلا.

ومن كمال بلائه تعرض جبريل عليه السلام في تلك الحالة، وأي بقية كانت بقيت له منه حتى يكون لمخلوق فيه مساغ كائنًا من كان؟!

وفي هذا إشارة دقيقة إلى الفَرْقِ بين حال نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وحال إبراهيم عليه السلام، لأنه تعرض جبريل للخليل وعَرَضَ عليه نفسه:

فقال: أمَّا إليكَ... فَلاَ. ولم يُطِقْ جبريل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فنطق بلسان العجز وقال:

لو دنوتُ أنملة لاحترقتُ.

وشتّان بين حالة يكون فيها جبريل عليه السلام من قُوَّتِه بحيث يعرض للخليل عليه السلام نفسه، وبين حالةٍ يعترف للحبيب - صلوات الله عليه - فيها بعجزه.

قوله جلّ ذكره: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً }.

الإمام مَنْ يُقْتَدى به، وقد حقَّق له هذا حتى خاطب جميع الخلائق إلى يوم القيامة بالاقتداء به فقال:
{ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ }
[الحج: 78] أي اتبعوا ملة إبراهيم يعني التوحيد، وقال: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }.

هذا هو تحقيق الإمامة. ورتبة الإمامة أن يَفْهَم عن الحق ثم يُفْهِمَ الخَلق؛ فيكون واسطة بين الحق والخَلْق، يكون بظاهره مع الخَلْق لا يفتر عن تبليغ الرسالة، وبباطنه مشاهدًا للحق، لا يتغير له صفاء الحالة، ويقول للخلْق ما يقوله له الحق.

قوله جلّ ذكره: { وَمِن ذُرِّيَّتِي }.
نطق بمقتضى الشفقة عليهم، فطلب لهم ما أُكرِم به. فأخبره أن ذلك ليس باستحقاق نَسَب، أو باستيجاب سبب، وإنما هي أقسام مضت بها أحكام فقال له: { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } وليس هذا كنعيم الدنيا وسعة الأرزاق فيها، فهي لا ادِّخَار لها عن أحد وإن كان كافرًا، ولذلك قال جلّ ذكره: { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }.

فقال الله تعالى: { وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً }.

يعني ليس للدنيا من الخطر ما يمنعها عن الكفار، ولكن عهدي لا يناله إلا مَنْ اخترته مِنْ خواص عبادي
أمَّا الطعام والشراب فغير ممنوع من أحد.

أمَّا الإسلام والمحاب فغير مبذول لكل أحد.

قوله جلّ ذكره: { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً }.

واذكر يا محمد حين جعلنا البيت - يعني الكعبة - مثابة للناس إليه يثوبون، ومأمنًا لهم إليه يرجعون، وإياه من كل نحوٍ يقصدون.

هو بيت خلقتُه من الحجر ولكن أضفته إلى الأزل؛ فمن نظر إلى البيت بعين الخِلْقَة انفصل، ومن نظر إليه بعين الإضافة وصل واتصل، وكلُّ من التجأ إلى ذلك البيت أَمِنَ من عقوبة الآخرة إذا كان التجاؤه على جهة الإعظام والاحترام، والتوبة عن الآثام.

ويقال بُنيَ البيتُ من الحجر لكنه حجر يجذب القلوب كحجر المغناطيس يجذب الحديد.

بيتٌ من وقع عليه ظِلُّه أناخ بعَقْوَةِ الأمن.

بيتٌ مَنْ وقع عليه طَرْفُه بُشِّرَ بتحقيق الغفران.

بيتٌ مَنْ طاف حَوْلَه طافت اللطائف بقلبه، فطَوْفَة بطوفة، وشَوْطة بشوطة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

بيتٌ ما خَسِرَ مَنْ أنفق على الوصول إليه مَالَه.

بَيت ما ربح مَنْ ضَنَّ عليه بشيءٍ؛ مَنْ زاره نَسِيَ مزارَه، وهجر ديارَه.

بيت لا تُسْتَبْعَدُ إليه المسافة، بيت لا تُنْرَك زيارته لحصول مخافة، أو هجوم آفة، بيت ليس له بمهجة الفقراء آفة.

بيت من قعد عن زيارته فَلِعدَمِ فُتَوَّتِه، أو لقلة محبته.

بيتٌ من صَبِرَ عنه فقلبه أقسى من الحجارة. بيت من وقع عليه شعاعُ أنواره تَسَلَّى عن شموسه وأقماره.

بيت ليس العجب ممن بقي (عنه) كيف يصبر، إنما العجب ممن حضره كيف يرجع!

قوله جلّ ذكره: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }.

عَبْدٌ رفع لله سبحانه قَدمًا فإلى القيامة جعل أثر قَدَمِه قِبْلَةً لجميع المسلمين إكرامًا لا مدى له.

قوله جلّ ذكره: { وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }.

الأمر في الظاهر بتطهير البيت، والإشارة من الآية إلى تطهير القلب.

وتطهير البيت بِصَوْنه عن الأدناس والأوضار، وتطهير القلب بحفظه عن ملاحظة الأجناس والأغيار.

وطوافُ الحجاج حول البيت معلومٌ بلسان الشرع، وطوافُ المعاني معلومٌ لأهل الحق؛ فقلوب العارفين المعاني فيها طائفة، وقلوب الموحدين الحقائق فيها عاكفة، فهؤلاء أصحاب التلوين وهؤلاء أرباب التمكين.

وقلوبُ القاصدين بملازمة الخضوع على باب الجود أبدًا واقفة.

وقلوب الموحدِّين على بساط الوصل أبدًا راكعة.

وقلوب الواجدين على بساط القرآن أبدًا ساجدة.

ويقال صواعد نوازع الطالبين بباب الكرم أبدًا واقفة، وسوامي قصود المريدين بمشهد الجود أبدًا طائفة، ووفود هِمَمِ العارفين بحضرة العِزِّ أبداً عاكفة..

قوله جلّ ذكره: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً }.

السؤال إذا لم يكن مشوبًا بحظِّ العبد كان مستجابًا، ولم يكن سؤال إبراهيم هذا لحظِّ نفسه، وإنما كان لِحقِّ ربِّه عزَّ وجلَّ.

ولمَّا حفظ شرط الأدب طلب الرزق لمن آمن منهم على الخصوص أجيب فيهم وفي الذين لم يؤمنوا. ولمَّا قال في حديث الإمامة: " ومن ذُرِّيتي " من غير إذن مُنِعَ وقيل له: { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }.


_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تفسير لطائف الاشارات - القشيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 11, 2012 8:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

نجْحُ السؤال في صدق الابتهال؛ فلما فزعا إلى الخضوع في الدعاء أتاهما المدد، وتحقيق السؤال.

{ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوالنا { ٱلْعَلِيمُ } بأحوالنا.

{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

" مسلمين ": منقادين لحكمك حتى لا يتحرك مِنّا عرْق بغير رضاك، واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك لتقوم بعدنا مقامنا في القيام بحقوقك، وشتان بين من يطلب وارثاً لماله، وبين من يطلب نائباً بعده يقوم بطاعته في أحواله.

{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } إذ لا سبيل إلى معرفة الموافقات إلا بطريق التوفيق والإعلام.

{ وَتُبْ عَلَيْنَآ }: بعد قيامنا بجميع ما أَمَرْتَنَا حتى لا نلاحظ حركاتِنا وسكناتِنا، ونرجع إليه عن شهود أفعالنا لئلا يكونَ خطرُ الشِّرْك الخفيِّ في توهُّمِ شيءِ مِنّا بِنَا.

{ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }

إن الواجبات لمّا كانت من قِبَلِ الرسل دون مجرد المعقول سأل ألا يتركهم سُدّى، وألا يخليهم عن رسول وشرع. وطلب في ذلك الموقف أن يكون الرسول " منهم " ليكونوا أَسْكَنَ إليه وأَسْهَلَ عليهم، ويصحُّ أن يكون معناه أنه لما عَرَّفَهُ - سبحانه - حالَ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم سأل إنجاز ما وعده على الوجه الذي به (أمره).

{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

أخبر أنه آثر الخليل صلوات الله عليه على البرية، فجعل الدينَ دينَه، والتوحيدَ شِعارَه والمعرفةَ صِفته؛ فمن رَغِبَ عن دينه أو حاد عن سُنَّتِه فالباطل مطرحه، والكفر مهواه؛ إذ ليست الأنوار بجملتها إلا مقتبسة من نوره.

{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

الإسلام هو الإخلاص وهوا الاستسلام، وحقيقته الخروج عن أحوال البشرية بالكلية من منازعات الاختيار ومعارضات النفس، قال: { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }: قابلت الأمر بالسمع والطاعة، واعتنقت الحكم على حسب الاستطاعة. ولم يدخل شيئاً من ماله وبدنه وولده، وحين أُمِرَ بذبح الولد قصد الذبح، وحين قال له خلِّه من الأسر (عمل) ما أُمِرَ به، فلم يكن له في الحالين " اختيار " ولا تدبير.

ويقال إن قوله: { أَسْلَمْتُ }: ليس بدعوى من قِبَلِه لأن حقيقة الإسلام إنما هو التَّبري من الحوْل والقوة، فإذا قال: { أَسْلَمْتُ } فكأنه قال أَقِمْني فيما كلفتني، وحَقِّق مني ما بِه أمرتني. فهو أحال الأمر عليه، لا لإظهار معنى أو ضمان شيء من قِبَلِ نفسه.

ويقال أَمَرَه بأن يستأثر بمطالبات القدرة؛ فإن من حلَّ في الخلَّة محلَّه يحل به - لا محالة - ما حَلَّ به.

ويُسأَلُ ها هنا سؤال فيقال: كيف قال إبراهيم صلوات الله عليه: { أَسْلَمْتُ } ولم يَقُلْ نَبيُّنا صلى الله عليه وسلم حينما قيل له اعْلم " علمت "؟.

والجواب عن ذلك من وجوه: منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أنا أعلمكم بالله " ولكن لم يَرِد بعده شرع فكان يخبر عنه بأنه قال علمت.

ويقال إن الله سبحانه أخبر عن الرسول عليه السلام بقوله: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ } لأن الإيمان هو العلم بالله سبحانه وتعالى، وقول الحق وإخباره عنه أتمُّ من إخباره - عليه السلام - عن نفسه.

والآخر أن إبراهيم لما أخبر بقوله: { أَسْلَمْتُ } اقترنت به البلوى، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يتحرز عما عو صورة الدعوى فَحُفِظَ وكُفِيَ.

والآخر أن إبراهيم عليه السلام أُمِرَ بما يجرى مجرى الأفعال، فإن الاستسلامَ به إليه يشير. ونبينا صلى الله عليه وسلم أُمِر بالعلم، (ولطائف العلم أقسام).

{ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }

أخبر أن إبراهيم عليه السلام وصَّى بنيه، وكذلك يعقوب عليه السلام قال لبنيه لا يصيبنكم الموت إلا وأنتم بوصف الإسلام. فشرائعهم - وإن اختلفت في الأفعال - فالأصل واحد، ومشرب التوحيد لا ثاني - له في التقسيم - وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ } بِشارة بما تقوي به دواعيهم على الرغبة فيما يكلفهم من الإسلام، لأنهم إذا تحققوا أن الله سبحانه اصطفى لهم ذلك علموا أنه لا محالة يعينهم فيسهل عليهم القيام بحق الإسلام.

{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
قوله جلّ ذكره: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ }.

جروا كلهم - صلوات الله عليهم - على منهاج واحد في التوحيد والإسلام، وتوارثوا ذلك خَلَفًا عن سَلَف، فهم أهل بيت الزلفة، ومستحقو القربة، والمُطَهَّرون من قِبَل الله - على الحقيقة.

قوله جلّ ذكره: { إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }.

لم يقولوا إلهنا مراعاة لخصوصية قَدْره، حيث سلموا له المزية، ورأوا أنفسهم ملحقين بمقامه، ثم أخبروا عن أنفسهم أنهم طُيَّع له بقولهم { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }.

{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

أنزل الحقُّ - سبحانه - كُلاًّ بمحلِّه، وأفرد لكل واحدٍ قَدْراً بموجِبِ حكمه، فلا لهؤلاء عن أشكالهم خبر، ولا بما خَصَّ به كل طائفة إلى آخرين أثر، وكلُّ في إقليمه مَلِك، ولكلٍ يدور بالسعادة فَلَك.
{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

معناه إذا تجاذبتك الفِرَق، واختلفت عليك المطالبات بالموافقة، فاحكم بتقابل دعاواهم، وأَزِد من توجهك إلينا، جارياً على منهاج الخليل عليه السلام في اعتزال الجملة، سواء كان أباه، أو كان ممن لا يوافق مولاه، ولذا قال
{ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }
[مريم: 48] للحق بالحق.


_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تفسير لطائف الاشارات - القشيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت إبريل 14, 2012 2:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله

[b]{ قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

لمَّا آمن نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بجميع ما أُنْزِلَ من قَبْلهِ أُكْرِمَ بجميع ما أَكْرَمَه من قبله، فلمَّا أظهر موافقة الجميع أَمَرَ الكُلَّ بالكَوْنِ تحت لوائه فقال: " آدمُ ومَنْ دونه تحت لوائي يوم القيامة ".

ولمَّا آمنت أُمتَّهُ بجميع ما أَنزل الله على رسله، ولم يفرقوا بين أحدٍ فهم ضربوا في التكريم بالسَّهم الأعلى فتقدموا على كافة الأمم.

{ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }
إن سلكوا طريقتكم، وأخذوا بسبيلكم، أُكرِموا بما أُكْرمتم، ووصلوا إلى ما وصلتم، وإنْ أبَوْا إلا امتيازاً أبَيْنَا إلا هوانهم، فإنَّ نَظَرَنا لمن خدمك يا محمد بالوصلة، وأعراضنا عمن بَايَنَك وخالفك (...)، من خالفك فهو في شق الأعداء، ومن خَدَمَك فهو في شق الأولياء.

{ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }:
كفاية الله متحققة لأن عناية الله بكم متعلقة، فمن نابذكم قصمته أيادي النصرة، ومن خالفكم قهرته قضايا القسمة، وهو السميع لمناجاة أسراركم معنا على وصف الدوام، العليم باستحقاقكم (منا) خصائص اللطف والإكرام.

{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }
معناه الزموا صبغةَ الله، فهو نصب بإضمار فعل.

والإشارة أن العبرة بما وضع الحق لا بما جمع العبد، فما يتكلفه الخلْقُ فإلى الزوال مآله، وما أثبت الحقُّ عليه الفطرة فبإثباته العبرة.

وللقلوب صبغة وللأرواح صبغة وللأسرار صبغة وللظواهر صبغة. صبغة الأشباح والظواهر بآثار التوفيق، وصبغة الأرواح والسرائر بأنوار التحقيق.

{ قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }
كيف تصحُّ محاجة الأجانب وهم تحت غطاء الغيبة، وفي ظلال الحجبة. والأولياء في ضياءُ الكشف وظُهْر الشهود؟

ومتى يستوي حال من هو بنعت الإفلاس بِغَيْبَتهِ مع حال من هو حكم الاختصاص والإخلاص لانغراقه في قُرْبَتِه؟ هيهات لا سواء

{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
مَنْ نظر مِنْ نفسه إلى الخَلْقِ يتخيَّل كُلاًّ بِرَقمِه، ويحسب الجميع بنعت مثله؛ فلمَّا كانوا بحكم الأجنبِيَّة حَكَم الأنبياء - عليهم السلام - بمثل حالتهم، فردَّ الحقُّ - سبحانه - عليهم ظنَّهم و (...) فيهم رأيهم. وهل يكون المجذوب عن شاهده كالمحجوب في شاهده؟ وهل يتساوى المختطف عن كُلِّه بالمردود إلى مثله؟
ذلك ظن الذين كفروا فتعساً لهم!

{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
حالت بينكم وبينهم حواجز من القِسمةِ؛ فهم على الفُرقة والغفلة أسسوا بنيانهم، وأنتم على الزلفة والوصلة ضربتم خيامكم. وعتيق فضلنا لا يشبه طريد قهرنا.

{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
قوله جلّ ذكره: { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا }.

سقمت بصائر الكفار فلم يَلُحْ لهم وجهُ الصواب في جميع أحوال المؤمنين، فطالعوها بعين الاستقباح، وانطلقت ألسنتهم بالاعتراض في كل ما كان ويكون منهم، فلم يروا شيئاً جديداً إلا أَتَوْا عليه باعتراض جديد.

فمن ذلك تغير أمر القِبْلة حينما حُوِّلَتْ إلى الكعبة قالوا إن كانت قبلتهم حقاً فما الذي ولاَّهم عنها؟ فقال جلّ ذكره:

قوله جلّ ذكره: { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

يتعبَّد العباد إلى أي قطرٍ و (...) ونحو شاؤوا، وكذلك أصحابُ الغيبة والحُجبة - عن شهود تصريف الحق لأوليائه - يطلبون وجوهاً من الأمر، يحملون عليها أحوالهم، ولو طالعوا الجميع من عين واحدة لتخلصوا عن ألمِ تَوَزُّع الفِكْر، وشِغْل تَرَجُّم الخاطر، ومطالبات تَقَسُّم الظنون، ولكنَّ الله يهدي لنوره من شاء.

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله جلّ ذكره: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }.

الوسط الخيار، فجعل هذه الأمة خيار الأمم، وجعل هذه الطائفة خيار هذه الأمة فهم خيار الخيار. فكما أن هذه الأمة شهداء على الأمم في القيامة فهذه الطائفة هم الأصول، وعليهم المدار، وهم القطب، وبهم يحفظ الله جميع الأمة، وكلُّ من قَبِلَتْهُ قلوبهم فهو المقبول، ومن رَدَّتْه قبولهم فهو المردود. فالحكم الصادق لفراستهم، والصحيح حكمهم، والصائب نظرهم عصم جميع الأمة (عن) الاجتماع عن الخطأ، وعصم هذه الطائفة عن الخطأ في النظر والحكم، والقبول والرد، ثم إن بناءَ أمرهم مُسْتَنِدٌ إلى سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل ما لا يكون فيه اقتداءٌ بالرسول عليه السلام فهو عليه ردٌّ، وصاحبه على لا شيء.

قوله جلّ ذكره: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }.

بيَّن أن الحكم في تقرير أمر القبلة إلى وقت التحويل، وتحويلها من وقت التبديل كان اختباراً لهم من الحق ليتميز الصادق من المارق، ومَنْ نَظر إلى الأم بعين التفرقة لكبُر عليه أمر التحويل، ومن نظر بعين الحقيقة ظهرت لبصيرته وجوه الصواب. ثم قال: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أي من كان مع الله في جميع الأحوال على قلبٍ واحد فالمختلفات من الأحوال له واحدة، فسواءٌ غيَّر أو قرَّر، وأثبت أو بدَّل، وحقَّق أو حوَّلَ فَهُمْ بِهِ لَهُ في جميع الأحوال، قال قائلهم:
كيفما دارت الزجاجة دُرْنا يحسب الجاهلون أنَّا جُنِنَّا
فإنْ قابلوا شرقاً أو واجهوا غَرْباً، وإنْ استقبلوا حجراً أو قاربوا مدراً، فمقصودُ قلوبهم واحدٌ، وما كان للواحد فحُكْمُ الجميع فيه واحد.

{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }
قوله جلّ ذكره: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ }.

حَفِظَ - صلوات الله عليه - الآدابَ حيث سكت بلسانه عن سؤال ما تمنَّاه من أمر القبلة بقلبه، فَلاَحَظَ السماءَ لأنها طريق جبريل عليه السلام، فأنزل الله عزَّ وجل: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي علمنا سؤلك عمَّا لم تُفْصِحْ عنه بلسان الدعاء، فلقد غيَّرنا القِبْلَةَ لأجلك، وهذه غاية ما يفعل الحبيب لأجل الحبيب.

كلَّ العبيد يجتهدون في طلب رضائي وأنا أطلب رضاك { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ولكن لا تُعَلِّقْ قلبَكَ بالأحجار والآثار، وأَفْرِد قلبك لي، ولتكن القِبلةُ مقصودَ نَفْسِك، والحقُّ مشهودَ قلبك، وحيثما كنتم أيها المؤمنون فولوا وجوهكم شطره، ولكن أَخْلِصوا قلوبَكم لي وأَفرِدوا شهودكم بي.

قوله جلّ ذكره: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }.

ولكنه عِلْمٌ لا يكون عليهم حجة، ولا تكون لهم فيه راحة أو منه زيادة، { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } تهويلاً على الأعداء، وتأميلاً على الأولياء.

{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

سبق لكم من قديم الحكم (...) انفرادٌ بطريق الحق، ووقوع أعدائكم في شق البُعْد، فبينكما برزخٌ لا يبغيان، فما هم بِتَابعي قبلتكم وإنْ أريتهم من الآثار ما هو أظهر من الشموس والأقمار، ولا أنت - بتابعٍ قبلتهم وإن أتَوا بكل احتيال، حُكْماً من الله - سبحانه - بذلك في سابق الأزل

{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

حَمَلَتْهُمْ مُسْتَكنَّاتُ الحَسَدِ على مكابرة ما علموه بالاضطرار، فكذلك المغلوب في ظلمات نفسه، ألقى جلباب الحياء فلم ينْجع فيه مَلاَم، ولم يَرْدَعْه عن انهماكه كلام.

{ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

أي بعدما طلعت لك شموس اليقين فلا تَذْعَنْ إلى مجوزات التخمين. والخطاب له والمراد به الأمة.

{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
الإشارة منه: أنَّ كل قوم اشتغلوا عنَّا بشيءٍ حَالَ بينهم وبيننا، فكونوا أنتم أيها المؤمنون لنا وبنا، وأنشد بعضهم:
إذا الأشغالُ أَلْهَوْني عنك بشُغْلِهم جعلتك أشغالي فأَنْسَيْتَني شُغْلي

{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
قوله جلّ ذكره: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ }.

كما تستقبلون أينما كنتم القِبْلَة - قَرُبتُم منها أم بَعُدْتُم - فكذلك أَقْبَلُوا علينا بقلوبكم كيفما كنتم،؛ حَظَيتم منا أو مُنِيتُم.

قوله جلّ ذكره: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ }.

إذا أردت ألا يكون لأحد عليك سبيلٌ، ولا يقع لمخلوق عليك ظِلٌّ، ولا تصل إليك بالسوءِ يَدٌ، فحيثما كنتَ وأينما كنتَ وكيفما كنت كن لَنَا وكُن مِنّا، فإِنَّ من انقطع إلينا لا يتطرق إليه حدثان.

قوله جلّ ذكره: { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي }.

إذا كانوا محوا عن كونهم رسوماً تجري عليهم أحكامنا - فأنَّى بالخشية منهم!؟

قوله جلّ ذكره: { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }.

إتمام النعمة إضافة الكشف إلى اللطف، فإن من كفاه بمقتضى جوده دون من أغناه بحق وجوده، وفي معناه أنشدوا:

نحن في أكمل السرورِ ولكنْ ليس إلا بكم يَتمُّ السرور
عيبُ ما نحن فيه - يا أهلَ وُدِّي - أنّكم غُيَّبٌ ونحن الحُضُور


{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }
إرسال الرسول مفاتحة لأبواب الوصول، فكان في سابق علمه - سبحانه - أن قلوب أوليائه متعطشة إلى لقائه. ولا سبيل لأحد إليه إلا بواسطة الرسل؛ فأقوام ألزمهم - بإرسال الرسل إليهم - الكُلَف، وآخرون أكرمهم - بإرسال الرسل إليهم - بفنون القُرَب والزُّلَف، وشَتّان بين قوم وقوم!

فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }
الذكر استغراق الذاكر في شهود المذكور، ثم استهلاكه في وجود المذكور، حتى لا يبقى منك أثر يذكر، فيقال قد كان مرةً فلان.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي كونوا مستهلكين في وجودنا، نذكركم بعد فنائكم عنكم،
قال الله تعالى:
{ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [الذاريات: 16]

كانوا وقتاً ولكنهم بانوا دائماً:أناس حديث حسن فكن حديثاً حسناً لمن وعنى

وطريقة أهل العبارة { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالموافقات { أَذْكُرْكُمْ } بالكرامات، وطريقة أهل الإشارة { فَٱذْكُرُونِيۤ } بِتَرْكِ كل حظ { أَذْكُرْكُمْ } بأن أقيمكم بحقي بعد فنائكم عنكم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } مكتفين بي عن عطائي وأفضالي { أَذْكُرْكُمْ } راضياً بكم دون أفعالكم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بذكري لكم ما تذكرون، ولولا سابِقُ ذكري لما كان لاحِقُ ذكركم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بقطع العلائق { أَذْكُرْكُمْ } بنعوت الحقائق.

ويقال اذكرني لكل مَنْ لَقِيتَه أذكرك لمن خاطَبتُه، " فمن ذكرني في مَلأٍ ذكرته في ملأ خيرٍ منهم ".

ويقال { وَٱشْكُرُواْ لِي } على عظيم المِنَّةِ عليكم بأن قُلْتُ: { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ }.

ويقال الشكر من قبيل الذكر، وقوله: { وَلاَ تَكْفُرُونِ } النهي عن الكفران أمرٌ بالشكر، والشكر ذكر، فكرر عليك الأمر بالذكر، والثلاث أول حدِّ الكثرة، والأمر بالذكر الكثير أمر بالمحبة لأنَّ في الخبر: " من أحب شيئاً أكثر ذكره " فهذا - في الحقيقة - أمرٌ بالمحبة أي أحْبِبْني أحبك؛ { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي أحبوني أحببكم.

ويقال: { فَٱذْكُرُونِيۤ } بالتذلل { أَذْكُرْكُمْ } بالتفضُّل.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بالانكسار { أَذْكُرْكُمْ } بالمبار.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } باللسان { أَذْكُرْكُمْ } بالجِنان.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بقلوبكم { أَذْكُرْكُمْ } بتحقيق مطلوبكم.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } على الباب من حيث الخدمة { أَذْكُرْكُمْ } بالإيجاب على بساط القربة بإكمال النعمة.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بتصفية السِّر { أَذْكُرْكُمْ } بتوفية البِّر.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بالجهد والعناء { أَذْكُرْكُمْ } بالجود والعطاء.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بوصف السلامة { أَذْكُرْكُمْ } يومَ القيامة يومَ لا تنفع الندامة.

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } بالرهبة { أَذْكُرْكُمْ } بتحقيق الرغبة.

{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }
استعينوا بالصبر على الصلاة أي بصبركم - عند جريان أحكام الحق عليكم - استحقاقكم صلاة ربكم عليكم، ولذا فإنه تعالى بعد { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } يقول: { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ }.
ويقال استوجب الصابرون نهاية الذخر، وعلو القدر حيث نالوا معَيَّة الله قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }.

{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }
فاتتهم الحياة في الدنيا ولكن وصلوا إلى الحياة الأبدية في العُقْبَى، فهم في الحقيقة أحياء، يجدون من الله فنون الكرامات.

ويقال هم أحياء لأن الخَلَفَ عنهم اللهُ ومَنْ كان الخلفُ عنه الله لا يكون ميتاً، قال قائلهم في مخلوق:
إن يكن عنَّا مضى بسبيله فما مات من يبقى له مثل خالد
ويقال هم أحياء بذكرِ الله لهم، والذي هو مذكور الحق بالجميل بذكره السرمدي ليس بميت.

ويقال إنَّ أشباحهم وإنْ كانت متفرقة، فإنَّ أرواحهم - بالحق سبحانه - متحققة.

ولئن فَنِيَتْ بالله أشباحُهم فلقد بَقِيَتْ بالله أرواحهم لأنَّ من كان فناؤه بالله كان بقاؤه بالله.

ويقال هم أحياء بشواهد التعظيم، عليهم رداء الهيبة وهُمْ في ظلال الأُنْس، يبسطهم جَمَالُه مرةً، ويستغرقهم جلاله أخرى.

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }

ابتلاهم بالنعمة لِيُظْهِرَ شكرهم، وابتلاهم بالمحنة ليظهر صبرهم، فلما أدخل المعلوم من حالهم في الوجود، ورسمهم بالرقم الذي قَسَمَه، وأثبتهم على الوصف الذي علمه، (ابتلاهم) بالخوف وفيه تصفية لصدورهم، وبالجوع وفيه تنقية لأبدانهم، وبنقص من الأموال تزكو به نفوسهم، وبمصائب النفوس يعظم بها عند الله أجرهم، وبآفة الثمرات يتضاعف من الله خلفهم.

{ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } يعني الذين لا اعتراض لهم على تقديره فيما أمضاه.

ويقال طالبهم بالخوف (ابتعاداً) عن عقوبته ثم بمقاساة الجوع ابتغاء قربته وكرامته، ونقصٍ من الأموال بتصَدُّقِ الأموال والخروج عنها طلباً للخير منه بحصول معرفته.

" والأنفس " تسليماً لها إلى عبادته " والثمرات " القول بترك ما يأملونه من الزوائد في نعمته { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } على استحسان قضيته، والانقياد لجريان قدرته.

ومطالبات الغيب إما أن تكون بالمال أو بالنفس أو بالأقارب؛ فمن أوقف المال لله فله النجاة، ومن بذل لحكمه النَّفْسَ فله الدرجات، ومن صبر عند مصائب الأقارب فله الخلف والقُرُبات، ومن لم يدخر عنه الروح فله دوام المواصلات.

قوله جلّ ذكره: { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ }... الآية.

قابلوا الأمر بالصبر لا بل بالشكر لا بل بالفرح والفخر.

ومن طالع الأشياء مِلْكاً للحق رأى نفسه أجنبياً بينه وبين حكمه؛ فمِنشِئُ الخَلْقِ أولى بالخَلْق من الخَلْق.

ويقال من شهد المصائب شهد نفسه لله وإلى الله، ومن شاهد المُبْلِي عَلِمَ أن ما يكون من الله فهو عبد بالله، وشتان بين من كان لله وبين من كان بالله؛ الذي كان لله فصابرٌ واقفٌ، والذي هو بالله فساقط الاختيار والحكم، إنْ أثبته ثَبَتَ، وإنْ محاه انمحى، وإنْ حرَّكه تحرك، وإن سَكَّنَه سَكَن، فهو عن اختياراته فانٍ، وفي القبضة مُصْرَّفٌ.
[/b]


_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تفسير لطائف الاشارات - القشيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مايو 07, 2012 6:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله

[b]{ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }


بصلواته عليهم ابتداءً وصلوا إلى صبرهم ووقوفهم عند مطالبات التقدير، لا بصبرهم ووقوفهم وصلوا إلى صلواته، فلولا رحمته الأزلية لما حصلت طاعتهم بشرط العبودية، فعنايته السابقة أوجبت لهم هداية خالصة.

قال تعالى: { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } لما رحمهم في البدية اهتدوا في النهاية.[/b]


_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تفسير لطائف الاشارات - القشيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مايو 07, 2012 6:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله

A[align=right]{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }قوله جلّ ذكره: { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ }.

تلك المشاهد والرسوم، وتلك الأطلال والرقوم، تُعَظَّم وتُزَار، وتُشدُّ إليها الرحال لأنها أطلال الأحباب، وهنالك تلوح الآثار:أهوى الديار لمن قد كان ساكنها وليس في الدارِ همٌّ ولا طَرَبُ
وإن لتُرابِ طريقهم بل لغبار آثارهم - عند حاجة الأحباب - أقداراً عظيمة، وكل غبرة تقع على (حافظات طريقهم) لأعزُّ من المِسْك الأذفر:وما ذاك إلا أن مشت عليه أميمةٌ في ترِبها وجرَّت به بُردا

قوله جلّ ذكره: { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }.

حَظَى الصفا والمروة بجوار البيت فَشُرعَ السعي بينهما كما شرع للبيت الطواف، فكما أن الطواف ركن في النُّسك فالسعي أيضاً ركن، والجارُ يُكْرَمُ لأجل الجار.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }


الإشارة في هذه الآية لمن كاشفه الحقُّ سبحانه بعلم من آداب السلوك ثم ضنّ بإظهاره للمريدين على وجه النصيحة والإرشاد استوجب المقت في الوقت، ويخشى عليه نزع البركة عن علمه متى قصَّر فيه لما أخَّر من تعليم المستحِق.

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

تداركوا ما سلف من تقصيرهم بحسن الرُّجْعَى، والقيام للمريدين على وجه النصيحة، وبيَّنوا لهم - بجميل البيان وإقامة البرهان على ما يقولون - حسنَ قيامهم بمعاملاتهم. فإنَّ أظهرَ الحجَج لبيانِ أفعالك وأصدقَ الشهادةِ لتصحيح ما تدعو به الخلْق إلى الله - ألا يُخالِفَ بمعاملتك ما تشير إليه بمقالتك، قال الله تعالى:
{ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ }
[هود: 88].

{ إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }

الإشارة فيه أن الذين بدا لهم بعدما سلكوا طريق الإرادة (أنْ) يرجعوا إلى أحوال العادة، ثم في تلك الوحشة قُبضوا، وعلى تلك الحالة من الدنيا خرجوا، أولئك أصحاب الفُرقة، فلا على أرواحهم إقبال ولا لمصيبتهم جبران، ولا لأحد عليهم ترحم، خسروا في الدنيا والآخرة، يلعنهم البقُّ في الهواء والنقعُ على الماء.

{ خَالِدِينَ } أي مقيمين أبداً في هوانهم وصغرهم، لا تخفيف ولا إسعاف ولا رفق ولا ألطاف.

{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }

شَرَّفهم غايةَ التشريف بقوله { وَإِلَـٰهُكُمْ }. وإن شيوخ هذه الطائفة قالوا: علامةُ من يَعُدُّه من خاصَّ الخواص أن يقول له: عبدي، وذلك أتمُّ من هذا بكثير لأن قوله: { وَإِلَـٰهُكُمْ }: وإضافة نَعْتِهِ أتمُّ من إضافته إياك إلى نفسه لأن إلهيته لَكَ بلا عِلَّة، وكونُك له عبد يُعوِّض كل نقصك وآفتك. ومتى قال لكم { وَإِلَـٰهُكُمْ }.

حين كانت طاعتك وحركاتك وسكناتك أو ذاتك وصفاتك لا بل قبل ذلك أزل الأزل حين لا حِينَ، ولا أوَانَ، ولا رسم ولا حدثان.

و (الوَاحِدُ) من لا مِثْلَ له يدانيه، ولا شكل يلاقيه. لا قسيم يجانسه ولا نديم يؤانسه. لا شريكَ يعاضده ولا مُعِين يساعده ولا منازعَ يعانده.

أحديُّ الحق صمديُّ العين ديموميُّ البقاء أبديُّ العز أزليُّ الذات.

واحدٌ في عز سنائه فَردٌ في جلال بهائه، وِتْرٌ في جبروت كبريائه، قديم في سلطان عِزِّه، مجيد في جمال ملكوته. وكل مَنْ أطنب في وصفه أصبح منسوباً إلى العمى (فـ) ـلولا أنه الرحمن الرحيم لتلاشى العبدُ إذا تعرَّض لعرفانه عند أول ساطعٍ من بادياتِ عزِّه.

{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }


تَعَرَّف إلى قلوب الطالبين من أصحاب الاستدلال وأرباب العقول بدلالات قدرته، وأمارات وجوده، وسمات ربوبيته التي هي أقسام أفعاله. ونبههم على وجود الحكمة ودلالات الوحدانية بما أثبت فيها من براهينَ تلطف عن العبارة، ووجوهٍ من الدلالات تَدِقُّ عن الإشارة، فما من عينٍ من العدم محصولة - من شخصٍ أو طلل، أو رسم أو أثر، أو سماء أو فضاء، أو هواء أو ماءٍ، أو شمسٍ أو قمر، أو قَطْرٍ أو مطر، أو رَمل أو حجرٍ، أو نجم أو شجرٍ - إلا وهو على الوحدانية دليل، ولِمَنْ يقصد وجوده سبيل.

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } * { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ }


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ }.


هؤلاء قوم لم يجعلهم الحق سبحانه أهل المحبة، فَشَغَلهم بمحبة الأغيار حتى رضوا لأنفسهم أن يحبوا كل ما هَوَتَهْ أنفسهم، فرضوا بمعمولٍ لهم أن يعبدوه، ومنحوت - من دونه - أن يحبوه.

قوله جلّ ذكره: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ }.ليس المقصود من هذا ذكر محبة الأغيار للأصنام، ولكن المراد منه مدح المؤمنين على محبتهم، ولا تحتاج إلى كثير محبة حتى تزيد على محبة الكفار للأصنام، ولكن من أحبَّ حبيباً استكثر ذكره، بل استحسن كل شيء منه.

ويقال وجه رجحان محبة المؤمنين لله على محبة الكفار لأصنامهم أن (هذه) محبة الجنس للجنس، وقد يميل الجنس إلى الجنس، وتلك محبةُ من ليس بجنسٍ لهم فذلك أعزُّ وأحق.

ويقال إنهم أحبوا ما شاهدوه، وليس بعجيب محبة ما هو لك مشهود، وأمَّا المؤمنون فإنهم أحبوا من حَالَ بينهم وبين (شهوده) رداء الكبرياء على وجهه.

ويقال الذين آمنوا أشد حباً لله لأنهم لا يتبرأون من الله سبحانه وإنْ عَذَّبَهُم. والكافر تبرأ من الصنم والصنمُ من الكافر كما قال تعالى: { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } الآية.

ويقال محبة المؤمنين حاصلة من محبة الله لهم فهي أتم، قال تعالى:
{ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }
[المائدة: 54] ومحبتهم للأصنام من قضايا هواهم.

ويقال محبة المؤمنين أتمُّ وأشدُّ لأنها على موافقة الأمر، ومحبة الكفار على موافقة الهوى والطبع، ويقال إنهم كانوا إذا صلحت أحوالهم، واتسعت ذات يدهم اتخذوا أصناماً أحسن من التي كانوا يعبدونها قبل ذلك في حال فقرهم؛ فكانوا يتخذون من الفضة - عند غناهم - أصناماً ويهجرون ما كان من الحديد... وعلى هذا القياس! وأمَّا المؤمنون فأشَدُّ حباً لله لأنهم عبدوا إلهاً واحداً في السّراء والضراء.

قوله جلّ ذكره: { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ }.

إذا بَدَتْ لهم أوائلُ العذاب اتضح أنهم لم يقفوا من الصدق على قَدَم، وأمّا المؤمنون فيسلبهم أرواحهم وأملاكهم وأزواجهم وأولادهم، ويُسْكِنُ (أولئكَ) في القبور سنين ثم يبتليهم في القيامة بطول الآجال وسوء الأعمال ثم يلقيهم في النار.

(أما المؤمنون) فيأتي عليهم طول الأيام والأعمال فلا يزدادون إلا محبة (على محبة) ولذلك قال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ }.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }

عند ذلك يعرفون مرارة طعم صحبة المخلوقين ولكن لا يحصلون إلا على حسرات.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

الحرام - وإنْ اسْتُلِذَّ في الحال - فهو وبيء في المآل، والحلال - وإن اسْتُكْرِه في الحال - فهو مريء في المآل.

والحلال الصافي ما لم ينسَ مُكْتَسِبُه الحقَّ في حال اكتسابه.

ويقال الحلال ما حصله الجامع له والمكتسب على شهود الحق في كل حال.

وكلُّ ما يحملك على نسيان الحق أو عصيان الحق فهو من خطوات الشيطان.

{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

لاجترائه على الله يدعوك به إلى افترائك على الله.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

لا ترفع أبصارهم عن أشكالهم وأصنافهم، من أضرابهم وأسلافهم، فَبَنَوْا على منهاجهم، فلا جَرَمَ انخرطوا في النار، وانسلكوا في سلكهم، ولو عَلِمُوا أن أسلافهم لا عقل يردعهم، ولا رشد يجمعهم لنابذوهم مناصبين، وعائدوهم مخالفين، ولكن سلبوا أنوار البصيرة، وحُرِموا دلائل اليقين.

{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

عدموا سمع الفهم والقبول، فلم ينفعهم سمع الظاهر، فنزلوا منزلة البهائم في الخلوِّ عن التحصيل، ومَنْ رضي أن يكون كالبهيمة لم يقع عليه كثير قيمة.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

الحلال ما لا تَبِعَه عليه، والطيب الذي ليس لمخلوقٍ فيه مِنَّة، وإذا وجد العبد (طعا)ماً يجتمع فيه الوصفان فهو الحلال الطيب.

وحقيقة الشكر عليه ألا تتنفس في غير رضاء الحق ما دام تبقى فيك القوة لذلك الطعام

{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

حرَّم على الظواهر هذه المعدودات وهي ما أهل به لغير الله، وحرَّم على السرائر صحبة غير الله بل شهود غير الله، فمن اضطر - أي لم يجد إلى الاستهلاك في حقائق الحق وصولاً - فلا يَسْلكَنَّ غير سبيل الشرع سبيلاً، فإما أن يكون محواً في الله، أو يكون قائماً بالله، أو عاملاً لله، والرابع همجٌ لا خَطَرَ له.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

العلماء مُطَالَبُون بنشر دلائل العلم، والأولياء مأمورون بحفظ ودائع السِّر فإنْ كَتَم هؤلاء براهين العلوم ألجموا بلجام من النار، وإن أظهر هؤلاء شظية من السر عُوجِلُوا ببعاد الأسرار، وسَلْبِ ما أوتوا من الأنوار. ولكُلٍ جدٌّ، وعلى كل أمرٍ قطيعة.

{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

إن الذين آثروا الغَيْرَ على الغيب، والخَلْقَ على الحقِّ، والنَفْسَ على الأُنْسِ، ما أقسى قلوبهم، وما أوقح محبوبهم ومطلوبهم، وما أخس قدرهم، وما أفضح لذوي الأبصار أمرهم! ذلك بأن الله نَزَّل الكتاب بالحق، وأمضى القضاء والحكم فيه بالصدق، وأوصلهم إلى مَالَهُ أَهَّلَهُمْ، وأثْبَتَهُم على الوجه الذي عليه جَبَلَهُمْ.

[/align]

_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تفسير لطائف الاشارات - القشيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 07, 2012 5:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 23, 2004 6:37 pm
مشاركات: 264
مكان: حيثما يوجد احباء محمد واله

{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله جلّ ذكره: { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

رمضان يُرْمِضُ ذنوب قوم ويرمض رسوم قوم، وشتان بين من تحرِق ذنوبَه رحمتُه وبين من تحرِق رسومَه حقيقتُه.

شهر رمضان شهر مفاتحة الخطاب، شهر إنزال الكتاب، شهر حصول الثواب، شهر التقريب والإيجاب. شهر تخفيف الكلفة، شهر تحقيق الزلفة، شهر نزول الرحمة، شهر وفور النعمة. شهر النجاة، شهر المناجاة.

قوله جلّ ذكره: { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ }.

أراد بك اليسر (وأنت تظن) أنه أراد بك العسر.

ومن أمارات أنه أراد بعبده اليسر أنه (أقامه) بطلب اليسر؛ ولو لم يُرِدْ به اليسر لَمَا جعله راغباً في اليسر، قال قائلهم:لو لم تُرِدْ نَيْلَ ما أرجو وأطلبهُ من فيضِ جودِك ما علمتني الطلبا
حقَّق الرجاء وأكَّد الطمع وأوجب التحقيق حيث قال: { وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } لينفيَ عن حقيقة التخصيص مجوزاتِ الظنون.

قوله جلّ ذكره: { وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ }.

على لسان العلم تكملوا مدة الصوم.

وعلى لسان الإشارة لتقرنوا بصفاء الحال (وفاء) (المآل).

{ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } في النَّفَسِ الأخير، وتخرجوا من مدة عمركم بسلامة إيمانكم. والتوفيق في أن تكمل صوم شهرك عظيم لكن تحقيق أنه يختم عمرك بالسعادة - أعظم.


_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 27 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 56 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط