أ.د. عادل البيلى:
أنبأ الرسول بأنه سوف يحدث غزو للعراق وحظر على أهله من قبل العجم ويتلو ذلك غزو للشام وحظر على أهله من قبل الروم. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن جابر بن عبد الله قال يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم قلنا من أين ذاك قال من قبل العجم يمنعون ذاك, ثم قال يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدى قلنا من أين ذاك قال من قبل الروم, ثم سكت هنيهة ثم قال قال رسول الله يكون فى آخر أمتى خليفة يحثى المال حثياً لا يعده عدداً...) صحيح مسلم, مسند الإمام أحمد, باقى مسند المكثرين) (القفيز مكيال لأهل العراق, والمدى مكيال لأهل الشام) والروم والعجم يدلان على أهل أوروبا وأمريكا التى هى أصلاً غزاة من الأوربيين استوطنوا هذه القارة وقضوا على أهلها الأصليين, فهم كل لا يتجزأ. وهذا هو الحظر الذى رأيناه فى أيامنا هذه من منع الغذاء والسلاح والدواء عن آهل العراق وما تبع ذلك من غزو واحتلال حتى يدوم الحظر والمنع إلى اجل لا يعلمه إلا الله.
وما كان ذلك إلا نتيجة لغزو حاكم العراق صدام حسين بجيوشه لدولة الكويت العربية لنهب ثرواتها ومقدراتها, وأخبر الرسول أن دخن هذه الفتنة من تحت قدم رجل يدعى أنه من آل بيت الرسول ولكن عمله وسلوكه فى الحقيقة لا يتفقان وهذا النسب:
عن ابن عمر رضى الله عنه قال قال رسول الله : فتنة الأحلاس هَرَب و حَرَب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدم رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني و ليس مني و إنما أوليائي المتقون, ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل : انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا و يمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه و فسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتطروا الدجال من يومه أو غده. ( تخريج السيوطي في صحيح الجامع, وأخرجه أبو داوود, ورواه الحاكم). وقد ورد شرح هذا الحديث فى"عون المعبود" ج 11 ص 208 : قال الخطابي الأحلاس جمع حلس وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب شبهها به للزومها ودوامها, وقال الخطابي إنما أضيفت إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها أو لسواد لونها وظلمتها. قال النبي هي أي فتنة الأحلاس هرب بفتحتين أي يفر بعضهم من بعض لما بينهم من العداوة والمحاربة قاله القاري وحرب, والحرب بالتحريك نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له, وقال الخطابي الحرب ذهاب المال والأهل. ثم فتنة السراء قال القاري والمراد بالسراء النعماء التي تسر الناس من الصحة والرخاء والعافية من البلاء والوباء وأضيفت إلى السراء لأن السبب في وقوعها ارتكاب المعاصي بسبب كثرة التنعم أو لأنها تسر العدو. دخنها يعني ظهورها وإثارتها شبهها بالدخان المرتفع والدخن بالتحريك مصدر دخنت النار تدخن إذا ألقى عليها حطب رطب فكثر دخانها وقيل أصل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سوداء, وإنما قال من تحت قدمي رجل من أهل بيتي تنبيها على أنه هو الذي يسعى في إثارتها أو إلى أنه يملك أمرها يزعم أنه مني أي في الفعل وإن كان مني في النسب والحاصل أن تلك الفتنة بسببه وأنه باعث على إقامتها وليس مني أي من أخلائي أو من أهلي في الفعل لأنه لو كان من أهلي لم يهيج الفتنة ونظيره قوله تعالى (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) أو ليس من أوليائي في الحقيقة ويؤيده قوله وإنما أوليائي المتقون, قال الأردبيلي فيه إعجاز وعلم للنبوة وفيه أن الاعتبار كل الاعتبار للمتقي وإن بعد عن الرسول في النسب وأن لا اعتبار للفاسق والفتان ثم رسول الله وإن قرب منه في النسب . ثم يصطلح الناس على رجل أي يجتمعون على بيعة رجل كورك بفتح وكسر قاله القاري على ضلع بكسر ففتح ويسكن واحد الضلوع أو الأضلاع قاله القاري قال الخطابي هو مثل ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك وبالجملة يريد أن هذا غير خليق للملك ولا مستقل به, وفي النهاية أي يصطلحون على أمر واه لا نظام له ولا استقامة والمعنى أنه غيرأهل للولاية لقلة عمله وخفة رأيه. ثم فتنة الدهيماء وهي بضم ففتح والدهماء السوداء والتصغير للذم أي الفتنة العظماء والطامة العمياء قاله القاري, والدهماء الفتنة المظلمة والتصغير فيها للتعظيم وقيل أراد بالدهيماء الداهية ومن أسمائها الدهيم, أي لا تترك تلك الفتنة أحداً إلا لطمته لطمة أي أصابته بمحنة ومسته ببلية وأصل اللطم هو الضرب على الوجه ببطن الكف والمراد أن أثر تلك الفتنة يعم الناس ويصل لكل أحد من ضررها فإذا قيل انقضت أي فمهما توهموا أن تلك الفتنة انتهت تمادت بتخفيف الدال أي بلغت المدى أي الغاية من التمادي وبتشديد الدال من التمادد تفاعل من المد أي استطالت واستمرت واستقرت قاله القاري. يصبح مؤمنا أي لتحريمه دم أخيه وعرضه وماله ويمسي كافرا أي لتحليله ما ذكر ويستمر ذلك إلى فسطاطين بضم الفاء وتكسر أي فرقتين وقيل مدينتين وأصل الفسطاط الخيمة فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال قاله القاري فسطاط إيمان بالجر على أنه بدل وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي إيمان خالص, قال الطيبي الفسطاط بالضم والكسر المدينة التي فيها يجتمع الناس وكل مدينة فسطاط وإضافة الفسطاط إلى الإيمان إما يجعل المؤمنين نفس الإيمان مبالغة وإما يجعل الفسطاط مستعارا للكتف والوقاية على المصرحة أي هم في كتف الإيمان ووقايته, قاله القاري لا نفاق فيه أي لا في أصله ولا في فصله من اعتقاده وعمله لا إيمان فيه أي أصلا أو كمالا لما فيه من أعمال المنافقين من الكذب والخيانة ونقض العهد وأمثال ذلك فانتظروا الدجال أي ظهوره.
وفى هذا الحديث نجد أن الرسول سمى هذه الفتنة بفتنة السراء , وكما سبق فإن هذا الاسم من واقع الغنى الفاحش الذى تعيشه إحدى الدولتين, وطمع الدولة الأخرى فيها وهى دولة غنية أيضاً, ولكنه الطمع والجشع. ثم يخبرنا الرسول بأن الناس سوف يصطلحون على حاكم آخر (بعد زوال الحاكم الجشع) كورك على ضلع ( أى أنه عديم النفع وليست منه فائدة لا لشعب العراق ولا للإسلام). وقد سبقت هذه الفتنة فتنة أخرى سماها الرسول بفتنة الأحلاس (جمع حلس وهو كساء على ظهر البعير) يكون فيها هَرَب وحَرَب(يفتح الراء) ولا نستطيع أن نجزم أهى الحرب التى كانت بين العراق وإيران, أم هى الحروب التى دارت بين الدول والإمارات الإسلامية فى العصور السابقة, وقد ورد فى ذلك حديث عن رسول الله :
عن أَبى هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّه.) صحيح مسلم)
تم تكبير الخط بواسطة الإدارة
برجاء مراعاة تكبير حجم الخط
|