[align=center]المقدمة في بيان ابتداء الخلق[/align]
اعلم وفقك الله لما يحب و يرضي لما خلق الله روح محمد (صلى الله عليه و سلم) أولاً من نور جماله كما قال عز و جل خلقت روح محمدٍ(صلى الله عليه و سلم) من نور وجهي كما قال النبي (صلى الله عليه و سلم) أول ما خلق الله روحي و أول ما خلق الله نوري و اول ما خلق الله القلم و أول ما خلق الله العقل. فالمراد منه شئ واحد و هو الحقيقة المحمدية.
لكن سُميَ نوراً لكونه صافياً عن الظلمات الجلالية كما قال الله تبارك و تعالى {قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين} (وعقلاً ) لكونه مدركاً للكليات (وقلماً) لكونه سبباً لنقل العلم كما أن العلم سبب في عالم الحروفات. فالروح المحمدية خلاصة الأكوان و اول الكائنات و أصلها كما قال عليه الصلاة و السلام "أنا من الله و المؤمنون مني"
و خلق الله الأرواح كلها منه في عالم اللاهوت و في أحسن التقويم الحقيقي و هو اسم الجملة الإنس في ذلك العالم و هو الوطن الاصلي. فلما مضى عليها أربعة آلاف سنة خلق العرش من نور عين محمد (صلى الله عليه و سلم) و بواقي الكائنات منه.
(ثم) ردت الأرواح إلى درك أسفل الكائنات أعني الأجساد كما قال الله تعالى { ثم رددناه أسفل السافلين} يعني نزله أولاً من عالم اللاهوت إلى عالم الجبروت فألبسهم الله تعالى بنور الجبروت كسوة بين الحرمين و هو الروح السلطاني (ثم) أنزلهم بهذه الكسوة إلى عالم الملكوت و كساهم بنور الملكوت و هو الروح الروحاني ثم أنزلهم إلى عالم الملك و كساهم بنور الملك و هو الروح الجسماني.
(ثم) خلق الله الأجساد منها كما قال تعالى {منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى}. ثم أمر الله الارواح أن تدخل في الأجساد فدخلت بأمر الله تعالى {ونفخت فيه من روحي).
فلما تعلقت الأرواح وأنست في الأجساد و نسيت ما اتخذت من عهد الميثاق في يوم ألست بربكم قالوا بلى فلم ترجغ إلى الوطن الأصلي كما قال تعالى {وذكرهم بأيام الله} أي أيام وصاله فيما سبق مع الأرواح فجميع الأنبياء جاءوا في الدنيا و ذهبوا إلى الآخرة لهذا التنبيه فقَل من تذكر و رجع و اشتاق ووصل إليه أي إلى وطنه الأصلي. حتى أفضت النبوة إلى الروح الأعظم (المحمدي) خاتم الرسالة و الهادي من الضلالة فأرسله إلى هؤلاء الناس الغافلين ليفتح بصيرتهم من نوم الغفلة فيدعوهم إلى الله تعالى ووصاله و لقاء جماله الأزلي كما قال الله تعالى {قل هذا سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن تبعني} . قال النبي (صلى الله عليه و سلم) " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".
و البصيرة من عين الروح تفتح في مقام الفؤاد للأولياء وذلك لا تحصل بعلم الظاهربل بالعلم اللدني الباطن كما قال الله تعالى {وعلمناه من لدنا علما}. فالواجب على الإنسان تحصيل تلك العين على أهل البصائر بأخذ التلقين من ولي مرشد مخبر من عالم اللاهوت.
فيا أيها الإخوان انتبهوا و سارعوا إلى مغفرة من ربكم بالتوبة كما قال الله تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات و الأرض أعدت للمتقين}. وادخلوا في الطريق وارجعوا إلى ربكم مع هذه القوافل الروحانية فعن قريب ينقطع الطريق و لا يوجد الرفيق إلى ذلك العالم وما جئنا لنقعد في هذه الدنيا الدنية الخرابة ولا لأجل الأكل و الشرب ولنقنغ بالمهمات النفسية الخبيثة.
فنبيكم منتظر مغموم لأجلكم. كما قال (صلى الله عليه و سلم) "غمي لأجل أمتي الذين في آخر الزمان".
(( من كتاب "سر الأسرار" لسيدي عبد القادر الجيلاني (رضي الله عنه) ))
_________________
ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته
|