الأخ الفاضل / موج الرحيل .. تعقيبا على مقالتك الخاصة بأولية النور المحمدى , أقول :
1- بالنسبة لحديث جابر : (( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر )) فقولك عنه أنه مفتعل مكذوب على رسول الله
فالجواب :
أولا : الحكم على الحديث مبنى على الوقوف على إسناده , وحديث أولية النور المحمدى عزى إلى عبد الرزاق , وهو فى الجزء المفقود , فلم نقف عليه فى المصنف ولا التفسير . وقد أورده الديار بكرى فى تاريخ الخميس مطولا , وعزاه إلى عبد الرزاق والبيهقى .
وقال الشيخ محمد الخضر الشنقيطى فى كتابه (إستحالة المعية بالذات ببيان مذهب السلف والخلف فى المتشابه والصفات ) : وفى أحكام ابن القطان مما ذكره ابن مرزوق عن على بن الحسين عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( كنت نورا بين يدى ربى قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام )
وفى الخبر ( لما خلق الله آدم جعل ذلك النور فى جبينه فيغلب على سائر نوره , ثم رفعه الله على سرير ملكه , وحمله على أكتاف ملائكته , وأمرهم فطافوا به فى السموات ليرى عجائب ملكوته ) انتهى كلامه .
لأجل ذلك فإنه من المجازفة الحكم على الحديث بالوضع .
ثانيا : قد قال بأولية النور المحمدى كافة أهل الله من الصوفية , وطائفة من أهل العلم منهم الدياربكرى فى كتابه ( تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس صلى الله عليه وسلم ) والعلامة الشيخ محمد الخضر بن مايأبى الشنقيطى فى كتابه ( إستحالة المعية بالذات ببيان مذهب السلف والخلف فى المتشابه والصفات ) وقد تداول ذلك المشايخ كابرا عن كابر .
2 - وقولك : الحديث مخالف للآية قال تعالى { وجعلنا من الماء كل شيء حي } .
فالجواب :
أولا : ليس فى الآية مايدل على موضوع أولية الخلق , وإنما موضوعها بيان خلق السموات والأرض , ثم ذكر ما تفضل الله به من إحياء الخلق بالماء .
وأيضا فلم يذكر أحد من أئمة التفسير فى مصنفاتهم تصريحا ولا تلميحا أن الماء أول المخلوقات استدلالا بهذه الآية ( راجع : تفسير الطبرى والقرطبى وغيرهما )
ثانيا : لو كان معنى الآية على إطلاقه كما يلمح من فهمك , فيترتب على ذلك أن كل ما فى الكون خلق من الماء بما فى ذلك الملائكة والجن والأرواح , وذلك مخالف لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أن الله خلق الملائكة من نور , ومخالف لما فى القرآن الكريم حكاية عن خلق الجان من مارج من نار .
3- وقولك : وذلك لأن في الجملة الأولى : (( أول ما خلق الله تعالى نور نبيك )) ، جعل نور النبي أول العالم والمخلوقات على الإطلاق
فالجواب :
وماالذى يضير أن يكون النور المحمدى الشريف أول المخلوقات , ولماذا لا يقع التعجب والإنكار إذا قيل أن أول ما خلق هو القلم أو اللوح أو الماء ؟ ولماذا الحجر على سعة خلق الله تعالى , وإذا كان القرآن قد صرح بأن الله تعالى قد أطلع سيدنا إبراهيم على ملكوت السموات والأرض , وإذا كان الإنسان لايزال يكتشف كل يوم شيئا جديدا من العوالم الفسيحة من حوله ومع ذلك لا يحيط بها علما .
أقول : فكما أن فى العوالم الظاهرة خلقا لا يعلمه إلا الله , لماذا لا يقال أن النور المحمدى هو أول ما خلق فى عالم الأنوار , والقلم أول ما خلق فى عالم الأقدار .
وهنا لطيفة ذكرها العلامة الخضر الشنقيطى , وهى أن أبا العلاء الهمدانى حكى عن العلماء قولين فى أيهما خلق أولا .. العرش أو القلم ؟ قال : والأكثر على سبق خلق العرش لما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ) فهذا صريح فى أن التقدير وقع بعد خلق العرش , والتقدير وقع عند أول خلق القلم بحديث عبادة الصامت ( أول ما خلق الله القلم ثم قال اكتب , فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ) وهذا ليس فيه سبق خلق القلم على العرش , بل فيه سبق العرش . انتهى
وأقول : بناء على ما ذهب إليه الأكثرون من أولية خلق العرش , فإنى أتساءل : فمتى كتب على ساق العرش ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ؟ وهل كانت كينونة حضرة النبى صلى الله عليه وسلم مخلوقة حاضرة أم لا ؟
هذا .. وقد جمع العلماء بين تلك الأوليات بأن أولية القلم بالنسبة لما عدا الماء والعرش , أو بالنسبة إلى ما صدر من الكتابة أى أنه قيل له اكتب أول ما خلق .
وكما جمع بين أولية القلم والماء والعرش يجمع بين أولية النور المحمدى والماء والعرش , فيقال أن أولية الماء والعرش بالنسبة إلى ماعدا النور المحمدى , وقيل أن الأولية فى كل بالإضافة إلى جنسه .
4- وقولك : هذه الجملة : (( خلقه الله من نوره قبل الأشياء )) ، إن اعتبر أن معنى من نوره أي نورٍ مخلوق لله على أن الإضافة إضافة المُلك إلى المالك ليست إضافة صفة إلى موصوف يكون المعنى أن أول المخلوقات نورٌ خلقَه الله ثم خلق منه نور محمد فهذا يُناقض الجملة الأولى لأن الجملة الأولى تدل على أن نور محمد أول المخلوقات على الإطلاق وهذه الجملة : (( خلقه الله من نوره قبل الأشياء )) ، تدل على أن أول المخلوقات نور خُلِقَ منه نور محمد فيكون نور محمد متأخرا عن ذلك النور في الوجود فلا يصح على هذا قول : نور محمد أول المخلوقات على الإطلاق
وقولك : وأما إن اعتبرت الإضافة التي في نوره إضافة الصفة إلى الموصوف فالبلية أشدُ وأكبر لأنه يكون المعنى أن سيدنا محمدا جزءٌ من صفة الله وهذا إثباتُ البعضية لله ، والله تعالى منـزه عن البعضية والتركيب والتجزُئِ وذلك كفر فيكون على التقدير الثاني إثبات التبَعُض لله وذلك يُنافي التوحيد ، لأن الله واحدٌ ذاتا وصفات لم ينحلَّ منه شىء ولا ينحلُّ هو من شىء غيره فلا تكون صفاته صفة لغيره بل صفاته لا هي عين الذات ولا هي غير الذات ولا تكون أصلا لغيرها كما قرر علماء التوحيد في مؤلفاتهم
فالجواب :
أولا : يا أخى الحبيب مالذى حدا بك أن تحصر كلمة (من ) فى معنى التبعيض ؟ فكلمة (من ) تأتى مرة بيانية .. كما فى قوله صلى الله عليه وسلم ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) وقوله صلى الله عليه وسلم فى مسند أحمد والترمذى وابن حبان ( كان الله ولا شيء فخلق المقادير وخلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فقد علم من يخطئه ممن يصيبه ) وانظر فتح البارى وشرح الزرقانى على الموطأ .
ومرة تأتى تبعيضية , ومرة تأتى ابتدائية .. فلماذا حصر الفهم على معنى واحد .. ثم للأسف بنيت عليه ما بنيت من التجزؤ والتبعيض فى ذات الله سبحانه وتعالى ؟ ثانيا : أن ذلك التفريع لا محل له هنا , فالقائلون بأولية النور المحمدى الشريف لا يدعون أن الذات الإلهية انحل منها شىء , أو انحلت هى من شىء - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
وأشير هنا قبل أن أختم تلك المشاركة إلى أن تلك المسألة لاتعد من المسائل العقائدية التى ينبنى عليها صحة الإسلام أو نقضه .
وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم .. سبحانك اللهم وبحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك وأتوب إليك .
|