[font=Tahoma][align=justify] هذه عقيدة الإمام عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء ، كما أوردها الإمام العلامة التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ، ضمن ترجمته للإمام العز بن عبد السلام حيث قال :
[فكتب العقيدة المشهورة وقد ذكر ولدُه بعضها في تصنيفه وأنا أرى أن أذكرها كلّها لتستفاد وتحفظ
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه وعنّا به :
الحمد لله ذي العزة والجلال والقدرة والكمال والإنعام والإفضال الواحد الأحد الفردُ الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ليس بجسم مصوَّر ولا جوهرٍ محدودٍ مقدر ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شيءٌ ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرضون ولا السموات كان قبل أن كوَّن المكان ودبَّر الزمان وهو الآن على ما عليه كان .
خلَق الخلق وأعمالهم وقدّر أرزاقهم وآجالهم فكلُّ نعمة منه فهي فضلٌ وكلّ نقمة منه فهي عدلٌ ( لا يُسئَلُ عمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسئَلُونَ ) استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسَّة والاستقرار والتمكُّن والحلول والانتقال
فتعالى الله الكبير المتعال عما يقوله أهل الغي والضلال .
بل لا يحمله العرشُ ، بل العرشُ وحملَتُه محمولون بلطف قدرته مقهورون في قبضته .
أحاط بكلِّ شيءٍ عِلما وأحصى كلَّ شيء عددا مطّلِعٌ على هواجس الضمائر وحركات الخواطر حيٌّ مريدٌ سميعٌ بصيرٌ عليمٌ قديرٌ .
متكلم بكلامٍ قديم أزليٍّ ليس بحرفٍ ولا صوت ولا يُتصوَّر في كلامه أن ينقلب مِداداً في الألواح والأوراق شكلا ترمُقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنِّفاق .
بل الكتابة من أفعال العباد ولا يُتصوَّر في أفعالهم أن تكون قديمة ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته وحُقَّ لما دلَّ عليه وانتسب إليه أن يُعتقد عظمته وترعى حرمته .
ولذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعُباد والصُّلحاء
( أمُرُّ على الديار ديارِ ليلى ... أقبِّلُ ذا الجِدارَ وذا الجِدارا ) ( وما حبُّ الديارِ شَغَفْنَ قلبي ... ولكنْ حُبُّ مَن سكَن الديارا )
ولمثل ذلك يُقبَّل الحجر الأسود ويحرُم على المحدِث أن يمَسَّ المصحف أسطُرَهَ وحواشيه التي لا كتابة فيها وجِلدَه وخريطته التي هو فيها .
فويلٌ لمن زعم أن كلام الله القديم شيءٌ من ألفاظ العباد أو رسمٌ من أشكال المِداد
واعتقادُ الأشعري رحمه الله مشتملٌ على ما دلَّت عليه أسماء الله التسعة والتسعون التي سمَّى بها نفسه في كتابه وسنّه رسول الله وأسماؤه مندرِجة في أربع كلمات هنَّ الباقياتُ الصالحات
الكلمة الأولى : قول سبحانَ اللهِ ومعناها في كلام العرب التنزيه والسَّلبُ فهي مشتملة على سلب النَّقص والعيب عن ذات الله وصفاته فما كان من أسمائه سلبا فهو مندرجٌ تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب والسلام وهو الذي سَلِم من كل آفة .
الكلمة الثانية : قول الحمدُ لله وهي مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته فما كان من أسمائه متضمِّنا للإثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرِجٌ تحت الكلمة الثانية .
فقد نفينا بقولنا سبحان الله كل عيب عقلناه وكلَّ نقص فهمناه وأثبتنا بالحمد لله كلَّ كمالٍ عرفناه وكلَّ جلالٍ أدركناه ووراء ما نفيناه وأثبتناه شأنٌ عظيم قد غاب عنا وجهلناه .
فنحققه من جهة الإجمال بقولنا اللهُ أكبر وهي الكلمة الثالثة بمعنى : أن أجلُّ مما نفيناه وأثبتناه وذلك معنى قوله لا أحصي ثناء عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسك فما كان من أسمائه متضمِّنا لمدحٍ فوق ما عرفناه وأدركناه كالأعلى والمتعالي فهو مندرجٌ تحت قولنا اللهُ أكبَر فإذا كان في الوجود مَن هذا شأنه نفينا أن يكون في الوجود مَن يشاكِله أو يُناظِره
فحققنا ذلك بقولنا لا إله إلا اللهُ وهي الكلمة الرابعة .
فإن الألوهيَّة ترجع إلى استحقاق العبودية ولا يستحقُّ العبودية إلا مَن اتصف بجميع ما ذكرناه فما كان من أسمائه متضمِّنا للجميع على الإجمال كالواحد والأحدِ وذي الجلال والإكرام فهو مندرجٌ تحت قولنا لا إله إلا اللهُ .
وإنما استحقَّ العبوديّة لما وجب له من أوصاف الجلال ونعوت الكمال الذي لا يصفه الواصفون ولا يعده العادون
( حُسنُك لا تنقضي عجائبُه ... كالبحر حدث عنه بلا حرج ) .
فسبحان الله من عظُم شأنه وعز سلطانهُ ( يسألُهُ مَن في السّمواتِ والأرضِ ) لافتقارهم إليه ( كلَّ يومٍ هُوَ في شأْنٍ ) لاقتداره عليه له الخلقُ والأمرُ والسلطانُ والقهر فالخلائق مقهورون في قبضته ( والسَّمواتُ مَطْويَّاتٌ بيمينِه ) ( يُعذِّبُ مِن يشاءُ ويَرْحَمْ مَن يَشاءُ وإليهِ تُقْلَبُونَ ) فسبحان الأزليِّ الذاتِ والصفات ومحيي الأموات وجامع الرُّفات العالِم بما كان وما هو آت
ولو أدرِجَت الباقيات الصالحاتُ في كلمة منها على سبيل الإجمال وهي الحمد لله لاندرجت فيها كما قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه لو شِئتُ أن أوقِرَ بعيرا من قولك الحمد لله لفعلتُ . فإن الحمد هو الثناء والثناء يكون بإثبات الكمال تارة وبسلب النقص أخرى وتارة بالاعتراف بالعجز عن درك الإدراك وتارة بإثبات التفرُّد بالكمال والتفرُّد بالكمال من أعلى مراتب المدح والكمال فقد اشتملت هذه الكلمة على ما ذكرناه في الباقيات الصالحات لأن الألف واللام فيها لاستغراق جنس المدح والحمد مما علمنا وجهلناه ولا خروجَ للمدح عن شيء مما ذكرناه ولا يستحق الإلهيّة إلا مَن اتصف بجميع ما قرَّرناه ولا يخرج عن هذا الاعتقاد ملكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسَل ولا أحدٌ مِن أهل المِلل إلا مَن خذله الله فاتّبع هواه وعصى مولاه أولئك قومٌ قد غمرهم ذُلُّ الحجاب وطرِدوا عن الباب وبَعُدوا عن ذلك الجناب وحُقَّ لِمن حجب في الدنيا عن إجلاله ومعرفته أن يحجب في الآخرة عن إكرامه ورؤيته
( أرض لمن غاب عنك غيبَتَه ... فذاك ذنْبٌ عِقابُهُ فيهِ )
فهذا إجمالٌ من اعتقاد الأشعري رحمه الله تعالى واعتقاد السلف وأهل الطريقة والحقيقة نسبته إلى التفصيل الواضح كنسبة القطرة إلى البحر الطافح.
( يَعرِفُه الباحِثُ مِن جِنسِه ... وسائرُ الناسِ لهُ مُنْكِرُ )
غيره
(لقد ظهرتَ فلا تخفى على أحدٍ ... إلا على أكمَهٍ لا يعرِفُ القَمرا )
والحشويّة المشبهة الذين يشبِّهون الله بخلقه ضربان :
أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو ( ويَحسبَونَ أنَّهم على كل شيءٍ ألا إنهم همُ الكاذِبون )
والآخَرُ يتستّر بمذهب السلف لسُحتٍ يأكله أو حطامٍ يأخذه
( أظهروا للناسِ نُسكا ... وعلى المنقوشِ دارُوا ) ( يُريدونَ أنْ يأمَنوكُم ويَأمَنوا قَومَهُم )
ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه .
ولذلك جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف فهم كما قال القائل
( وكُلٌّ يدعونَ وِصالَ ليلى ... وليلى لا تُقِرُّ لهُم بِذاكا )
وكيف يُدعى على السلف أنهم يعتقدون التجسيم والتشبيه أو يسكتون عند ظهور البِدع ويخالفون قوله تعالى ( ولا تَلبِسوا الحقَّ بالباطِل وتكتُموا الحقَّ وأنتم تَعلَمونَ )
وقوله ( وَإِذْ أَخَذَ اللُه مِيثَاقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّة لِلنَّاسِ وَلا تَكتُمُونهُ ) وقوله ( لِتبّينَ للنَّاسِ ما نُزلَ إليهِم ) والعلماء ورثة الأنبياء فيجب عليهم من البيان ما وجب على الأنبياء
وقال تعالى ( وَلتكُن مِّنكُم أمّة يدعُونَ إِلَى الخير ويأْمُرُونَ بالمعرُوف وينهون عن المنُكَرِ )
ومن أنكر المنكرات التَّجسيمُ والتشبيهُ ومن أَفضل المعروف التوحيدُ والتنزيه .
وإنّما سكت السَّلف قبل ظُهور البدع فوربِّ السماء ذات الرَّجع والأرض ذات الصَّدع لقد تشمَّر السَّلف للبدع لمَّا ظهرت فقمعوها أتمَّ القمعِ وردعُوا أهلها أشد الرَّدع فردوا على القدريّة والجَهمِيّة والجبريّة وغيرهم من أهل البدَع فجاهدوا في الله حَقَّ جِهاده
والجهادُ ضربان :
ضَربٌ بالجدل والبيان وضَربٌ بالسيف والسِّنان
فليت شعري فما الفرقُ بين مُجادلة الحَشويَّة وغيرهم من أهل البدع ولولا خُبثٌ في الضمائر وسوء اعتقاد في السرائر ( يستخفُونَ من النَّاس وَلا يستخفُون من اللهِ وَهُوَ معهُم إِذ يُبَيِّتُونَ ما لا يرضى من القَولِ ) وإذا سُئل أحدهم عن مسألة من مسائل الحشو أمر بالسُّكُوت عن ذلك وإذا سئل عن غير الحشو من البدع أجاب فيه بالحقِّ ولولا ما انطوى عليه باطنُه من التجسيم والتشبيه لأجاب في مسائل الحشو بالتوحيد والتنزيه .
ولم تزل هذه الطائفة المبتدعة قد ضربت عليهم الذِّلَّة أينما ثُقفُوا ( كُلَّمَا أَوقَدُوا نَارا للحربِ أَطفأَها الله ويسعَونَ في الأَرضِ فسادا والله لا يُحبُّ المُفسدينَ ) لا تلوح لهم فُرصة إلا طاروا إليها ولا فتنة إلا أكبُّوا عليها .
وأحمد بنُ حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف بُرآءُ إلى اللّه ممّا نسبوه إليهم واختلقوه عليهم .
وكيف يُظَنُّ بأحمد بن حنبل وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف اللّهِ القديم القائم بذاته هو غيرُ لفظ الّلافظين ومداد الكاتبين مع أنّ وصف الله قديمٌ وهذه الأَشكال والألفاظ حادثة بضرورة العقل وصريح النقل .
وقد أخبر الله تعالى عن حُدوثها في ثلاثة مواضع من كتابه أحدها قولهُ ( ما يأتيهم من ذكرٍ مِّن ربِّهم مُحدثٍ ) جعل الآتي مُحدثا فمن زعم أنه قديمٌ فقد رد على الله سبحانه وتعالى وإنما هذا الحادث دليل على القديم كما أنّا إذا كتبنا اسم الله تعالى في ورقة لم يكن الرَّبُّ القديمُ حالاًّ في تلك الورقة فكذلك إذا كُتب الوصفُ القديمُ في شىء لم يحُلَّ الوصفُ المكتوبُ حيث حلَّت الكتابة
الموضع الثاني قوله ( فلا أقسمُ بما تُبصرُون وما لا تُبصرون إِنَّهُ لقولُ رسُولٍ كريمٍ ) وقول الرَّسول صفة للرسول ووصفُ الحادث حادثٌ يدلُّ على الكلام القديم فمن زعم أن قول الرسول قديمٌ فقد رد على ربِّ العالمين ولم يقتصر سبحانه وتعالى على الإخبار بذلك حتّى أقسم على ذلك بأَتمِّ الأقسام فقال تعالى ( فلا أقسمُ بما تُبصرُون ) أي تُشاهدون ( وما لا تُبصرون ) أي ما لم تروه فاندرج في هذا القسم ذاتُه وصفاتُه وغير ذلك من مخلوقاته
الموضع الثالث قوله تعالى ( فلا أقسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ وَالَّليلِ إِذَا عَسعَسَ والصُّبح إِذَا تَنَفَّسَ إَنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ )
والعجب ممّن يقول القرآن مركَّبٌ من حرف وصوت ثم يزعم أنه في المصحف وليس في المصحف إلا حرفٌ مجردٌ لا صوت معه إذ ليس فيه حرفٌ مكتوبٌ عن صوت فإن الحرف اللفظيَّ ليس هو الشكل الكتابىَّ ولذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان ومن توقف في ذلك فلا يُعد من العقلاء فضلا عن العلماء فلا أكثر الله في المسلمين من أهل البدع والأهواء والإضلال والإغواء
ومن قال بأن الوصف القديم حالٌّ في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول بأن وصف الله القديم احترق سبحانه وتعالى عمَّا يقولون عُلُوّا كبيرا ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم فإن ذلك مُناف للقدم
فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حالٍّ فيه كما يقوله الأشعريُ فلم يلعنون الأشعري رحمه الله وإن قالوا بخلاف ذلك فانظر ( كيف يفترُون على الله الكذب وكفى به إثما مُّبينا ) ( ويوم القيامة ترى الَّذينَ كذبُوا على الله وُجُوهُهُم مُسودة أَليس في جهنَّم مَثوى للمُتَكبِّرينَ ).
وأما قوله سبحانه وتعالى ( إِنَّهُ لقُرآنٌ كريمٌ في كتاب مَّكنُونٍ ) فلا خلاف بين أئمة العربية أنه لا بد من كلمة محذوفة يتعلق بها قوله ( في كتاب مَّكنُون ) ويجب القطع بأن ذلك المحذوف تقديره ( مكتوبٌ في كتاب مكنون ) لما ذكرناه وما دلَّ عليه العقل الشاهد بالوحدانية وبصحة الرسالة وهو مناط التكليف بإجماع المسلمين .
وإنما لم يُستدل بالعقل على القِدم وكفى به شاهدا لأنهم لا يسمعون شهادته مع أن الشرع قد عَدل العقل وقبل شهادته واستدل به في مواضع من كتابه كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة وكقوله تعالى ( لو كان فيهما آلهة إِلاَّ اللهُ لفسدتا ) وقوله ( وما كان معهُ من إِلهٍ إِذا لَّذهب كُلُّ إِلهٍ بما خلق ولعلا بعضُهُم على بعضٍ ) وقوله ( أَوَلم ينظُرُوا في ملكُوت السَّموات والأرض وما خلق الله من شيءٍ )
فيا خيبة من رد شاهدا قبله الله وأسقط دليلا نصبه الله فهم يرجعون إلى المنقول فلذلك استدللنا بالمنقول وتركنا المعقول كمينا إن احتجنا إليه أبرزناه وإن لم نحتج إليه أخرناه
وقد جاء في الحديث الصحيح مَن قرأ القرآنَ وأعربَهُ كانَ لهُ بكُلِّ حرفٍ عشرُ حسناتٍ ومَن قرأهُ ولم يُعرِبهُ فله بكلِّ حرفٍ منه حسنة والقديم لا يكون مَعيبا بالَّلحن وكاملا بالإعراب وقد قال تعالى ( وما تُجْزَوْنَ إلاَّ ما كنتُمْ تعمَلونَ ) فإذا أخبر رسوله بأنا نُجزى على قراءة القرآن دلّ على أنه من أعمالنا وليست أعمالُنا قديمة .
وإنما أتي القومُ من قِبَل جهلِهم بكتاب الله وسنّة رسوله وسخافة العقل وبلادة الذهن فإن لفظ القرآن يُطلق في الشَّرع واللسان على الوصف القديم ويطلق على القراءة الحادثة قال الله تعالى ( إنَّ علينا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه ) أراد بقرآنه قِراءتَه إذ ليس للقرآن قرآنٌ آخرُ ( فإذا قرأناهُ فاتَّبع قُرآنَهُ ) أي قِراءته فالقراءة غير المقروء والقراءة حادثة والمقروء قديمٌ كما أنا إذا ذكرنا الله عزّ وجل كان الذِّكر حادثا والمذكور قديما فهذه نبذة من مذهب الأشعري رحمه الله
( إذا قالتْ حذامِ فصَدقُوها ... فإنَّ القولَ ما قالت حذامِ )
والكلامُ في مثل هذا يطول ولولا ما وجب على العلماء من إعزاز الدين وإخمال المبتدعين وما طوَّلت به الحشويّة ألسنتهم في هذا الزمان مِن الطَّعن في أعراض الموحِّدين والإزراء على كلام المنزهين لما أطلتُ النّفسَ في مثل هذا مع إيضاحه ولكن قد أمرنا اللهُ بالجهاد في نصرة دينه إلا أن سلاح العالِمِ عِلمُه ولسانُه كما أنّ سلاح الملِك سيفُه وسِنانُه فكما لا يجوز للملوك إغمادُ أسلحتهم عن الملحدين والمشركين لا يجوز للعلماء إغمادُ ألسنتهم عن الزائغين والمبتدعين فمن ناضل عن الله وأظهر دين الله كان جديرا أن يحرُسه الله بعينه التي لا تنام ويُعِزه بعزه الذي لا يُضام ويحُوطَه بركنه الذي لا يُرام ويحفظه من جميع الأنام ( ولو يشاءُ اللهُ لانتصَرَ مِنهم ولكن ليبلو بعضكُم ببعض )
وما زال المنزهون والموحدون يُفتون بذلك على رؤوس الأشهاد في المحافل والمشاهد ويجهرون به في المدارس والمساجد وبِدعة الحشوية كامنة خفية لا يتمكنون من المجاهرة بها بل يدُسُّونها إلى جهلة العوام وقد جهروا بها في هذا الأوان فنسأل الله تعالى أن يُعجِّل بإخمالها كعادته ويقضي بإذلالها على ما سبق من سنّته وعلى طريقة المنزهين والموحدين درج الخلفُ والسّلف رضي الله عنهم أجمعين
والعجبُ أنهم يذُمُّون الأشعري بقوله إن الخبز لا يشبع والماء لا يُروي والنار لا تحرق وهذا كلامٌ أنزل الله معناه في كتابه فإن الشَّبع والرِّيَّ والإحراقَ حوادثُ انفرد الربُّ بخلقها فلم يخلُقِ الخبزُ الشِّبَع ولم يخلُق الماء الرِّيَّ ولم تخلُق النارُ الإحراق وإن كانت أسبابا في ذلك فالخالق هو المسبِّب دون السَّبب كما قال تعالى ( ومَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمَى ) نفى أن يكون رسوله خالقا للرَّمي وإن كان سببا فيه وقد قال تعالى ( وأنَّه هوَ أضحَكَ وأبكى وأنّهُ هوَ أماتَ وأحيا )
فاقتطع الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عن أسبابها وأضافها إليه فكذلك اقتطع الأشعري رحمه الله الشِّبَعَ والرِّيَّ والإحراق عن أسبابها وأضافها إلى خالقها لقوله تعالى ( خالِقُ كلِّ شيءٍ ) وقوله ( هلْ مِنْ خالِقٍ غيرُ اللهِ ) ( بَلْ كذَّبُوا بِما لَمْ يُحيطوا بعلمِهِ ولمَّا يَأتِهِمْ تأوِيلُهُ ) ( أكَذَّبْتُم بِآياتي وَلَمْ تُحيطوا بِها عِلما أمَّاذا كُنتُمْ تَعمَلونَ )
( وكم مِن عائبٍ قولا صحيحا ... وآفَتُه مِن الفَهمِ السَّقيمِ )
فسبحان مَن رضي عن قوم فأدناهم وسخِط على آخرين فأقصاهم ( لا يُسئَلُ عمَّا يفعلُ وهُمْ يُسئَلُونَ )
وعلى الجملة ينبغي لكلِّ عالمٍ إذا أذِلَّ الحقُّ وأُخمِلَ الصوابُ أن يبذل جهده في نصرهما وأن يجعل نفسه بالذُّلِّ والخمولِ أولى منهما وإن عز الحقُّ فظهر الصوابُ أن يستظلَّ بظلِّهما وأن يكتفي باليسير مِن رشاش غيرِهما
( قليلٌ منك ينفعُني ولكِنْ ... قليلُك لا يُقالُ له قليلُ )
والمخاطرة بالنفوس مشروعة في إعزاز الدين ولذلك يجوز للبطل من المسلمين أن ينغمِر في صفوف المشركين وكذلك المخاطرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة قواعد الدين بالحجج والبراهين مشروعة فمن خشي على نفسه سقط عنه الوجوبُ وبقي الاستحباب ومن قال بأن التَّغرير بالنفوس لا يجوز فقد بعُد عن الحق ونأى عن الصواب
وعلى الجملة فمن آثر الله على نفسه آثره الله ومن طلب رضا الله بما يُسخِط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومَن طلب رضا الناس بما يسخِطُ الله سخِط الله عليه وأسخط عليه الناس وفي رضا الله كفاية عن رضا كلِّ أحد
( فليتَك تحلو والحياة مريرة ... وليتَكَ ترضى والأنامُ غِضابُ )
غيره
( في كلِّ شيءٍ إذا ضيَّعتَه عِوَضٌ ... وليس في اللهِ إن ضيَّعتَه عِوَضُ )
وقد قال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجدهُ أمامك وجاء في حديث ذكِّروا الله بأنفسِكم فإنَّ الله يُنزِلُ العبدَ مِن نفسه حيث أنزله من نفسِه حتى قال بعض الأكابر من أراد أن ينظُر منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده
اللهم فانصر الحق وأظهر الصواب وأبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعِزُّ فيه وليُّك ويذِلُّ فيه عدوُّك ويُعمَلُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتك
والحمد لله الذي إليه استنادي وعليه اعتمادي وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ]اهـ[/align][/font]
_________________ رضينا يا بني الزهرا رضينا بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا
يا رب
إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ
|