[font=Tahoma][align=justify] يقول الإمام الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي في كتابه : [الفتاوى الحديثية (صـ102-103)] :
[مطلب: ذكر لا إله إلا الله أفضل أم ذكر الجلالة؟]
[وذكر لا إله إلا الله أفضل من ذكر الجلالة مطلقاً هذا بلسان أئمة الظاهر، وأما عند أهل الباطن فالحال يختلف باختلاف أحوال السالك، فمن هو في ابتداء أمره ومقاساته لشهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها وعن إرادته وشهواته وبقائه مع نفسه يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي حتى يستولي عليه سلطان الذكر وجواذب الحق المرتبة على ذلك، فإذا استولت عليه تلك الجواذب حتى أخرجته عن شهواته وإرادته وحظوظه وجميع أعراض نفسه صار بعيداً عن شهود الأغيار واستولى عليه مراقبة الحق أو شهوده، فحينئذٍ يكون مستغرقاً في حقائق الجمع الأحديِّ والشهود السرمدي الفردي، فالأنسب بحاله الإعراض عما يذكره الأغيار والاستغراق فيما يناسب حاله من ذكر الجلالة فقط، لأن ذلك فيه تمام لذته ودوام مسرته ونعمته ومنتهى أربه ومحبته، بل إذا وصل السالك لهذا المقام وأراد قهر نفسه إلى الرجوع إلى شهود غيره حتى ينفيه أو يتعلق به خاطر لا تطاوعه نفسه المطمئنة لما شاهدت من الحقائق الوهبية، والمعارف الذوقية والعوارف اللدنية. وقد فتحنا لك باباً تستدل بما ذكرناه في فتحه على ما وراءه فافهم مقاصد القوم السالمين من كل محظور ولوم، وسلم لهم تسْلَمْ ولا تنتقد حقيقة من حقائقهم تندم، بل قل فيما لم يظهر لك الله أعلم. وكذا يقال في الذكر باللسان وبالقلب أو بالقلب فقط، فبلسان أهل الظاهر ذكر اللسان والقلب أفضل مطلقاً، وعند أهل الطريق في ذلك تفصيل تفهمه مما قبله إن وعيته وتأملته، فإن المستغرق قد يعرض له من الأحوال ما يلتجم به لسان، ويصير في غاية من مقام الحيرة والدهش فلا يستطيع نطقاً، أو يتفرق بسب نطقه ما هو متمثل به من معالي تلك الأحوال وما هو مستغرق فيه من بحار العرفان والكمال.
والحاصل أن الأولى بالسالك قبل الوصول إلى هذه المعارف أن يكون مديماً لما يأمره به أستاذه، الجامع لطرفي الشريعة والحقيقة فإنه هو الطبيب الأعظم، فبمقتضى معارفه الذوقية وحِكَمِهِ الربَّانية يعطي كل بدن ونفس ما يراه هو اللائق بشفائها والمصلح لغذائها، فإن لم يكن له أستاذ كذلك فلا يعدل عن ذكر لا إله إلا الله بلسانه وقلبه، بل يديم ذلك إلى أن يفتح الله له ما يعلم به خير الأمرين في الترقي إلى شهود العين، حقق الله لنا ذلك بمنه وكرمه آمين.
والذكر الخفي قد يطلق ويراد به ما هو بالقلب فقط، وما هو بالقلب واللسان، بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه غيره، ومنه: "خير الذكر الخفي" أي لأنه لا يتطرق إليه الرياء وأما حيث لم يسمع نفسه فلا يعتد بحركة لسانه وإنما العبرة بما في قلبه. على أن جماعة من أئمتنا وغيرهم يقولون لا ثواب في ذكر القلب وحده، ولا مع اللسان حيث لم يسمع نفسه، وينبغي حمله على أنه لا ثواب عليه من حيث الذكر المخصوص. أما اشتغال القلب بذلك، وتأمل معانيه واستغراقه في شهودها فلا شك أنه بمقتضى الأدلة يثاب عليه من هذه الحيثية الثواب الجزيل ويؤيده خبر البيهقي "الذكر الذي لا تسمعه الحفظة يزيد على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفاً".]اهـ[/align][/font]
_________________ رضينا يا بني الزهرا رضينا بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا
يا رب
إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ
|