بسم الله الرحمن الرحيم بمناسبة قرب وقت حلول موسم الحج أقدم هذه القصة الصغيرة " حياتكم أولى " * في موسم الحج هبت نسمات معطرة من مكة المكرمة و المدينة المنورة فحركت قلوب المؤمنين بالشوق و اللهفة لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه و اله وسلم وبدأت القبائل في الجزيرة العربية و الجماعات خارجها تستعد لتلبية نداء الله وأداء الفريضة المقدسة , أخذت التجهيزات طابع الجد كلما اقترب شهر ذي الحجة . كان " رمضان " شاباً متديناً , يحب الله و رسوله وكلما أقبل موسم الحج يطير قلبه من بين ضلوعه ليعيش في الأرض المقدسة بوجدانه وخياله وكم تمنى أن يحقق خياله على أرض الواقع بالذهاب بنفسه إلى الكعبة و الحرم النبوي للحج و الزيارة فبدأ يستعد الإستعداد الكافي , جهز الطعام ووضعه في " خرج " وجهز الماء ووضعه في مجموعة قرب وجهز جملاً لحمل الزاد وجواداً ليركبه . وفي يوم من أيام شهر ذي القعدة ودَّع أهله وجيرانه من سكان الخيام وانطلق يقطع الأرض وقلبه يسبقه , يكاد يقفز ليسير أمامه وهو يردد التسابيح و الاستغفار , ويقرأ القران ويصلي على حضرة النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم ويتمنى أن تطوى له الأرض طيا ليصل إلى الرحاب الطاهرة . و بينما هو مستغرق في هيامه و أشواقه , وذكره و تسبيحاته إذ بالجواد يصهل ويثب على قدميه , تنبه " رمضان " من شروده ليفاجأ بمجموعة من الرجال نائمة على الرمال لا تتحرك , في البداية ظن أنهم أموات , فنزل ليواريهم التراب ويدفنهم ليصون جثثهم عن جوارح الطير , ووحوش الجبل , لكنه دهش حينما وجد شفاهم متقرحة من العطش , وألسنتهم لا تستطيع النطق لجفاف حلقهم .. وعندما لمحهم أولهم أشار إليه بيده جهة فمه يطلب الماء .. ولم ينتظر "رمضان " , وجرى مسرعاً إلى قربة وصب لهم الماء في إناء صغير معه , وسقاهم , كانوا سبعة رجال , سألهم عن سبب وجودهم بدون ماء في ذلك المكان .. قالوا أنهم ضلوا الطريق إلى مضارب خيامهم ونفد ما معهم من الماء , ونفقت خيولهم , فاتجهوا إلى عدة جهات طلباً للماء فلم يجدوا , فسلموا أمرهم لله وانتظروا قضائه , وقالوا إننا سنهلك إذا لم نعرف الطريق الصحيح للعمران , قاس " رمضان " في نفسه المسافة المتبقية للوصول إلى مكة فوجد أنه إذا أعطاهم الماء سيموت هو و جمله وجواده ,وإذا لم يعطهم الماء ماتوا هم , واستغرق " رمضان " في تفكيره طويلاً, هل يفضل نفسه على سبعة من الرجال فيعيش ويموتون هم ؟؟!! أم يعطيهم الماء ويموت هو ؟؟؟!!! وبعد حوار طويل بينه وبين نفسه قرر أن يعطيهم الماء و يدلهم على طريق العمران , و يبقي معه قربة ماء واحدة تكفيه مسافة معقولة من الطريق . فإذا صادفته قافلة ذاهبة للحج أو التجارة تزود منها بالماء , ويكون هذا أكرم و أفضل , وإذا لم تصادفه قافلة فقد أنقذ حياة سبعة وفداهم بنفسه و أجره عند الله وبسرعة نفذ الإقتراح , و أعطى الرجال الماء , ودلهم على الطريق , و سار هو في طريق الحج , وعاد إلى تسبيحاته وذكره و شوقه لحج بيت الله الحرام, ومد يده تلقائياً إلى قربة الماءليشرب فوجدها خاوية , نظر إلى الجمل و إلى الجواد و إلى السماء وقال : يا رب اللهم إنك تعلم أنني لبيت ندائك في كتابك حين ناديتني وقلت :(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ), اللهم إني أطلب منك إنقاذ نفسي وسوق الماء إلي .. لكن لأنني مشتاق إلى حج بيتك و زيارة نبيك صلى الله عليه واله وصحبه وسلم قبل أن أموت اللهم فارزقني بالماء لاؤدي فرضك ثم افعل بي ما تشاء ! دعا " رمضان " بهذا الدعاء وأحسّ بالرضا يملأ نفسه وسار واثقاً من استجابة الله لدعائه وقال في نفسه إذا استجاب الله لدعائي وحقق رجائي فهذا فضله و إكرامه لي في الدنيا , وإذا أجل الإجابة للأخرة فهذا فضله و كرمه لي في الأخرة وسار يسبح الله ويزيد من استغفاره وصلاته على حضرة رسول الله صلى الله عليه واله و صحبه و سلم , وكلما زاد جفاف حلقه كلما غالب نفسه و أكثر من ذكره و تلبيته لله . وفجأة عثر جواده و ألقاه على الارض , قام " رمضان " من وقوعه ونظر على الأرض التي عثر فيها الحصان فوجد إرتفاعاً غير عادي تحت الرمل ووجد شيئاً غر يباً نباتات مخضرة فوق الرمال , أزاح الرمل ففوجئ بصخرة مستديرة أزاح من حولها التراب حتى وصل إلى أطرافها , فوجدها أطراف لبئر فسأل الله أن يساعده فرفع تلك الصخرة لكشف البئر والوصول إلى الماء وكم كانت دهشته حين وجد بها حلقتين متقابلتين قال في نفسه لابد هذه الصخرة كان يحملها رجلان إنها مصنوعة خصيصاً لغطاء ذلك البئر ترى هل هاجم الطاعون اهل هذه المنطقة فارتحلوا عنها بعد ما أخفوا الماء أملاً في العودة إليها يوماً ...وهداه تفكيره إلى ربط حلقة من الحلقتين في حبل يجره الحصان بينما هو يجر الغطاء من الحلقة الثانية وفي لحظات تحرك الغطاء وظهر الماء فملأ القرب وشرب وسقى الجواد و الجمل .. وترك البئر مفتوحة تحوم حولها الطير وتدل عليها المسافرين والقوافل وحقق أمنيته وكان وهو يطوف حول الكعبة يقول لبيك اللهم لبيك .. لبيك يامن لا تُضيع من يلجأ إليك .. لبيك يامن تخرج الماء من جوف الصخر لتنقذ عبداً يذوب شوقاً إليك . * وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله و صحبه وسلم واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
_________________ محمد طابت الدنيا ببعثته
محمد جاء بالأيات و الحكم
صلى الله عليه و سلم
|