ولا دين إلا دين الاسلام ثم أتى الى باب السيدة نفيسة فمرغ خديه على عتبة بابها ونادى يا سيدة ارحمينى واشفعى لمن هو فى ظلام الضلال قد تاه ، ومن دينه قد أبعده وأقصاه ، فرفعت طرفها الى السماء ودعت له بالهداية فأسلم وقال أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمد رسول الله ثم شاع خبر البنت واسلامها واسلام أمها وابيها وجماعة من الجيران اليهود ( يقال ) ان عدد من أسلم فى هذه الحادثة تسعون شخصا أو دارا فى ذلك النهار وتلك الليلة ، قال فلما أسلم أهل ذلك الخط انتقلت فى دار أبى السرايا أيوب ، قال ابن زولاق : ولما شعات هذه الكرامة بين الناس فلم يبق أحد الا يقصد زيارة السيدة ، فعظم الأمر وكثر الناس والخلق على بابها فطلبت عند ذلك الرحيل الى بلاد الحجاز عند أهلها فشق ذلك عليهم فسألوها فى الاقامة فأبت فاجتمع أهل مصر ودخلوا على أمير مصر السرى بن الحكم فاستندوا عليه فى ذلك فبعث لهاكتابا ورسولا بالرجوع عما عزمت عليه فأبت فركب بنفسه وسألها الاقامة فقالت إنى كنت نويت الاقامة عندهم وانى امرأة ضعيفة فأكثروا على فى الاتيان وشغلونى عن عبادتى وجمع زادى لمعادى ، وكانى هذا لطيف ؛ وقد ضاق بهذا الجمع الكثيف فقال لها السرى انى سأزيل عنك جميع ما شكوتيه ، واسهل لك الأمر على ما ترضينه أما ضيق مكانك فان لى دارا واسعة بدر السباع ، وأشهد الله أنى قد وهبتها لك وأسألك أن تقبليها منى ولا تخجلينى بالرد على ، قالت انى لا أردك على خير تفعله ، فعظم فرح السرى بقبولها منه ، فقالت كيف أصنع بهذه الجموع الوافدين على ، فقال تقررين معهم أن يكون لهم يومان فى الجمعة وباقى أيامك تتفرغين لخدمة مولاك اجعلى يوم السبلتا ويوم الربعاء ففعلت ذلك فى حال حياتها ، واستمر الامر على ذلك ان أن توفيت رضى الله تعالى عنها فى هذا المكان حسب ما تقدم وكراماتها كثيرة ومناقبها جميلة وانما ذكرنا هذه الكرامة لانها أول كرامة وقعت لها بمصر
( وكان الامام الشافعى ) رضى الله عنه اذا حضر اليها هو وأصحابه للزيارة والتبرك تأدبوا معها غاية التأدب ( وكذا ) كان يفعل الشيخ الامام العلامة سفيان الثورى مع السيدة رابعة العدوية لما كان يتردد اليها ليسمع كلامها ( وقد ادعى ) قوم ان السيدة نفيسة ورابعة العدوية كانتا متعاصرتين وليس الامر كذلك فان السيدة رابعة العدوية ام الخير ابنة اسماعيل البصرى توفيت سنة خمس وثلاثين ومائة فى خلافة السفاح ، وكان مولد السيدة نفيسة فى سنة خمس وأربعين ومائة ، فكان بين مولد السيدة نفيسة رضى الله تعالى عنها وموت رابعة العدوية رضى الله عنا عشر سنين فبطل قول من ادعى ذلك ( واسم ) رابعة كثير غير أن الاعيان منهن ثلاثة
- رابعة العدوية المقدم ذكرها
- ( الثانية ) رابعة ابنة اسمعيل الدمشقية وقد شاركت الاولى فى اسمها واسم أبيها
- ( الثالثة ) رابهة بنت ابراهيم بن عبد الله البغدادية تسمى بارعة بغددا ،
- فأما ( رابعة العدوية ) فان قبرها بالبصرة معروف هناك مشهور ( وأما رابعة الدمشقية ) فانها توفيت بالقدس الشريف ودفنت على رأس جبل معروف هناك بالطور وانما عرفت بالقدسية لكونها دفنت هناك وبعض الناس يزعم انها رابعة العدوية وليس كذلك ( وأما رابعة البغدادية ) فانها توفيت ببغداد ودفنت بها فى يوم الأحد حادى عشر ذى القعدة سنة ثمانى عشرة وخمسمائة والله تعالى اعلم ( وما يحكى ) ايضا من مناقب السيدة نفيسة أن رجلا تزوج بامراة ذمية فرزق منها ولدا وكبر الولد ثم سافر أفسر فى بلاد العدو فجعلت أمه تدخل البيع وتتضرع وولدها لا يأتى فقالت لبعلها بلغنى أن بين أظهرك امرأة يقال لها نفيسة بنت الحسن الانور اذهب اليها لعلها تدعو لولدى ان يأتى فان نجا آمنت على يديها فخرج الرجل فأتى معبدها فقص عليها القصة فدعت له فعاد الى زوجته فأخبرها فلما كان الليل اذ بالباب يطرق فقامت المرأة ففتحت الباب فاذا ولدها قد جاء فقالت له كيف كان أمرك قال لم أشعر الا ويد وقعت على القيد وسمعت قائلا يقول أطلقوه فقد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن فما شعرت حتى وقفت على هذا الباب فاسلمت المرأة وحسن اسلامها ( وحكى ) أيضا عن القاضى بن ميسر أنه قال إن النيل توقف فى زمانها فاتوا اليها فاخرجت اليهم قناعا فجعلوه فى النيل وهم ينظرون الى البرين أسودين فعلا الماء البرين وأوفى النيل وحكى بعض مشايخ مصر أنه كان فى حال حياتها أمير ظالم فطلب انسانا ليعذبه ظلما فمر ذلك الانسان بالسيدة نفيسة واستجار بها فقالت له بعد أن دعت له بالخلاص منه امض حجب الله تعالى عنك ابصار الظالمين فمضى ذلك الرجل مع أ‘وان الامير الظالم الى أن وقفوا بين يديه فقال الامير لا عوانه أين فلان قالوا إنه واقف بين يديك فقال الأمير والله ما أراه فقالوا انه مر بالسيدة نفيسة وسألها الدعاء فقالت له حجب الله تبارك وتعالى عنك أبصار الظالمين فقال أو بلغ من ظلمى هذا كله أن يحجب الله عنى المظلوم بالدعاء يارب إن تائب اليك ثم كشف رأسه فلما تاب ونصح فى توبته نظر الرجل وهو واقف بين بيديه فدعا به وقبل رأسه وألبسه أثوابا سنية وصرفه من عنده شاكرا ثم انه جمع ماله وتصدق به على الفقراء والمساكين وأرسل الى السيدة نفيسة بمائة ألف درهم وقال هذه شكرا لله تعالى من عبد تاب الى الله تعالى فأخذت الدارهم وصرتها صررا بين يدها وفرقتها عن آخرها وكان عندها بعض النساء فقالت واحدة لها يا سيدتى لوتركت لنا شيئا من هذه الدراهم نشترى به شيئا نفطظر عليه قالت لها خذى غزل يدى بيعيه بشىء نفظر عليه فذهبت المرأة وباعت الغزل بشى يفكرون عليه ولم تلتمس من ذلك المال شيئا
( وحكى ) ابن الزيات فى الكواكب السيارة أن من غريب مناقب السيدة نفيسة بنت الحسن أن امرأة عجوزا لها أربعة أولاد بنات كن يتقوتن من غزلهن من الجمعة الى الجمعة فأخذت امهن الغزل لتبيعه وتشترى بنصفه كتابنا ونصفه ما يتقوتن به على جارى العادى ولفت الغزل فى خرقة حمراء ومضت الى نحو السوق فلما كانت فى بعض الطريق اذا بطائر انقض عليها وخطف الرزمة الغزل ثم ارتفع فى الهواء فلما رأت العجوز ذلك سقطت مغشيا عليها فلما أفاقت قالت كيف أصنع بأيتامى قد أهلكهم الفقر والجوع فبكت فاجتمع الناس عليها وسألوها عن شأنها فأخبرتهم بالقصة فدلوها على السيدة نفيسة وقالوا له اسئليها الدعا فان الله سبحانه وتعالى يزيل ما بك فلما جاءت الى باب السيدة نفيسة أخبرتها بما جرى لها مع الطائر وسألتها الدعاء فرحمتها السيدة نفيسة رضى الله عنها وقالتاللهم يا من علا فاقتدر وملك فقهر اجبر من امتك هذه ما انسكر فانهم خلقك وعيالك وانت على كل شىء قدير ثم قالت اقعدى ان الله على كل شىء قدير فقعدت المرأة تنتظر الفرج وفى قلبها من جوع أولادها حرج فلما كان بعد ساعة يسيرة اذا بجماعة قد أقبلوا وسألوا عن السيدة نفيسة وقالوا ان لنا أمرا عجيبا نحن قوم مسافرون لنا مدة فى البحر ونحن بحمد الله سالمون فلما وصلنا الى قرب بلدكم انفتحت المركب التى نحن فيها ودهل الماء وأشرفنا على الغرق وجعلنا نسد الخرق الذى افنتح فلم نقدر على سده واذا بطائر ألقى علينا خرقة حمراء فيها غزل فسدت الفتح باذن الله تعالى وجئنا بخمسمائة دينار شركا على السلامة فعند ذلك بكت السيدة نفيسة رضى الله تعالى عنها وقالت إلهى وسيدى ومولاى ما أرحمك وألطفك بعبادك ثم طلبت العجوز صاحبة الغزل وقالت لها بكم تبعين غزلك ? فقالت بعشرين درهما فناولتها ذلك فأخذته وجاءت الى اولادها فأخبرتهم بما جرى فتركن الغزل وجئن الى خدمة السيدة نفيسة وقبلن يدها وتبركن بها .
( أما ) من اقبل على زيارة السيدة نفيسة رضى الله عنها فى حال حياتها وبعد مماتها من العلماء والخلفاء والأمراء والقضاة والمحدثين والأولياء والصالحين فخلق لا يحصى عددهم
( وقد ذكر ) بعض الناس جماعة قليلة منهم تركناها خوفا من الاطالة
( وقيل ) ان الخلعى كان يقول عند زيارتها : السلام والتحيةوالاكرام من العلى الرحمن على السيدة نفيسة الطاهرة الممطهرة ، سلالة البررة وابنة علم العشرة ، الامام حيدرة السلام عليك يا ابنة الامام الحسن المسموم ، أخى الامام الحسين سيد الشهداء المظلومك ، السلام عليك يان ابنة فاطمة الزهرى ؛ وسلالة خديجة الكبرى رضى الله تبارك وتعالى عنك وعن جدك وأبيك وحشرنا فى زمرة واليدك وزائريك اللهم بما كان بينك وبين جدها ليلة المعراج اجعل لنا من همنا الذى نزل بنا الفرج واقضى حوائجنا فى الدنيا والآخرة يارب العالمين
( وزاد بعضهم ) على هذا الدعاء ألفاظا أخر فقال السلام والتحية والاكرام على أهل بيت النبوة والرسالة والسلام والرحمة على بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط ابن على المجتبى وابن فاطمة الزهراء أنتم غياث لكل قوم فى اليقظة والنوم فلا يحرم فضلكم الا محروم ولا يطرد عن بابكم الا مطرود ولا يواليكم الا مؤمن تقى ولا يعاديكم الا منافق شقى ، اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وأعطنى خير ما رجوت بهم وبلغنى خير ما أملت فيهم ، يا آل بيت المصطفى انما السرور والسلامة فيكم جئتكم قاصدا فبالله أقبلونى فقد حسبت عليكم اللهم
انى ألوذ بحب آل محمد ارجو بذلك رحمة الرحمن
منى الدعاء بحبهم لك دائما يا دائم المعروف والغفران
( وكان ) بعضهم يقف عند هذا المشهد ويقول
يارب إنى مؤمن بمحمد وبآل بيت محمد منوالى
فبحقهم كن لى شفيعا منقذا من فتنة الدنيا وشر مآ لى
( وكان ) بعضهم يقول
يا بنى الزهراء والنور الذى ظن موسى أنه نار قبس
لا أو الى قط من عا دكموا إنه آخر سطر فى عبس
( ولما توفيت ) السيدة نفيسة رضى الله عنها بنى لها السرى بن الحكم ثم جدد البناء كما هو مكتوب على اللوح الرخام على باب ضريحها وهو الذى كان مصفحا بالحديد بعد البسملة ما مثاله نصر من الله وفتح قريب لعبد الله ووليه منقذ أبىتميم الامام المستنصر بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وابنائه الأكرمين ( أمر ) بعمارة هذا الباب السيد الاجل أمير الجيوش سيف الاسلام وقاضى الأنا م كافل قضاة المسلمين وهادى دعاة المؤمين عضد الله به الدين وأمتع بطول بقائه المؤمنين ، وأدام قدرته وأعلا كلمته وشد عضده لولده الأجل الأفضل سيف الاسلام ، جلال الأنام ناصر الدين خليل أمير المؤمنين ، بطول بقائه زاد الله فىعلاه ، وأمتع أمير المؤمنين بطول بقاه فى شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة
( وأما القبة التى كانت على الضريح ) فالذى جددها الخليفة الحافظ لدين الله عبد المجيد العلوى الفاطمى وذلك فى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وهو الذى أمر بعمل الزجاج فى المحراب ثم أخذ أرباب الدولة فى العمارة بجوار ضريحها تبركان بها قديما وحديثا فمنهم الستر الرفيع والحجاب المنيع أم السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب بن شادى الكردى أنشأت رباطا بجوراها ثم ان الملك الناصر محمد بن قلاوون أمر بانشاء جامع يخطبة رشيد بناءه وصار الناس يتقربون إليها بالبناء حول ضريحها
ولما توفى الخيفة أمير المؤمنين أبو العباس أحمد بن حسن العباسى المعروف بالأصم فى ثانى جمادى الآولى سنة احدى وسبعمائة فى دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون تولى الغسل والصلاة عليه بالجامع الطولونى شيخ الشيوخ كريم الدين الايجبى أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون ان يدفع بالمشهد النفيسى ودفن هناك بجوارها ونيت له قبة وكانت جنازته مشهودة وكانت مدة خلافته أربعين سنة وهو أول خليفة دفن بمصر من الخلفاء العباسيين وكان أول دخول هذا الخليفة يوم الخميس السادس عشر من صفر سنة ستين وستمائة فى دولة السلطان بيبرس البندقدارى وكانت إقامته اولا بالقلعة بالبرج الكبير فى الى ثامن المحرم سنة احدى وستين وستمائه فعقد له السلطان مجلسا عظيما بالقضاءة الأربع وارباب الدولة بالايوان لخذ البيعة للخليفة وقراءة نسبه وتابعه أعيان الدولة والسلطان وخطب باسمه على المنابر وأنزل بظاهر الكبش فسكن هناك الى حين وفاته .