بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل ( والذين آمنو اشد حبا لله )
وصلى الله على سيدنا ومولانا ونور قلوبنا محمد الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى الذي قال في الحديث الذي رواه الامام البخاري عن ابي هريره رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله تعالى ( من عادا لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وان سالني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه ).... وصلى الله عليه وعلى آل بيته وعلى صحابته وعلى التابعين لهم باحسان الى يوم الدين .
وبعد :
فان محبة الله عز وجل هي الغاية القصوى من المقامات , والذروة العليا من الدرجات فما بعد ادراك المحبه ثمرات الا وهي من ثمراتها والبع من توابعها كالشوق والانس والرضا وما قبل المحبه من مقام الا هو مقدمه من مقدماتها كالتوبه والصبر والزهد .
قال الشيخ الاكبر ابن عربي العاتمي رحمه الله تعالى ونفعنا به (اختلف الناس في حدها فما رأيت احدا حدها بالحد الذاتي بل لا يتصور ذلك فما حدها من حدها الا بنتائجها وىثارها ولوارمها . ولا سيما وقد اتصف بها الجناب الالهي العزيز وهو الله . واحسن ما سمعت فيها ما حدثنا به غير واحد عن ابي العباس الصنهاني . قالوا : سمعناه وقد سئل عن المحبه .
فقال : الغيره من صفات المحبه .والغيره لا تأبى الا الستر فلا تحده .
وقال ابن الدباغ رحمه الله تعالى : فان المحبه لا يعبر عنها حقيقة الا من ذاقها , ومن ذاقها , استولى عليه من الذهول ما هو فيه امرا لا يمكنه منه العباره. كمثل من هو طافح سكرا , اذا سئل عن حقيقة السكر الذي هو فيه لم يمكنه الباره في الك الحال لاستيلائه على عقله ., والفرق بين السكرين ان سكر الخمر عرضي ويمكن زواله ويعبر عنه في حين الصحو , وسكر المحبه ذاتي ملازم , لا يمكن من وصل اليه ان يصحو عنه حتى يعبر عن فيه عن حقيقته ’
كما قيل :
يصحو من الخمر شاربوها والعشق سكر على الدوام
لذلك لما شئل الامام الجنيد رحمه الله عن المحبه . كان جوابه فيضان الدموع من عينيه وخفقان القلب بالهيام والشوق ثم عبر عما يجده من آثار المحبه .
قال ابو بكر الكتاني رحمه الله ( جرت مساله عن المحبه بمكه اعزها الله تعالى ايام الموسم ,
فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد اصغرهم سنا , فقالوا : هات ما عندك يا عراقي . فاطرق راسه ودمعت عيناه ثم قال : عبد ذاهب عن نفسه , متصل بذكر ربه , قائم بأداء حقوقه , ناظر اليه بقلبه , احرق قلبه انوار هيبته , وصفا شربه من كأس ورده , وانكشف له الجبار من اسرار غيبه ,
فان تكلم فبالله , وان نطق فعن الله , وان تحرك فبامر الله , وان سكن فمع الله , فهو بالله ولله ومع الله , فبكى الشيوخ وقالوا , ما على هذا مزيد , جزاك الله خيرا يا تاج العارفين ).
_ اما الاسباب المورثه للمحبه فهي كثيره واهمها عشره .
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما اريد به .
2- التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض فانها تورث درجة المحبوبيه بعد المحبه .
3- دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال , فنصيبه من المحبه على قدر
نصيبه من هذا الذكر .
4- ايثار محابه على محابك عند غلبة الهوى , والتسنم الى محابه وان صهب المرتقى .
5- مطالعة القلب لاسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها بقلبه في رياض هذه المعرفه
ومباديها , فمن عرف اسماء الله وصفاته احبه لا محاله ,
6- مشاهدة بره واحسانه وآلائه ونعمه الباطنه والظاهره فانها داعية الى محبته .
7- انكسار القلب بكليته بين يديه تعالى تذللا وتواضعا .
8- الخلوه به وقت التجلي الالهي لا سيما في الاسحار , وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب
بين يديه ثم اختم ذلك بالاستغفار والتوبه .
9- مجالسة المحبين الصادقين والتقاط اطايب ثمرات كلامهم , كما ينتقي اطايب الثمر
الادب في مجالستهم ولا تتكلم في حضرتهم الا اذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت ان فيه
مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك .
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله .
فمن هذه الاسباب وغيرها وصل المحبون الى منازل المحبه
جعلنا الله واياكم ممن احبهم الله واحبوه .
وسننقل لكم انشاء الله علامات المحبه ومراتبها ان شاء الله تعالى
.
تعصى الاله وانت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لاطعته ان المحب لمن يحب مطيع
|