الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا معنا اليوم الحكمة المائتان والتاسعة والأربعون من الحكم العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :
( وحرك عليك النفس ليديم إقبالك عليه )
إنما حرك الحق تعالى عليك النفس ليدوم إقبالك وتوجهك إليه لأن النفس لما غلبت عليها البشرية جرتها إليها , فهي دائماً تهوي بك إلى أرض الشهوات , وأنت دائماً تريد أن تعرج إلى سماء الحقوق والواجبات , هي تريد أن تركن إلى أصلها من عالم الصلصال والطين , وأنت تريد أن تردها إلى أصل روحانيتها في أعلى عليين , هي تريد السكون في عالم الأشباح وأنت تريد أن ترقيها إلى عالمي الأرواح , فهي دائماً تريد التسفل وأنت دائماً تريد الترقي , فهذا معنى دوام إقبالك عليه , وسيأتي : لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين فالنفس والشيطان نعمتان في الباطن , إذ لولاهما ما تحركت إليه ولا تحقق سيرك إليه , ولذلك كان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه إذا اشتكى إليه أحد بالنفس يقول : أما أنا فجزا الله عني خيراً ما على فضل الله وفضلها والله ما ننسى جميلها , يشير لهذا المعنى الذي ذكرناه وهما نقمتان في الظاهر لمن وقف معهما وحجب بهما .
والحاصل : أن النفس والشيطان والدنيا والناس , قواطع لمن قطعوا به الطريق , موصلات للحضرة لمن وقف للتحقيق وسبق له من الله التوفيق , والنفس أصعب من الشيطان لأنه عدو متصل وأنت به شفيق , فهي أقبح من سبعين شيطاناً في قطع الطريق .
وذكر أبن القسطلاني عن أحمد بن سهل رحمه الله انه قال : أعداؤك أربعة : أولها : الدنيا , وسلاحها لقاء الخلق , وسجنها الخلوة الثاني : الهوى , وسلاحه الكلام وسجنه الصمت الثالث : الشيطان , وسلاحه الشبع , وسجنه الجوع الرابع : النفس , وسلاحها النوم , وسجنها السهر , وقد نظم بعضهم هذه القواطع فقال :
أني بليت بأربع يرمينني ... بالنبـــــل عن قوس له توتير
إبليس والدنيا ونفسي الهوى ... يا رب أنت على الخلاص قدير
وقد ذكر هذه القواطع الشيخ , فذكر أولاً الدنيا , ثم الناس ثم الشيطان , ثم النفس لكن ذكرها على وجه توحيدي لم يذكرها على أنها سوى أو قواطع ؟ وإنما ذكر أسرارها وحكمة وجودها , فلله دره ما أشد معرفته بالتوحيد وأسرار التفريد , نفعنا الله بذكره وخرطنا في سلكه آمين . وحاصلها : ذكر غاية النعميم , وهو شهود نور وجهه الكريم فمن تحقق به فلا تعتريه أحزان ولا هموم , ثم ذكر القواطع التي تقطع التي تقطع عنه وهي الدنيا , وما يتعلق بها من رياسة وعلم غير نافع وجاه وغيره , والخلق وما يتعلق بأذيتهم , والشيطان والنفس , لكن ذكرهم على وجه التحقيق لاعلى وجه التشريع , فإذا تخلص من هذه القواطع في الحس أفضى إلى شهود نور عظمة ربه في تجلياته , فيتواضع من الأشياء كلها لمعرفته فيها .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|