فصل فى زيارة القبور
اعلم أيدك الله سبحانه وتعالى : أن حضرة سيدنا النبى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله زار القبور وأذن فى زيارتها بعد نهيه عن ذلك ، وقال : ( زوروا القبور فانها تذكر الآخرة ) ( وزيارة ) القبور سنة يثاب فاعلها بقصده الجميل ( وينبغى ) لزائرها أن لا يقول إلا خيرا ، ولا يجلس على القبور ولا يمتهنها ، ولا يجعلها صفة القبلة ولا يتملس بها الى غير ذلك من الأمور المنكرة فى الشرع ( وجاء فى بعض الأخبار ) أن حضرة سيدنا النبى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله زار قبر أمه ، وزار قبر عثمان بن مظعون ، وعلمه بحجر ليعرفه من بين القبور ( وقال ) عليه أفضل الصلاة والسلام ( نهيتكم عن زيارة القبور ولكن زوروها )(1) وهذا عام فى الاشخاص فيكون عاما فى الاحوال .
(( ذكر ما ورد فى استحباب زيارة القبور من حديث منقول وأثر مأثور ))
( أعلم ) أن من الدليل على استحباب زيارة القبور الاجماع فى حق الرجال كذا نقل العبدرى ( وقال ) النووى هو قول العلماء كافة ( وقال ) الحافظ أبو عمر بن عبد البر فى الاستذكار عند تكلمه على حديث ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه خرج إلى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية )) الحديث قال فيه إباحة الخروج الى المقابر وزيارتها وهذا مجمع عليه فى الرجال ( وعن ابن عبدالبر أيضا بسند صحيح ( ما من أحديرم بقبر أخيه المؤمن كل يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا رد السلام عليه ) ( وعن ) ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : ( مر النبى صلى الله عليه وسلم بالقبور بالمدينة (2) فأقبل عليهم بوجهه فقال السلام عليكم يا أهل القبور ويغفر الله لنا ولكم ، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع (3) نسأل الله لنا ولكم العافية ، إنهم لنا سلف ونحن بالاثر ) والاحاديث فى ذلك كثيرة ( وأما ) فى حق النساء فيدل عليه ما جاء فى صحيح البخارى ( أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى امرأة تبكى عند قبر فقال : ( اتقى الله يا أمة الله واصبرى ) ولم ينكر عليها ، ولو كان بكاء النساء عند القبور وزيارتهن لها حراما انهاها النبى صلى الله عليه وسلم عن زيارتها وزجرها ( وأما ) ماروى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه نهى عن زيارة القبور للنساء فغير صحيح إلا أنه لا يجوز لهن التبرج والكلام مع الأجانب وإسفار وجوههن وغير ذلك من المنيهات ( وأعلم ) أن قبور الصالحين لا تخلو من بركة ، وأن زائرها والمسلم على أهلها والقارىء عندها والداعى لمن فيها لا ينقلب إلا بخير ولا يرجع إلا باجر وقد يجد لذكل أمارة تبدو له ، أو بشارة تنكشف له ( فمما ) روى عن يحيى ابن سعيد عن شعبة بن الحجاج قال : ( فتن الناس بقبر عبدالله بن غالب رضى الله تبارك وتعالىعنه فأخذت من ترابه فاذا هو مسك أو تحته مسك ، وقصة هذا القبر مشهورة ولما خيف على الناس منه التفنة سوى ) ( وذكر ) ابن اسحق قال حدثنى يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تبارك وتعالى عنها أنها قالت : ( لما مات النجاشى كان يتحدث أنه لا يزال على قبره نور ) ( ويستحب ) أن يقصد الانسان بميته قبور الصالحين ومدافن اهل الخير ويدفنه بالقرب منهم ، وينزله بازائهم ، ويسكنه فى جوارهم ، تبركا بهم وأن يتجنب به قبور من سواهم ممن يخاف التأذى بمجاورته ، والتألم بمشاهدة حاله ( وقد ) روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( أن الميت ليتأذى بالجار السوء كما يتأذى به الحى ) ( ولما حضرت ) أبا على الروذبارى الوفاة كان رأسه فىحجر ابنته فاطمة ففتح عينه ثم قال : ( هذه أبواب السماء قد فتحت وهذه الجنان قد زخرفت ، وهذا قائل يقول يا أبا على قد بلغناك المرتبة القصوى وإن لم تردها ، ثم قال :
وحفك لا نظرت الى سواكا
بعين سودت حتى أراكا
ومما وجد على قبره مكتوبا :
إن الحبيب من الاحباب مختلس
لا يمنع المتوت حجاب ولا حرس
ويكف تفرح بالدنيا ولذتها
يا من يعد عليه اللقظ والنفس
أصبحت يا غافلا النقص متغمسا
وانت درهك فى اللذات تنغمس
لا يرحم الموت ذا مال لعزته
ولا الذى كان منه العلم يقتبس
كم أخرس الموت فى قبر وقفت به
عن الجواب لسانا ما به خرس
قد كان قصرك مغموا به شرف
وقبرك اليوم فى الاجداث مندرس
( وقد ) كتب الناس على القبور مواعظ لا تحص
---------------------------------------------1 –لم نجد هذا اللفظ فى كتب السنة وفى تيسير الوصول ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكركم بالآخرة ( اخرجة الخمسة إلا البخارى
2 – فىتيسير الوصول بقبور أهل المدينة
3 – فى التيسير بالاثر بدل تبع ثم لا توجد زيادة نسأل الخ رواه الترمذى وقال غريب