#00015F
الحور العين في اللغة
الحور العين مصطلح مركب من كلمتي الحور وعين وفي ما يلي نبين معناهما:
الحَوَرُ: شِدَّةُ بَيَاضِ بَيَاضِ العَيْنِ في شِدَّةِ سَوَادِ سَوَادِها، وامْرَأةٌ حَوْراءُ: بَيْضاءُ حَسَنَة .واحْوَرَّتْ عَيْنُ. صارتْ حَوْراءَ. والجَميعُ: الحُوْرُ والحِيْرُ. وامْرَأةٌ حَوَارِيَّةٌ: بَيْضاء. وعَيْنٌ حَوْراءُ: مُسْتَدِيْرَةٌ[1].
وقد أورد صاحب العين لكلمة الحور أكثر من معنى فقال:
الحور: الرجوع إلى الشئ وعنه. يقال: حارت تحور، وأحار صاحبها، وكل شئ تغير من حال إلى حال، فقد حار يحور حورا، كقول لبيد: وما المرء إلا كالشهاب وضوئه * يحور رمادا بعد إذ هو ساطع. والمحاورة: مراجعة الكلام. والحور: شدة بياض العين وشدة سوادها، ولا يقال: امرأة حوراء إلا لبيضاء مع حورها، والجميع: حور[2].
ويؤكد ذلك صاحب مقاييس اللغة بصيغة أخرى فيقول: (حور) الحاء والواو والراء ثلاثة أصول: أحدها لون، والآخَر الرُّجوع، والثالث أن يدور الشيء دَوْراً[3].
والعِينُ: بَقَرُ الوحش وهو اسم جامع لها كالعِيس للإبل. ويُوصَفُ بسَعَةِ العَيْنَ، فيقال: بقرة عَيْناءُ وامرأة عَيْناء، ورجلٌ أَعْيُنَ[4]. وعندما نقول امرأة عيناء فإننا نقصد أنها واسعة العينين.
نفهم مما سبق أن كلمة الحور إذا وصفت بها النساء فإنها تدل على الحسن والجمال، قال جرير: إنّ العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا. وقد وصفت به نساء الجنة، وإذا وصفت الحور بالعين أو جاءت العين بدلا عن الحور أصبحت العبارة تدل على أن العينين جميلتان وواسعتان، والمصطلح مركبا خاص بنساء الجنة، وهذا ما يعنينا في بحثنا هذا.
الحور في القرآن الكريم
ذكرت الحور في القرآن بالمعنى السابق في الآيات التالية: قال الله تعالى:
1_ {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ. وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ. جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الواقعة،17_ 24) ذكرت الحور في الآية كجزاء للمؤمنين، كما ذكرت الفاكهة ولحم الطير. وأمّا لفظ التزويج فقد جاء في الآيتين التاليتين:
2_ {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (الطور،20)
3_ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ. كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} (الدخان،55) قوله تعالى {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} قُرِىَء على الوصفِ وقُرِىَء بالإضافةِ أي قرنّاهم بهنَّ والحورُ جمعُ الحوراءِ وهي البيضاءُ ، والعينُ جمعُ العيناءِ وهي العظيمةُ العينينِ واختُلفَ في أنهنَّ نساءُ الدُّنيا أو غيرُها[5].
يقول الأصفهاني وقوله تعالى: {وزوجناهم بحور عين} أي: قرناهم بهن، ولم يجئ في القرآن زوجناهم حورا، كما يقال زوجته امرأة، تنبيها أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة[6]. وقد ذهب أكثر المفسرين على أنه لا عقود زواج بالحور، وأن المراد: قرناهم بهم[7].
4_ {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ. إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا. لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} (34_38) {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} أي رفيعةِ القدرِ أو منضدةٍ مرتفعةٍ أو مرفوعةٍ على الأسرّة وقيل الفرشُ النساءُ حيثُ يُكْنَى بالفراشِ عن المرأةِ وارتفاعُها كونُهنَّ على الأرائكِ . قالَ تعالَى : { هُمْ وأزواجهم فِى ظلال عَلَى الأرائك مُتَّكِئُونَ} ويدلُّ عليهِ قولُه تعالى : {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاء} وعلى التفسيرِ الأولِ أضمر لهنُ لدلالةِ ذكرِ الفُرشِ التي هي المضاجعُ عليهن دلالةً بينةً والمعنى ابتدأنَا خلقهنَّ ابتداءً جديداً أو أبدعناهنَّ من غيرِ ولادٍ إبداءً أو إعادةً وفي الحديثِ : هُنَّ اللواتِي قُبضن في دارِ الدنيا عجائزَ شُمطاً رُمْصاً جعلهنَّ الله تعالَى بعدَ الكبرِ أتراباً على ميلادٍ واحدٍ في الاستواءِ كلما أتاهنَّ أزواجُهنَّ وجدوهنَّ أبكاراً[8]، وذلكَ قولُه تعالى: {فجعلناهن أبكارا} وقوله تعالى: {عُرُباً} جمعُ عروبٍ[9] وهي المتحببةُ إلى زوجِها الحسنةُ التبعلِ[10].
وفي الآيات التالية بيان أن الحور العين مقصورات في الخيام بمعنى أنهن مستقرات غير جوالات، ووصفن بأنهن قاصرات الطرف دليل على الحياء.
5_ {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ. فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ. فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} (الرحمن،68_ 72)
6_ {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ. جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ. مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ. وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} (ص، 49_ 52)
7_ {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} (الصافات،48_ 49)
الزوجان المؤمنان هما زوجان في الجنة كذلك
تبين الآيات التالية أن الأزواج الصالحين من أهل الدنيا سيكونون أزواجا في الجنة كذلك، والآيات التالية تبين ذلك. قال الله تعالى:
1_ {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} (الرعد،23)
(وأزواجهم) هي نساؤهم وأهلوهم و"صلاحهم" إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه السلام[11] .
2_ {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} (يس،56)
عن مجاهد، قوله( هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ ) قال: حلائلهم في ظلل[12].
3_ { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة)
والأزواج جمع زَوْج، وهي امرأة الرجل. يقال: فلانة زَوْجُ فلان وزوجته. وأما قوله:"مطهَّرة" فإن تأويله أنهن طُهِّرن من كل أذًى وقَذًى وريبةٍ، مما يكون في نساء أهل الدنيا، من الحيض والنفاس…[13].
من هنّ الحور العين؟
اختلف المفسرون قديما وحديثا في الحور العين هل هن النساء المؤمنات في الجنة أم أنهن من خلق الجنة إكراما للمؤمنين. فعن الحسن : هن عجائزكم ينشئهن الله خلقاً آخر . وقال أبو هريرة : لسن من نساء الدنيا[14] .
وقد جمع بعض المفسرين بين القولين المرويين فقالوا إن الحور العين وصف لنساء الدنيا في الجنة كما أنه وصف للنساء من خلق الجنة. يقول ابن عاشور في معرض تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً}: والإِنشاء : الخَلق والإِيجاد فيشمل إعادة ما كان موجوداً وعُدم ، فقد سمّى الله الإِعادة إنشاء في قوله تعالى : {ثم الله ينشىء النشأة الآخرة} (العنكبوت : 20) فيدخل نساء المؤمنين اللاءِ كُنّ في الدنيا أزواجاً لمن صاروا إلى الجنة، ويشمل إيجادَ نساء أُنُفاً يُخلقن في الجنة لنعيم أهلها، وقوله : {فجعلناهن أبكاراً} شامل للصنفين[15].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ الْأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ[16]
لنقرأ الأحاديث التالية بتمعن
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (…ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)[17]
وفي رواية اخرى عند البخاري عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها يعني الخمار خير من الدنيا وما فيها)[18] وكذلك رواه الترمذي وابن حبان (ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما)[19]
والفرق بين الروايتين أن الرواية الأولى عند البخاري تشير إلى أن الحور العين هما من خَلْق الجنة (ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض) فقد فرق بين أهل الجنة وأهل الأرض فاقتضى أن تكون الحور العين من خلق الجنة. أما الرواية الثانية التي تؤيدها رواية الترمذي ورواية ابن حبان فتشير إلى أن الحور العين هن النساء المؤمنات في الجنة (ولو أنّ امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما) فالنظر المفترض إلى الأرض وليس إلى أهلها. وفي الحديث إشارة إلى أن المرأة هي من نساء الدنيا المؤمنات اللواتي سيدخلن الجنة، كما أنه يشمل الحور المخلوقات في الجنة لنعيم أهلها.
يمكننا أن نلخص الى نتيجة مفادها ما يلي: أن لفظ الحور العين هو وصف للنساء المؤمنات في الجنة كما هو وصف لنساء خلقن في الجنة لنعيم أهلها.