بسم الله , والحمد لله , والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله , وآله ومن والاه ... وبعد
نتابع مع حضراتكم ماكان من أبى جعفر المنصور وخطته فى التخلص من عمه عبد الله بن على , ثم حلن الدور على عدوه الثانى وهو ... :
أبو مسلم الخراسانى استراح المنصور من عبد الله بن على على يد أبى مسلم , فوجه الهمة إلى الراحة من هذا العدو الثانى الذى لا يطمئن على ملكه وهو حى , لأنه أصبح صاحب الصولة والسلطان فى الدولة , وليس المنصور ممن يمكنه الصبر على ذلك .
والذى زاد الأمر عنده أنه قد ألقى إليه أن أبا مسلم لايحترم كتبه ويستهزئ بها إذا وردت إليه , فصمم على الفتك بأبى مسلم . حصلت حادثة أوقعت الريبة فى قلب أبى مسلم , وذلك أنه بعد تمام الهزيمة أرسل المنصور من قبله رسولاً ليحصى المغانم التى غنمت من عبدالله ,
فلما ورد الرسول المعسكر غضب أبو مسلم وكاد يقتل الرسول لولا أن قيل له : ماذنبه إنما هو رسول فخلى سبيله ولم يمكنه مما جاء له جاء له وقال : أأكون أميناً على الدماء غير أمين على الأموال ؟؟!
فعاد الرسول وأخبر المنصور , فكر المنصور وأحب أن لا تدخل أبا مسلم أقل ريبة منه لخوفه أن يمضى إلى خراسان, وبذلك لايتمكن منه إلا بعد معاناة شدائد يريد اختصارها
وليأمن من ذلك كتب إلى أبى مسلم : ( إنى قد وليتك مصر والشام فهى خير لك من خراسان , فوجه إلى مصر من أحببت وأقم بالشام حتى تكون بقرب أمير المؤمنين , فإن أحب لقاءك أتيته من قريب)
فلما جاء الكتاب أبا مسلم غضب وقال : هو يولينى الشام ومصر وخراسان لى .. وصمم على المضى إلى خراسان.
رأى المنصور أنه لم يبق إلا استعمال الدهاء لإيقاع أبى مسلم فى فخ ينصبه له حتى لا يثير حرباً شعواء لا تعلم نتيجتها فتوجه إلى المدائن وكتب إلى أبى مسلم بالمصير إليه , فكتب إليه أبو مسلم : (إنه لم يبق لأمير المؤمنين أكرمه الله عدو إلا أمكنه الله منه , وقد كنا نروى عن ملوك اَل ساسان أن أخوف مايكون الوزراء إذا سكنت الدهماء , فنحن نافرون من قربك , حريصون على الوفاء لك بعهدك ماوفيت , حريون بالسمع والطاعة غير أنها من بعيد حيث تقارنها السلامة , فإن أرضاك ذلك كنا كأحسن عبيد , فإن أبيت إلا أن تعطى نفسك إرادتها نقضت ماأبرمت من عهدك ضناً بنفسى)
وهذا الكتاب مما زاد النار اشتعالاً فى قلب المنصور , لأنه كتاب رجل مدل بما له من القوة حتى وضع نفسه قرناً للخليفة إدلالاً بمركزه وسابقته فى إقامة دعائم الخلافة العباسية فكتب إليه المنصور :
(قد فهمت كتابك وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم , الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم , فإنما راحتهم فى انتشار نظام الجماعة , فلم سويت نفسك بهم , فأنت فى طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ماأنت به وليس مع الشريطة التى أوجبت منك سماع ولا طاعة , وحمل إليه أمير المؤمنين عيسى بن موسى رسالته لتسكن إليها أن أصغيت إليها , وأسال الله أن يحول بين الشيطان ونزعاته وبينك , فإنه لم يجد باباً يفسد به نيتك أوكد وأقرب من طلبه من الباب الذى فتحه عليك).
أرسل هذا الكتاب مع عيسى بن موسى , ووجه معه أبا حميد المروزى وأمره أن يكلم أبا مسلم بألين مايكلم به أحدا وأن يمنيه فإن أبى قال له :
يقول لك أمير المؤمنين ( لست للعباس وأنا برئ من محمد إن مضيت مشاقاً ولم تأتنى إن وكلت أمرك لأحد سواى , وإن لم أل طلبك وقتالك بنفسى , ولو خضت البحر لخضته ولو اقتحمت النار اقتحمتها وراءك اقتلك أو أموت قبل ذلك ).
ونستكمل الحديث فى المشاركة القادمة بإذن الله تعالى
وصل اللهم وسلم على سيدنا ومولانا رسول الله , وآله , وعظم وشرف وكرم
|