موقع د. محمود صبيح

1- 2 الحرب الراهنة .

من الواضح أن طريق الشرق الأوسط نحو خلاص وهمي واكتساب قوة حقيقية مر عبر تقديم صورة للمنطقة على أنها الحلقة الضرورية للحفاظ على مصالح القوى الخارجية، وذلك من خلال عناصر ثلاثة :

النفط ومواجهة المد السوفييتي والقدرة على احتواء الجماعات الراديكالية ومنعها من الوصول إلى الحكم.

ومما لا شك فيه أن هذه العناصر الاستراتيجية الثلاثة لعبت دورًا في الرفع من ثقل المنطقة في ميزان العلاقات الدولية.

إلا أن هذا الوضع اليوم ربما أخذ في التبدد والتغير .

فقوة الماضي قد تتحول إلى نقطة ضعف في المستقبل.

ومن المهم التذكير هنا بأن القوة، خصوصًا إذا ما كانت متوهمة، تفضي بالمؤمن بها إلى حالة إدمان.

ومن أجل فهم تفاعلات العناصر الاستراتيجية الثلاثة السالفة الذكر، ينبغي تفكيك ما تحمله من دلالات سياسية :

١- تظل الهيمنة النفطية عاملاً مهمًا للغاية ما دامت اقتصادات الدول الغربية تعتمد بشكل كبير على هذا المورد لتأمين احتياجاتها من الطاقة.

ولسنا هنا بصدد البحث في جدوى ’الاقتصاد الهيدروجيني‘ أو مصادر الطاقة البديلة أو الفاعلية المطردة لأساليب الحماية البيئية.

القضية لا ترتبط بالكميات أو الأسعار المطلقة، بل بالكميات والأسعار ذات التأثير الفعلي في أسواق الطاقة الدولية.

ومن المؤكد أن العراق إذا ما أصبح صديقًا للغرب أو أن إيران إذا ما تخلصت من علماء الدين المتشددين، وتجسد على أرض الواقع احتمال تدفق نفط حوض قزوين إلى الأسواق العالمية، سوف يتم تقويض قوة التأثير التي يتمتع بها حاليًا نفط دول الخليج.

٢- -الدور العربي وتفاعله في سياق العلاقة التي كانت قائمة بين القوتين العظميين قد وصل إلى نهايته، ومن غير المتوقع أن تبرز قوة جديدة على المسرح الدولي تحل محل الاتحاد السوفييتي السابق.

٣- عامل الإرهاب والأهمية التي اكتسبها في أعقاب أفول الامبراطورية السوفييتية بالموازاة مع استفحال المأزق الذي
وجد العالم العربي نفسه في براثينه.

1- 3 : الإرهاب : وكيل بامتياز .

إن الجزء الأكبر من القوة الوهمية التي تمارسها الدول العربية تتجسد في غلاف الصدقية الذي يلف هذه القوة .

ومباشرة بعد الكشف عن وهميتها، سوف يتراجع الدور الذي كانت تلعبه العناصر الوهمية المكونة لهذه القوة التي طالما مثلت جزءًا من حساباتنا الاستراتيجية .

وهنا بالذات يكمن الضعف الاستراتيجي للعالم العربي.

وكما هو معلوم فإن العمق الاستراتيجي الحقيقي لأي دولة ينمُ عن توفر قوة اقتصادية أو عسكرية فعلية.

والعالم العربي لا يمتلك لا هذه ولا تلك.

ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن أحداث وتطورات القرن العشرين أضفت هالة من القوة على العالم العربي، إلا أن الوقت حان لكي تتبخر هذه الهالة وتذهب أدراج الرياح، لأنها لم تمثل في يوم من الأيام قوة عمق استراتيجي حقيقي بقدر ما كانت قوة تكتيكية وظرفية.

ومن أجل التوصل إلى تصور ملموس لماهية الإرهاب، يمكننا النظر إليه باعتباره سحابًا أو سربًا من الحشرات تلتحم بعضها ببعض أو تفترق وفقًا للفرص المتاحة، إلا أنها تحظى بشكل شبه دائم برعاية الدول ووكالات الدول والمنظمات "الخيرية" سواء كانت تعمل على الصعيد الجزئي للدولة sub – state . أو بالمحاذاة مع مؤسسة الدولة para – state .

وضمن هذا التصور للإرهابيين بوصفهم حشدًا من الحشرات يتجمع حول خلايا النحل تحميها جماعة من الحراس الذين يحتفظون بعلاقات مع عملائهم من خلال شبكات توريد وعرض للخدمات الإرهابية.

إن سرب الحشرات هذا ينشط في إطار الدور الذي يتولاه كوكيل بامتياز يحمل صفة العنصر المضاعف للقوة، ويعمل لحساب معظم الدول العربية.

ويوجد هناك تماثل بين النهج الذي كان يعتمده الكرملين من خلال تكليف أعضاء الشيوعية العالمية Komintern أو المنتسبين للأحزاب الشيوعية المحلية بتنفيذ العمليات خارج التراب السوفييتي .

بالإضافة إلى التنسيق الذي كان يجري بين الكرملين والمنظمات غير الحكومية المنضوية تحت لواء الحزب الشيوعي من جهة، والجهات "المستقلة" التي عادة ما تنجز أعمالًا قذرة لحساب السعودية، أو المنظمات الإرهابية التي يتم استئجار خدماتها بغرض تنفيذ عمليات محددة أو التخطيط لمثل تلك العمليات من جهة أخرى.

وما منظمة أبو نضال سوى تجسيد لهذا النهج.

وإذا ما نظرنا إلى هيكلية النظام الشمولي أو أي نظام آخر يغالي في ممارساته الاستبدادية، فإنه من المستحيل الإقدام على أي عمل مهم أو تنظيم أي مهرجان شعبي ضخم دون إشراك أو تدخل السلطات القائمة.

وبالمثل، فإن بلدًا مثل السعودية، حيث تتداخل تركيبة الأسرة الحاكمة وحاشيتها الواسعة إلى درجة الانصهار فإن المسافة بين الطرفين تمحي ولا تبقى سوى مسافة إلغاء الآخر.

وفي ظل هذه المعطيات استطاعت الجماعات الإرهابية توجيه ضربات موجعة ضد الولايات المتحدة والدول الغربية من خلال قدرتها الفائقة على التحرك السريع والانسلال عبر الشبكات الأمنية الدولية، ومن خلال قدراتها على اختيار التوقيت والمواقع وأشكال الهجمات بدقة ومن خلال اندماجها في أوساط الشعوب وتبني تكنولوجيا الدول المتقدمة.

وبهذا المعنى نجحت التكتيكات التي استخدمتها منظمة التحرير الفلسطينية في بدايات بزوغها على الساحة، مثل اختطاف الطائرات وزرع الرعب.

واستطاعت الشبكات الإرهابية الأخرى تطوير هذه التكتيكات وعلى نحو تدريجي وتحويلها إلى أدوات استراتيجة،وأصبح الإرهاب كما مارسته منظمة التحرير الفلسطينية "التجربة المحورية" التي أبانت وأكدت فاعلية آلة الرعب هذه.

إن غياب ردود فعل جدية إزاء ظاهرة تفشي الإرهاب خلال جيل كامل من الزمن قد ولَّد حسابات مزدوجة :

•بالنسبة للإرهابيين ومن يرعاهم، كانت نسبة الأرباح مقارنة بالثمن مناسبة جدًا، فالثمن المتمثل في مخاطر ردود الفعل الانتقامية ظل منخفضًا جدًا، فيما كانت نسبة الأرباح المتمثلة في الصورة الذاتية والرعاية وتجميع التبرعات والدعم عالية للغاية.

وتعكس المجزرة التي ذهب ضحيتها جنود مشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام ١٩٨٣المعادلة بصورتها هذه وقيمتها المتزايدة بشكل واضح.

وطالما كانت هذه الحسابات المزدوجة قائمة، وهي تحدد ملامح السياسات العربية ضمن إطار هجمتها الإرهابية الشرسة المستمرة لفترة ٣٠ عامًا، فإنها تكتسب ذاتيًا أسباب وشروط تحقيقها وتبلورها .

وبالمقابل، فإن الخروج من هذه الدوامة يشكل مفتاحًا لتغييرها من خلال شن حرب ضروس ضد الإرهاب وإلغاء عملية المقايضة التي تفرضها ظاهرة الإرهاب على جميع العناصر المكونة للحلقة الإرهابية.

٢- ما المطلوب إذًا؟

إن استراتيجية الحرب لا بد لها من أن ُتميز بين مستويات عديدة من التحركات والخيارات:

الاستراتيجية الكبرى، الاستراتيجية الخاصة بالحرب الفعلية والاستراتيجية الخاصة بالحملة التمهيدية للحرب :

أ -الاستراتيجية الكبرى: إن الهدف الأساسي والنهائي للحرب على الإرهاب يتمثل بل ينبغي أن يتمثل _ في الدفع بالعالم الإسلامي إلى تبني مقومات العالم العصري.

وتحت هذا العنوان يمكن ملامسة أوجه الشبه بين الحرب الراهنة والحرب ضد ألمانيا النازية واليابان الإمبريالية خلال الحرب العالمية الثانية، مع التأكيد على وجود فارقين أساسيين :

أولهما أن الهوة التي كانت تفصل ألمانيا عن العصرنة كانت أقصر بكثير،حيث إن ألمانيا كان لها من المرجعيات التاريخية والثقافية ما يؤهلها لاعتناق مظاهر العصرنة دون عناء كبير.

وثانيهما أن اليابان بدورها كانت تقع ثقافيًا خارج مدار العصرنة، غير أن الثقافة اليابانية وعلى الرغم من خصوصياتها كانت وقتذاك قابلة للتكيف ومهيأة لاستيعاب الإبداعات والمستجِدات الثقافية من العالم الخارجي.

علينا أن نتذكر أنه بتاريخ ٨ ديسمبر ١٩٤١ ، لم يكن الهدف المعلن من قبل الولايات المتحدة هو إعادة صياغة النظام الدولي كليًا بالقوة، بل ُفرضت فكرة الحرب على الاستراتيجية الأمريكية، وتبلورت أهداف الحرب تدريجيًا استجابة لمتطلبات مراحل الحرب نفسها وتطوراتها.

2 - 1 جيواستراتيجية الحرب .

ب -استراتيجية الحرب: يمكن وصف هدف الحرب الحالية وبعبارة مختزلة بأنه استهداف لتركيبة معقدة تجمع مؤسسات بعض الدول التي تعمل ضمن إطارات فضفاضة وغير محددة.

غير أن العناصر المؤلفة لهذه التركيبة تشترك فيما بينها في عدد من القيم الأساسية والمواقف المبدئية، إذ إن الطيف السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ما عدا بعض الاستثناءات النادرة، يرتكز في جوهره على مواقف معادية لأمريكا ولإسرائيل وللغرب بوجه عام.

مع العلم أن بعض الدول العربية مثل السعودية ومصر تسعيان دومًا إلى انتهاج لعبة مزدوجة تتمايل ممارستها العملية بين قطبين متعارضين.

وانطلاقًا من متطلبات الاستراتيجية الدولية لهذه الدول، بما في ذلك السعي وراء الحصول على مساعدات مالية أو عسكرية، تعتبر هذه الدول أنه من الملائم أو الضروري الالتصاق أو التحالف ظاهريًا مع الولايات المتحدة في بعض الأحيان، وانتقاد السياسات الأمريكية بل واستهدافها في أحيان أخرى.

أما الدول العربية الأخرى فتنأى بنفسها عن الولايات المتحدة باعتبار أن مواقفها المناوئة لأمريكا تؤمن لها عوائد سياسية كبيرة، وهذا هو حال إيران وسوريا.

لذا فإنه من الضروري انتزاع المحور الذي يقوم عليه الطيف السياسي في المنطقة وإبعاد هذا المحور عن الخط العدائي للولايات المتحدة.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف علينا إيقاع سلسلة من الهزائم الساحقة والكاسحة ضد الذين يشنون الحرب الإرهابية ضدنا .

ويقتضي هذا الأمر أن نضع سلمًا تراتبيًا لأهداف استراتيجيتنا :

١- العراق: وهو القلب التكتيكي للحرب بحيث لن يتحقق أي تقدم يذكر في المنطقة دون التخلص من صدام حسين وإسقاط نظامه.

وأي خيار لا يضم هذا الهدف سوف يدفع أنظمة وشعوب المنطقة إلى الاعتقاد بأن توعدات الولايات المتحدة لا تعدو أن تكون سوى ذر للرماد في العيون، وهذا بالفعل ما يمثل العنصر العسكري الرئيسي للحرب في هذه المرحلة.

إن التخلص من صدام من شأنه أن يغير مقاييس وقواعد اللعبة الأساسية.

فالعراق تحت نظام صدام حسين يشكل حجر الأساس لعهد السلام البريطاني Pax Britannica الذي يخيم على المنطقة من خلال التركة الاستبدادية التي خلفها وراءه.

ولهذا السبب فإن تدمير نظام صدام سوف يعبد الطريق أمام إعادة ترتيب أوراق المنطقة من جهة وتعزيز مصداقيتنا وفاعليتنا من جهة أخرى.

٢- السعودية: وهي القلب الاستراتيجي للحرب، فهي تمثل المركز المالي والنواة الأيديولوجية والمركز الرئيسي للحرب.

وفي تصورنا هذا وبعد الانتهاء من مهمة القضاء على صدام حسين، ينبغي توجيه إنذار نهائي إلى السعودية بأن تتوقف عن توفير المساعدات المالية، سواء كانت حكومية أو خاصة، مَلكية أو شعبية، لدعم الحملات المناوئة للولايات المتحدة أو إسرائيل .

فعلى السعودية أن تتوقف عن دعم الأنشطة العدائية والإرهابية وأن تعمل حثيثًا على مكافحة كل ما من شأنه إثارة التعصب الأيديولوجي أو الديني، سواء في المدارس أو المساجد أو عبر المنشورات.

من المهم أن يصاغ الإنذار النهائي بشكل لا يترك أدنى مجال للالتباس بأن عدم الاستجابة للمطالب الأمريكية سوف يسفر عن تهديدات مباشرة للموجودات المالية السعودية عبر العالم وتحطيم النظام السعودي أو غزو البلد وأن الهاشميين أو الشيعة من المناطق الشرقية بالسعودية يمثلون بالفعل بديلاً محتملاً للنظام الحالي.

٣- إيران: وهي في الوقت الراهن تعيش حالة من التأرجح والتذبذب، وهي مرحلة ينبغي على الولايات المتحدة استغلالها لمد الدعم بكل أشكاله للقوى المنادية بالتغيير داخل إيران من أجل تحقيق مهمة إسقاط النظام الإسلامي في طهران.

فإيران ظلت لمدة عقدين من الزمن تتزعم سياسة استخدام الإرهاب كوسيلة دعم لسياستها في الخارج.

وقد كان حزب الله اللبناني الذي يمكن النظر إليه باعتباره مؤسسة فرعية تابعة للنظام الإيراني في الخارج قد كان ضمن المنظمات الطلائعية في تبني سياسة الإرهاب ضد الولايات المتحدة والدول الغربية واحتجاز الرهائن وتنفيذ تفجيرات مروعة مثل تلك التي ُنفذت ضد القوات الأمريكية والفرنسية في بيروت عام 1983 ، إضافة إلى تورطه في تشكيل شبكات لتحالفات إرهابية دولية.

فعملية التفجير التي استهدفت الجالية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية عام ١٩٩٤ تم تنفيذها بدعم من شبكات نازية تعمل ضمن أجهزة الشرطة والمخابرات الأرجنيتينية.

وعمومًا، فإن العمليات التي ينفذها حزب الله يتم التحكم فيها وتوجيهها عن بعد من داخل كواليس وزارة الاستخبارات
الإيرانية والمؤسسات الإسلامية وقيادة الحرس الثوري الإسلامي(باسداران pasdaran) في إيران.

٤- إن أثر الحرب الحالية على الدول الإرهابية، وعلى رأسها سوريا، سوف يكون مدويًا.

فالأقلية العلوية الحاكمة في سوريا تحتاج إلى خلق واستدامة جو من الاضطراب الدولي والعداء لإسرائيل، وذلك بهدف المحافظة على استحواذها على السلطة وإطالة نفوذها في لبنان.

وتعتمد سوريا في سياستها الخارجية على تحالفها الوطيد مع إيران وسط أجواء إقليمية مشحونة وقابلة للتفجر.

ومن المرجح أن يساهم وجود القوات الأمريكية في العراق المجاور لسوريا في توفير الحافز لتغيير النظام في دمشق.

إن تغير قواعد اللعبة كما مورست خلال أكثر من نصف قرن في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن المستجِدات التي شملت المقاييس الرئيسية التي تحدد الأوضاع العامة في المنطقة، بما في ذلك فاعلية سياسة الأمر الواقع، من شأنها تغيير الوجه السياسي للمنطقة برمتها.

ج- استراتيجية الحملة التمهيدية للحرب: بالنسبة للإرهاب والإرهابيين فإن العمل على الحيلولة دون وصولهم إلى أي أرض تمنحهم الملاذ الآمن أو تعاونهم مع أي جهاز استخبارات أو أي وكالات حكومية أو مؤسسات خيرية سوف يضعف قواهم، وبالتالي يحجم دورهم كإرهابيين وليس كـ" أسلحة وكيلة" في يد الدول المستهدفة من هذه الحرب.

وبهذه الطريقة سوف تفقد العمليات الإرهابية وزنها الاستراتيجي الجوهري، وتنحدر إلى مستويات الاستراتيجية الفرعية.

من المهم أن نؤكد أنه ما من استراتيجية تؤطر ’الحرب على الإرهاب ‘إلا وهي تتوقف على استهداف الجهات الراعية للإرهاب والدول الداعمة له أولاً وقبل كل شيء، حيث إن طبيعة الإرهاب العربي والإسلامي تتطلب مثل هذه المقاربة العملية.

2 - 2 رسم خارطة مفاهيمية .

إن المقاربات الشائعة اليوم في الأوساط الفكرية – السياسية، والتي تحاول تفسير أو تحليل ظاهرة الإرهاب وعمل الجماعات الإرهابية تتخذ من التنظيمات الإرهابية ذاتها معالجة الظاهرة، حيث يتم تصنيف هذه الجماعات حسب شعارات ومسميات يفترض فيها أن تدلي بإيحاءات أو مؤشرات حول درجات التهديد الذي تمثله تلك التنظيمات :

هل هي تهديدات يمكن مواجهتها أم يصعب احتواؤها؟

هل تتمحور حول قضية منفردة أو قضايا متعددة؟

هل هذه الجماعات الإرهابية تنشط محليًا أم أن نشاطاتها تمتد إلى الساحة الدولية؟

هل لديها أجندة سياسية أم لا؟

إن النتائج التي تتوصل إليها هذه التحليلات لا تعدو أن تكون وصفية وسطحية من حيث تحديدها لمستوى الخطر الذي تمثله تلك الجماعات .

وفي الواقع فإن ما يتم وصفه وقياسه هو التداخل الحاصل بين مجموعة من المسميات والتوصيفات التي يلصقها المحللون بالتنظيمات، وليست حقيقة ماهية التنظيمات نفسها.

أما العيب الثاني الذي يشوب هذا الأسلوب في التحليل فيرتبط بظاهرة الإرهاب كما يتم عادة توصيفها وتحليلها بعيدًا عن تناول دور الدول الراعية للإرهاب وخارج البيئة العامة التي تشهد نمو الإرهاب وممارساته.

وضمن هذا السياق، يتبلور نوع من القراءات للظاهرة الإرهابية يتجاهل دور الدول والحكومات باعتبارها لا تمثل سوى زوائد عابرة أو هامشية قد تكون مرتبطة في أحيان نادرة ببعض مظاهر الإرهاب.

ما يحصل حاليًا أن الخيط الذي يربط الإرهاب والدول الراعية له في طريقه للانكسار، وبالتالي تصبح الظاهرة الإرهابية مفهومًا وممارسة يسبحان في فلك منعزل عن مدار مؤسسات الدول .

وهكذا يصبح مستحيلاً تحليل الظاهرة في أبعادها كاملة، ويقتصر التحليل على القشرة الخارجية للقضية.

وبعبارة أدق وأعمق، يمكننا القول إن ظاهرة الإرهاب لم تحظ إلا بالقليل من التحليل الاستراتيجي والكثير من التحليل التكتيكي للتجسيدات العملياتية للظاهرة.

إن مغالطة تحليلية مثل هذه لا تختلف كثيرًا عن محاولة استيعاب أحداث وتطورات الحرب العالمية الأولى والثانية من خلال استقراء ما دار خلال الحربين الكونيتين على المستوى المحلي.

السؤال الذي يثير اهتمامنا هنا هوكيف تتحرك الشبكات الإرهابية ميدانيًا؟

من الضروري بادئ ذي بدء التحرر من وهم وجود شيء يدعى"حرب الشبكات" أو أن تنظيم أسامة بن لادن أو أي تنظيم إرهابي آخر يعمل وفق قواعد تنظيمية وعملياتية عادة ما تؤطر نشاط ’المؤسسات المتشابكة‘ على نحو يماثل المؤسسات والشركات "الافتراضية virtual corporations " أو المتقدمة جدًا من الناحية التكنولوجية.

أما أن الجماعات الإرهابية تستخدم شبكة الانترنت ووسائل التواصل الالكتروني، فهذا لا ينطوي على أهمية استثنائية إلا بالنسبة لفاعلية عمل الجماعة نفسها، ولا يساعد في شيء على فهم أساليب عمل الإرهابيين.

إن الأمر المطلوب لإعداد خارطة مفاهيمية تحيط بظاهرة الإرهاب هو التوصل إلى تحديد هوية الأشخاص الذين يربطون – باسترجاع الصورة المجازية التي أوردناها آنفًا - النحل بخلاياه، والخلايا بالحراس، والحراس بالموردين وهكذا دواليك... على طول السلسلة الإنتاجية للإرهاب.

ولا شك في أن الأفراد يشكلون الحلقة العملياتية الأساسية لتدوير الماكينة الإرهابية، فهم يمثلون الوصلات التي تخلق عنصري التماسك والوظائفية اللذين تتوقف عليهما آلة الرعب اللامركزية.

ففي المؤسسات المركزية، تتمثل الحلقة الأضعف عادة في الرأس، وبضعفه تضعف الوصلات الفرعية.

أما بالنسبة للمؤسسات اللامركزية فالمفاصل، وليست الوصلات، هي الرابطة التي تحافظ على التماسك المؤسسي العام.

إن هيكلية التنظيمات الإرهابية بل والعمل الإرهابي كما يمارس في منطقة الشرق الأوسط ساهمت في تعزيز قدراته خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث إن ما يتمتع به من مقومات لا مركزية وقدرات على الاندماج الكلي في وحدة موحدة، أو بالمقابل التفكك إلى وحدات متعددة، كلها عوامل جعلت منه ظاهرة يستعصي على الدوائر السياسية والوكالات الاستخباراتية الغربية فهمها واقتفاء أثرها.

إلا أنه في الوقت الحاضر قد ينقلب عنصر القوة الذي تتمتع به ظاهرة الإرهاب إلى عنصر ضعف، وينقلب مفعول السحر على الساحر.

2 - 3 رسم خارطة ثقافية .

أجرى العقيد العسكري الأمريكي المتقاعد نورفل دي أتكين Colonel Norvel De Atkin دراسة حول المحددات الثقافية التي يمكن من خلالها تفسير الهزائم العسكرية التي عرفها العرب خلال المرحلة التاريخية الأخيرة.

ويعرض دي أتكين المحاور الرئيسية التالية:

"يدخر العرب المعلومات ويحجبونها بشكل خاص ... فالموظف الفني العربي، أول ما يكتسب المعرفة والخبرة الضروريتين لإنجاز أي عمل معقد،يدرك أن قيمته داخل المؤسسة التي يعمل بها سوف تستمر ما دام محتفظًا بتلك المعرفة.

وأول ما يكشف عن تلك المعرفة أو المعلومات تتبخر قيمته كمصدر وحيد للمعلومة".

وعلى الرغم من أن "الضباط العسكريين لا يرغبون في أن يكون للمجندين مصدر مستقل للمعلومات والمعرفة ... فإن المعرفة المتخصصة تؤمن الوجاهة والاحترام ... وفي سياق العمل العسكري، فإن القليل فقط من التدريب المتبادل يتم تنفيذه في إطار
التعاون بين الوحدات العسكرية المختلفة.. في الواقع فإن انعدام فهم متطلبات عمل الآخر يحد من مرونة العمل الجماعي."

•المعوقات التعليمية: بشكل عام يعتمد النظام التعليمي في العالم العربي على الحفظ وتخزين المعلومات.

ولهذا السبب يمكن لمس القدرات العجيبة لدى الضباط في الجيش على تخزين كم هائل من المعلومات، الأمر الذي يضعف قدراتهم
على استخدام المنطق أو التحليل المنطقي.

إضافة إلى أن البيئة الثقافية النفسية المحيطة بهم تحول دون التدفق الانسيابي للمعلومات.

•الضباط والجنود: تتم معاملة المجندين كما لو كانت لديهم قيمة إنسانية أقل من الضباط. وفي الوقت الذي يفرض فيه الضباط العسكريون في دول الهلال الخصيب الانضباط على جنودهم بواسطة زرع الخوف، تعاني وحدات الجيش في الدول التي يسود فيها نظام قبلي، مثل السعودية، من انعدام الانضباط نتيجة المساواة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام القبلي.

•عملية اتخاذ القرارات وروح المسؤولية: يتم اتخاذ القرارات على نحو عمودي مع ندرة الفرص للتواصل الجانبي ،lateral communication وبشكل مركز للغاية.

ويبقى البحث مستمرًا عن أكباش الفداء كوسيلة لتخطي حالات الفشل.

•الهوس الأمني: يظل الهاجس الأمني مخيمًا على الجيوش العربية إلى درجة تثير السخرية.

بالإمكان اختصار كل المظاهر التي تعرض لها دي أتكين المتعلقة بالمؤسسة العسكرية العربية خلال الفترة ١٩٤٥-١٩٩١ في النقاط التالية:

المركزية المفرطة، وإعاقة المبادرة الشخصية، وغياب المرونة، والتلاعب بالمعلومات والوقوف ضد ترقية الشباب إلى مواقع قيادية.

ها هنا نصل إلى أهم نقطة ترتبط بالجانب العسكري للدول العربية.

فكل المناحي التنظيمية والعملياتية للمؤسسات العسكرية بوجه عام تشبه، أو توازي إلى حد كبير، الملامح الرئيسية للمجتمعات التي هي في خدمتها، هذا بالطبع مع وجود بعض المحددات وأوجه الاختلاف التي ترجع إلى نوع النشاط الذي تمثله المؤسسة العسكرية من جهة والمجتمع من جهة أخرى.

فالجيش الإمبريالي الياباني يماثل المجتمع الياباني، والجيش الإيطالي يشبه المجتمع الإيطالي.

والجيوش العربية تعكس واقع المجتمعات العربية.

وكما هو الحال بالنسبة للمؤسسة العسكرية العربية، فالمجتمعات العربية تتسم بالمغالاة في مركزية صناعة القرار وتراتبية كبيرة في تنظيم العلاقات الاجتماعية وصعوبة عالية على مستوى تدفق المعلومات، وغياب واضح لكل ما من شأنه تحفيز المبادرة الفردية، والاعتماد الكبير في مجال التعليم على الحفظ واجترار المعلومات.

وثمة فجوة عميقة بين التصريحات العلنية والمشاعر الحقيقية والاعتماد على الهوية الجماعية والولاء العائلي والعشائري والطائفي عوض الولاء للدولة أو الوطن.

كل هذه المظاهر تجعل من المجتمعات العربية مجتمعات تعيش حالة من الهوس، حيث إن الفضاء الثقافي والاجتماعي العربي تسيطر عليه ثنائية تفصم بين عالم داخلي وعالم خارجي يتجاوز الحدود الجغرافية للوطن، وتتجسد غالبًا في الهوة التي تفصل بين "نحن" في الداخل و"هم" في الخارج.

إن المجتمعات العربية في مجملها تبدو في تنظيمها كالفقاعات المنغلقة على ذاتها ضمن إطار تراتبي يتحدد على أسس الروابط العائلية والقبلية والعشائرية والطائفية، وما المقولة المشهورة "أنا ضد أخي، أنا وأخي ضد أبناء عمي، نحن وأبناء عمي ضد بقية العالم" سوى تجسيد لغوي لهذا الواقع الاجتماعي.

وبالعودة إلى موضوع الإرهاب، يمكن القول إن "القاعدة" وما شابهها من تنظيمات إرهابية أخرى تنتهج نمطًا مختلفًا عما أسلفنا ذكره، حيث تتسم برعاية رجالها وتعميم المعلومات.

لكن من غير المؤكد أن لديها القدرة على الابتعاد كليًا عن الهوية الاجتماعية العربية.

وعلى الرغم من كل ذلك، أبانت منظمة القاعدة، شأنها في ذلك شأن حزب الله اللبناني، قدرًا كبيرًا من الاحترافية والمؤهلات التكنولوجية والقدرة على التخطيط وتحقيق التناغم بين خلاياها المنتشرة في العديد من الدول على مستوى تنفيذ عملياتها والمحافظة على أمنها.

ربما ساهم حجم القاعدة المحدود في تجاوز بعض الصفات الثقافية السلبية المتأصلة في الثقافة الاجتماعية العربية، حيث إن مستويات التماسك والحماسة والتآزر المتبادل تمثل سمات تقتصر على مجموعات "إخوانية" تعكس في تنظيمها ما حدده ابن خلدون بأنه الصفة الطاغية على المجتمعات البدوية، والتي أطلق عليها اسم "العصبية."

ومما لا شك فيه أن منظمة القاعدة قد نبعت من الرابطة الأخوية التي كانت تسود صفوف المجاهدين الأفغان .

وفي غالب الحالات تلعب المآسي المشتركة وتجربة القتال دورًا في تقريب القادة من أتباعهم في إطار من المساواة والندية.

والسؤال الذي تهمنا الإجابة عنه هنا هو :

هل الرابط الذي تولد خلال الحرب في أفغانستان تحول إلى الوثاق الروحي الذي يجمع بين أعضاء المنظمات الجهادية؟

ثم هل من الممكن استخراج وصياغة مفهوم يحيط بدوره بعمل المنظمات الإرهابية؟

يمكننا طرح فرضية أن عمر الجماعات الإرهابية والمتطرفة قصير باستثناء الحالات التي تصبح فيها الدول أو أشباه الدول نفسها إرهابية، مثل حزب البعث في كل من العراق وسوريا، والضباط الأحرار في مصر وحزب الله في لبنان.

ما السبيل إلى تفكيك تماسك الجماعات الإرهابية؟

قد يكون عنصر الهوس غلافًا ملائمًا لحماية التنظيمات الإرهابية، تمامًا كما تؤكد منظمة أبو نضال، لكنه في الوقت ذاته قد يصبح هذا العنصر نقطة ضعف قاتلة.

هناك بالإضافة إلى ذلك حقيقة مؤداها أن الإرهاب الشرق أوسطي تم تبجيله وتحويله إلى أداة انتقام وهمية تأخذ بثأر الجماهير العربية التي تعيش حالة من الإحباط والسخط والذل.

هذه الحالة بالفعل جعلت من أسامة بن لادن رمزًا شعبيًا يماثل المهدي المنتظر بما تحمله هذه الصورة من إيحاءات قوية بتخليص المظلومين في العالم .

3 - خارطة طريق لتنفيذ الحرب على الإرهاب .

1- 3 الاستراتيجية الكبرى .

إن الحرب على الإرهاب وعلى نحو يتجاوز صورة الحرب العالمية الثانية أو حتى الحرب الباردة تقتضي أن تكون حربًا يتم خوضها ضمن إطار استراتيجية كبرى.

إن هذه الحرب تمتد إلى الحقل الثقافي والدبلوماسي، وتستند إلى تعاون أجهزة الأمن والاستخبارات، كما أنها تحمل أبعاد الحرب السيكولوجية وتداعياتها.

ففي أعقاب أحداث ١١ سبتمبر كانت ردة الفعل مباشرة وانفعالية.

لكن ومع مرور بعض الوقت، بات جليًا أن التعقيدات غير العادية للمهمة العسكرية تستدعي صياغة مفهوم شامل ينبثق عن استراتيجية كبرى.

وفي المقام الأول ينبغي تحديد أهداف الحرب والإعلان عنها.

ففي عام ١٩٤٣ أصدر الرئيس فرانكلن روزفلت ورئيس الوزراء ونستون تشرشل ميثاق الأطلسي ووجهاه إلى شعوب دول التحالف وإلى العالم بأسره.

حدد الميثاق النوايا الرئيسية وعرض القيم التي تقود مخطط الحرب، والتي من أجلها سوف تُخاض الحرب، وأشار كذلك إلى النظام
العالمي المستقبلي الذي يسعى الحلفاء إلى تحقيقه.

كما عبر الميثاق عن مفهوم واضح وصريح يدعو الأفراد والدول إلى تحديد خياراتهم ومساراتهم.

ولعل برنامجًا أو وثيقة شبيهة بذلك الميثاق ضرورية اليوم، وثيقة تخاطب الشعب الأمريكي والعالم، بما في ذلك الشعوب العربية والمسلمة، وتحدد في جوهرها، ربما بعبارات أكثر دبلوماسية ما سنورده في التالي :

•إن المتطرفين المنتمين إلى التنظيمات الإسلامية الجهادية لا يرغبون سوى في تدمير وقتل وإقصاء الغرب، بل هم يمثلون قوة تدمير بالنسبة للعالم العربي.

والنظام الذي ينادون به هو نظام يقوم على فرض الصمت وزرع الخوف وتحقيق الدمار.

وهم في ذلك يشبهون المغول ولا يعرفون سوى الخراب.

•إن العالم العربي وعوض أن يجني ثمار الاستقلال والثروة النفطية، غرق وانغرس في وحل من البؤس والاستبدادية.

وتحت وطأة حكم الطغاة، لم يجد العالم العربي لنفسه موقعًا على الخارطة الدولية.

•إن دول التحالف تسعى حثيثًا إلى إلحاق الهزيمة بالمدمرين الإرهابيين، إلا أن الحرب التي أطلقناها ترمي إلى تحقيق أهداف أعمق وأبعد من ذلك.

•حان الوقت للعالم العربي والإسلامي لكي يسترجع موقعه ضمن موجة العصرنة التي سبق لها أن أزاحت وأسقطت الأنظمة الشمولية والحكام الطغاة في كل من أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي الأسبق وفي العديد من دول آسيا وأمريكا الجنوبية وبعض مناطق افريقيا.

•إن أحد الأهداف الرئيسية للحرب الحالية يعنى بمساعدة العالم العربي والإسلامي لولوج العالم العصري من خلال جر شعوب الشرق الأوسط داخل دائرة الرخاء والاستقرار التي تمددت وتوسعت عالميًا منذ نهاية الحرب الباردة.

•إن الولايات المتحدة ودول التحالف ملتزمة باستئصال بلاء الإرهاب، وسوف يستخدمون كل الوسائل والطرق المتاحة من أجل تحقيق الانتصار في هذه الحرب، إلى أن يصبح العالم مكانًا آمنًا وخارج قبضة النظم الشمولية التي تتستر بعباءة دينية كما هو الأمر بالنسبة للإسلام الجهادي.

غير أن دول التحالف سوف تساند العالم العربي والإسلامي على الانتقال إلى زمن العصرنة والممارسة الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.

•لن تسمح دول التحالف باستبدال الطغاة القدامى بطغاة جدد.

إن دول التحالف لديها القناعة بأن العالم العربي والإسلامي لن يظل معزولاً عن العالم يفصله جدار من الفكر التقليدي والوهم والإقصاء.

•إن المرحلة العسكرية للحرب جزء ضروري من الحملة الشاملة.

إلا أنها لوحدها غير كافية.

لنتذكر أن نتائج الحرب العالمية الثانية حولت أعداء الماضي إلى أصدقاء وحلفاء الحاضر، وذلك لأن المقدمة العسكرية للحرب كانت ضرورية لتعبيد الطريق أمام إعادة البناء والتغيير.

من الضروري أن تعكس وثيقة الحرب إدراكنا التام لما نحن بصدد القيام به.

لسنا نحارب فقط مجموعة من الشبكات الإرهابية، إننا نحارب كل العناصر التي وّلدت هذه الشبكات، وتسعى إلى تصدير حالتها المرضية إلى بقية العالم، كما أننا نحارب من أجل إقامة سدود لهذا المخاض الذي حول العالم العربي إلى حفرة جهنمية.

وعلى عكس الحروب في العهود القديمة التي كان الهدف من ورائها بسط النفوذ على مساحات جغرافية إضافية، فإن الهدف من إحراز الانتصار في الحروب الحديثة، كما ُتبرز حرب الاستقلال الأمريكية وحروب الثورة الفرنسية، يتمثل في تحويل العدو المنهزم إلى شبه منتصر ونشر نظام دولة المنتصر على وطن المنهزم.

وما التطورات التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة سوى انعكاس لهذه القاعدة، وسوف يكون الأمر كذلك بالنسبة للحرب الراهنة.

3 - 2 - 1 العراق :إسقاط "جمهورية الرعب"

من الضروري أن تُستهل الحرب على الإرهاب بتوجيه ضربة ضد العراق وبسط الولايات المتحدة لهيمنتها على منطقة الشرق الأوسط .

وعلى صعيد آخر فإن الهجوم على العراق سوف يشعر أنظمة وشعوب المنطقة بجدية وتصميم الولايات المتحدة على تنفيذ برنامجها السياسي.

تتطلب الحرب استهداف آلة الرعب والترهيب لنظام صدام وضرب أهم نقطة تقوم عليها، ألا وهي ثقافة الحصانة والإفلات من العقاب التي يتمتع بها الجلادون العراقيون والشعور السائد في أوساط الشعب بأنه يعيش تحت رحمة هؤلاء القتلة.

إن مزج الحرب السياسية والقصف الجوي الكثيف سوف يهيئ الميدان لدخول قوافل جنود المشاة في المراحل الأولى من الحرب إلى العراق.

3 - 2- 1 بعض تداعيات الحرب .

إن الأثر الكلي للحملة العسكرية ضد العراق يتضمن هدفًا مزدوجًا، يرمي شقه الأول إلى إرسال مؤشر قوي لأعدائنا في المنطقة أن نهايتهم السياسية قريبة، حيث إن الدوائر المتطرفة في طهران، وبما في ذلك خامينئي ومن حوله، والنظام العلوي في سوريا، والشراكة التي تجمع حزب الله اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس، إضافة إلى النظام السعودي، جميعهم يستوعبون جيدًا فحوى الرسالة الأمريكية، والتي تفيد بأن وقت عهد السلام الأمريكي Pax American قد حان وأن ساعة نهايتهم قد أزفت.

من المرجح أن يقدم حزب الله ومنظمة القاعدة وحركة حماس على إطلاق موجة من العمليات الإرهابية تستهدف أمريكا وإسرائيل، وربما أوروبا.

ويمثل حزب الله أحد الأهداف الرئيسية للحرب، لأنه يتحمل مسئولية إذلال الولايات المتحدة وقتل جنود مشاة البحرية الأمريكية وانسحابهم المشين من لبنان، واحتجاز رهائن أمريكيين.

وتجدر الإشارة إلى أن حزب الله ليس منظمة مستقلة، بل هو فرع للنظام الإيراني والجناح الأكثر تطرفًا للسياسة الخارجية الإيرانية.

كما أن حزب الله حليف مقرب من القاعدة، حيث إنه يمدها بالمساعدات.