تقييم .
والواقع ان التحليل الذي تقدمه شيرلي بينار للتيار العلماني في المجتمعات الإسلامية وإن كان يتضمن استبصارات جيدة في بعض المواضع , إلا انه يقصر عن الفهم العميق لطبيعة الصراع الثقافي الحاد الذي يدور الآن في جنبات المجتمعات الإسلامية بين التيار العلماني من ناحية , وتيار ما يطلق عليه الإسلام السياسي من ناحية آخري.
ومما لا شك فيه اننا لو أخذنا مصر مثلا لقلنا إن هزيمة يونيو ١٩٦٧ والتي كانت بذاتها شاهدا علي السقوط التاريخي للنموذج العلماني الاشتراكي ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله , مهد لصعود تيار الاسلام السياسي الذي زعم انه مادامت الليبرالية قد فشلت من قبل , وتبعتها الاشتراكية ذات التوجه القومي , فليس هناك سوي تطبيق الاسلام. ومن هنا رفع هذا التيار شعار الاسلام هو الحل في محاولة منه لتزييف الوعي الجماهيري , والإدعاء أنه ما ان يعلن تطبيق الحكم الإسلامي , وهو هنا تطبيق الشريعة الاسلامية , حتي تحل مشاكل المجتمع جميعا سياسية كانت او اقتصادية او ثقافية.
ويمكن القول ان تيار الإسلام السياسي قد نجح في اجتذاب جماهير غفيرة نتيجة لانخفاض الوعي الاجتماعي في المجتمعات الاسلامية , وفي احيان كثيرة نتيجة لتدني مستوي الثقافة الاسلامية ذاتها لدي هذه الجماهير, والتي لا تستطيع التفرقة بين المتن الاسلامي ونعني القيم العليا للاسلام , وبين الهوامش العديدة الزاخرة بالفكر الخرافي والتي تؤسس علي التفسير الحرفي الشكلي للقرآن الكريم وللسنة الشريفة.
بل ان شعار الاسلام هو الحل أصبحت الجماهير تردده بغير تعقل , يأسا من الاوضاع الراهنة في ظل انظمة حكم إسلامية علمانية تؤكد الفصل بين الدين والدولة.
وفي تقديرنا أن اتخاذ موقف موضوعي في مجال المفاضلة بين نظم الحكم الاسلامية العلمانية ونظم الحكم الاسلامية الاصولية او التقليدية , يقتضي منهجيا ضرب الامثلة من التطبيقات المعاصرة , بدلا من المناقشات المجردة.
ولاشك انه لابد في هذا المجال من تقييم تجربة الحكم الاسلامي الفاشلة في السودان والتي قادها الدكتور الترابي بأوهامه التي تطرفت لدرجة انه كان يخطط لتأسيس حركة اممية إسلامية , في الوقت الذي مارس فيه القهر السياسي ضد كل القوي السياسية السودانية المعارضة , بل إن هذا النظام أشاع الفساد الاقتصادي , بعد ان استولي عنوة علي الموارد السودانية جميعا.
ومن ناحية أخري لابد من تشريح النظام الايراني الراهن الذي بدأ ثوريا , لدرجة ان بعض الماركسيين العرب أعلنوا انضمامهم لمبادئه في عهد الخوميني , ولكنه تحول بسرعة ليتحول الي نظام استبدادي يقوم علي الفساد وممارسة القهر السياسي من خلال حكم الملالي , الذين يحكمون بالإعدام علي اتباع التيار العلماني والليبرالي.
الصراع الثقافي في العالم الإسلامي بين التيار العلماني وغيره من التيارات الأصولية والتقليدية كان يقتضي تحليلا أعمق مما فعلته شيرلي بينار.