أما اليوم، فالمعركة الكبرى تدور حول روح الإسلام، وسوف تتطلب إصلاحات جوهرية ومعيارية ومؤسساتية.
والذي سيقرر نتيجة هذا النزال الديني والعقائدي هو ميزان القوى والنفوذ بين الإسلاميين الراديكاليين، الذين يصرون على فرض شكل متزمت من الإسلام من خلال العنف و الترهيب، والمسلمين المعتدلين، الذين يهدفون إلى تجديد الإسلام من الداخل.
إن أهم مبادرة منفردة يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة لمكافحة التطرف الإسلامي تتمثل في مساندة »التجديد الإسلامي «، وهي حركة حديثة اجتماعية وسياسية وفكرية متفرقة ولكنها آخذة في النمو، تهدف إلى زرع الأعراف الحديثة، والتصدي لاحتياجات الحياة الحديثة بالاستناد إلى التقاليد الإسلامية.
وهدفها الإصلاح العميق للمجتمعات الإسلامية ونظم الحكم فيها.
وبالرغم من أن مختلف الفاعلين المشاركين لا يشكلون حركة متجانسة عقائديا وملتزمة بشكل موحد، فأنهم يتبنون برامج عمل متشابهة ويتمتعون بتأييد اجتماعي مهم.
ويمكن أن تضم هذه الحركة الجماعات النسائية، مثل شبكات »أخوات في الإسلام « في اندونيسيا وماليزيا، »ومنتدى المرأة العربية » ،« والكرامة: المحاميات المسلمات من أجل حقوق الإنسان «، أو الجماعة التقدمية المجهولة الهوية من النساء المسلمات التي نشرت وثيقة: »نطالب بحقوقنا: دليل تدريس حقوق الإنسان للنساء في المجتمعات المسلمة «.
وتشمل الحركة الأحزاب الإسلامية المعتدلة، مثل أحزاب الوسط في مصر والأردن التي تدعو إلى »الإصلاح الذاتي «، وحزب العدالة والتنمية في كل من تركيا والمغرب، وكلاهما يعرّف نفسه كفاعل سياسي حديث يتبنى مواقف إسلامية تقدمية.
وتضم كذلك مئاتاً من شبكات الدفاع عن الديمقراطية النشطة (مثل مجلس الديمقراطية الإسلامية في الفلبين، ومركز دراسة الإسلام والديمقراطية في الولايات المتحدة، أو المركز الدولي للإسلام والتعددية في اندونيسيا)، ومواقع الإنترنت الحية التي تعزز الاتصال الدولي ونشر الأفكار الإسلامية التقدمية ( (Liberal Islam Network, Liberal Islam.net, IslamOnline.net, ProgressiveIslam.org
تتكون حركة التجديد الإسلامي عموما من أربع مجموعات عريضة. فهناك مجموعة دعاة »الإسلام المدني « وهي تضم منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن المساواة للمرأة وحقوق الإنسان والمسؤولية الاجتماعية، وحماية البيئة، والقضايا الاجتماعية المماثلة، ولكنها لا تطالب علانية بأي سلطة سياسية.
وتستشهد هذه المجموعة بالتعاليم التقدمية للإسلام، وتدعو الأنظمة إلى تنفيذ الإصلاحات واحترام الحقوق الأساسية.
ويشمل دعاة »الإسلام والديمقراطية «، الأحزاب والحركات التي لا ترى تعارضا بين القيم والتعاليم الإسلامية والمبادئ الديمقراطية الحديثة.
وتنادي هذه المجموعة بالمشاركة في العملية السياسية بهدف الوصول إلى السلطة وتطبيق الإصلاحات السياسية على أساس مبادئ إسلامية.
أما دعاة »الإصلاحات من داخل الإسلام « فتضم الشخصيات الدينية القيادية، وعلماء الدين، والمؤسسات الأكاديمية التي تدعو إلى إعادة تفسير التعاليم الإسلامية، وإلى قراءة تاريخية للإسلام والقرآن، وتحديث المعرفة الإسلامية.
ثم هناك الدعوة إلى »إسلام التحديث الثقافي ،«التي نشأت أساسا بين الطوائف المسلمة التي تعيش في الغرب. وهذه الجماعات والمنظمات القائمة خارج العالم الإسلامي، والتي تحاول خلق »هوية إسلامية غربية « لا ترى توترا بين أن يكون المرء مسلما ومواطنا في ديمقراطية غربية.
والواقع أن ما يربط بين هؤلاء الفاعلين المتنوعين هو التزامهم بتحديث المؤسسات والتقاليد والممارسات الإسلامية.
في بعض الحالات، تتضمن حركة التجديد الإسلامي أيضا الحكومات. ففي ماليزيا، على سبيل المثال، يسوق رئيس الوزراء عبد الله بدوي التراث الديمقراطي الإسلامي العريض والقوي في بلده كنموذج عند الدعوة إلى الاعتدال الديني في العالم الإسلامي كله.
وفي المغرب، طبقت الملكية تفسيرات تقدمية لنصوص محددة في الشريعة الإسلامية لإصلاح قانون الأسرة ومنح المرأة حقوقا مدنية متساوية في عام ٢٠٠٤ .
وفي جهد مواز، فتحت الحكومة واحدة من أعرق المعاهد الدينية أمام النساء، وتخرج فيها زهاء خمسين إماما وواعظا من النساء (مرشدات) في عام ٢٠٠٦ ، والتحق بالمعهد ستون أخريات في ذلك العام.
وهذه سابقة في التاريخ الإسلامي وانفتاح رئيسي في مجتمع محافظ كانت المرأة فيه مبعدة عن المجال العام.
وبفضل قيام وزارة التعليم بتنقيح المناهج والكتب الدراسية، أصبح أطفال المغرب يتعلمون الكثير عن الحرية الدينية والتسامح الديني والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، والمساواة بين الجنسين.
وتستعين الوزارة في هذه التنقيحات بالمعاهدات الدولية والمبادئ الإسلامية معا.
ولتنفيذ هذه الإصلاحات، انتقت الملكية اللغة بعناية لشرح التغييرات وإشراك المجتمع المدني، وعلماء الدين، والأحزاب السياسية والحكومة والبرلمان.
إن الولايات المتحدة في وضع جيد لمساندة هذه الحركة ومخاطبة وإشراك الإسلام »المعتدل «. وعلى النقيض من المفاهيم الشائعة في الغرب، فإن كلمة »معتدل « تصف بدقة الغالبية الساحقة من المسلمين الذين ينبذون الإرهاب، ويتوقون إلى العدالة، والحكم الصالح الذي يخضع للمساءلة، ويقدرون التقاليد الإسلامية حول الأسرة والمعرفة والرفاهية.
ومن الأحاديث النبوية التي يشيع الاستشهاد بها حديث يقول »إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له «.
ولا شك أن التركيز على هذه الجوانب في الإسلام تقلل من شأن »رسالة الكراهية واليأس والتدمير « التي يطلقها المتطرفون.