3- ومنهم إمام العصر وفريد الدهر الحسن بن أبى الحسن البصرى ولقبه أبو على ، وقيل أبو محمد ، وقيل أبو سعيد . ويضعه أهل هذا العلم ، بل أهل كل العلوم موضع إجلال وإكبار ، وله توجيهات دقيقة فى علم المعاملات .
وقد قرأت فى الأثر أن أعرابياً جاءه وسأله عن الصبر فأجابه الحسن : " الصبر نوعان : أولهما الصبر عند البلاء ، وثانيهما الصبر فى الابتعاد عما نهى الله عنه ، وأمرنا أن نتجنبه " فقال الأعرابى : إنك زاهد ولم أرد من هو أزهد ولا أصبر منك . فصاح الحسن قائلاً : يا أعرابى ليس زهدى إلا رغبة ، وليس صبرى إلا جزعا . فسأله الأعرابى أن يشرح له مقاله هذا قائلاً : لقد زعزعت إيمانى . فأجابه الحسن : إن صبرى على المصائب وخضوعى ، يظهران خوفى من نار السعير ، وهذا جزع . وأن زهدى فى هذا العالم هو رغبة فى الآخرة وهذه هى الرغبة بعينها .
أنعم بمن لا تعنيه آماله ، فهو يصبر لله ، لا خوفاً من سعيره ، ويزهد لله ، لا رغبة فى جناته ، إن هذه هى علامة الإخلاص الصحيح . يروى أنه قال : " صحبة الأشرار تورث سوء الظن " وهذا قول حكيم ، يناسب الناس فى عصرنا هذا ، فالناس جميعاً قد فقدوا ثقتهم فى أحباب الله ، وسبب هذا أنهم لم يتصلوا إلا بأدعياء الصوفية ، الذين لا يزاولون إلا ظاهرها .
وعندما يرى الناس أن هؤلاء الأدعياء يعملون المنكر ، ويقولون الكذب ويستمعون إلى المثنويات ، ويجرون وراء الشهوات من الأموال مما هو حرام أو مشبوه ، يظنون أن رجال الصوفية يسلكون نفس الطريق ، أو أن هذا هو مبدؤهم ، بينما الحقيقة على العكس من ذلك ، فالصوفية يعملون فى طاعة الله ، ويتحدثون بكلماته ، ويحفظون حبه فى قلوبهم ، وصوت شريعته فى آذانهم ، ونور جماله فى عيونهم ، ويوجهون كل اهتمامهم نحو الوصول إلى الأسرار الإلهية ، حيث يلهمهم الله بها . فإذا كان الأشرار قد ظهروا بينهم ، واستخدموا أساليبهم ، فالوزر على من ارتكبه . ومن اتصل بأشرار القوم فإنما يعمل ذلك لأنه منهم ، إذ لو كان به خير لاتصل بالأخيار .
وفى الأثر : شبيه الشىء منجذب إليه ، إذن فاللوم على الشخص الذى يصحب شبيهه أو كفؤه . ومفكروهم أكثر شراً ، وأحقر خلق الله جل جلاله ، الذين يكون اختلافهم مع شرارهم وأراذلهم ، وما داموا لم يجدوا من الأخيار هوى ومراداً يجابهونهم بالنكران ، أو يقتدون بهؤلاء الأراذل ، لأنهم مثلهم مفسدون ، ولم يتجهوا إلى الأخيار ، ومن أعزهم الله تعالى .
أما من نظروا إلى أخيارهم بعين الرضا ، واشتروا صحبة هؤلاء الأخيار بالروح والقلب ، واختاروا فى العالم طريقهم ، فقد وصلوا ببركتهم إلى أملهم فى الدارين ، وانقطعوا عن الكل وقد قالوا فى هذا المعنى :
[poet font="Simplified Arabic,5,darkblue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
فلا تحقرن نفسى وأنت حبيبها"="فكل امرئ يصبو إلى ما يجانس .
[/poet]
|