موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 04, 2005 10:10 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
اقتباس :-

[align=center]ولو ذكرتهم جميعاً لأدى
ذلك إلى التطويل .
***
أذكريهم لنا الله يخليكي فإن ذكرهم شفاء
اللهم ارزقنا مرافقة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وعلي آله
في الدنيا وفي الآخرة في جنان الخلد اللهم آمين
[/align]


الأخت سلفية تائبة
أشكرك على متابعتك وسؤالك ،
ولكنى أعتقد أن العبرة ليست فى معرفة أسمائهم جميعاً ولكن لو وقفنا مع
أحوال وصدق توجه واحد منهم ( مثل سيدنا بلال بن رباح أو سلمان الفارسى )
مع سيدنا الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الكرام الأطهار
لكفتنا .

اللهم اشف صدورنا وطهر قلوبنا واحينا جميعاً بمدد حبيبك الكامل المكمل
سيد ولد آدم أجمعين ونور الكونين وشفيعنا عند رب العرش العظيم سيدنا
ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم .. اللهم آمين .. آمين .. آمين

والآن أذكر بعض التابعين فى هذا الكتاب حتى تتم الفائدة وتتصل القرون ببعضها
إن شاء الله العزيز .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 04, 2005 10:27 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
[align=center]
الباب العاشـر

فى ذكر أئمتهم من التابعـين رضوان الله عليهم
[/align]

1- شمس الأمة ، نور الدين والملة ، أويس القرنى رضى الله عنه . من كبار
شيوخ أهل التصوف .

عاش فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولكنه حرم من رؤيته لسببين :
ما كان يسيطر عليه من وجد ، وبسبب واجبه نحو أمه ، وقد قال النبى لصحابته :
" هناك رجل فى قرن ، يدعى أويس ، سيشفعه الله يوم القيامة فى عدد من أمتى ،
يساوى ما لربيعة ومضر من أغنام ، ثم اتجه إلى عمر وعلى وقال لهما : سوف
تريانه ! أنه مسكين ، متوسط الطول ، كث الشعر ، على جانبه الأيسر بقعة بيضاء
كالدرهم ، وبه بقعة مشابهة ، على راحة يده كالبرص ، إذا رأيتماه فاقرئاه السلام ،
واطلبا منه الدعاء لأمتى ". وبعد أن انتقل النبى ذهب عمر إلى مكة ، وكان علىّ
معه ، وصاح أثناء خطبته بالمسجد قائلاً : يا آل نجد قوموا ، فنهضوا ثم قال : يا آل نجد
هل بينكم أحد من قرن ؟ فأجابوا : نعم ، فأرسل عمر إليهم ، وسألهم عن أويس ،
فقالوا : هو شخص مجنون ، لا يدخل العمران ، ولا يتحدث مع أحد ، وهو لا يأكل مما
يأكل الناس ، ولا يحس بما يحسون به من فرح وحزن ، ويبكى عندما يضحك الناس ،
ويضحك عندما يبكون . فقال لهم عمر : وددت لو رأيته ! فأجابوا قائلين : إنه يعيش
فى الصحراء بالقرب من مرعى جمالنا ، فذهب عمر وعلىّ يطلبانه فوجداه يصلى ،
فانتظرا حتى انتهى من صلاته ثم حياهما ، وأراهما العلامة فى جنبه ، وعلى راحة
يده ، فسألاه الدعاء ، وأقرآه سلام رسول الله ، وطلبا منه أن يدعو لأمة المسلمين .

وبعد أن مكثا معه فترة من الزمن قال لهما : لقد تجشمتما المتاعب لتريانى والآن
فلتعودا ، فقد اقترب البعث عندما نلتقى دون وداع ، أما اليوم فإنى مشغول
بالاستعداد له ؟. وعندما رجع أهل قرن من مكة أظهروا احتراماً كبيراً لأويس
فترك بلدته وذهب إلى الكوفة .

وفى يوم رآه هرم بن حيان ، ثم لم يره أحد بعده ، حتى نشبت الحرب بين علىّ
ومعاوية ، حيث حارب مع علىّ ، وسقط شهيداً فى معركة صفين ، عاش حميداً
ومات شهيداً .

يروى عنه أنه قال : " السلامة فى الوحدة " ، ذلك لأن قلب المنعزل عن الناس
خال من الأفكار الخاصة بالغير ، ولا يأمل فى شىء من الناس حتى يسلم جملة
من شرورهم ، ويحول وجهه عن جملتهم . ولا يظن أحد أن الوحدة هى مجرد الحياة
على انفراد ، فلا يعتبر وحيداً من ارتبط قلبه بالشيطان ، وتسلطت عليه النفس
والشهوات ، وخامرته أفكار خاصة بهذا العالم أو العالم الآخر ، ذلك أن سروره بالشىء
نفسه ، أو بالتفكير فيه سواء ، فالوحيد إذا تحدث لا يؤثر الحديث فى وحدته ،
والمشغول لا تكون العزلة سبباً فى راحة باله ، وإذن فالانقطاع عن الأنس لا يكون
إلا بالإنس ، فذلك الذى يستحق الأنس لا تحوله مخالطة الإنس وذلك الذى يملك
مؤانسة الأنس لا يعبر الأنس بقلبه ، ولا يكون له نصيب من أنس الحق لأن الوحدة
صفة عبد صاف سمع قوله تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } الزمر36 .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 05, 2005 11:57 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
2- ومنهم هرم بن حيان رضى الله عنه ، وهو من عظماء الطريقة
وله فى التقوى حظ وافر ، لقى كرام الصحابة .

ذهب ليزور أويسا القرنى ، ولكنه ما أن وصل إلى قرن حتى وجد أن أويسا
قد غادرها ، فاشتد به الأسى ، فرجع إلى مكة ، ليعلم أن أويسا يعيش بالكوفة ،
فاتجه نحوها . ولكن ظل مدة طويلة ؛ دون أن يهتدى إليه . وأخيراً رجع متجهاً إلى
البصرة ، وفى طريقه إليها رأى أويساً مرتدياً حلة مرقعة ، يتوضأ على شاطىء
الفرات ، وعندما جاء أويس قريباً من شاطىء النهر ، وأخذ يمشط لحيته تقدم
إليه هرم وحياه ، فقال أويس : السلام عليك يا هرم بن حيان . فصاح هرم :
كيف عرفت أننى هرم ؟. فقال له أويس : روحى عرفت روحك ، فجلسا فترة ،
ثم أرجعه . قال هرم : كان معظم حديثى معه ، من كلام أميرى المؤمنين أى :
عمر ، وعلىّ رضوان الله عليهما .

وروى أن عمر روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : ( إنما الأعمال بالنيات ،
وإنما لكل أمرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله .. الحديث ) ثم قال
لى حينذاك : " عليك بحفظ قلبك ، وفى رواية : عليك بقلبك ، أى احفظ قلبك من
التفكير فى الغير ولقوله هذا معنيان :

1- اجعل قلبك مطيعاً لله ، بمجاهدة نفسك .
2- اجعل نفسك مطيعة لقلبك بالمشاهدة .

وهذان مبدآن سليمان ، إذ أن من واجب المريدين أن يجعلوا قلوبهم مطيعة لله ،
كى تتطهر من الأمانى والأهواء الضالة ، وتبتعد عن الأفكار الدنيئة ، وتتجه نحو
ما يحقق لهم السلامة الروحية ، بإطاعة الأمر ، والتفكر فى آلاء الله ، حتى تصبح
قلوبهم المكان المقدس لمحبوبهم .

أما أن يجعل المرء نفسه مطيعة لقلبه ، فهذا من أعمال الكاملين ، الذين أضاء الله
قلوبهم بنور الكمال ، وخلصها من كافة الأسباب والوسائل ، ومنحهم رداء القرب ،
وبذلك أظهر لهم كرمه ، واختارهم ليتفكروا فيه ويقتربوا منه ، ولهذا جعل أبدانهم
متفقة مع قلوبهم ؛ فالجماعة الأولى أصحاب قلوب ، والجماعة الثاية مغلوبة
القلوب ؛ الأولى باقية الصفات ، أما الثانية فهى فانية الصفات . وترجع صحة هذا
إلى قوله تعالى : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } الحجر 40- فهناك من يقرأها
المخلَصين لا المخلِصين فالمخلص بصيغة اسم الفاعل – يحتفظ بصفاته والمخلص
بصيغة اسم المفعول – فقد صفاته ، وسأشرح هذه النقطة باستفاضة فى موضع
آخر . والجماعة الثانية التى تجعل أجسامها متفقة مع قلوبها ، والتى تستقر
قلوبها ، هى أعلى قدراً من الجماعة الأولى ، التى تبذل جهدها كى تجعل قلوبها
مطيعة لأوامر الله . ويقوم أساس هذا الموضوع على مبدأى الصحو والسكر ،
والمشاهدة والمجاهدة . والله أعلم بالصواب .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 06, 2005 11:06 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
3- ومنهم إمام العصر وفريد الدهر الحسن بن أبى الحسن البصرى
ولقبه أبو على ، وقيل أبو محمد ، وقيل أبو سعيد . ويضعه أهل هذا
العلم ، بل أهل كل العلوم موضع إجلال وإكبار ، وله توجيهات دقيقة
فى علم المعاملات .


وقد قرأت فى الأثر أن أعرابياً جاءه وسأله عن الصبر فأجابه الحسن : " الصبر
نوعان : أولهما الصبر عند البلاء ، وثانيهما الصبر فى الابتعاد عما نهى الله عنه ،
وأمرنا أن نتجنبه " فقال الأعرابى : إنك زاهد ولم أرد من هو أزهد ولا أصبر منك .
فصاح الحسن قائلاً : يا أعرابى ليس زهدى إلا رغبة ، وليس صبرى إلا جزعا .
فسأله الأعرابى أن يشرح له مقاله هذا قائلاً : لقد زعزعت إيمانى . فأجابه
الحسن : إن صبرى على المصائب وخضوعى ، يظهران خوفى من نار السعير ،
وهذا جزع . وأن زهدى فى هذا العالم هو رغبة فى الآخرة وهذه هى الرغبة
بعينها .

أنعم بمن لا تعنيه آماله ، فهو يصبر لله ، لا خوفاً من سعيره ، ويزهد لله ، لا رغبة
فى جناته ، إن هذه هى علامة الإخلاص الصحيح . يروى أنه قال : " صحبة الأشرار
تورث سوء الظن " وهذا قول حكيم ، يناسب الناس فى عصرنا هذا ، فالناس جميعاً
قد فقدوا ثقتهم فى أحباب الله ، وسبب هذا أنهم لم يتصلوا إلا بأدعياء الصوفية ،
الذين لا يزاولون إلا ظاهرها .

وعندما يرى الناس أن هؤلاء الأدعياء يعملون المنكر ، ويقولون الكذب ويستمعون
إلى المثنويات ، ويجرون وراء الشهوات من الأموال مما هو حرام أو مشبوه ،
يظنون أن رجال الصوفية يسلكون نفس الطريق ، أو أن هذا هو مبدؤهم ، بينما
الحقيقة على العكس من ذلك ، فالصوفية يعملون فى طاعة الله ، ويتحدثون
بكلماته ، ويحفظون حبه فى قلوبهم ، وصوت شريعته فى آذانهم ، ونور جماله
فى عيونهم ، ويوجهون كل اهتمامهم نحو الوصول إلى الأسرار الإلهية ، حيث
يلهمهم الله بها . فإذا كان الأشرار قد ظهروا بينهم ، واستخدموا أساليبهم ،
فالوزر على من ارتكبه . ومن اتصل بأشرار القوم فإنما يعمل ذلك لأنه منهم ،
إذ لو كان به خير لاتصل بالأخيار .

وفى الأثر : شبيه الشىء منجذب إليه ، إذن فاللوم على الشخص الذى يصحب
شبيهه أو كفؤه . ومفكروهم أكثر شراً ، وأحقر خلق الله جل جلاله ، الذين يكون
اختلافهم مع شرارهم وأراذلهم ، وما داموا لم يجدوا من الأخيار هوى ومراداً
يجابهونهم بالنكران ، أو يقتدون بهؤلاء الأراذل ، لأنهم مثلهم مفسدون ، ولم
يتجهوا إلى الأخيار ، ومن أعزهم الله تعالى .

أما من نظروا إلى أخيارهم بعين الرضا ، واشتروا صحبة هؤلاء الأخيار بالروح
والقلب ، واختاروا فى العالم طريقهم ، فقد وصلوا ببركتهم إلى أملهم فى
الدارين ، وانقطعوا عن الكل وقد قالوا فى هذا المعنى :


[poet font="Simplified Arabic,5,darkblue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
فلا تحقرن نفسى وأنت حبيبها"="فكل امرئ يصبو إلى ما يجانس .
[/poet]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 07, 2005 11:09 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
4- ومنهم رئيس العلماء ومقتدى الفقهاء ، سعيد بن المسيب
كان عظيم الشأن رفيع القدر ، عزيز ، حميد الصدر . وله مناقب
كثيرة فى فنون العلم من الفقه والتوحيد ، والحقائق والتفسير ،
والشعر واللغة وغير ذلك .

يروى أنه كان يكتم زهده وورعه ولا يبديه ، وقد أقر الصوفية هذا السلوك ،
وامتدحه مشايخهم وقد قال : " ارض باليسير من الدنيا مع سلامة دينك كما
رضى قوم بكثيرها مع ذهاب دينهم " ومعنى ذلك أن الفقر مع التدين ، خير
من الغنى مع الغفلة ، لأن الفقير حينما ينظر داخل قلبه ، لا يفكر فى الطمع ،
وحينما ينظر فى يديه يقنع ، وحينما ينظر الغنى فى قلبه يطمع فى الدنيا ،
وحينما ينظر فى يديه يجد الدنيا مليئة بالشبهة . فرضى الأحبة بسلطان الله
الذى لا يغفل ، أفضل عنده من رضا الغافلين الراكنين إلى الدنيا المليئة
بالغرور والفساد ، والحسرة والندم والزلة والمعصية . وحينما يصيب الغافلين
أذى يقولون : الحمد لله أن لم يكن فى أبداننا ؛ ويقول الأحبة : الحمد لله أن لم
يكن فى ديننا ، إذا أصابهم أذى فى ابدانهم . فحينما يكون القلب فى اللقاء
يسعد الجسد فى البلاء ، وحينما يكون القلب فى غفله يكون القلب فى نقمة ،
حتى ولو كان يتقلب فى النعمة ، وفى الحقيقة الرضا بقليل الدنيا كثرة ، والرضا
بكثير الدنيا قلة ، ذلك أن قليلها مثل كثيرها . ويروى عنه أنه عندما كان بمكة
جاءه رجل وقال له : " أخبرنى عن حلال لا حرام فيه ، وحرام لا حلال فيه " فقال :
ذكر الله حلال ليس فيه حرام ، وذكر غيره حرام لا حلال فيه ، فخلاصك فى ذكر الله ،
وهلاكك فى ذكر غيره " والله أعلم بالصواب .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 08, 2005 11:46 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
[align=center]
الباب الحادى عشـر

أتباع التابعين حتى يومنا هذا
[/align]
1-ومنهم شجاع الطريقة ، ومتمكن الشريعة ، حبيب العجمى ،
عالى الهمة ، رفيع القدر ، وفى ترتيب درجات الرجال له قيمة
عظيمة ، وخطر كبير .


جاءت توبته على يد حسن البصرى ، وكان فى بداية عهده مرابياً يرتكب
كل أنواع الشرور ، ولكن الله أحسن توبته ، ووهبه التوفيق ، حتى عاد
إلى حظيرته . وتعلم من الحسن البصرى شيئاً من علوم الدين وأعماله .

وكان لسانه أعجمياً ، لا يحسن النطق بالعربية ، وقد خصه الله بكرامات
كثيرة ، وفى ليلة مر الحسن البصرى بباب صومعته ، وكان حبيب قد أذن
للعشاء ووقف يصلى ، فدخل الحسن البصرى ، ولكنه لم يرد أن يصلى
وراء حبيب ، إذ أنه لا يحسن النطق بالعربية ، ولا يحسن تلاوة القرآن ،
وفى نفس الليلة رأى الحسن البصرى فى منامه ، أنه رأى الله تعالى ،
وقال له : يا إلهى دلنى على ما يرضيك ؟. فأجابه الله : يا حسن قد وجدت
ما يرضينى ، ولكن لم تقدره حق قدره . لو كنت صليت أمس وراء حبيب ،
ولو كان صحة قصده قد جعلتك تغضى عن رطانته لرضيت عنك .

ويقول الصوفية أنه عندما هرب الحسن البصرى من رسل الحجاج ، لجأ إلى
صومعة حبيب فجاء الجنود وسألوه : " هل رأيت الحسن " فأجاب حبيب :
" نعم " ، فسألوه : " وأين هو ؟ " فأجاب : " هو فى صومعتى " ، فدخلوا
الصومعة ولكنهم لم يروا فيها أحداً فسبوا حبيباً ، وقالوا له : " كاذب " ،
واعتقدوا أنه يسخر منهم ، فاقسم أنه لم يقل إلا الصدق ، فرجعوا مرة
ثانية وثالثة ، ولكنهم لم يجدوا أحداً ، فرحلوا . ولما خرجوا جاءه حسن ،
وقال لحبيب : أنا أعلم أن الله لم يكشفنى لهؤلاء الأشرار إلا بفضل بركتك ،
ولكن لماذا قلت لهم أنى هنا ؟. فأجاب حبيب : يا سيدى ! إن الله لم ينجك
منهم بفضل بركتى ، ولكن بفضل قولى الصدق ، فلو أنى كذبت لأصبحنا
نحن الإثنين فى موضع لا نحسد عليه . وسئل حبيب : ما الذى يرضى الله ؟ ؛
فأجاب : قلب ليس فيه غبار النفاق . ذلك أن النفاق عكس الوفاق ؛ والرضا
عين الوفاق فليس هناك ما يربط النفاق بالمحبة ؛ والمحبة هى أن ترضى
بما قسمه الله ، لهذا فإن الرضا سمة أحباب الله ، أما النفاق فهو سمة
أعدائه . وهذا موضع له أهميته وسوف أشرحه فى مكان آخر .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2005 11:33 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

2- ومنهم بقية أهل الأنس ، مالك بن دينار رضى الله عنه
كان رفيق الحسن البصرى ، ومن كبار أهل الطريقة ، وله
كرامات كثيرة مشهورة ، وله فى رياضة السلوك خصال مذكورة .

وكان والد دينار عبداً ، ولد له مالك قبل أن يتحرر ، وكانت بداية حاله أنه
فى ليلة نثر صبحها الحظوظ الإلهية من أنواره على روح مالك وكان يلهو
ويعبث مع جماعة من رفاقه ، وعندما ذهبوا إلى النوم أيقظ الله حظه ،
وانبعث صوت من عود كانوا يعزفون به يقول : يا مالك ! ما لك لا تتوب ؟
فترك مالك طريق العبث والمجون ، وذهب إلى الحسن البصرى ، وصحت
توبته ، وارتفع مقامه ، حتى إنه حدث ذات يوم أن أُتهم بسرقة جوهرة أثناء
وجوده على ظهر مركـب ، لأنه كـان مجهولاً ممن فيها ، فما أن رفـع مـالك
نظره إلى السماء حتى طفت كل أسماك البحر إلى سطح الماء ، وفى فم
كل واحدة منها جوهرة ، فأخذ مالك إحدى هذه الجواهر ، وأعطاها للرجل
الذى فقد جوهرته ، ثم مشى على الماء حتى وصل إلى الشط .

ويروى عنه أنه قال : " أحب الأعمال إلىّ الإخلاص فى العمل " ذلك أن
العمل لا يمكن أن يوصف بأنه عمل إلا إذا اتسم بالإخلاص ، فالإخلاص
بالنسبة للعمل كالروح بالنسبة للجسد . وإذا كان الجسد بدون روح ميتاً
لا حياة فيه ، فالعمل بدون الإخلاص لا جدوى منه على الإطلاق .
والإخلاص تابع لأعمال الباطن ، أما العبادة فتابعة لأعمال الظاهر ،
ولا تكمل الثانية إلا إذا وجدت الأولى ، كما أن الأولى أى الإخلاص ،
تأخذ قيمتها من الثانية أى العبادة فحتى لو احتفظ المرء بإخلاص قلبه
طوال ألف سنة فلن يعتبر هذا إخلاصاً إلا إذا اقترن بالعمل ، ولو قام
بالأعمال الظاهرة طوال ألف عام فلن يعتبر عمله هذا من قبيل
الأعمال إلا إذا اقترن بالإخلاص .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 14, 2005 11:11 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

3-ومنهم خطير الفقراء ، وأمير كل الأولياء ، أبو حليم حبيب بن
سالم الراعى .

كان ذا منزلة عظيمة بين المشايخ ، وله آيات واضحة ، وبراهين ساطعة .
كان رفيق سلمان الفارسى ، ويروى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم
أنه قال : ( نية المؤمن خير من عمله ) وكان له قطيع من ماشية ، وبيته على
شاطىء الفرات ، وكان طريقه هو الاعتزال عن الدنيا . يروى عنه أحد المشايخ
ما يلى : " مررت به يوماً ، فألفيته يصلى بينما يقوم الذئب بحراسة غنمه ،
فعزمت على زيارته لما بدا لى من إمارات عظمته ، وبعد أن تبادلنا التحية
قلت له : يا شيخ إنى أرى الذئب فى وفاق مع الغنم ، فأجاب : لأن الراعى
فى وفاق مع الله ، ثم وضع إنائين من خشب تحت صخرة ، فانفجرت عينان
من الصخر : إحداهما لبن مصفى ، والأخرى عسل ، وعندما طلب منى
الشرب قلت له : أيها الشيخ كيف وصلت إلى هذا المقام ؟ . فأجاب :
بطاعتى لمحمد رسول الله ، إن الصخر انبجس عن ماء لأمة موسى ،
رغم عصيانهم له ورغم أن موسى أقل مرتبة من محمد ، فلماذا لا ينبجس
الصخر عن لبن وعسل ما دمت مطيعاً لمحمد ، الذى هو أعلى مرتبة من
موسى ؟. فقلت : عظنى . فقال : لا تجعل قلبك صندوق الحرص وبطنك
وعاء الحرام .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 15, 2005 9:31 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

4- ومنهم الشيخ الصالح أبو حازم المدنى ، وكان مقتدى
بعض الشيوخ ، له فى المعاملة حظ وافر ، وخطر عظيم ،
كما كان ثابتاً فى فقره ، ومتبحراً فى مختلف صنوف
مجاهدة النفس .

ويروى عمرو بن عثمان المكى – وكلامه مقبول عند كل أرباب القلوب ،
ومسطور فى معظم الكتب – قائلاً : أن أبا حازم أجاب – عندما سئل
عما يمتلكه : الرضا عن الله ، والفناء عن الناس ؛ ولا محالة أن كل من
يرضى بالحق ، يكون مستغنياً عن الخلق ، والخزانة العظمى للمرء
هى رضا الله تعالى وتقدس ، والإشارة إلى غنى الله جل جلاله
تستتبع أن كل من يكون غنياً به يكون مستغنياً ، ولا يعرف طريقاً إلا
إلى بابه ، ولا يعرف سواه فى الخلا والملا ، ولا يدعو سواه ، ولا يعلم
مفراً أو موئلاً إلا إياه . وروى أحد المشايخ قال : ذهبت لرؤيته ، فوجدته
نائماً ، ومكثت زمناً حتى استيقظ فقال : رأيت الآن فى منامى أن النبى
صلى الله عليه وسلم قد أعطانى رسالة لك ، وأمرنى أن أخبرك ، أنه
خير لك أن تقوم بواجبك نحو أمك ، من أن تذهب إلى الحج ، ولذلك عد
أدراجك وحاول أن ترضيها . فرجع الرجل ولم يذهب إلى مكة . وهذا كل ما
سمعته عن ابى حازم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 17, 2005 9:47 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

5- ومنهم داعى أهل المجاهدة ، والقائم بمحل المشاهدة ،
محمد بن واسع الذى لم يكن فى وقته مثله . اتصل بعدد كبير
من التابعين ، ومن قدامى أئمة التصوف ، وكانت له معرفة
كاملة بمبادئ الطريق ، وله فى الحقائق أنفاس عالية ،
وإشارات كاملة.

ويروى عنه أنه قال : " ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه " وهذا مقام عال
من مقامات المشاهدة ، ذلك أن المرء عندما تغلبه المحبة للذات العلية
يصل إلى مرحلة لا يرى فيها الصنع ، وإنما يرى الصانع ، شأنه فى ذلك
شأن من ينظر إلى الصورة ويرى فيها المصور .

وهذه العبارة أشبه فى معناها الحقيقى بما قاله إبراهيم خليل الله
ورسوله الذى نظر إلى الشمس والقمر والنجوم وقال : ( هَـذَا رَبِّي )
ذلك لأنه قد غلبه الشوق ، حتى رأى صفات محبوبه فى كل ما يراه .
وأحباب الله يرون أن الكون رهن إرادته ، وأسير مشيئته ، وأن وجود
المخلوقات لا شئ بجوار قدرة الخالق ، ولذلك عندما ينظرون بشوق
فإنهم لا يرون المخلوق الخاضع الذليل ، ولكنهم يرون القادر الفاعل
المبدع ( وسأعالج هذا الموضوع فى باب المشاهدة ).

وقد وقع بعض الناس فى الخطأ وظنوا أن قول محمد بن واسع :
" رأيت الله فيه " تعنى حلول الله فى هذا الشئ ، وهذا محض كفر ،
وذلك لأن المكان مرتبط بما يحل فيه ، فإذا اعتقد أحد أن المكان مخلوق
فإن ما يحل به يجب أن يكون مخلوقاً أيضاً ، وإذا كان ما يحل بالمكان قديماً
كان المكان قديماً كذلك ، ومن ثم فأن لهذا القول نتيجتين خاطئتين كل
واحدة منهما كفر ، وأعنى بهاتين النتيجتين أن المخلوقات قديمة ، أو أن
الخالق محدث ، وعليه فعندما قال محمد بن واسع : أنه رأى الله فى
الأشياء ، فإنه يعنى – كما ذكرت سابقاً – أنه رأى فى تلك الأشياء
العلامات الدالة على الله ، والدلائل والبراهين التى توصل إليه .

وسوف أناقش فى مكان آخر – بعض النقاط الدقيقة المرتبطة
بهذا الموضوع .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 18, 2005 11:46 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

6- ومنهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت الخزاز إمام الأئمة ،
والمثل الذى يحتذيه أهل السنة ، كان متبحراً فى أعمال
المجاهدة والعبادة ، وحجة كبيرة فى مبادئ الصوفية .

وقد أراد فى بادئ أمره أن يعتزل الناس ، ويترك صحبتهم ، ذلك أنه حرر
قلبه من أى تفكير فى سلطة أو عظمة . فرأى فى منامه ليلة أنه كان
يجمع عظام النبى من مقبرته ، ويختار بعضها ، وينبذ الآخر فاستيقظ
فزعاً ، وسأل أحد تلاميذه – محمد بن سيرين – أن يفسر الحلم فقال
له : ستصل إلى مرتبة عالية فى المعرفة عن رسول الله ، وفى المحافظة
على سنته ، حتى أنك ستبين الغث من الثمين .

ورأى أبو حنيفة فى منامه مرة أخرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال
له : " لقد خلقت لإحياء سنتى فلا تقتصد " . وكان معلماً لعدد من الأئمة
مثل : إبراهيم بن أدهم ، والفضيل بن عياض ، وداود الطائى ، وبشر الحافى
وغيرهم ، رضوان الله عليهم أجمعين .

وفى عصر الخليفة المنصور كان الاتجاه أن يعين فى منصب القاضى أحد
هؤلاء الأشخاص الأربعة : أبو حنيفة ، وسفيان الثورى ، ومسعر بن كدام
وشريح ، وهؤلاء الأربعة كانوا من فحول العلماء ، فأرسل إليهم رسولاً
لاستدعائهم ، وكانوا فى طريقهم معاً لمقابلة المنصور ، قال أبو حنيفة :
ليحدس كل منا شيئاً حول ذهابنا ، فقالوا : هذا صواب . قال أبو حنيفة :
سأرفض هذا المنصب بحيلة أقوم بها ، وسيتظاهر مسعر بالجنون ،
وسيهرب سفيان ، أما شريح فسوف يصبح قاضياً . وحدث بعد ذلك أن
هرب سفيان وركب سفينة وقال لقائدها : " أخفنى وأنقذنى إذ سيقطعون
رأسى " وذلك تأويلاً للحديث " من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين " فخبأه
الملاح . أما الآخرون فقد أدخلوا على الخليفة ، فقال المنصور لأبى حنيفة :
" عليك أن تكون القاضى " فأجاب أبو حنيفة : " يا أمير المؤمنين أنا لست
عربياً ، بل أحد الموالى ، ولن يرضى رؤساء العرب بحكمى ، فقال المنصور :
" ليس لهذا الأمر علاقة بالنسب إنه فى حاجة إلى العلم ، وأنت أكبر العلماء
فى هذا العصر ، ولكن أبو حنيفة أصر على أنه غير أهل لهذا المنصب ،
وقال : " إن ما قلته الآن أكبر دليل على ذلك ، فلو كنت صادقاً لكنت غير أهل
للقضاء ، ولو كنت كاذباً فلا يصح أن يتولى القضاء على المسلمين كاذب وأن
تعهد إليه بالقضاء فى حياة المسلمين وأملاكهم وأعراضهم " . وتمكن عن
هذا الطريق أن يتجنب قبول هذا المنصب . ثم تقدم مسعر وأمسك بيد
الخليفة قائلاً : " كيف حالك وحال أبنائك وسائمتك ؟. فقال المنصور : أبعدوه ،
أنه مجنون وأخيراً قيل لشريح أن عليه أن يقبل هذا المنصب فأجاب : إننى
مهموم خفيف العقل . فأشار عليه الخليفة أن يشرب ماء الشعير ، وما
شابهه من الشراب ، حتى يستعيد صفاء نفسه . وهكذا صار شريح قاضياً ؛
ولم يحادثه أبو حنيفة بعد ذلك .

إن هذه القصة توضح مدى حكمة أبى حنيفة وكمال حاله ، وصدق فراسته
وتمسكه بطريق الحق والخلاص ، وعزمه على ألا ينخدع ويسلك طريق
الشهرة والنفوذ الدنيوى .

كما تظهر هذه القصة صحة مبدأ الملامة ، إذ أن هؤلاء العلماء الثلاثة لجأوا
إلى الحيلة ، لتجنب الشهرة ؛ أما علماء اليوم فهم مختلفون عن هذا كل
الاختلاف . إذ يجعلون قصور الأمراء قبلتهم ؛ ومنازل الأشرار معابدهم ،
ويسوون بساط الطغاة بدرجة ( قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) النجم9 . وكل من
كان على خلاف ذلك أنكره الجميع .


يتبع إن شاء الله تعالى ..



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 19, 2005 10:41 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

حدث ذات مرة أن أحد علماء غزنه ، وكان يدعى أنه عالم فى الدين ،
متبحر فيه ، قال : " أن لبس المرقع بدعة " ، فقلت له : " أنت لا تعتبر
لبس العباءة الموشاة بالذهب والفضة حراماً ، رغم أنها تصنع من
الحرير الخالص ، المحرم على الرجال أن يلبسوه ، ورغم أن بعض الناس
يلحون فى طلب مثل هذه العباءة من الشرار ، الذين جمعوا مالهم من
حرام . فلماذا إذن تحرم لبس رداء شرعى تم الحصول عليه من مكان
شريف ، وشراؤه بمال حلال ؟. إنك لو لم تكن خاضعاً للغرور ولأخطاء
نفسك لقلت قوله حق .

إن الشريعة تبيح للنساء ارتداء الحرير ، وتحرمه على الرجال ، ولا يباح
إلا للمجانين ، فلو أنك اعترفت بصدق هذا القول لعذرتك . نعوذ بالله
من عدم الإنصاف .

ويقول الإمام الأعظم أبو حنيفة : " حينما أدركت نوفل بن حيان الوفاة
رأيت – فيما يرى النائم – وكأن القيامة قد قامت ، والحساب قد وضع ،
ورأيت الرسول صلى الله عليه وسلم متشمراً على حوضه ، وقد وقف
حوله الشيوخ على اليمين واليسار ، ورأيت شيخاً حسن الوجه ، قد ابيض
شعره ، وقد وضع خده على خد رسول الله ، وفى محاذاته رأيت نوفل قائماً ،
وحينما رآنى اتجه نحوى وحيانى فقلت له : " اسقنى " قال : " عندما آخذ
الإذن من الرسول ، فأشار الرسول بإصبعه حتى يسقينى ، فشربت من
الماء ، وأعطيت منه صحابى ، ولم ينقص شئ قط من هذه الكأس ، قلت
يا نوفل : من ذلك الشيخ القائم على يمين رسول الله ، قال : إبراهيم خليل
الرحمن ، والآخر أبو بكر الصديق وهكذا ظللت أسأل ، وأعد على أصبعى ،
حتى أحصيت سبعة عشر شخصاً رضوان الله عليهم أجمعين ، وحينما
استيقظت وجدت العدد سبعة عشر فوق كفى .

ويروى يحيى بن معاذ الرازى أنه قال : " رأيت فى نومى أنى اسأل الرسول
صلى الله عليه وسلم قائلاً : " يا رسول الله أين أطلبك ؟ " فقال : " فى علم
أبى حنيفة ". وله فى الورع طرق كثيرة ، ومناقب مشهورة أكثر من أن
يحتملها هذا الكتاب .

وعندما كنت فى الشام غلبنى النعاس ، عند قبر بلال بن رباح ، مؤذن النبى ،
ورأيت فيما يرى النائم أن النبى عليه الصلاة والسلام جاء من باب بنى شيبة ،
محتضناً إلى صدره رجلاً كبيراً فى حنان ظاهر ، بنفس الصورة التى يحتضن
بها الرجال أطفالهم ، فهرعت إليه ، وقبلت قدمه الشريف ، ووقفت متعجباً
من يكون هذا الرجل الكبير ؛ فأدرك النبى حيرتى وقال لى : " هذا إمامك
وإمام بلدك ، ويعنى بذلك أبا حنيفة ، وقد جعلنى هذا المنام أستبشر بالخير
لى ولبلدى ، كما أدركت أن أبا حنيفة أحد الذين فنوا عن أوصاف الطبع ، وبقوا
فى أحكام الشرع ؛ ويظهر ذلك من حمل رسول الله له وإن كان قد ذهب فهو
باقى الصفة ، وباقى الصفة إما مخطئ أو مصيب ، وما دام محمولاً من الرسول
فهو فانى الصفة ببقاء صفة الرسول ، وما دام لا يجرى خطأ على الرسول ؛
فلا يجرى على من هو قائم به وهذا أمر لطيف .

عندما تعلم داود الطائى العلم ، وأصبح حجة فيه ، ذهب إلى أبى حنيفة
وقال له : " ماذا أفعل الآن ؟ فأجابه أبو حنيفة : عليك بالعمل ، فإن العلم
بلا عمل كالجسد بلا روح " ذلك أن من يقنع بالعلم وحده غير عالم ، بل
العالم الحقيقى هو من لا يقنع بالعلم دون العمل .

وكذلك الهداية الإلهية فهى تقتضى المجاهدة ، التى بدونها لا يمكن
الوصول إلى المشاهدة ؛ فليس هناك علم بغير عمل ، إذ أن العلم من
نتائج العمل ولا يظهر وينمو ويثمر إلا ببركة العمل ، فلا يمكن الفصل
بينهما على أية صورة كما لا يمكن فصل ضوء الشمس عن الشمس
نفسها . وفى بداية الكتاب أوردنا باباً مختصراً عن العلم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 20, 2005 12:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


7-ومنهم سيد الزهاد وقائد الأوتاد ، عبد الله بن المبارك المروزى ،
من كبار القوم ، كان عالماً بجملة الأحوال ، وأسباب الطريقة
والشريعة ، وكان إمام عصره وقد أدرك عدداً من كبار الأئمة ،
وتحدث معهم وأدرك الإمام الأعظم أبا حنيفة ، وأخذ عنه العلم ،
وله مؤلفات شهيرة ، وكرامات معروفة .

وكانت توبته على النحو التالى : أنه كان قد افتتن بفتاة ، وفى ليلة من
ليالى الشتاء قام من بين السكارى ، ووقف أسفل بيتها ، ووقفت هى
بسطح بيتها ، وظلا يتناجيان حتى الفجر ، وعندما سمع عبد الله أذان
الفجر ظن أن الوقت قد حان لأذان العشاء ، ولم يدرك أنه قد قضى الليل
فى مناجاة محبوبته إلا عندما أشرقت الشمس ، فاعتبر بذلك وقال
لنفسه : عار عليك يا ابن المبارك ! أتقف على قدمك طول الليل من أجل
لذتك ، ثم تغضب عندما يطيل الإمام فى قراءة بضع آيات القرآن ؟ أين
حقيقة الإيمان فى مقابل الدعوى ؟. ثم تاب وعكف على الدراسة ،
وتصوف ووصل فى تصوفه إلى مقام عال ، حتى أن أمه رأته نائماً فى
حديقة ذات مرة وبجانبه ثعبان كبير يذب عنه ، وقد أمسك بفرع من
الريحان فى فمه .

وغادر عبد الله بن المبارك مرو ، وعاش فترة من الزمن فى بغداد ، متصلاً
بمشايخ الصوفية ، واستقر لفترة من الزمن فى مكة ؛ وعندما عاد إلى
مرو استقبله أهل المدينة بترحاب ؛ وأعدوا له مجلس درس وقاعة
يجتمعون إليه فيها .

وكان نصف سكان مرو – فى ذلك الوقت من أهل الحديث ، والنصف الآخر من
أهل الرأى ؛ كما هو الحال فى عصرنا هذا ؛ ولقبوه مرضى الفريقين ، لأنه
وافق كل فريق على رأيه ، وكان كل فريق يعتبره أحدهم فبنى رباطين فى
مرو ، أحدهما لأهل الحديث ، والآخر لأهل الرأى ، وما زال هذان الرباطان
قائمين حتى الآن .

رحل بعد ذلك إلى الحجاز ، واستقر بمكة ، وعندما سئل عما رأى من عجائب
أجاب : " رأيت راهباً مسيحياً ، هدته المجاهدة ، وأحناه الخوف من الله ،
فسألته : يا راهب ! كيف الطريق إلى الله ؟، فقال : " لو عرفت الله لعرفت
الطريق إليه ، ثم قال : أعبد من لا أعرفه وتعصى من تعرفه ؟!. " ويعنى
بهذا أن المعرفة تقتضى الخوف ، ولكنى أراك واثقاً ، والكفر يقتضى الجهل ،
ولكنى أشعر بشئ من الخوف . فوعيت هذا القول وحمانى من اقتراف
كثير من الخطايا ".

ويروى عن عبد الله بن المبارك أنه قال : " السكون حرام على قلوب أولياء
الله ، إذ يقلقهم الطلب فى الدنيا ، والطلب فى الآخرة ". ولا يسمح لهم
بالهدوء هنا وهم غائبون عن الله ، ولا بالهدوء هناك وهم يتمتعون بالحضرة
عند جنابه ، وينعمون برؤيته سبحانه . وعليه فإن الدنيا والآخرة فى نظرهم
سواء ، لأن سكينة القلب تستوجب أحد شيئين أما نيل المطلوب ؛ أو
الغفلة عنه .

وبما أن الله تعالى لا ينال فى الدنيا أو الآخرة . فإن قلب العاشق لن تهدأ
ضربات الحب فيه ، وبما أن الغفلة حرام على عاشقيه ، فإن قلوبهم لن تهدأ
عن طلبه ، وهذا مبدأ ثابت من مبادئ الطريق لدى المحققين والله أعلم
بالصواب .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 21, 2005 10:08 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


8- ومنهم ملك أهل الحضرة ، وولى ولاية الوصال أبو على
الفضيل بن عياض .


وكان فى أول أمره من جملة الصعاليك والشطار ، ثم كان من كبار الصوفية ،
وله فى المعاملة والحقائق حظ وافر ، ونصيب كامل ، وهو من مشهورى
هــذه الطائفة لأنه مـدح على كل لسـان بين الأمم ، وأوقـاته معمورة
بالصدق والإخلاص . وكان فى بداية أمره قاطع طريق بين مرو أبيورد ،
ولكنه كان يميل دائماً إلى التقوى ، وأظهر ميلاً كبيراً نحو الفتوة ، بحيث
كان لا يهاجم قافلة فيها نساء ، ولا يأخذ شيئاً ممن قل ماله ، وكان يترك
لكل مسافر نصيباً مما لديه حسبما يحمل كل منهم من متاع .

وفى يوم اتجه تاجر فى طريقه إلى مرو ، فنصحه أصحابه أن يأخذ معه
حراساً ، ولكنه قال لهم : " لقد سمعت أن فضيلاً يخشى الله ، وبدلاً
من أن يأخذ معه حراساً استأجر مقرئاً يقرأ القرآن وأركبه جملاً ، وأمره
أن يجهر بقراءة القرآن فى الليل والنهار ، طول الرحلة .

وعندما وصلوا حيث فضيل يختبئ كان المقرئ يتلو قوله تعالى :
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } الحديد16 ، فرق قلب
فضيل ، وتاب من عمله ، وظهرت العناية الإلهية لروحه ، وكان قد كتب
قائمة بأسماء من سطا عليهم فأرضى كل واحد منهم ، ثم ذهب إلى
مكة ، واستقر بها فترة من الزمن ، واتصل بعدد من أولياء الله ، ثم ذهب
بعدها إلى الكوفة ، حيث اتصل بأبى حنيفة فترة .

ولفضيل من الأثر ما يقدره أهل السنة ، كما أن له حكماً عالية عن فضائل
الصوفية والعلوم الإلهية .

يروى أنه قال : " من عرف الله حق معرفته عبده بكل طاقته " إذ أن من
عرف الله اعترف بكرمه وعطفه ورحمته ، ولهذا أحبه . وإذا أحبه أطاعه
بكل قواه ، إذ ليس من العسير إطاعة الشخص لمن يحب . وعليه فكلما
زاد الحب زادت الطاعة ، ويزيد الحب بسبب المعرفة الحقة .

كما روت عائشة رضى الله عنها أن الرسول ذات ليلة نهض من الفراش
وغاب عنى ، فظننت أنه ذهب إلى حجرة أخرى ، فنهضت وذهبت فى
أثره حتى وجدته فى المسجد قائماً فى الصلاة ، وهو يبكى حتى أذن
بلال لصلاة الفجر وحينما أدى الصلاة وعــاد إلى الحجرة رأيت قدميـه
متورمتين ، وظفر به مشفقين ينساب منهما الصديد ، فبكيت وقلت
يا رسول الله : " لقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فلماذا كل
هذا الألم فدع هذا لشخص لا يكون مأمون العاقبة فقال : " يا عائشة ! ،
هذا كله من فضل الله وعطاياه ولطفه ونعمه ، أفلا أكون عبداً شكوراً ؟!،
ما دام قد قام بألطافه الإلهية يجب علىّ ألا أرتد عن طريق العبودية على
قدر طاقتى شكراً على نعمه . وأيضاً فقد قبل صلوات الله عليه وسلامه
خمسين صلاة ليلة المعراج ، ولم يستثقلها ، حتى تردد إلى ربه بعد قول
موسى عليه السلام – وجعل له الصلوات خمساً ذلك أنه لم يكن هناك
أى اتجاه للمخالفة فى طبعه ، لأن " المحبة الموافقة " .

ويروى أنه قال : " الدنيا دار المرضى ، والناس فيها مجانين ، وللمجانين
فى دار المرضى الغل والقيد " إذ أن الشهوة غلنا والمعصية قيدنا .

ويقول الفضل بن الربيع : " صحبت هارون الرشيد إلى مكة ، وبعد أن قمنا
بالحج ، قال لى : هل من رجل من رجال الله أزوره ؟؛ فقلت له : نعم هنا
عبد الرزاق الصنعانى ، قال : لنذهب إليه فذهبنا إلى داره ، وتحادثنا لفترة
من الزمن ، وعندما هممنا بالذهاب طلب منى هارون الرشيد أن أسأله
ما إذا كانت عليه ديون فأجاب : نعم . فأمر أمر هارون بقضائها . وعندما
خرجنا قال هارون : يا فضل إنى ما زلت أريد أن أرى رجلاً أعلى شأناً منه ،
فأخذته إلى سفيان بن عيينة وانتهيت زيارتنا له بنفس الشئ ، فأمر أمر
هارون بقضاء ديونه وتركه ، ثم قال لى : إنى أذكر أن فضيل بن عياض هنا ،
هلم بنا إليه . فوجدناه فى غرفة بالطابق العلوى يتلو القرآن فعندما طرقنا
الباب صاح من الطارق فأجبت قائلاً : أمير المؤمنين . فقال : ما لى ولأمير
المؤمنين . فقلت : سبحان الله . ألم يرو عن النبى صلى الله عليه وسلم :
ليس للعبد أن يذل نفسه فى عبادة الله ؟. فأجاب : نعم ، ولكن الرضا عــز
دائم عند أهله ، ولا يجدر بالعبد أن يطلب الذل عند الله عز وجل . أنك ترى
ذلتى ، ولكنى سعيد بالرضا بحكم الله . ثم نزل وفتح الباب وأطفأ القنديل
ووقف فى ركن فدخل هـارون وحـاول أن يصل إليه وتلاقــت يداهما فصاح
فضيل : أسفى عليك ، لم أمسك بيد أرق من يدك !. وددت لو نجت من
عذاب الله ، فأجهش هارون بالبكاء حتى أغمى عليه ، ولما أفاق قال :
يا فضيل عظنى !. فقال فضيل : يا أمير المؤمنين كان جدك العباس عم
المصطفى ، فسأله أن يعطيه الأمارة على الناس فأجابه النبى : يا عمى
سأعطيك الإمارة على نفسك لحظة ، إن لحظة طاعة لله خير من طاعة
الناس ألف سنة ، لأن الإمارة ندامة يوم القيامة ، فقال : زدنى . فقال
فضيل : عندما عين عمر بن عبد العزيز خليفة دعا سالم بن عبد الله ،
ورجاء بن حيوة ، ومحمد بن كعب القرظى ، وقال لهم : ماذا أصنع بهذا
العذاب أنى اعتبره عذاباً ، ويعتبره الآخرون رحمة ، فقال له أحدهم :
إذا رمت النجــاة غداً من عــذاب الله فاجعل كــبار المسلمين آباءك ،
وصغارهم أخـوتك ، وأبنـاءهم أبنـاءك ، واجعل دار الإســلام دارك ،
وأمة الإسلام أهلك ، زر أباك واحترم أخاك وأحسن إلى ولدك ، ثم
قال فضيل : يا أمير المؤمنين ! أخشى على وجهك السمح من عذاب
النار ، فاخش الله وأحسن عبادته . فسأله هارون : يا فضيل لإنى أتحدث
عن ديون الناس . فأجاب : الحمد لله إن كرمه علىّ كبير ، وليس هناك
ما يجعلنى أشكوه لعبيده . فقدم له هارون ألف دينار وقال استخدمها
فى غرض من أغراضك . فقال فضيل : يا أمير المؤمنين لم يفدك نصحى .
ها أنت تخطئ ولا تعدل . فسأله هارون مندهشاً : وكيف ذلك ؟. فأجاب :
أريد نجاتك وتريد هلاكى . أهذا عدل ؟ فانصرفنا والدموع تملأ عيوننا .
وقال يا فضل إن فضيلاً ملك حقاً .

وإن هذا كله يظهر بغضه للدنيا وأهلها ، واحتقاره لمباهجها ، ورفضه أن
يذل نفسه لأهل الدنيا لمغنم دنيوى . وله مناقب أكثر من هذه لا
يتسع لها المقام .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 22, 2005 11:33 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


9- ومنهم سفينة التحقيق والكرامة ، وخزانة الشرف فى الولاية ،
أبو الفيض ذو النون إبراهيم المصرى ، كان ابن نوبى واسمه ثوبان ،
وهو من خيار الصوفية ، ومن أشهرهم معرفة بعلوم الروح وذلك
لأنه سار فى طريق الألم ، وطرق سبيل الملامة ،

ولم يدرك أهل مصر حقيقة مقامه ، ولم يؤمنوا بعلو قدره حتى مات ،
وفى الليلة التى رفع فيها . رأى سبعون شخصاً النبى عليه الصلاة
والسلام فى منامهم يقول " أتيت ألقى ذا النون حبيب الله ". وبعد أن
مات وجدت هذه العبارة منقوشة على جبهته : هذا حبيب الله ،
مات فى حب الله ، قتيل الله وتجمعت أطيار السماء فوق نعشه أثناء
جنازته ، ورفرفت بأجنحتها معاً لتظله . وعندما رأى المصريون ذلك
شعروا بالندم على ظلمهم له ، وله حكم رائعة فى علوم التصوف
منها " العارف كل يوم أخشع ، لأنه فى كل ساعة أقرب " إذ عندما
يدرك مدى قدرة الله ، وتسيطر عظمته على قلبه ، يرى مدى بعده
هو عن الله ، وأن لا سبيل إليه ، فتزداد مسكنته . ولهذا قال موسى
فى مخاطبته لله : يا إلهى أين أطلبك ؟ فأجابه الله : عند المنكسرة
قلوبهم . فقال موسى : ليس هناك قلب أكثر انكساراً ويأساً من قلبى ،
فأجابه : فأنا حيث أنت .

ومن ثم فإن من يدعى معرفة الله ، بغير مسكنة وخوف ، جاهل لا عارف
وعلامة المعرفة الحقة صدق الإرادة ، والصادق من ينقطع عن كافة
الأسباب الثانوية ، ويقطع كافة علاقاته الأخرى ، فلا يبقى إلا الله .
ويقول ذو النون " الصدق سيف الله فى أرضه ما وضع على شئ إلا
قطعه " إذ أن الصادق لا يرى إلا المسبب ، ولا تهمه الأسباب ، إذ أن
الاهتمام بهذه الأسباب هدم لمبدأ الصدق .

ومن القصص التى تروى عن ذى النون ، أنى قرأت أنه كان مع أتباعه مرة
فى قارب بالنيل ، شأن أهل مصر عندما ينشدون للترويح عن النفس ،
فاقترب منهم قارب آخر ملىء بالصاخبين ، فاستاء أتباع ذى النون من
سلوكهم ، حتى أنهم سألوه أن يدعوا الله أن يغرق القارب بمن فيه ،
ولكن ذا النون رفع يديه وقال : " اللهم امنح هؤلاء الناس حياة طيبة
فى الآخرة ، كما منحتهم حياة طيبة فى الدنيا " فاندهش أتباعه
وعند اقتراب القارب رأى من به ذو النون فبكوا وسألوه الصفح وكسروا
أعوادهم وتابوا إلى الله فقال ذو النون لأتباعه " إن الحياة الطيبة فى
الدار الآخرة هى التوبة فى الدنيا ، لقد رضيتم ورضوا دون أن يلحق
بأحد أذى .

لقد كان سلوكه هذا بسبب حبه البالغ للمسلمين ؛ وهو بذلك يترسم
خطى النبى عليه الصلاة والسلام ، الذى لقى من سوء معاملة الكافرين
ما لقى ، ومع ذلك فلم يتوقف عن ترديد دعائه : ( اللهم اهد قومى
فإنهم لا يعلمون ).

ويروى عن ذى النون أنه قال : " عندما كنت قادماً من بيت المقدس إلى
مصر رأيت عن بعد شخصاً ذا هيبة يقترب منى ، وشعرت برغبة فى سؤاله
فلما اقترب الشخص أدركت أنه امرأة عجوز ، تمسك عصا ، وترتدى عباءة
صوفية ، فسألتها : من أين ؟. فقالت : من الله ، فقلت : وإلى أين ؟ ،
فقالت : إلى الله ، فأخرجت قطعة ذهب كانت معى ، وقدمتها لها ،
ولكنها هزت يديها فى وجهى ، وصاحت قائلة : يا ذا النون إن رأيك ناجم عن
سوء فهمك ، أنا أعمل لله ولا أقبل شيئاً إلا من الله ، إنى أعبده وحده ،
ولا آخذ إلا منه ثم انصرفت فى طريقها .

إن ما قالته المرأة عن أنها تعمل لله ، هو دليل على صدقها فى المحبة ،
ذلك أن الناس فى علاقتهم بالله نوعان : نوع يظن أنه يعمل لله ، وهو لا يعمل
إلا لنفسه ورغم أنه لا يعمل بدافع دنيوى ، إلا أنه يرغب فى الجزاء فى الآخرة .
ونوع لا يهمه العقاب أو الثواب فى الآخرة ، ولا العظمة أو الشهرة فى الدنيا ،
وإنما يعمل إطاعة لله وحده ، إن محبتهم لله تتطلب منهم أن ينسوا كل مصلحة
ذاتية وهم ينفذون أمره .

الفئة الأولى تعتقد واهمة أن ما تقوم به من أجل الدار الآخرة إنما تقوم به
من أجل الله ، وهى لا تدرك أن المتقين يستفيدون من تقواهم ، أكثر مما
يستفيد العصاة من معصيتهم ، ذلك أن لذة العاصى لا تبقى إلا لحظة ،
أما لذة التقوى فهى باقية أبد الدهر .

ثم ماذا يكسب الله من عبادة الناس ، وماذا يفقد إذا هم لم يعبدوه ؟ لو أن
العالم كله كان كأبى بكر فى صدقه ، فإن المنفعة تعود عليه لا على الله ،
ولو كان كفرعون فى عصيانه ، لكان الخسران كله عليه ، فقد قال تعالى :
{ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } الإسراء7. وقال عز
شأنه : { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }
العنكبوت6 . إنهم ينشدون لأنفسهم ملكاً أبدياً ويقولون " إنما نعمل من
أجل الله " ولكن سلوك طريق المحبة شئ آخر إذ أن المحبين بتنفيذ
أوامر الله ، لا ينشدون إلا تنفيذ إرادة الله ، ولا ينظرون إلى ما سـواه .

وسنناقش هذا الموضوع فى باب الإخلاص .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 15 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط