| 
                        
                        العاشرة :
 التواضع :
 لأنه بذلك يشيد مجد درجته وتعلو منزلته , ويستكمل العز والرفعة
 عند الله تعالى وعند الخلق , ويقدر على ما يريد من أمر الدنيا والأخرة
 وهذه الخصلة أصل الطاعات كلها وفرعها وكمالها , وبها يدرك العبد منازل
 الصالحين الراضين عن الله تعالى فى الضراء والسراء , وهى كمال التقوى
 والتواضع , هو أن لا يلقى العبد أحداً من الناس , إلا رأى له الفضل عليه, ويقول
 عسى أن يكون عند الله خيراً منى وأرفع درجة , فإن كان صغيراً قال :
 هذا لم يعص الله وأنا قد عصيت , فلا أشك أنه خيراً منى , وإن كان كبيراً قال :
 هذا عبد الله قبلى , وإن كان عالماً قال :
 هذا أعطى ما لم أبلغ ونال ما لم أنل , وعلم ما جهلت وهو يعمل بعلم
 وإن كان جاهلاًً قال : هذا عصى الله بجهل , وأنا عصيته بعلم , ولا أدرى
 بما يختم له , وبما يختم لى وإن كان كافرا قال :
 لاأدرى عسى يسلم هذا فيختم له بخير العمل , وعسى أكفر أنا فيختم
 لى بشر العمل , وهذا باب الشفقة والوجل , وأول ما يصحب وآخر ما يبقى
 على العباد , فإذا كان العبد كذلك سلمه الله من الغوائل , وبلغ به منازل
 النصيحة لله عز وجل , وكان من أصفياء الرحمن واحبابه , وكان من أعداء إبليس
 عدو الله لعنه الله , وهو باب الرحمة , ومع ذلك يكون قد قطع طريق الكبر وحبال
 العجب  ورفض درجة العلو وجانب درجة التعزز فى نفسه فى الدين والدنيا والآخرة
 وهو مخ العبادة وغاية شرف الزاهدين وسيما الناسكين , فلا شىء أفضل منه
 ومع ذلك يقطع لسانه عن ذكر العالمين , فلا يتم له عمل إلا به , ويخرج الغل
 والبغى والكبر من قلبه فى جميع أحواله و وكان لسانه فى السر والعلانية واحداً
 ومشيئته فى السر والعلانية واحدة وكلامه كذلك
 والخلق عنده فى النصيحة واحدة , ولا يكون من الناصحين , وهو يذكر أحداً من
 خلق الله بسوء أو يعيره بفعل , أو يحب أن يذكر عنده بسوء , أو يرتاح قلبه إذا ذكر
 عنده بسوء
 وهذا آفة العابدين وعطب النساك وهلاك الزاهدين
 إلا من أعانه الله عز وجل على حفظ لسانه وقلبه برحمته .
 
 
 |