الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا معنا اليوم الحكمة المائتان والسادسة والسبعون من الحكم العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :
( من بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمان من منن الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة , ولا تلحقه الإشارة )
ليست البركة في العمر بكثرة أيامه وطول أزمانه وإنما البركة في العمر أن تصحبه العناية , وتهب عليه ريح الهداية , فيدرك في يسير من الزمان من منن الله تعالى أي من علومه ومعارفه وأسراره ما لا يدخل تحت دوائر العبارة , لأن ما أدركه أوسع من ضيق العبارة إذ قال تعالى : " أعددت لعبادي الصالحين , ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر "
فقد يدرك العارف من دقائق الأسرار ما تعجز عنه عبارة اللسان , كل ذلك في أقل زمان , وغالب هذا يحصل من ملاقاة الرجال وصحبتهم , فإن المدد الذى يحصل للإنسان في ساعة واحدة معهم لا يحصل في ازمنة طويلة مع غيرهم , ولو كثرت صلاتهم وصيامهم , إذ ليس العبرة بكثرة الأوراد , إنما العبرة بكثرة الأمداد : " إن الله لا ينظر الى صوركم ولا الى أموالكم , وإنما ينظر الى قلوبكم وأعمالكم " ذكره فى الجامع .
والذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح , والعمل مع المعرفة ليس كالعمل مع الجهل وذلك معلوم .
قال الشيخ الحضرمي في بعض وصاياه : من كان يستمد من محبرة الجمع فهو يكتب ما يكون وما لا يكون " طويل طويل طويل , قصير قصير قصير, شيء شيء شيء ما شئ ما شئ ما شئ , عدم عدم عدم , وجود وجود وجود اهـ " فالمعنى : طويل طويل , والحس قصير قصير , والموجود القديم شئ ثابت وما سواه ليس بشئ , والسوى عدم والواحد القهار وجود , فالذي يكتب من محبرة الجمع أي يستمد من حضرة الجمع يكتب الأشياء كلها ويستمد من الأشياء كلها لمعرفته في الأشياءكلها , كانت قصيرة او طويلة , وجودية او عدمية , وبالله التوفيق .
وسبب البركة في العمر هو التفرغ من الشواغل والشواغب فمن كثرت شواغله وشواغبه لا بركة له في عمره , لأنه منع من تصريفه في طاعة مولاه بمتابعة شهواته وتحصيل مناه , ومن تفرغ من الشواغل ولم يقبل على مولاه فهو مخذول مصروف عن طريق استقامته وهداه .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|