موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: هل يصح الاحتجاج بضعف الإسناد على نفي الأحكام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 22, 2014 10:19 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين .

وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين ، القائل من يرد الله به خيرا يفقه في الدين .

وارض اللهم عن السادة الصحابة والتابعين، ومن تبعهم إلى يوم الدين .

أما بعد :

فإن ثمرة الإسناد: الحكم على ثبوت النص ، فلا ينفي حكمه، فربما يثبت هذا الحكم من طريق آخر (نص – إجماع – قياس ).

وفارق بين النفي والإثبات ، وفارق في الثبوت بين النص وحكمه !!

ومن ذلك قولهم عقب الحديث: ( ضعيف وعليه العمل ) .


روى الترمذي في باب الجمع بين الصلاتين 1/356 :

(حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر»
«وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره .
والعمل على هذا عند أهل العلم: أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة ..)اهـ .



وحديث : (من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء وإن استقاء فليقض ) قال عنه الحافظ ابن حجر في الفتح 4/175 :

(عن أبي هريرة رفعه قال من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء وإن استقاء فليقض قال البخاري لم يصح وإنما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وعبد الله ضعيف جدا ورواه الدارمي من طريق عيسى بن يونس ونقل عن عيسى أنه قال زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه وقال أبو داود سمعت أحمد يقول ليس من ذا شيء ورواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم من طريق عيسى بن يونس به وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من رواية عيسى بن يونس عن هشام وسألت محمدا عنه فقال لا أراه محفوظا انتهى وقد أخرجه بن ماجه والحاكم من طريق حفص بن غياث أيضا عن هشام قال وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ولا يصح إسناده ولكن العمل عليه عند أهل العلم ....) اهـ .



فإذا تقرر ذلك علمت أنه لا يصح الاحتجاج بضعف الإسناد على نفي الأحكام ، وقد كثر في زماننا هذا – بين الشباب خاصة - من يفعل ذلك .

ومع أن الأصل هو العمل بما صح إسناده فقد تجد أهل العلم عقب الحديث صحيح الإسناد : (والعمل على خلافه).

وهي بعض أحاديث خالف ظاهرها العمل ، فاعتنى أهل الشأن بجمعها والإجابة عليها !!


• من ذلك :
ما رواه مسلم 1/452
( عن أبي هريرة، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى، دعاه، فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأجب» )اهـ .


و في مسند أحمد 24/245
(عن ابن أم مكتوم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد فرأى في القوم رقة، فقال: " إني لأهم أن أجعل للناس إماما، ثم أخرج فلا أقدر على إنسان، يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه "
فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، إن بيني وبين المسجد نخلا، وشجرا، ولا أقدر على قائد كل ساعة، أيسعني أن أصلي في بيتي؟ قال: " أتسمع الإقامة؟ " قال: نعم، قال: " فأتها "
)اهـ .

وفي سنن أبي داود 1/151 وسنن النسائي 2/109 :

( عن ابن أم مكتوم، قال: يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ فحي هلا»، قال أبو داود: وكذا رواه القاسم الجرمي، عن سفيان ليس في حديثه «حي هلا» ) اهـ .


فلم يرخص النبي – صلى الله عليه وسلم – لعبد الله بن أم مكتوم في ترك الجماعة مع أنه شاسع الدار ولا يجد قائدا يلائمه والمدينة كثيرة الهوام والسباع .

فالحديث ظاهره مخالف للإجماع ، فبأي من هذه الأعذار تسقط الجماعة وبأقل منها كذلك .

وفي صحيح البخاري 1/92 وصحيح مسلم 1/455 قصة عتبان بن مالك – رضي الله عنه – وهو من أهل بدر – قال : أنكرت بصري ، وسأل النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يأتي داره فيصلي له – صلى الله عليه وسلم – في موضع يتخذه عتبان مصلى له ففعل صلى الله عليه وسلم .


وفي صحيح البخاري 1/134:
(عن نافع، أن ابن عمر، أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر، يقول: «ألا صلوا في الرحال» .) اهـ .

وصحيح مسلم 1/484 :
(عن نافع، أن ابن عمر، أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: «ألا صلوا في الرحال»، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر، يقول: «ألا صلوا في الرحال» ) اهـ .

والرحال : الدور والمساكن .


• ومنها :
حديث الصائم يأكل ويشرب بعد الفجر .
ففي سنن أبي داود 4/35 ومسند أحمد 16/368 :
(عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه " )اهـ .

قال ابن رجب في شرح علل الترمذي 1/326 في معرض كلامه عن الأحاديث التي لم يعمل بها :
(ومنها حديث الأكل في الصيام بعد الفجر، قال الجوزجاني: هو حديث قد أعيا العلماء معرفته.)اهـ .

وقد تدين به في زماننا خلق كثير ممن أولعوا بالغرائب وتتبع الشاذ من القول، وإلا فظاهره معارض للكتاب والسنة وعمل أهل العلم .

قال تعالى :
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) سورة البقرة آية 187

وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه أن يأكلوا ويشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم معلنا الفجر الصادق ، ففي صحيح البخاري 1/127 :
(عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» )اهـ .

وفي صحيح مسلم 2/769 : من حديث سمرة بن جندب قال :
( سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير» )اهـ .

فهذه سنة صحيحة ثابتة موافقة للقرآن حد فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – للصائم طلوع الفجر لا يتجاوزه بأكل أو شرب وما في معناهما من المفطر، واتصل عمل المسلمين على وفقها، فكيف نتركها للمحتمل من القول؟! وكيف نعدل عن الراسخ الثابت من العلم لما يسهل دفعه أو رفعه؟! لا يحمل على ذلك شيئ سوى الإغراب وتقفر الشاذ من القول .


فمثل هذه الأحاديث إن تصرف عن ظاهرها فيها ، وإلا فالعمل أبلغ من الإسناد في الدلالة على القبول والرد، وبعض الدلالات أرجح من بعض .


ومن كلام الإمام الشافعي الجامع في الاحتجاج بالعمل على مخالفيه في الأذان :

(الرواية في الأذان تكلف لأنه خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين يعني مسجدي مكة والمدينة على رؤوس المهاجرين والأنصار ومؤذنو مكة آل أبي محذورة وقد أذن أبو محذورة للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمه الأذان ثم ولده بمكة وأذن آل سعد القرظ منذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه كلهم يحكي الاذان والاقامة والتثويب ووقت الفجر كما ذكرنا فإن جاز أن يكون هذا غلطا من جماعتهم والناس بحضرتهم ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا ذلك جاز له أن يسألنا عن عرفة ومنى ثم يخالفنا ولو خالفنا في المواقيت لكان أجوز له من مخالفتنا في هذا الأمر الظاهر المعمول به )اهـ المجموع شرح المهذب 3/97 اهـ .

وكان الإمام مالك يقدم عمل أهل المدينة – وحدهم – على الإسناد الصحيح، فمذهبه أوسع .

ففي حديث المتبايعان بالخيار، لم يعمل به الإمام مالك وقدم عليه عمل أهل المدينة، قال الإمام السيوطي في شرحه على الموطأ:

( المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا هذا من الأحاديث التي رواها مالك في الموطأ ولم يعمل بها إلا بيع الخيار .
قال النووي فيه ثلاثة أقوال:
أصحها أن المراد التخيير بعد تمام العقد قبل مفارقة المجلس وتقديره يثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا في المجلس ويختارا أيضا البيع فيلزم البيع بنفس التخاير ولا يدوم إلى المفارقة
والثاني أن معناه إلا بيعا شرط فيه خيار الشرط ثلاثة أيام أو دونها فلا ينقضي الخيار فيه بالمفارقة بل يبقى حتى تنقضي المدة المشروطة
والثالث أن معناه إلا بيعا شرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم بنفس البيع ولا يكون فيه خيار.
قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من أثبت ما نقل العدول وأكثرهم استعملوه وجعلوه أصلا من أصول الدين في البيوع ورده مالك وأبو حنيفة وأصحابهما ولا أعلم أحدا رده غير هؤلاء قال بعض المالكيين دفعه مالك بإجماع أهل المدينة على ترك العمل به وذلك عنده أقوى من خبر الواحد
وقال بعضم لا تصح هذه الدعوى لأن سعيد بن المسيب وابن شهاب روى عنهما منصوصا العمل به وهما أجل فقهاء المدينة ولم يرو عن أحد من أهل المدينة نصا ترك العمل به إلا عن مالك وربيعة يخلف عنه وقد كان بن أبي ذئب وهو من فقهاء أهل المدينة في عصر مالك ينكر على مالك اختياره ترك العمل به حتى جرى منه في مالك قول خشن حمله عليه الغضب لم يستحسن مثله منه فكيف يصح لأحد أن يدعي إجماع أهل المدينة في هذه المسئلة انتهى) اهـ . تنوير الحوالك شرح موطأ مالك 2/79

والحديث كما مر عمل به سعيد بن المسيب، والزهري، وابن أبي ذئب وأنكر على مالك عدم العمل بالحديث، ولم يسلم له دعوى مخالفة الحديث لعمل أهل المدينة ، والحديث ثابت معمول به، وإنما أردت الإشارة إلى طريقة الإمام مالك في الترجيح بين صحيح الإسناد وعمل أهل المدينة، والحق أن رد الحديث بعمل أهل المدينة غير مسلم على إطلاقه .

ولا شك أن اتصال العمل بين المسلمين حجة في حد ذاته، بشرط أن يكون في أمر ظاهر معمول به كالأذان والصلاة والصاع، أو معاملة ظاهرة تواطأ المسلمون على العمل بها بمحضر السابقين .

فإن كان في هذا الأمر الظاهر رواية تحتمل لما عمل به الناس ولغيره فلا شك من لزوم حمل الرواية على ما توافق عليه الناس .

والله ورسوله أعلم .


المراجع :
1- القرآن الكريم .
2- مسند أحمد .
3- صحيح البخاري .
4- صحيح مسلم .
5- سنن الترمذي .
6- سنن النسائي .
7- سنن أبي داود .
8- فتح الباري .
9- شرح علل الترمذي .
10- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك .
11- المجموع شرح المهذب .
12- مقالات في الفقه والحديث ت مجدي أحمد .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: هل يصح الاحتجاج بضعف الإسناد على نفي الأحكام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 23, 2014 12:50 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 10151

الفاضل البخاري جزاك الله خيراً على هذا الموضوع الرائع

ربنا يفقهك في دينه ويزيدك من علمه بجاه أعلم خلق الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: هل يصح الاحتجاج بضعف الإسناد على نفي الأحكام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 23, 2014 10:00 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
آمين آمين آمين

ولك بمثلها أخي الفاضل حتى لا أحرم .

جزاك الله خيرا كثيرا

وشرفني مروركم العطر الكريم .

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: هل يصح الاحتجاج بضعف الإسناد على نفي الأحكام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 24, 2014 11:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
هذا الموضوع - الذي شارك به الأخ الفاضل سهم النور - هام جدا وله علاقة قوية جدا بموضوع مشاركتنا ولذلك اقتبسته هنا لتعم الفائدة

سهم النور كتب:

الأحاديث الضعيفة التي عليها العمل عند كثير من أهل العلم في أبواب العبادات .

الأحاديث الضعيفة لغةً :

- الأحاديث
: جمع حديث، وهو لغة: الجديد، وهو نقيض القديم وإذا أطلق الحديث فلا يراد به الا حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. [1] .

– الضعيفة : جمع ضعيف والضعيف خلاف القوي والفعل منه ضعف بضم العين والمصدر ضعف بفتح الضاد وضمها وهما جائزان في كل وجه وقيل: الضعف بالضم في الجسد ، والضعف بالفتح في الرأي والعقل ، وخص الأزهري بذلك أهل البصرة فقال هما عند أهل البصرة سيان يستعملان معا في ضعف البدن وضعف الرأي وفي التنزيل {ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا} قال قتادة : خلقكم من ضعف قال: من النطفة أي من المني ثم جعل من بعد قوة ضعفاً قال: الهرم . وروي عن ابن عمر أنه قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ فأقرأني من ضَعۡفٖ بالضم] اهـ . [2] .

تعريف الحديث الضعيف اصطلاحاً : [كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ، ولا صفات الحديث الحسن.]اهـ [3] .

الأحاديث التي عليها العمل عند كثير من أهل العلم في الاصطلاح.

هو كل حديث اشتهر وعملت به الأمة ، سواء صح من جهة الإسناد أم لا .

وهذا التعريف يفهم من كلامهم اذ لو تتبعنا كلام العلماء في الحديث الضعيف المعمول به نجده واضحاً وصريحاً.

الشروط الواجب توافرها في الحديث الضعيف لكي يعمل به .

يجب أن يتوافر فيه ما يلي :

- الشهرة : وهو أن يكون الحديث مشتهراً عند العلماء، اشتهاراً يغني عن الإسناد من غير إنكار منهم .

قال ابن عبد البر وهو يتكلم عن - كتاب عمرو بن حزم في الصدقات - :[وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة تستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.]اهـ [4].

وقال ابن قدامة – وهو يتكلم عن حديث معاذ في القضاء - : [وهو حديث يرويه عمرو بن الحارث بن أخي المغيرة بن شعبة عن رجال من أصحاب معاذ من أهل حمص وعمرو والرجال مجهولون إلا انه حديث مشهور في كتب أهل العلم رواه سعيد بن منصور والإمام أحمد وغيرهما وتلقاه العلماء بالقبول.] اهـ [5] .

وقال ابن نجيم الحنفي - وهو يتكلم عن القصاص في القتلى - فقال :[إلَّا أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْعَمْدِ لِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (الْعَمْدُ قَوَدٌ) [6] أَيْ مُوجِبُهُ يَعْنِي أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يُوجِبُ الْقَوَدَ بِالْقِصَاصِ أَيْنَمَا يُوجَدُ الْقَتْلُ وَلَا يُفْصَلُ بين الْعَمْدِ والخطأ إلَّا أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الذي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وهو قَوْلُهُ الْعَمْدُ قَوَدٌ أَيْ مُوجِبُهُ قَوَدٌ.] اهـ [7] .

- العمل به : وهو أن تعمل به الأمة أو معظمها ، فقد يكون الحديث مشتهراً وغير معمول به ، وكذلك قد يكون صحيحاً أو حسناً ولم تعمل به الأمة ، لوجود معارض من ناسخ او مخصص ، أـما إذا عملت الأمة بحديث فإنه يرتقي الى درجة المتواتر حتى وان كان سنده ضعيفاً .إذ قد يضعف الحديث عند أصحابه ويعمل به الفقهاء لأن أصحاب الحديث قد يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة في حديث.

قال مهنا السلمي : [سألت أحمد عن حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة) فقال: ليس بصحيح والعمل عليه كان عبد الرزاق يقول عن معمر عن الزهري مرسلاً.] اهـ [8] .

وقال الخطيب البغدادي:[ولكن لما تلقتها – أي الاحاديث الضعيفة- الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها.] اهـ .

وقال الخطيب أيضاً [ أما الضرب الأول وهو ما يعلم صحته فالطريق الى معرفته إن لم يتواتر حتى يقع العلم الضروري به أن يكون مما تدل العقول على موجبه كالأخبار عن حدث الأجسام وإثبات الصانع وصحة الأعلام التي أظهرها الله عز وجل على أيدي الرسل ونظائر ذلك مما أدلة العقول تقتضي صحته وقد يستدل أيضاً على صحته بأن يكون خبراً عن أمر اقتضاه نص القرآن أو السنة المتواترة أو اجتمعت الأمة على تصديقه أو تلقته الكافة بالقبول وعملت بموجبه لأجله.] اهـ [9] .

قال الزركشي : [إن الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع ولهذا قال الشافعي في حديث" لا وصية لوارث" إنه لا يثبته أهل الحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به، حتى جعلوه ناسخاً لأية الوصية للوارث.] اهـ [10].

ونقل الإمام الجلال السيوطي عن أبي الحسن بن الحصار المالكي : [قد يعلم الفقيه صحة الحديث إذا لم يكن في سنده كذاب بموافقة أية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به.]اهـ [11] .

- أن يدخل تحت عموم حديث صحيح : كحديث عمرو بن حزم في الصدقات قال الحاكم : [قد بذلت ما أدى إليه الاجتهاد في إخراج هذه الأحاديث المفسرة الملخصة في الزكاة ولا يستغني هذا الكتاب عن شرحها واستدللت على صحتها بالأسانيد الصحيحة عن الخلفاء والتابعين بقبولها واستعمالها بما فيه غنية لمن أناطها.] اهـ [12] .

- أن يخلو من المعارضة : وهو أن لا يقوم في وجه الحديث معارض شرعي معتبر [13] مما يؤدي الى ترك العمل به كأن يخالف نصاً قرأنياً أو بعض أصول الشريعة الثابتة فإذا كان كذلك فلا يعمل به.

قال الإمام الغزالي في حديث معاذ في القضاء :[وهذا حديث تلقته الأمة بالقبول ولم يظهر أحد فيه طعناً وإنكاراً وما كان كذلك فلا يقدح فيه كونه مرسلاً بل لا يجب البحث عن إسناده وهذا كقوله (لا وصية لوارث) و(لا تنكح المرأة على عمتها) و(لا يتوارث أهل ملتين) وغير ذلك مما علمت به الأمة كافة.] اهـ [14] .

ومما يجدر التنبيه عليه أنه لا يشترط في الحديث المتلقى بالقبول أن لا يوجد له مخالف.

قال الجصاص : [وليس معنى تلقي الناس أياه بالقبول أن لا يوجد له مخالف وإنما صفته أن يعرفه معظم السلف ويستعملونه من غير نكير من الباقين على قائله ثم إن خالف بعدهم فيه مخالف كان شاذاً لا يلتفت إليه
.] اهـ [15] .

يتبع إن شاء الله بــ الأحاديث الضعيفة التي عليها العمل عند كثير من أهل العلم في أبواب العبادات.

هامش .

[1] لسان العرب: للإمام ابن منظور الأفريقي المصري : 2 / 131 ، وينظر: القاموس المحيط : للامام محمد بن يعقوب الفيروزآبادي أبي الطاهر مجد الدين صـ 214 .
[2] ينظر: لسان العرب: 9 / 203 ، وتاج العروس من جواهر القاموس: للإمام محمد مرتضى الحسيني الزبيدي : 24 / 48 .
[3] علوم الحديث لابن الصلاح : 25 ، وتدريب الراوي : 1 / 179 .
[4] المغني : 10 / 101 .
[5] البحر الرائق شرح كنز الدقائق : لزين الدين ابن نجيم الحنفي : 8 /330 .
[6] قال ابن حجر العسقلاني :[أخرجه الشافعي وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس في حديث طويل واختلف في وصله وإرساله وصحح الدارقطني في العلل الإرسال ورواه الطبراني من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده مرفوعاً (العمد قود والخطأ دية) وفي إسناده ضعف.] التلخيص الحبير: 4 / 21 .
[7] النكت على مقدمة ابن الصلاح : للزركشي : 2 / 316 – 317 .
[8] التمهيد: لابن عبد البر: 17/ 339 .
[9] الكفاية في علم الرواية : لـلخطيب البغدادي : 1 / 17 .
[10] النكت على مقدمة ابن الصلاح: للزركشي : 1/ 390 .
[11] تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي : للإمام جلال الدين السيوطي : 1 / 68 .
[12] المستدرك على الصحيحين: للإمام الحاكم النيسابوري : 1 / 552 .
[13] الأجوبة الفاضلة : 233 .
[14] المستصفى : للإمام الغزالي : 1 / 293 .
[15] الفصول في الأصول : للجصاص : 1 / 184 .


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 23 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط