وولد صلى الله عليه دهيناً كحيلاً مقطوع السرة مختوناً معطر كأنما شعره الليل إذا سجى ووجهه الصبح إذا أسفر ، فأحتمله جبريل حمل محب متعطش إلى لقاء محبوبه وطاف به أقطار السموات والأرض ليتبركوا به ويظفر كل منهم من مشاهدته بمطلوبه ، وعرج به في سرادقات العرش وحجب الأنوار وقرت العين منه بالعين وفاز برؤية الجمال الباهر ورده إلى أمه من قبل أن ينجلي النهار في أسرع من طرفة عين أو لفتة خاطر أو لمحة ناظر ، وانبلجت سدرة المنتهى وغشاها من الجمال ما غشاها فرحاً وطرباً ببزوغ محيا والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها ، وزخرفت الجنان بأفخر الحلي والحور والولدان وأمر بفتح أبوابها رضوان ومالك يغلق أبواب النيران ، كل ذلك فرحة بميلاد سيد الكونين وسروراً ببدو بدر قرة كل عين .
يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا
تعيين لولاك يا من لا له شبه
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت
إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
وخرج الطير من وكره وأقبل الوحش من قفره ، واليعفور من الكناس ليحتسوا براحة الحدق راح رحيق مشاهدته بأعذب كاس ، فأرسلت أمه لجده عبد المطلب ذي الشرف والمهابة لتخبره بشروق شمس معاني ابن آمنة المستطابة ، فأقبل نشواناً من طيب شذا ما بشر به بسحب أردانه وضمه إلى صدره ضمة رأفة وحنانه ، وقبل بين عينيه ودخل به في أريض رياض البيت المقدس وحمد الله على ما أولاه من رؤية الجمال الذي تنزه عن الشبيه وتقدس ، وجاء به إلى الحجر الأسود ليسلم عليه فخرج من موضعه تعظيماً له وقبله بين عينيه ، فمن ذلك اليوم تسمى بالأسعد عند القوم وازداد شرفاً بتقبيله له في هذه الدار وفي ذلك اليوم .
يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا
تعيين لولاك يا من لا له شبه
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت
إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
ومولده مشهور بأعلى جدار البيت العتيق وكان لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول عام الفيل على التحقيق ، وأرضعته أمه الطاهرة الزكية سبعة أيام ثم ثوبية الأسلمية التي أعتقها أبو لهب حين بشرته أن أخاه عبد الله ولد له غلام ، ثم حليمة سيدة نساء بني سعد فجنت برضاعه ثمار ما سبق لها في الأزل من السعد ، وسادت بحضانته فتيات الحي وسائر النساء حتى كادت في الفضل تلحق بأهل الكساء ، واحتملته على إتانها عجفاء فاستسنمت بعد الهزال وسبقت مطايا القافلة حتى وصلت به إلى الأطلال ، ومسحت بيده الشريفة على الضرع فجادت باللبن الغزير غمائمه وجازت به على الماحل من الزرع فأثمرت أغصانه وأينعت سمايمه ، وأصبحت بعد الفقر ببركته غنية الظاهر والباطن أمنة السرب ساكنة الخواطر في تلك المساكن ، ولم يكن لها مصباح تستضيء به في حلك العاكر الأسنى محياه إذا تألق من خلف ليل لمة سافر .
يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا
تعيين لولاك يا من لا له شبه
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت
إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
وكان يشب في اليوم شباب شهر تمييزاً عن الأقران حتى قام على قدميه في ثلاث ومشى في خمس وفي التاسع فيها نطق بملوك البيان ، وفيها شرح صدره الشريف الملكان وأخرجا منه قلبه الطاهر الزكي الأنور ونزعا منه حظ الشيطان وغسلاه بماء الشهود وملآه حلماً ورحمة على الأسود والأحمر ، ورداه إلى موضعه فالتأم من غير ألم بقدرة باريء النسم .
يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا
تعيين لولاك يا من لا له شبه
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت
إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
وكان لا يشتكي ألم جوع ولا حر عطش كأبناء ناديه لأنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ، ثم ردته إلى أمه وهو ابن خمس سنين وشهر في صحيح الخبر فرحلت به إلى دار الهجرة بزيارة أخوال أبيه الميامين الغرر ، وفي رجوعها إلى وطنها المبارك الميمون أرشفتها راحة الاصطفا صرف راح المنون بشعب الجحون ، وحضنته بعدها جاريته أم أيمن الحبشية ثم جده عبد المطلب ذو الشمائل السنية ، ثم عمه الشفيق أبو طالب ذو النسب الباذخ والشرف فبوأه من المحبة دون النبيين إلى أعلى الغرف .
يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا
تعيين لولاك يا من لا له شبه
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت
إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
ورحل به في تجارة إلى الشام يريد نفاقها وكان في سفره بقية من الشمس إذا أنس احتراقها ، وفي رجوعه زوجه بسيدة نساء الدنيا وأهل دار السلام خديجة بنت خويلد المطهرة بماء " يحبهم ويحبونه " من قبل إيجاد الأنام ، فأولدها صلى الله عليه وسلم جميع البنين والبنات إلا ما كان من مارية وهو سيدنا إبراهيم طيب الصفات والذات .
يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا
تعيين لولاك يا من لا له شبه
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت
إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
ولما تم من عمره أربعون سنة من السنين بعثه الله بشيراً لمن آمن به بالجنة ونذيراً لمن صد عنه من الخلود في سجين ، ثم توجه بأمر من الله في سنة ثلاث وخمسين إلى طيبة الطيبة سامية الجناب وتبعه من احتمى من سلاف محبته أهنى الشراب ، فأنزله أقمار قبابها أشرف المنازل وأورده من منهل فرحهم به أعذب المناهل ، وأنشدوا طرباً حين شاهدوا بدر محياه قد أشرق ولاح سناه من جانب ذي طوى والأبرق .
شعر :
أشرق البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعى لله داع
فبقى بها في أرغد عيش بقية عمره إلى أن احتملته مطايا القبول إلى منازل الوصول بعد انقضاء وطره .
يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا
تعيين لولاك يا من لا له شبه
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت
إلا لأجلك والمولى اصطفاك له