موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 27 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 1:18 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

الانقلاب العسكري:

بقي حل قد ينجح كوناً بصورة جزئية وذلك لأن عناصره ناقصة فينتج عنه نتائج ناقصة لا تلبث أن تنتكس، وهو حل يمكن القيام به كجزء مكمل لحركتنا لكن لا تُبنى عليه أساس الدولة الإسلامية كما حدث من العبد الصالح فيروزٍ الديلمي رضي الله عنه مع الأسود العنسي، وهذا الحل هو الانقلاب العسكري، نعم هو حل يأخذ بجانب من السنن وقد يقيم دولة للقائمين عليه كأفراد لكن يصعب استمرار هذه الدولة على صورة إسلامية متكاملة إلا إذا كان هذا الحل جزءً من خطط وأعمال الحل السنني المتكامل الذي طرحه البحث، فقد كانت حركة أبي فيروز الديلمي رضي الله عنه جزءً من حركة الجماعة المسلمة ولم تكن عماد التحرك لها.

يقول الشيخ عبد الله عزام رحمه الله: ( إن الذين ينتظرون من حفنة من الضباط أن يقيموا لهم دين الله في الأرض وهم يصدرون الأوامر للناس عن طريق البيان الأول في الإذاعة بعد معركة لا آلام ولا معاناة فيها، تسبقها مراحل من السرية والمداهنة وكتم الحق، هؤلاء يظنون أن إقامة المجتمعات وتغيير النفوس والأشخاص والقلوب وبناء الأرواح وصقلها يتم بهذه السهولة وبهذا الرخص من التضحية!!

إن نصر الله لا يتنزل إلا بعد طول البلاء وشدة المحنة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} فالذين ينتظرون أن يتنزل النصر عليهم وراء مكاتبهم وهم جالسون على مقاعدهم، هؤلاء لا يدركون سنة الله في المجتمعات ولا قانونه في الدعوات.

قال لي أحد الدعاة: لقد مكثت في مكتب سنتين مع موظف آخر لم يعرف اتجاهي خلالها، فقلت: إذن لم تتكلم خلال السنتين كلمة واحدة عن الحق الذي تحمله بين جوانحك!!

ترى لو فعل الصحابة كما يفعل كثير من الدعاة السريين اليوم، هل تظنون أن الإسلام خرج من حدود مكة ؟!

لو سكت بلال , وراوغ ياسر وسمية , واستسلم ظاهراً عثمان بن مظعون , وقبل أبو بكر بشرط ابن الدغنة الذي أجار أبا بكر - ألا يرفع صوته في القرآن لأن صوته مؤثر بأبناء الحي من قريش - أقول: لو سكت هؤلاء أمام طغيان الجاهلية وجبروتها، فإن الإسلام لا يمكن أن يخرج من بطحاء مكة ولا يتجاوز الحروراء.

إن إصبع بلال التي تشير إلى السماء وهو تحت العذاب الشديد مردداً: أحد.. أحد.. لهو زلزلة للكفر من أعماقه، وهز لشجرة الجاهلية من جذورها.

إن صوت العقل يقول لبلال: اخدع أمية بن خلف وقل له: أنا على دين اللات والعزى، وفي الليل تعال إلى محمد صلى الله عليه وسلم قائدك الحقيقي وواليك ورائدك وقل له: لقد ضحكت على أمية وخدعته فحسبني معه وتركني وشأني , ولكن الدعوات لا تنتصر بهذه الكياسة والسياسة، إنها تنكس وتتحطم إذا لم تجد من يغذيها بالدماء ويبنيها بالجماجم والأشلاء.

إن الصبر الطويل على ظلم الجاهلية، وكبت الأنفاس الحارة من أن تخرج من الأعماق، والزفرات من أن تفرج عن الصدور، أقول إن الصبر الطويل قد يظنه البعض مفيداً للدعوات، ولا يعلمون أنه قاتل للنفوس، خاصة إذا صاحبه هلع شديد، وحذر بالغ يصل إلى حد الهوس، وجبن خالع يؤدي إلى الموت البطيء التدريجي.

إن الغيرة قد تكبت أولاً، ثم تذوي، ثم تضمحل، ثم تموت، فإذا ماتت تحول الإنسان إلى جثة هامدة لا تنكر منكراً ولا تعرف معروفاً، أو كما جاء في الحديث إنه لم يتمعر - أي يحمر - وجهه يوماً غضباً لله.

يرى الجبناء أن الجبن حزم وتلك خديعة الطبع اللئيم

إن الصبر الطويل على الكفر وأنت غارق في سريتك القاتلة يؤدي إلى الاستئناس يومياً بالجاهلية الطاغية، وأخيراً يؤدي إلى الألفة التي تمسخ الفطرة وتعكس النظرة.

السرية في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لها وقت قصير سرعان ما تجاوزته إلى الإعلان , والسرية والحذر لا بد منهما مع النفر {خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ} ، ليس السرية والحذر اللذان يؤديان إلى الشلل والجزع والموت.

كذلك إن المعركة والجهاد في سبيل الله هي التي تفرز القيادات وتبرز الرجال من خلال التضحيات، إن قدر أبي بكر بين المسلمين بحيث كان انتخابه بشبه إجماع لم يأت مصادفة ولا اعتباطاً، إنما أبرزت أبا بكر الأحداث، وميزته التضحيات، ورفعته المواقف والمحن والملمات، ولذا قال عمر يوم تبوك بعد أن جاء بنصف ماله ورأى أن أبا بكر جاء بماله كله، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأل ماذا تركت لأهلك قال: ( تركت لهم الله ورسوله ).

وعندها قال عمر: ( ما تسابقت أنا وأبو بكر في مسألة إلا سبقني أبو بكر ).

ولم يكن أبو بكر بحاجة إلى دعاية انتخابية، ولا للاشتراك في قائمة مرشحين، لأن قدره قد برز أثناء المسيرة، وعلى طول الطريق، فلم يعد بحاجة إلى شراء الضمائر بالأموال، ولا إلى تضليل النفوس ببريق الإعلام وتلميع الأعمال.

وقانون التدافع: هو التفسير الإسلامي للتأريخ والأحداث، وسواءً تحركت الجاهلية أم لم تتحرك فلا بد للإسلام أن ينطلق بحركته الذاتية التي لا بد منها لقانون التدافع  وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ .

إن المجتمعات الراكدة كالماء الراكد لا يطفو عليه إلا العفن والطحالب والأشنات، فقيادة المجتمعات الراقية التي لا تتحرك للقتال تطفو متعفنة فاسدة، وأما المجتمع المجاهد فإنه كالماء المتحرك والنهر الجاري يأبى أن يحمل العفن أو يطفو على وجهه الخبث.. ولابد أن تأتي القيادة من خلال المعركة الطويلة، والجراح العميقة، وإلا فالبلاد تضيع، ولن يزيد الأمر إلا سوءً، ولا تزيد مصائب الشعب إلا عمقاً.. لابد للقيادات الحقيقية أن تدفع الأثمـان، وتتجرع الغصص، وتتحمل الجراحات، وتبذل التضحيات، وتفقد الأب والأخ وما إلى ذلك، حتى تشعر بقيمة المسألة التي تحملها، والعقيدة التي تتبناها، والأفكار التي ضحت من أجلها، وبدون هذا لن تقوم للإسلام قائمة.. ) انتهت مقتطفات كلامه رحمه الله مع بعض التعديلات والإضافات.

ما ينبغي أن نؤكد عليه أن الكلام المنقول هنا لا يعني رفض السرية فنحن نقول أن السرية مأمور بها في الحرب وشئون المعركة كما ذكرنا في النقل السابق ( والسرية والحذر لا بد منهما مع النفر {خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا}ْ ، ليس السرية والحذر اللذان يؤديان إلى الشلل والجزع والموت ).

وبإذن الله سأتناول قضية الانقلاب العسكري والسرية في مقال منفصل عن السنن الكونية في المقالات الملحقة بالدراسة.

عودة إلى أصحاب نظرية المؤسسات:

هذا الكلام للشيخ عبد الله عزام - رحمه الله - الذي ينبغي أن يُكتب بماء الذهب يشير كذلك إلى هؤلاء الذين يدعون أنهم يعملون بأحكام المرحلة المكية وما لهم منها نصيب، حيث قلبوا أحكام المرحلة المكية إلى ركون ومداهنة ودعوة للتعايش مع الكافرين في حين أن المرحلة المكية كانت مرحلة صدع بالحق في وجوه الكافرين ومفاصلتهم وإنذارهم بالذبح وتسفيه أحلامهم وآلهتهم، والأهم من ذلك كانت مرحلة إعداد مادي صريح بجمع الأنصار المسلحين وتهيئة الأمر لذلك حتى لو تطلب الأمر ترك الديار والأهل والأموال والمصالح المزعومة، فهم قد علموا أن القتال والجهاد يأتي بالأموال والأراضي والمساجد ومعها تلك المصالح , أما التمسك بتلك المصالح على حساب الجهاد والركون إليها فهو أكبر عائق عن الجهاد وهو الطريق لضياع تلك المصالح بعد ذلك بدون أي نكاية في أعداء الله، والقوم يسمون هذه المصالح مكتسبات الدعوة أو العمل الممكن ويزهدون في مطلق الأمر بالاستعداد لترك الأموال والديار فهي عندهم تدخل أيضاً في المصالح المرعية! ويعطلون الصدع بالحق كاملاً , ويعطلون العمل على جمع الأنصار المسلحين , مدعين أن قول الحق كاملاً , وجمع الأنصار المسلحين سيقضي على مكتسبات الدعوة , فماذا أبقوا للمرحلة المكية بعد ذلك ؟ وكيف ينسبون ذلك لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة..!

وهؤلاء كلما تحصل لهم جزء من المصالح المكتسبة يأتي الطاغوت بجنده كل عشرة أو خمسة عشر سنة فيحصد بدون عناء تلك المكتسبات متبعًا سياسته المعروفة [سياسة خلع الأنياب] تاركاً هذه الجماعات تدور في حلقة مفرغة سوداء مظلمة لتبدأ من نقطة البداية من جديد وأحياناً من خلف نقطة البداية وأحياناً لا تستطيع المعاودة ولننظر إلى تونس كمثال.

والطاغوت يقوم بتلك السياسة [سياسة خلع الأنياب] سواءً خرج عليه من يُطلق عليهم لقب المتهورين أو بدون سبب البتة أو بافتعال سبب والأمثلة كثيرة كثيرة في العديد من البلدان ومجموعات الشباب تُساق للذبح دون حتى نكاية كبيرة في الطاغوت تجعله يفكر مرات قبل تكرار ذلك وكيف تحدث تلك النكاية والشباب غير مستعد لها بمعيار السنة الكونية التي هي شرعية أيضاً.
سياسة خلع الأنياب هي سياسة درج عليها الطواغيت، وهي جزء من سياسات المواجهة المباشرة التي يتبعها الطواغيت في مواجهة الحركة الإسلامية بكل فصائلها حيث يقوم الطاغوت كل عشرة أو خمسة عشر عاماً بحملة على الحركة الإسلامية في بلده بسبب أو بدون سبب أو بافتعال سبب يقتل فيها من يقتل ويسجن فيها من يسجن ويغلق أو يمنع الدعاة عن كثير من المساجد والمنابر الدعوية والخيرية، يقصد بها تقليم الأظافر وخلع الأنياب التي نبتت للحركة الإسلامية حتى لا تستخدمها ضده ولما كانت الحركة خلال هذه السنوات مستأنسة أصلاً - في أغلب فصائلها - فهي تقبل ذلك مستسلمة تحت شعار الابتلاء.

وهؤلاء يفهمون الابتلاء بمعنى غير الذي يفهمه أهل الإسلام الصحيح ومعناه عندهم ( أن تسلك الطريق التي أمرك بها الشارع فتصل إلى ضدّ أهدافك ابتلاءً لك.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ).

لذلك فالذي يُتابع ما يصدر عن القوم يجد مسخاً للفطرة وفهماً مقلوباً للسنن، فتجدهم ينكرون ما يصدر من نفسية الإنسان السوي بما تمليه عليه فطرته ويقره عليه عقله، لقد قرأت لأحد رموزهم عن ظاهرة تُحيره أن يتكلم عنها بتحسر ألا وهي أنه يرى كثيراً من الشباب الذي يحمل همة عالية وطاقة للعمل في سبيل الله ينصرف إلى الأعمال ذات النفس القصير - على حد وصفه - فهو يريد من الشباب - كما يقول - أن يوجه جهاده وقتاله وجهده إلى النضال التنموي!! والتأني والنفس الطويل لبناء مؤسسات قادرة على مواجهة الكفر - كما يزعم -، لذلك فما أخطأنا عندما قلنا عن هؤلاء الرموز أنهم يعالجون الأمة من الاتجاه الخطأ، فهو يريد من الفرد منا أن يُخالف فطرته التي فُطر عليها ويُلغي عقله، الذي يقول أن هذه المؤسسات يستحيل أن تنمو في ظل سيطرة الكفر إلا إذا كنا سنبنيها ليرثها الكفر أو كرصيد لدولة الكفر في الأساس، هذا إذا كان سيسمح لك الكفر بذلك أصلا، وصدق من قال:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

ولله در الصحابة الذين هم خير من فهم السنن، هذا فضلاً عن المغالطة بتعريضه بالعمل الجهادي على أنه عمل أصحاب النفس القصير، إنه لا يستطيع أن يتصور أن يتعامل مع هؤلاء الشباب وأن ينزل إلى الساحة بينهم ويرشدهم ويعلمهم ويربيهم ويجاهد معهم، هو لا يتخيل نفسه خارج مسجده المكيف أو مكتبه تحت المراوح، أما أن يعطي درساً داخل مسجد قد تهدم أجزاء من سقفه من جراء القصف أو يهاجر لينشُر العلم بين الشعوب المجاهدة، فذلك من أبعد الأمور عن تفكيره، هو فقط يريد النضال التنموي - على حد تعبيره -..!!

بالطبع الاعتراض موجه إلى هذه المؤسسات عندما توضع كبديل عن الأوامر الشرعية الصريحة التي فرط فيها البعض لمشقتها، بل للأسف لم تُطرح فقط كبديل بل قامت خيانات متعددة من بعض المحسوبين على الحركة الإسلامية لإيقاف الجهاد في سبيل إقامة هذه المؤسسات، ومنهاج أهل التوحيد والجهاد يشمل ويدعو ويحرض على إقامة أي مؤسسة لخدمة الدين طالما لا تشتمل على وسيلة محرمة أو شركية وطالما تم وضع ذلك العمل المؤسسي في ترتيبه طبقاً للواجبات الشرعية، ووقته تبعاً للسنن الكونية.

نخلص من كل فصول ومباحث الدراسة إلى أن حركـات الجهاد السلفية هي المتقدمة عن غيرها في فهمـها لدين الله تعالى - فهم السنن الشرعية والكونية -، وهي الأمل إن شاء الله تعالى، إلا أن سنة الله تعالى لا تحابي أحداً، فحيث حصل الإيمان حصل النصر، وحيث تخلف الإيمان الواجب فليس لأحد أن يلوم إلا نفسه، والإيمان الواجب في الحالة المخصوصة هنا، حالة الذلة التي تعيشها الأمة هو واجب الدفع والمدافعة , ( فإذا قام عباد الله بواجب الدفع والمدافعة، وشرعوا بالجهاد، واستكملت لهم أدواته، فلا بد أن يقع الوعد الإلهي لأن السبب والأثر - في حياة المؤمن - لابد من تلازمها والتلازم مطلق في باب الوعد بخلاف باب الوعيد فالتلازم غير مطلق، والنتيجة: إذا تخلف الوعد دل لزوماً على تخلف الأمر في نفس المكلف.. ).

وسبحان من كانت سنته الشرعية تتفق مع سنته القدرية وتتناغم مع حركة الكون والحياة.
في النهاية أكرر التذكير بأمرٍ هام ذكرته من قبل في المقدمة أن هذه الدراسة هي عبارة عن خطوط عريضة وأن ما بها من تفاصيل إنما ذُكرت لأهميتها أو كمثال لشحذ وتنشيط الأذهان، بل إن تلك الخطوط العريضة ينقصها الكثير فضلاً عما قد يعتريها من خطأ كعمل بشري، لذلك على من هم أهل لاستكمال تلك الدراسة من المتخصصين العناية بذلك وعلى أهل الواقع من أمراء المجموعات والمناطق تنزيل كامل التفاصيل، وتعديل ما في هذه الدراسة بما يناسب واقعهم.

أسأل الله أن يتوب علينا ويغفر لنا خطايانا ويثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعته ويُذل فيه أهل معصيته ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 1:30 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

المقالة الأولى: معركة الصبر .

.. وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ.. 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

" إنما النصر صبر ساعة " هذا الأثر يُلخص الطريق إلى النصر في أي معركة نخوضها مع الأعداء، وقد سيق لشرحه مثال لطيف يُجلي معناه أكثر: تخيل نفسك وقد وضعت إصبعك تحت ضغط أسنان خصمك، ووضع خصمك إصبعه تحت ضغط أسنانك بحيث يكون المنهزم هو من يصرخ أولاً، فكان أن صرخت أنت أولاً فقال لك عدوك وقد انتصر: لو أنك صبرت لحظة واحدة لصرخت أنا قبلك ورفعت الضغط عن إصبعك وفي هذه الحالة تكون أنت الذي انتصرت.

في اليوم واللحظة التي قرر فيها الروس الانسحاب من أفغانستان لم تكن عدتهم من السلاح أقل من عدة الأفغان وقتها , بل كانـت أضعاف ما لدى الأفغان كماً ونوعاً، كذلك لم يكن عـدد جنودهم المدربين أقل عـدداً أو كفاءة من جنـود الأفغان، وكذلك عندما انسحب الروم من أراضي إمبراطورياتهم في الشام ومصر في بدايـة الفتوحات كان عددهم وعدتهم أكثر كماً - بأضعاف - وأفضل نوعاً من عدد وعدة المسلمين، فما الذي حدث ؟ وما السبب في هزيمتهم ؟

أحيانا يصدر مثل ذلك القرار بحيث لا يمكن لمحلّل عسكري أن يتوقعه قبلها بيوم!!
الذي حدث يطلق عليه في كتب الحرب [انهيار الإرادة القتالية] وانهيار الإرادة القتالية يحدث في أحد حالتين: عندما يرى الطرف المُنسحب - إذا كان عاقلاً - أن الخسارة المادية أو المعنوية - ولها صور - من جراء استمراره في القتال أكثر من مكاسبه إذا استمر في القتال، والحالة الثانية هي نفاد صبر الطرف المنسحب، ويُمكن أن نُدخل الحالة الأولى في الثانية بحيث يمكننا القول:

إن انهيار الإرادة القتالية ينتج عن نفاد صبر الطرف المُنهار.

في هذه المقال سنتناول كيف يعمل عدونا على التعجيل بنفاد صبرنا ؟ وكيف نعمل نحن على التعجيل بنفاد صبره ؟

ستتناول الإجابة أهم ما يقوم به العدو للعمل على تعجيل نفاد صبرنا، وكيف أن مفتاحنا للتعجيل بنفاد صبر العدو هو مقاومة ما يقوم به وهي الأهم لاعتبارات ستأتي، وكذلك علينا المبادرة ببعض الأعمال لتحقيق غرضنا.

نسجل في البداية نقطة هامة: وهي أنه لطبيعة نفسية الطواغيت ونفسية جندهم لا يستطيعون أن يبقوا تحت الضغط والتهديد مدة طويلة، وذلك أحد الأسباب - ليس كل الأسباب - التي لا تدفعهم لاستئصال متوالٍ أولاً بأول للحركة الإسلامية بل يعمدون إلى ضرب الحركة كل فترة زمنية طويلة نسبياً، بل وعند ذلك القرار يتم وضع خطة تنهي الأمر بسرعة لأنهم يعلمون أنهم وجندهم مهما بلغ عددهم وعدتهم ليس عندهم صبر لمعركة طويلة، ومما يطيل أمد المعركة ويضع العدو تحت ضغط آخر أشد هي مقتل أفراد العدو خصوصاً بأعداد كبيرة، فهي أولاً: تجعل منه يراجع خطواته مما يطيل من أمد المعركة، ثانياً: تعمل على وضع الجند والقادة في حالة نفسية سيئة لا يطيقون الاستمرار عليها مدة طويلة فيبدأ الجند والضباط في التململ أو عدم تنفيذ الأوامر أو الفرار، ومن ثم يعمل الطاغوت على سحب جنوده وتجنيبهم المعارك، ويبدأ هو - إذا لم يرحل إذا كان عنده الشجاعة لقرار الرحيل - في إطالة فترة المعركة عن طريق تجنب الصدام وهو يعلم أنه بذلك يُعطي المجاهدين فرصة لترسيخ قواعدهم العسكرية وتنمية قدراتهم ولكنه يلجأ لذلك على أمل أن يتمكن من دعم قدراته عن طريق الداخل أو الخارج في المستقبل، وفي أسوأ الظروف يقوم بذلك من أجل نهب أكبر قدر من الأموال قبل أن يرحل أو لتنفيذ أوامر أسياده في البقاء أكبر فترة ممكنة لحين النظر في بديل له من قبلهم أو تدخلهم ونحو ذلك.

لذلك نستطيع القول أنه يريد:

(1) تقصير أمد المعركة بقدر الإمكان.

(2) تجنيب جنوده الدم بقدر الإمكان لأنه يعلم أن ذلك سيرعب جنده وسيكون عاملاً من عوامل
إطالة المعركة.

لذلك يضع العدو لتحقيق هذين الهدفين خطة خبيثة، وهي أنه يتجنب في البداية الدم قدر الإمكان بل يعمل على جمع أكبر عدد من الشباب في السجون، ويرسم صورة أن من لا يقاوم عند الضبط لا يُطلق عليه النار، وهو في الأصل لا يتمنى أن يصل الأمر لذلك، وفي الفترة الأولى من مرحلة السجن طالما أنه ما زال هناك أعداد كبيرة بالخارج يجعل الضغط داخل معظم السجون بسيطاً إلا على قلة من الأخوة الذي لديه غرض من الضغط عليهم، ثم عندما يجمع أكبر قدر من الإخوة في السجون يبدأ بالضغط على جميع الإخوة داخل السجون وعلى ذويهم خارج السجون فيبدأ في جعل السجون جحيماً، ويعمد إلى منع الزيارات تقريباً، ويعمل على متابعة الدعم والمساعدات التي تصل لذويهم وتصبح الصورة سوداء، فيبدأ الناس يمنعون ذويهم من الانضمام للمجاهدين أو مساعداتهم لما يرونه من أمثلة كثيرة، وتبدأ حالة المجاهدين في التدهور، فضلاً عن أن الطاغوت يبدأ في هذه المرحلة في تغيير استراتيجيته من تقليل الدم وإكثار الاعتقالات إلى استراتيجية الحسم

والاستئصال بعد أن يكون هيأ الجميع لها إعلامياً، فيقوم بعمليات قتل في المداهمات، وهنا يقترب الأمر من نهايته ويبدأ صبر المجاهدين في النفاد - لا قدر الله -، بعد أن يكون بدأ الأمر بنفاد صبر من في السجن من الشباب.

كذلك من الاستراتيجيات التي يتبعها العدو هي [استراتيجية الحشد] حيث يعمد إلى تهدئة بعض المدن والمناطق ويستعين بجندها في حشد قواته في منطقة أو منطقتين يكثر من الاعتقالات والمواجهات فيهما، وذلك حتى يُشعر جنده بالاطمئنان لأنهم أكثر عدداًً أضعاف أضعاف المجاهديـن، ثم بعد أن ينتهي ويُحكم قبضته على تلك المنطقة ينقل قواتـه للمناطق الأخرى الهادئة.

وتقريباً كل ما سبق حدث من النظام المصري الخبيث وقت مواجهة الحركة المجاهدة حيث كان يخطط بداية التسعينات في بدء حملة لضرب الكيانات الإسلامية بصفة عامة والمجاهدة بصفة خاصة التي نَمَتْ في العشر سنوات التي تلت حملة بداية الثمانينات والتي بدأت قبل قتل السادات وانتهت بعد الانتهاء من المحاكمات التي تلت مقتله القصد: أنه عندما بدأ في حملة أرادها سريعة للقيام بذلك، فقامت الجماعة الإسلامية برد قوي بقتل المحجوب - رئيس مجلس الشعب -، دفعه لتأجيل حملته عامين، وبدلاً من أن تستغل الجماعة حالة تردده تركت له الفرصة كاملة لترتيب أوراقه فتباطأت لمدة عامين لبدء المواجهة الشاملة، فقد كان يمكنها حزم أمرها والبدء بعد عام على الأكثر، وعندما بدأت سهلت له القيام بعملية حشد لقواته حتى أنه قام بالقضاء على كيانات الجماعة بمدن ومحافظات تواجدها واحدة وراء أخرى، ثم حدث بسبب طريقة تفكير بعض قادتها حيث كانوا يضعون أعينهم على المفاوضات من بداية المعركة!! بل وظنوا أن نظاماً كنظام مبارك يمكن أن يرضخ للمفاوضات إذا قُتل له بضع مئات من الجنود وبعض القيادات، ونسيت أن هذه الأنظمة لا اعتبار للأعداد عندها إلا بقدر خوفها من تفلت هذه الأعداد ( والتفلت والفرار يحدث عندما يكون القتل بأعداد كبيرة مع دعاية إعلامية جيدة وتبرير إعلامي جيد كذلك )، ثم عندما وافق النظام كانت أوراق الضغط كلها في يديه ( أعداد هائلة من أعضائها رهائن بالسجون ) مما أتاح له أن يفرض شروطه، فالذي بيده أوراق أكثر يفرض شروطه ويقدم الطرف الآخر التنازلات بالطبع، هذا مع تحفظنا على مشروعية مفاوضة المرتد أصلاً خاصة التي تفضي إلى إقراره وتركه على ردته، أما جماعة الجهاد فهي لم تكن قد اتخذت قرار المواجهة أصلاً، لكون سياستها كانت تقوم على إعداد مادي طويل يسبق التحرك ( وتلك سياسة تم شطبها من خطط الحركات الجهادية بعد ذلك لأنها أفضت إلى كوارث وتم وضع سياسات بديلة )، وفوجئت بكشف نصف خلاياها على الأقل بسبب أخطاء أمنية، هذه الأخطاء يصعب جداً معـالجة آثارها الضارة في ظل نظام يتبع سياسة المداهمات العشوائية خاصة إذا كانت الجماعة لم تتخذ قرار بدء المواجهة بعد، ولكن على الرغم من الضرر البليغ الذي لحق بكيان جماعة الجهاد حتى أنها أوقفت العمليات فترة - دون أن تغير من موقفها من النـظام - إلا أن ثبات قياداتها وعملهم على معالجة ما حدث أبقاها حتى الآن شوكة في حلق النظام وأسياده بفضل الله، مما جعل النظام لا يقدر على استكمال سياسته باستئصالها ومن ثم استئصال الجماعات الإسلامية الدعوية كما يأمل بعد ذلك.

خلاصة هذه النقطة: أن سبب هزيمة الجماعة الإسلامية أنها لم يكن لقيادتها تصور جيد وواضح للاستراتيجية العسكرية، عطلت أربعة أخماس قوتها تحت ما يسمى بالجناح الدعوي بل وجعلته مكشوفاً مما مكن النظام المصري من أخذهم كرهائن وأوراق ضغط للتعجيل بنفاد صبر الجماعة، وتم ذلك في فترة زمنية طويلة ولم تتخذ الجماعة أي إجراء عملي تجاه ذلك مع أنه كان أمامها فرصة، أما انهيارها العقدي وتراجعاتها فيرجع لأنها اتخذت مواقف غير شرعية في تعاملها مع الهزيمة العسكرية ولهذا الأمر جذور وظروف يطول شرحها، أما جماعة الجهاد فلا أدري كيف يجرؤ الجهال على جعل القتال سبباً لما حدث معها في حين أن ما حدث معها تم أغلبه قبل أن تقرر هي أي مواجهة!.

عودة للموضوع: ماذا علينا أن نفعل للتعجيل بنفاد صبر العدو وإبطال هدفيه واستراتيجياته ؟
نحن لو كان عندنا القوة التي عند العدو لكان عندنا القدرة على حسم المعركة من البداية لأن جنودنا لا تخشى الدم والموت بل تطلبه، ولكننا ليس عندنا هذه القوة - وذلك من سنن الله في الدعوات -، لذلك ستكون خطتنا بالنظر لكل المعطيات السابقة هي العمل على إطالة فترة المعركة عن طريق مقاومة أهداف العدو والمبادرة بتوجيه ضربات قوية وموجعة له، على أن يكون تركيزنا في البداية - بحكم إمكانياتنا - على رد الفعل المتمثل في مقاومة أهدافه أكثر من المبادرة بتوجيه ضربات له، ثم بعد فترة إذا نجحنا لن تكون أعمالنا إلا المبادرة بضربه لأنه بحكم التجارب المرصودة ستكون أيامه في المرحلة الثانية هي عبارة مقاومة غاراتنا إلى أن نصل إلى مرحلة إسقاطه بإذن الله.

- فعلينا إبطال استراتيجية الحشد عن طريق جعل عملياتنا منتشرة على أكبر رقعة من الأرض - على الرغم من محدوديتها في البداية إلا أنه يجب أن تكون منتشرة على أكبر رقعة ممكنة -.

- وعلينا منعه من تحقيق هدفه بجمع أكبر عدد من الإخوة في السجون ليضع في يده أكبر أوراق للضغط عن طريق:

(1) تلافي التسيب الأمني قدر الإمكان، وتنفيذ التعليمات الأمنية بدقة، وبمناسبة هذه النقطة تنتشر بين الأخوة قصص من نوعية أن أخاً تعرض لكمين وكان معه اسطوانات [سي دي] أو أوراق وكانت التعليمات أن يقوم بكسرها حتى يمر على الكمين بدون مشاكل، إلا أنه احتفظ بها لغرضٍ ما وعمل على قول الدعاء والأذكار حتى مر الأمر بسلام، وجميعنا بالطبع يصدق بحقيقة مثل تلك القصص والحمد لله، إلا أنه ينبغي أن نعلم أن ما فعله الأخ يأثم بفعله فقد خالف التعليمات وعرض نفسه ومجموعة من إخوانه - الذين يعرفهم - للخطر، وذنبه هذا مع ذنوب أخرى قد تجعل الأذكار لا أثر لها في المرة القادمة كذلك من التسيب الأمني محاولة معرفة ما لا يخصك، وتوجد مظاهر عدة للتسيب الأمني فلتراجع في مظانها.

(2) الطريق الثاني الذي يُبطل تلك الاستراتيجية هو جعل مداهماته لاعتقال الإخوة تتحول إلى جحيم ويسقط فيها أكبر عدد من قواته، وذات تكلفة عالية في الدم والإنفاق واتخاذ وقت طويل في الإعداد لها، بل إذا تم اعتقال أو قتل أفراد في مداهمة يتم المبادرة بتوجيه ضربة ردع ودفع ثمن يتم الإعلان إعلامياً أنها بسبب اعتقال أو قتل الأخ فلان، والمبادرات القليلة في البداية بمهاجمة قواته أو قوات العدو الصليبي يُعلن إعلامياً أنها ردود فعل على ممارساته في السجون أو اعتقالاته، وأننا نقوم باستهداف أسياده الصليبيين نكاية فيهم وفيه - نكاية مُسببة - على أن نبين أننا لن نوقف استهدافنا أهل الطغيان إلا أن ممارساتهم تدفعنا أكثر وتجعل عملياتنا أكثر شراسة.

وكل ما سبق - تقريبا - يمثل السياسة التي يتبعها إخواننا أسود جزيرة العرب نسأل الله لهم الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد.

وينبغي أن نتذكر جيداً أيضاً أن عقيدة الصراع عند أهل الكفر والردة عقيدة مادية دنيوية في أغلب بنائها ولهم دوافع دنيوية يسترونها بدوافع دينية أو حضارية كاذبة ومزعومة، وأن العامل العقدي التقليدي فيها ليس العامل الوحيد فهو يُعتبر أحد عوامل دفعهم للمعركة ودفع الأتباع الجهال عندهم، أما وقود تحركهم فهو المصالح المادية والبقاء، فهم يصارعون من أجل ذلك، وليس أي بقاء بل البقاء الذي يضمن لهم حياة الرفاهية والترف بدون منغصات، وحلفاؤهم ومن يدعمهم ليستمروا ويصبروا يتحالفون معهم ما دامت المصلحة متحققة بذلك التحالف، فيجب أن نعي ذلك جيداً.

فان إطالة أمد الصراع وإيجاد قوة تستطيع توجيه ضربات قوية تجنح بالعدو إلى الموادعة من طرفه فقط بالطبع، وتوجيه ضربات لمصالحه الاقتصادية، وتهديد مصالح واقتصاد ومادة رفاهية من يدعمه - بتبرير إعلامي جيد كما بينا في دراستنا المفصلة - تجعل العدو يتقوقع على ما في يده من مصالح، وهذه القوة الرادعة كذلك تدفع جنده للتفكير في أن القتال تحت راية قادتهم لا يضمن لهم البقاء فهاهم يموتون من أجل لا شيء، فتبدأ مرحلة التفكير في الانتقال أو على أقل تقدير الفرار وانتظار انقلاب الموازين، لذلك وجدنا أن أشد الناس عداوة لهذه الدعوة أصبحوا فيما بعد جنداً مخلصين لها يقدمون أرواحهم في سبيلها، وذلك سيكون بعض حديثنا في المقالات القادمة بإذن الله، القصد: أن تطور المعركة باستراتيجية صحيحة هام حتى لا تكون إطالة المعركة وبالاً علينا أكثر من العدو فينفد صبرنا قبله.

نختم هذا المقال بهذه الواقعة من غزوة بدر: عندما أرسل المشركون عمير بن وهب الجمحي عيناً لهم على المسلمين فقال بعد أن تأكد أنه ليس للقلة من المسلمين كمين أو مدد: ( لقد رأيتهم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً.. ولكني قد رأيت يا معشر قريش , البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتـل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم , فما خير العيش بعد ذلك ؟ فَرُوا رأيكم! ).

نخرج من هذه الواقعة أنه إذا استطعنا أن نسرِّب للعدو هذا الشعور بحقٍ بل ونؤكده بزيادة - كما فعل سلفنا وقتها - سيكون ذلك بإذن الله بداية هزيمته، وليرجع القراء إلى كتب السيرة لقراءة أثر تلك الكلمات على صف قريش.

وسيكون ذلك الشعور بإذن الله هو أول الطريق للتعجيل بنفاد صبره، فان معركتنا معه هي معركة الصبر.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

والحمد لله رب العالمين .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 1:35 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

المقالة الثانية: الابتلاء بين النفس البشرية وسنن الله في الدعوات .

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

منذ أن تُشرق شمس الهداية على نفس المسلم في مجتمعنا إلا وتبدأ معها سلسلة من الابتلاءات، وتتنوع مظاهر الابتلاء والفتن التي يواجهها المرء، وتبدأ تمر بالمرء مشاكل وأحداث عادية أحياناً كان يواجه أصعب منها قبل الهداية إلا أن إحساسَه بها بعدما خالطت بشاشة الإيمان قلبه إحساسٌ مختلفٌ تمامَ الاختلاف، فهذه فتنة الزوجة وهذه فتنة المال وهذا ابتلاء له في عمله ومصدر رزقه وهكذا، وكلما نجح في مواجهة فتنة نكتت في قلبه نكتة بيضاء بقدر حجم الفتنة التي نجح في تخطيها فما زال إيمانه في ارتفاع.

قبل أن ننتقل إلى القضية الهامة التي سنتناولها في هذا المقال ينبغي تسجيل ملاحظة هامة هنا سيكون لها أكثر من دلالة في موضوع المقال , ألا وهي أن كثيراً منا عندما يراجع نفسه يجد أن أفضل حالاته الإيمانيـة كانت في الفترة الأولى من الهداية، لا يشترط أن تكون منذ اليوم الأول - وإن كانت تحدث أحياناً منذ اليوم الأول - وإنما في الفترة الأولى بصفة عامة، ولعل ذلك يفسر لنا كيف أن البلاء العظيم كان ينزل على الجيل الأول منذ اللحظة الأولى، وذلك ما دفع بعض المربين أن يُطلق عبارة [أن الإيمان يُولد جبلاً في كثير من الأحيان] هذا مع افتراق أن الجيل الأول كان يولد إيمانهم كبيراً إلا أن ما يواجهونه من الابتلاء وثباتهم في مواجهته يرفع من مستواهم الإيماني أكثر وأكثر بينما نحن للأسف نتعلم من كثير من المشايخ والمربين أن نتهرب من أي عمل يؤدي إلى ابتلاء فنبدأ في مرحلة النزول والهبوط، كذلك نسجل أن من اهتدى من الجيل الأول في مكة واجه الوقوع تحت فتنة ظهور واستعلاء الكفر، ومن اهتدى بالمدينة واجه فتنة الجهاد وبارقة السيوف.

في هذه الحلقة سنتناول أهم الفروق بين فتنة السجن والتعذيب وبين فتنة الجهاد وبارقة السيوف، وكذلك سنتناول موقف النفس البشرية منهما ومدى تقبلها لهما وإلى أي مدى يمكنها تحملهما ودلالة ذلك.

القائلون بأهمية مرحلة الابتلاء بالسجن والتعذيب قبل القيام بالجهاد تتفاوت درجاتهم ما بين فريق يغالي في هذا الأمر حتى أنهم ينصحون أتباعهم بتقبل ذلك والسعي إلى السجن والابتلاء وانتظار الفرج حتى بدون السعي الواقعي بأمر عملي يحقق الفرج، ولولا أني قرأت لمن يقول بذلك لما صدقت بوجود هذا الصنف من البشر، وهناك فريق يعتدل في هذا الأمر بأن يقوم بالصدع بالحق في وجوه أهل الباطل وبالإعداد المادي والمعنوي وجمع الأنصار المسلحين لا سعياً وراء السجن والتعذيب ولكن إذا حدث صبروا وعدوا ذلك تربية للأفراد، أما الفريق الثالث فهو الفريق الذي فرّط في الأمر حتى إنه يبعد عن أي أمر يؤدي إلى مشاكل مثل الصدع بالحق في وجوه أهل الباطل أو الإعداد المادي، ولكن لا ينسى هذا الفريق أن يتبجح ويكون أكثر هذه الأصناف صياحاً: إنه في المرحلة المكية ومرحلة الصبر! ولا أدري ماذا ترك للمرحلة المكية من أحكام، فسبيل هذا الفريق جلّه مخالف للمرحلة المكية، فهو بين مداهنة وتعايش وتخبيص وتلبيس.

القصد: ما نريد قوله أن هذه الأصناف الثلاثة - على اختلاف حالهم - واقعون لا شك تحت فتنة ظهور واستعلاء الكفر وأهله وسيطرتهم على حركة المجتمع الذي يعيشون فيه بدرجات متفاوتة.

وما نريد أن نحذر الأصناف الثلاثة منه - بما فيهم الصنف المعتدل - أن إطالة مدة البقاء في الفتنة تحت أيدي الظالمين مدة طويلة يؤدي إلى تفلت الأتباع فالنفس البشرية - غير المعصومة - مهما بلغت من القوة لا تستطيع أن تصمد مدة طويلة في مواجهة الباطل المُستعلي، فإن طول الأمد بدون مواجهة فعلية للباطل تظهر له آثاراً لا ينكرها من خالط شباب الإسلام مدة طويلة، فمنهم من انتكس كلياً ومنهم من ترى عليه فقط علامات الهداية الظاهرة من ثوب ولحية، وفي هذا تفسير لما حدث لجماعات كان يُضرب بها المثل في الثبات والصدع وكانوا يدخلون السجن ويخرجون أكثر ثباتاً، إلا أنه عندما غُيب أتباعها في السجون فترات طويلة ظهرت التراجعات والرضوخ للجاهلية، بل حتى الصنف المفرِّط في الصدع بالحق والذي لا يواجه ابتلاءً شديداً كالسجن ونحوه إلا أنه خاضع بدرجة ما كما ذكرنا إلى فتنة استعلاء الباطل وسيطرته على المجتمع فتجد أن دفعة المراحل الأولى له قوية ثم لا يلبث أن تجد فتوراً، ولا تنشط حركته إلا بحدث يدفع للحركة شباباً يحمل دماء جديدة ويدخل الدائرة المفرغة من جديد ؛ لذلك على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحث أصحابه على الصبر والثبات ومزيد من الصدع بالحق، إلا أنه كان يعمل على عدم إطالة فتنة هذه المرحلة لقسوة طبيعتها عليهم، ففتح لهم باب الهجرة للحبشة ثم إلى المدينة، كذلك أذن لهم بالنطق بكلمة الكفر تحت ظروف معينة، كذلك عمل على الترتيب لمواجهة الباطل وجمع الأنصار المسلحين، فإن القائد الحصيف لا يترك أتباعه نهباً للأعداء فترة طويلة من الزمن وإلا أدى ذلك إلى تفلت الأتباع، فيجب عليه أن يسعى حثيثا أن يخرجهم من الظلم الذي يرضخون تحته، ويعمل على استرداد حقوقهم، لذلك تجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فترة بسيطة من استقراره بالمدينة أرسل سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه لترصد عير قريش لاسترداد بعض حقوقهم مع ما في ذلك العمل من فتح باب للمواجهة قد يلوح للبعض أنها كان يمكن أن تكون ذات عواقب غير محمودة، إلا أن هذه هي النفس البشرية السوية لابد أن تستخلص لها حقوقها وإلا فإن صبرها يوشك أن ينفد، حتى إن بلالاً رضي الله عنه عندما شاهد أمية بن خلف وقد كان أسيراً لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لم يتحمل أن يتركه وعبد الرحمن بن عوف يذب عن أمية ويصيح ببلال: إنه أسيري وبلال يردد فقط: ( لا نجوت إن نجا! لا نجوت إن نجا!! )، إن النفس البشرية من لحم ودم وأعصاب ولها طاقة محدودة ينبغي مراعاتها وإلا لا يلومن قادة الحركات إلا أنفسهم إذا فوجئوا بتفلت الأتباع وانفضاضهم من حولهم واحداً بعد الآخر أو سقوطهم على أقل تقدير في الفتور وانعدام العطاء، وساعتها ستنحل الحركة بالتدريج أو على أقل تقدير سيلجأ القائد إلى تحويلها إلى حركة مسخ باهتة حتى يحافظ على كيانها العددي بأن تتوقف الحركة عن أي عمل فيه تضحيةٌ كبيرة بالوقت وبالنفس وبالمال والمسكن ونحو ذلك، ويقوم بجعل الأحكام التي تصلح أن تكون استثناءً في حق أفراد مخصوصين أو حالات معينة إلى قاعدة ومنهاج يسير عليها أتباعه، هذا فضلاً عن لجوء البعض إلى لبس الحق بالباطل وإلباس الأوضاع الجاهلية لباساً إسلامياً حتى يستطيع أن يجيش أكبر عدد من الأتباع بدون إحساس بضغوط ويقوم في سبيل ذلك بلي أعناق نصوص الشرع.

إن الثبات في مواجهة هذه الفتنة والثبات في مواجهة فتنة الجهاد والقتال يرفعان من المستوى الإيماني للفرد وهما من أكثر ما يؤثر في تربية الفرد والجماعة المسلمة، لكن لماذا جعل الشرع مخارج من فتنة السجن والتعذيب واستعلاء الباطل - كالهجرة والتقية على تفاوت درجتهما الشرعية - ولم يجعل مخارج من فتنة القتال ( وهو فتنة بنص الحديث: " كفى ببارقة السيوف فتنة " ) بل جعله ماضياً إلى يوم القيامة، وجعل التخلف عنه أو عن الإعداد المادي الجدي له - خاصة عند وجوبه - من علامات النفاق.

أما بالنسبة لفتنة السجن والتعذيب فهو ما قلناه أنه مع أهميتها خاصةً في البدايات إلا أن طول مدتها يؤدي إلى تفلت الأتباع، أما فتنة الجهاد فهي:

أولاً: مشروعةٌ لدفع فتنة أكبر {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} بل إن أعظم الفتن وهي الفتنة عن الدين بالسجن والتعذيب لا تُدفع إلا بالقتال.

ثانياً: إن فتنة القتال - على ما فيها من بلاء عظيم - يتخللها من العزة والمشاعر العظيمة ما يُذهب كثيراً من أثرها على النفس حتى إنها باب لذهاب الهم والغم.

ثالثاً: القتل في سبيل الله - وهو أمنية يتمناها الكثير تحت التعذيب - يناله الإنسان بسهولة في الجهاد، وإذا فتحنا الحديث حول هذه النقطة لن ننتهي، فعلى الرغم من الفتنة الشديدة بالدماء والجماجم وتطاير الأشلاء إلا أن النفس البشرية تستطيع أن تتقبله لمدة طويلة بل تزداد حباً له وطلباً له على عكس فتنة السجون.

كذلك فتنة استعلاء الباطل وما يصاحبها من أذى كسجن وتعذيب تعالج جوانب محدودة في النفس البشرية كالكبر وككيفية دفع النفس لأن تذل في سبيل الله وكيفية تحويل النفس الرخوة إلى أن يصلب عودها، لكنّ طولَها أكثر مما ينبغي قد يؤدي إلى أن تنكسر عزة الإنسان خاصة إذا صاحبها إذلال شديد من الباطل المُستعلي يقابله جبن خالع من الأفراد الذين يحملون الحق وسلبية في تدبير المُعالجة بالسنن الصحيحة، بينما الجهاد يعالج جميع جوانب النفس: النفس عند النصر، والنفس عند الهزيمة، والنفس عند العُجب، والنفس عند الفتح والعلو، فهو يصوغ الشخصية المتكاملة، لذلك تجد قلة من الصحابة هم من مر بالفتنتين بينما معظم الصحابة مر فقط بفتنة الجهاد ؛ لأن مراحله تكفي في جملتها في صياغة الشخصية المؤمنة والفئة المؤمنة التي ستتحمل بعد ذلك أمانة الدماء والأعراض والأموال، دماء الناس وأعراض الناس وأموال الناس.

فالجهاد فتنة وفيه دواء هذه الفتنة يخيفك أعداء الله وتخيفهم، ويكفيك عزة أن تحمل سلاحك متحرراً من كل أغلال العبودية للباطل خاضعاً لأوامر الله وحده خالقك ورازقك.

الخلاصة: أن الابتلاء بالسجن والتعذيب والصبر لفترة تحت استعلاء الكفر وأهله والابتلاء بجهاد الكفر وأهله كلاهما مهم لتربية الجماعة المسلمة والفرد المسلم ولرفع المستوى الإيماني، إلا أن الابتلاء بالسجن لا ينبغي أن يُسعى إليه حتى ونحن نفعل ما يؤدي إليه حتماً كالصدع بالحق، فنحن نصدع بالحق ونسأل الله العافية، كذلك إذا حدث ينبغي ألا تطول مدته، بينما الابتلاء والفتنة بالجهاد وبارقة السيوف يؤمر بالسعي إليه، وهو ماضٍ إلى يوم القيامة فلا ضرر معتبر على النفس من أن تطول مدته.

وعندما قلت إنه لا ينبغي أن تطول فتنة استعلاء الباطل قصدت أن نسعى لمخرج جدي لنخرج منها، أي تعمل الحركة على أن تُخرج أفرادها منها ولا يقول مسلم يفهم دين الله فضلا عن من يستحق أن يكون قائد حركة أن يكون ذلك بكتم الدين أو تبديله ليرضى الباطل فيُخفف من ضغطه، نعم قد يجوز ذلك كاستثناء لفرد ونحو ذلك كعمار رضي الله عنه، أما أن تتحول الحركة كلها إلى مرحلة استثناء داخل الأحكام المكية التي هي في الأصل استثناء - أي استثناء داخل الاستثناء! - فذلك يدل على أنها حركة مريضة عاجزة أن تحمل أمانة هذا الدين وأكرم لها أن تحل نفسها وتُحلل أتباعها من أي بيعة أو عهود حتى يدخل المخلصون منهم في نصرة من يستطيع حمل أمانة هذا الدين بقوة.

هذا ما أردت أن أنبه له، وأرجو أن يتأمله القائمون على التربية في عالمنا الإسلامي.

وسبحان من كانت سنته الشرعية تتفق مع سنته القدرية وتتناغم معهما حركة الكون والحياة، والحمد لله رب العالمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 1:43 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

المقالة الثالثة : رجالنا وأفراد العدو تحت النار .

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبه ومن والاه، أما بعد:

في مشهد تكرر كثيراً في كل أرض قام بها جهاد في سبيل الله، هناك في جزيرة العرب حوصر أحد المجاهدين ومن معه بين عددٍ من سيارات ضباط وجند الطواغيت، فترجل من سيارته وتقدم دون أن يحتمي بأية سواتر وبدأ في رش جنود العدو الذين كانوا في المقدمة، علماً بأنهم كانوا أعداداً كبيرة، ولو أن أحدهم ثبت قليلاً وأطلق على الأخ المجاهد لأصابه في مقتل - لأنه كان مكشوفاً وبدون أية سواتر - لكنهم هربوا كالفئران، ومما له دلالات هامة أن الفرقة التي في المؤخرة عندما رأت ما حدث هربوا على الفور مع أن الأخ المجاهد لم يطلق عليهم ولا رصاصةً واحدة، والأمر لم ينته بعد ذلك، فقد تقدم الأخ وأصبح يطارد فلول الضباط والجنود!! وأخذ يلاحقهم برشاشه وهو مكشوف وهم بعضهم في السيارات وجميعهم يرتدي السترات الواقية!!، حكايات وقصص متواترة من عمق التأريخ بدأت يوم بدر وامتدت إلى كل معارك المجاهدين طالما استكملوا عدة الإيمان من صلاح النية والغاية والراية وتمام التوكل بعد الأخذ بالأسباب المستطاعة، يروي أحد الإخوة أنه قبل فتح خوست بأفغانستان وقد حاصرها المجاهدون مدة طويلة من الزمن انتظاراً لوصول بعض المدرعات - التي تحصل المجاهدون عليها غنيمة من معارك سابقة - لتساعدهم في فتح الحصن الذي تحصن فيه جند الروس، ولسان حالهم لن نغلب عندما تأتي هذه المدرعات، وعندما أتت المدرعات وبدأوا الهجوم أتت قذائف ودمرت المدرعات وفر المجاهدون وقتل منهم من قتل، ثم تجمعوا بعدها بفترة وحاصروا الحصن مرة أخرى وتوكلوا على الله فلم يعد لديهم مدرعات واقتحموا الحصن بأسلحتهم الخفيفة فقط، يقول الأخ وقد كان يرصد بالمنظار من فوق الجبل لقد رأيت نفس جند العدو الذين دمروا المدرعات من قبل يفرون لا يلوون على شيء تاركين أسلحتـهم الخفيفة والثقيلة، وفتحت خوسـت، كيف نزلت السكينة على المجاهدين وهم أضعف وكيف فر جند العدو وهم في موقع أفضـل .. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ  ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ .

يرجع بعض الأحبة ذلك إلى شجاعة المجاهدين وجبن أعداء الله، وقد يكون ذلك أحد الأسباب في مرات كثيرة، إلا أنه أحياناً يكون المجاهد يعلم من نفسه أن شجاعته غير كافية لمثل هذا الموقف المذكور أعلاه، وعلى الجانب الآخر قد يكون جند العدو ممن مروا من قبل بمعارك مع غير المجاهدين وثبت فيها أنهم يتمتعون بشجاعة فطرية، فماذا حدث عندما واجهوا المجاهدين ؟ لماذا شعروا بالرعب ؟ ولماذا وجد المجاهد نفسه قد نزل عليه من الثبات أضعاف أضعاف ما كان يتوقعه من نفسه ؟ كيف يجد أفراد العدو شللاً في الأطراف عند الرمي ولا تفسير له عند أهل الدنيا، كيف يضيق الأمر على الرامي من المجاهدين فيرمي باسم الله وهو شبه واثق أن وضعه لن يبلِّغه الهدف ولكنه يرمي مضطراً فيجد بعد ذلك رمايته قد استقرت في مقاتل جنود العدو ؟ بل أحياناً يكون مدى السلاح لا يبلغ الهدف نظرياً لبعد المسافة، كيف ينتصر المشركون في معركة من المعارك وعندهم القدرة على الاستمرار لتصفية بقايا المؤمنين ثم يصرفهم الله ليبتلي المؤمنين هل سيثبتون على أمر الله بعد ذلك أم سينقلبون على أعقابهم ؟ كيف أن موازين الصراع تتغير بما لا يد للمجاهدين فيه ماداموا قد استفرغوا الوسع ونفذوا أوامر الله الشرعية والكونية ؟ حتى أنها لحظة واحدة فارقة بين وضع الصحابة خلف الخندق - وأحدهم لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وقد بلغت القلوب الحناجر وظن البعض بالله الظنونا - لحظة واحدة بين ذلك وبين إرسال الله الريح على جانب المشركين تطفئ نارهم وتقلب قدورهم فقط فعلت الريح ذلك، ولكن الأهم وَجَدَ قادة المشركين أن جندهم قد انهارت إرادتهم القتالية ولا يريدون الاستمرار أكثر من ذلك، فاتخذوا القرار بالعودة بالجيش وانقلبت موازين الأحزاب وتركوا حلفائهم من حقراء الخونة وقد أكل الرعب قلوبهم غنيمة باردة للمؤمنين لحظة واحدة بين كل ذلك وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الآن نغزوهم ولا يغزونا " لذلك نحن نبشر المجاهدين في العراق ما داموا ثابتين لم يبدلوا أن تلك اللحظة آتية حتى لو وصل بهم الحال إلى الزلزلة بل لعلها لا تأتي إلا عند الزلزلة عندما يقول المؤمنون من أعماق قلوبهم: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، قد يتخذ العدو هذا القرار لأي سبب والأسباب كثيرة بسبب عملية أخرى كذبح الأمريكي أو فضيحة جديدة كفضيحة أبي غريب أو آية جديدة كآية ما حدث في الفلوجة أعزها الله عندما حاصر أعظمُ جيش في العالم بما يمتلك من أسلحة فتاكة وتكنولوجية متطورة وغطاء جوي مكثف مدينةً صغيرةً لا يملك المجاهدون فيها إلا الأسلحة الخفيفة والتي حتى لا تقارن بالأسلحة الخفيفة للعدو، هذه لحظة آتية يا مجاهدي العـراق - بإذن الله - فقط الثبات الثبات، فقط عليكم عند حدوث ذلك بإذن الله أن تتحضروا لشكر هذه المنة والنعمة، وشكرها بأن لا يكون هناك وقت للراحة فلا يصلين أحدكم العصر إلا عند حصون الخونة في دياركم وتأكدوا أن الرعب الذي سيكون في قلوبهم وقتها عند انسحاب إلههم [أمريكا] لا يُوصف فعليكم أن تفعلوا بهم وبوزراء حكومتهم العميلة وبجند شرطتهم ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة ولا تستمعوا وقتها إلا لمثل رأي سعد بن معاذ رضي الله عنه فلنعم الرأي ذلك الرأي، ولا تلتفتوا للرأي القائل وقتها [أمريكا والحلفاء والأحزاب لم يذهبوا أو سيعودون مرة أخرى] فإنما هؤلاء سيكونون الذين خذلوكم أول مرة ووقفوا يتفرجون عليكم  يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا  فالأحزاب عندما يخرجون في مثل هذه الظروف لا يرجعون، ثقوا من ذلك، أسأل الله أن يمن عليكم بذلك اليوم ويمكنكم من هؤلاء الخونة وممن وراءهم ممن دعموهم من أقزام وحكومات دول الجوار.

قلت: والشواهد المتواترة كثيرة بقرب حدوث ذلك الأمر بإذن الله، وها نحن نسمع ما يروى عن بكاء وصياح جندهم حتى يبلغ صوتهم أعلى من صوت قرقعة القتال!! وعن غبائهم حتى أن المجاهدين يضربونهم من موقع واحد لعدة مرات، أما عن انخلاع قلوبهم وأنانيتهم فيحدث المجاهدون أنه عند ضرب سيارة من رتل سياراتهم العسكرية فإن من ينجو منهم يلوذ بالفرار دون أن يأبه لما أصاب أفراد تلك السيارة، ولا شك عندي أن الجندي منهم عندما أتى من بلاده كان يتمتع بالذكاء والشجاعة وكل ما يظن أنه سينجده عندما يحارب المجاهدين الصادقين .

ألم نفطن بعد إلى أن الله هو الذي بيده نواصي العباد وبين إصبعيه قلوبهم يقلبها كيف يشاء، وإذا شاء أعمى أبصارهم وشل أيديهم وخيب رميهم، وأنه يحفظ بحفظه المؤمنين ويدافع عن الذين آمنوا فماذا يملك العدو من ذلك أو تجاه ذلك، بل إذا شاء جعل قلوبهم مع المؤمنين، أما عن الآيات العديدة الأخرى فها نحن رأينا وسمعنا عن العناكب الضخمة التي تهاجم جند الأمريكان وحلفائهم في العراق ونشرت في قلوبهم الرعب، والبعوض الذي يلسعهم ويتورم الجلد ويتساقط ولا علاج له، وجاءت الروايات في صحف الكفار بكتائب مثل الأشباح تقاتل أثناء قتال المجاهدين ولا تصيبها أسلحة الأمريكان المتطورة ولله الحمد والمنة.

إنَّ من تابع عشرات التقارير الإخبارية التي تناقلتها الصحف والقنوات الإعلامية في الغرب والتي تنقل مثل هذه الأخبار والقصص يستطيع أن يتحسب ويدرك أثر تلك القصص بتفاصيلها المتشعبة على الغرب [شعوب وجنود العدو].

إن مثل تلك الآيات ومن قبلها غزوة نيويورك وواشنطن وما بينهما من الآيات تدخل أخبارها الآن كل بيت من بيوت الكافرين لا تترك بيت مدر ولا وبر إلا دخلتـه لتمهد الطريق بإذن الله لمرحلة فاصلة من مراحل جهاد المؤمنين في العصر الحاضر، تلك المرحلة التي يدرك فيها العدو ويستيقن أنه يحارب الله ولن تعجب وقتها عندما ترى بعض من فيه خير وعقل من رجال وشباب جيوش الكفار الأصليين ومن رجال وشباب جيوش الردة ينضمون إلى قافلة الجهاد وكيف نعجب وقد حدثتنا كتب التأريخ عن انضمام العديد من قادة جيوش الصليبين لجيش صلاح الدين لما رأوا مثل تلك الآيات وهذا خالد بن الوليد عندما كان قائداً من أكبر قواد جيش الكفار يذهب بعد غزوة الأحزاب إلى المدينة فيلقى في الطريق قائداً آخر يسير إلى نفس الوجهة وهو عمرو بن العاص فيقول له إلى أين تذهب فيجيب: ( لقد اتضح الميسم.. وبان الطريق.. ما رأينا من أمر هؤلاء القوم وعون الله لهم وصبرهم إلا آيات شاهدة تثبت أن هؤلاء يحملون دين الله خالق السماوات حقيقة ).

لا تعجبوا إخواني فذلك سمة وهدف وبرهان في منهاجنا الرباني وطريقنا الدعوي والجهادي أن أعدى أعداء هذا الدين يمكن بقدرة الله الذي بيده نواصي وقلوب العباد وتدبيره للمؤمنين أن يتحولوا في لحظات إلى أتباع مخلصين له يريقون دماءهم في سبيله ويسبقون إلى الجنان الآلاف المؤلفة من شباب الحركات الإسلامية باردي التدين الذين عاشوا السنين الطوال بين المسلمين عيشاً كعيشة المخلفين من الأعراب نسأل الله العفو والعافية والمغفرة والتوبة لنا جميعا.

لا تعجبوا إخواني فعندما شج الكفار وجه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد قال: لن يفلح قوم شجوا وجه نبيهم فأنزل الله عليه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة  لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ  ويقول الله عز وجل  إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ .

يا الله.. فتنوا المؤمنين ويمكن أن تكون لهم توبة وحياة جديدة!!..

إنَّ ما قدمته أجيال المجاهدين من الهجرة والجهاد وترك الديار والمنافع والمصالح الدنيوية وإراقة دمائهم وهلاك نفوسهم في الجهاد وما لاقوه من أهوال لن يذهب هباء وسيعمل أثره ولو بعد حين.
فهذا عكرمة بن أبي جهل وسفيان بن حرب يحدث أحدهما الآخر بعد إسلامهما مباشرة: ( لقد سَبَقَنا القوم، لقد عُذِّب وقُتِل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا وتركوا الديار والأهل وقدموا الأنفس والأموال والتضحيات الجسام فما بالنا نحن ) فكانت الإجابة: ( قم لننهض نقاتل أهل الكفر لعل الله يرزقنا الشهادة فيغفر لنا ويرفع درجاتنا ) فسبحان الله فهذه التضحيات والأهوال التي واجهت المجاهدين والمؤمنين لها مردود على الأجيال التي ستدخل الإسلام في المراحل القادمة بإذن الله، ولها مردود آخر وهو أن الله أذن لها أن تقع حتى يبلغ العدو من الإجرام ما يستحق أن ينزل الله به عليه العذاب كاملاً غير منقوص، فبالأمس يهبط الروس بمروحياتهم على قرية أفغانية رجالها في الجبال يجاهدون ولا يوجد بالقرية إلا الشيوخ والنساء والأطفال فقتلوا الشيوخ والأطفال وأركبوا النساء الطائرات وجردوهن من ملابسهن وألقوا بهن أحياء من الطائرات وعندما عاد المجاهدون خلعوا ملابسهم ليغطوا نساءهم وأخواتهم وأمهاتهم ورفعوا أكف الدعاء على الروس وبعد برهة قصيرة محق الله منهم الخلق الكثير في كارثة تشرنوبل ومكن الله المجاهدين من أن يكونوا أحد الأسباب الرئيسية في تمزيق الاتحاد السوفيتي شر ممزق، وتابت جيوش من المرتدين من بلاد الاتحاد السوفيتي السابق والتحقوا بقافلة الجهاد في طاجيكستان والشيشان وأبخازيا وغيرها بل في روسيا نفسها حتى أننا في الشيشان رأينا جنرالاً روسياً من أصل شيشاني كجوهر دوداييف يقود الجهاد ضد أشرس جيش في العالم ولا يبالي ملقياً رتبته ومركزه، كيف جاء أمثال هؤلاء ؟

أليس لما رأوا نماذج الصابرين أمامهم وثباتهم أمام أكبر ترسانة أسلحة في العالم، وآيات الرحمن التي تتنزل عليهم وحقيقة القوى العظمى المزعومة.

نعم إنَّ من جوانب أحداث الأعوام الأخيرة أن يمحص الله الذين آمنوا ويظهر ثباتهم وصدق إيمانهم للناس ويمحق الكافرين ويتوب على من شاء منهم ويرينا آية ودليلاً على أن بيده وحده قلوب ونواصي العباد.

إنَّ الموازين بإذن الله ستتغير بمعدلات لا يصدقها العقل، فسيفر جنود العدو من أمامنا ولن يرغب أحد منهم في مواجهتنا بل سنرى أخيارهم ينضمون إلينا بإذن الله، فقط إذا أدركنا مفاتيح القلوب والعقول بما علمنا الله سبحانه وتعالى.

تلك المرحلة التي نأمل أن نكون على أبوابها يجب أن نستمر في التمهيد لها بما أمرنا الله، كما جاء في الحديث القدسي الذي في صحيح مسلم ".. إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا " وقال صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث: " وإن الله أمرني أن أحرق قريشاً فقلت رب إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة " - كأنه يقول عليه الصلاة والسلام: يا رب، إني ضعيف ومن حولي لا يقدرون على أن يدفعوا عني ذلك - قال عز وجل: " استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نُغْزِك وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك.. ".

إن الشرط والطريق الذي يجب أن نسلكه حتى نصل إلى تلك المرحلة وما يليها من أن نعيد القطعان الضالة من الكافرين إلى فطرتهم التي اجتالتها الشياطين بما يهيجون من غبار وشبهات وشهوات حتى يمنعوا الكافرين من رؤية الآيات في الكون وفي أنفسهم.. أقول: إن الطريق أن نعمل على أن نحرق على الكافرين ديارهم وبلادهم وأن نقاتل بمن أطاع الله من عصاه فإما أن يُمحقوا ويريح الله الأرض والبشرية منهم أو يسوق الله لهم الآيات والحجج لهدايتهم، وهي أحب إلينا كما حدث مع قريش.

ولن تأتي الآيات كاملة إلا إذا دفعنا بالمؤمنين في أتون المعركة (.. اغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك.. ).

فأي تباطؤ أو تراجع أو مراجعات في ذلك الأمر خاصة أو ضن بالشباب الذين يتعين عليهم ذلك سينقص مقابله خمسة أضعافه من الملائكة وما يصحبها من الآيات الربانية.

إنَّ الدعوة بجهودها التقليدية لن تؤتي ثمارها المرجوة إلا إذا صاحبتها آيات وحجج ونماذج بشرية معاصرة تثبت المؤمنين وتلفت أعين الكافرين ولن تظهر تلك الآيات إلا إذا كان طريقنا الدعوي على منهج الصحاب الكرام وديدنهم الذي غلب على أعمالهم وهو الجهاد فبينما كان الدعاة معروفين بالاسم مثل مصعب بن عمير ومعاذ بن جبل وغيرهم من القراء رضي الله عنهم أجمعين كان أكثر الصحابة دعاة مقاتلين، بل حتى هؤلاء الذين تخصصوا في الدعوة كانوا مقاتلين شهداء.

ما أريد أن أقوله من هذه المقالة:

إنَّنا في ساحة المعركة الكبرى التي نتربص فيها بالعدو ويتربص بنا فيها العدو، وفي ساحة المعارك الصغرى عندما ترتفع قعقعة القنابل وهدير الرصاص عندما يدنو الموت من الرؤوس - عندما يحدث ذلك - تنقشع الغمامة عن الأعين وينكشف الغطاء، أما من يرجو لقاء ربه فلا يعبأ بها ولسان حاله يقول ( مرحى بهذا الهول يا مرحى إن كان فيما يرضيك يا مولانا ) أما من لا يرجو لقاء ربه فهي لحظة الحقيقة فإما يهلك، أو أن ينجيه الله فيجب أن نستغل حالته قبل أن تبرد حرارة اللحظة من جسده وعقله - ولعلها في عقله تكون ممتدة لفترة طويلة - إننا في هذه الأجواء الساخنة التي تمر بالعالم في أجواء المعركة الكبرى وبعد المعارك والعمليات الصغرى يجب أن نكثف خطابنا للبشرية لندعوها لوقفة تأمل لحقيقة الصراع، ولنوقن أننا إذا فعلنا ذلك بأن زدنا نار المعركة وكثفنا خطابنا أثناءها.

( طريقة مباشرة وغير مباشرة ) أقول: إذا فعلنا ذلك فلنوقن أن الموازين ستتغير بمعدلات لا يصدقها العقل، وكل ذلك ليس أوهاماً حالمة وإنما قصص تكررت على مدار الزمان حدثت مع كل فئة مؤمنة أيقنت بموعود الله وتوكلت على ربها حق التوكل طالبة منه المغفرة وتثبيت الأقدام.

أسأل الله أن يتوب علينا ويغفر لنا خطايانا ويثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعته ويُذل فيه أهل معصيته ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن
المنكر، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 1:52 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

المقالة الرابعة : السنن الكونية بين الأخيار والأغيار.

{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

ذكـرت في مقال قديم أن حقيقة المنهج السلمي الذي عليه جماعات كف الأيدي إنما هو مأخوذ من المنهج المعروف بمنهج غاندي، بل لقد صرح بعض مفكري هذه الجماعات بذلك محاولاً الإيحاء أن منهج غاندي نموذج معاصر لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرحلة المكية، تعالى دين الله عن إفك وبهتان هؤلاء.

علَّق أحد أدعياء الفهم نافياً أن تياره الإصلاحي يتشبه بغاندي قائلاً: ( أنه يمكن أن يتهم الحركات المجاهدة بالمقابل أنها على منهج مشابه لمنهج الجيش الأحمر الايرلندي ..!! لأن هذا الجيش يتبنى المقاومة المسلحة..!! ).

قد يستغرب هذا الدعي وكثير من القراء أن الرد عليه أن كلامه عن الحركـات المجاهدة صحيح بقدر ما!! مع بعض التحفظات.

وحتى نحل الإشكال الذي يظهر من هذه الإجابة كان هذا المقال:

بداية كان المقال المشار إليه يهدف إلى تبيين أن حركات كف الأيدي باتباعها منهج غاندي قد اتبعت منهجاً مخالفاً للسنن الكونية ولن يحقق الأهداف التي يسعون إليها، وأن منهج غاندي المخالف للسنن ليس هو ما أسلم له ولحزبه مقادير الأمور في دولة الهند ودفع عنه غائلة الإنجليز، والحقيقة أنَّ السنة التي دفعت الإنجليز أن يسلموا مقادير الأمور لغاندي كانت الجهاد الذي قام به المسلمون بالهند والمقاومة المسلحة التي قامت بها بعض الطوائف الأخرى التي قامت بإنهاك الإنجليز قرابة قرنين من المقاومة المتواصلة والتي كانت كلما خبت عادت أشد بدون يأس حتى نفد صبر الإنجليز، مما دفعهم للقيام بتسليم مقاليد البلاد بطريقة سلمية لرجل له شهرة بطبيعة شخصيته، تحفظ لهم مصالحهم بعد ترك الهند وتؤمن عدم قيام دولة مسلمة في هذه البلاد هذا على أحد التفسيرين لما حدث وعلى التفسير الآخر أن ذلك حلقة من مسلسل الخروج من المستعمرات وتسليمها لحركات عميلة سواء في قيادتها أو في الملتفين حول القيادة، وترجيح أحد التفسيرين يطول شرحه ويخرجنا عن موضوعنا.

لذلك أهل العقل الصحيح مجمعون وعلى يقين أن حركة غاندي لم تخرق السنن ولم يظهر من خلالها سنة جديدة لم تعرفها البشرية، وأن قيام الدول والتمكين لا يكون إلاَّ من خلال القوة وسُنَّة التدافع، حتى الدول الديمقراطية قامت بعد حروب أكلت الأخضر واليابس، حتّى تمّ غلبة أحد الفريقين على الآخر، فتواضع المنتصرون على هذا الشَّكل من النّظام السياسي، وهذه الصورة من الحياة.

السُنَّة التي مكَّنت من قيام الدولة الإسلامية في المدينة هم الأنصار المسلحون من الأوس والخزرج الذين حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إيجادهم طوال فترة وجوده بمكة ليبدأ بهم مرحلة التمكين حتى لو تطلب الأمر ترك الديار والأهل والمال لأنه يعلم أن الأنصار المسلحين هم من سيأتون بالمساجد والديار والأهل والمال وجميع المكتسبات، وأوضح من ذلك دخول الكثرة في الإسلام واتساع الدولة حدث بعد الفتح والنصر تبعاً لسنن كونية لا تنخرم، بينما منهج جماعات كف الأيدي يتجنب جمع الأنصار المسلحين بحجة أن ذلك سيؤلب عليهم الأنظمة الطاغوتية مما يعرض مكتسبات دعوتهم للخطر زعموا!!، ويتجنب الهجرة إلى بلاد أو أراضٍ أو جبال بها أنصار وتؤمن التدريب على الجهاد حتى لا يُتهموا أنهم يسعون لتقويض دولة الطواغيت!! وتحت حجة أنهم لا يريدون أن يفرغوا الديار من الدعاة - زعموا -، وهم بذلك خالفوا السنة الشرعية بالمرحلة المكية التي هي سنة كونية أيضاً، وسهلوا على الطاغوت أن يقوم كل فترة - بدون عناء - بحصد تلك المكتسبات الدعوية متبعاً سياسته المعروفة [سياسة خلع الأنياب] تاركاً جماعات كف الأيدي تدور في حلقة مفرغة سوداء مظلمة لتبدأ من نقطة البداية من جديد وأحياناً من خلف نقطة البداية وأحياناً لا تستطيع المعاودة ولنا في تونس عبرة.

لقد وقفت كثير من الحركات الإسلامية التي نشأت بعد سقوط الخلافة طويلاً أمام الإجابة على سؤال: ما هي الطريق الشرعية لإحياء دولة الإسلام ؟ وقد أخذ هذا السؤال شوطاً بعيداً من الوقت والجهد للوصول إلى الجواب الصحيح، أو لتحديد معالمه خاصة في وجود أسئلة أخرى عجزوا عن الإجابة الواضحة عليها سواء في توصيف الواقع أو حكم الله فيه.

ومن يتأمل في الأمر يجد أن دولة الخلافة سقطت، والدول الاستعمارية كانت منهكةً من كثرة المقاومة التي كان كثير من فصائلها حركات إسلامية، لكن للأسف أكثر هذه الحركات لم تتوصل للإجابة الواضحة على كثير من التساؤلات الهامة التي كانت الإجابة عليها ستجعلهم يقفون الموقف الشرعي الصحيح المتفق بالتأكيد مع السنن الكونية، مما كان سيمكنهم من تغيير الواقع طال الزمن أو قصر، فقط على الأقل كانوا بالإجابة الصحيحة سيضعون أنفسهم على أول الطريق المستقيم الصحيح بدلاً من هذه الحلقة المفرغة التي وضعتهم فيها الوساوس الشيطانية التي تملأ عقولهم.

عند سقوط الخلافة كانت جميع الأحزاب اليسارية واليمينية في مجتمعاتنا في طور النشوء، إلا أنَّ هذه الأحزاب وخصوصاً اليساريّة شدّت الخطى وسعت بتقدّم ناجح نحو أهدافها في بناء دولهم ومجتمعاتهم بينما كان المسلمون في تنظيماتهم يتناظرون فيما بينهم على الطريقة النبويّة في إقامة دولة الإسلام، وهو أمر مشين معيب، وعلى الرغم من أن أهل الإسلام كانوا يملكون الرصيد الأكبر لتحصيل الغلبة في امتلاك الدولة، لكن بكلّ سهولة ويسر تحوّل مَن لا يملك الرَّصيد إلى حاكمِ دولةٍ ومن يملكُ الرصيد إلى مُهاجر مُطارد لا يملك مترَ أرض يموت فيه مرتاحاً.

لقد بنى النّاس دولهم وأقاموا لها الأساسات والعُمُد ووثّقوا أركانها وجَنَوا خيراتها وربّوا الأمّة على ما
يريدون، وكسبوا مواقع متقدّمة، وما زال أهل الإسلام يتناظرون ويتشاجرون حول الطّريقة المثلى لإقامة الدّولة الإسلاميّة ؟!! وكلّ المتناظرين يزعمون أنّ دليلهم فيما يقولون من إقامة الدّولة الإسلاميّة مشتقّ من الطّريقة النّبويّة.

وللأسف ما زال بعض الناس يظنُّ أن هذه الطريقة تحتاج إلى مزيد من الكشف والدراسة، ومازال الكثير من أهل الدين يجمع الناس ليحدّثهم عن الطريقة المُثلى في إسقاط الطواغيت، أو الطريقة المثلى في إحياء دولة الخلافة.

الإخوان المسلمون في مصر أيام حسن البنا بلغ تعداد جماعتهم قرابة المليون كما تقول الروايات، في بلد تعداد سكانه وقتها حوالي عشرين مليون، أما تنظيمهم الخاص [العسكري] فقد كان يشتمل على جهاز مخابرات أقوى من جهاز مخابرات الحكومة المصرية حتى أنهم رصدوا مجموعات الشباب للأحزاب الأخرى التي كانت تتدرب للقيام باغتيالات للإنجليز وأعوانهم من الحكومة المصرية، بينما مخابرات فاروق لم تكن تدري شيئاً عن ذلك، وليرجع القراء إلى كتاب [النقاط فوق الحروف] لأحمد عادل كمال، وهو واحد من أبرز أعضاء الجهاز الخاص للإخوان في الأربعينات والخمسينات، ويشرح فيه أحمد عادل كمال بكل صراحة مدى التخبط المنهجي والخلل الذي أضاع منهم الفرصة وقتها، وقد بين فيه أن جمال عبد الناصر كان يعتمد على تنظيم أضعف بكثير من تنظيم الإخوان بل كان دعم الإخوان له قبل وبعد الثورة عامل نجدة له في السنوات الأولى للثورة، بالطبع الإخوان وقتها أخذوا جانباً غير مكتمل من سنة المدافعة ولكن حرفوا مسارها وأهدافها، ثم بعد ذلك تنكروا لها بالكلية، ونبذوها وراء ظهورهم مع أن الجزء الذي أخذوه وقتها من هذه السنة كان تقريباً الشيء الوحيد المستقيم في منهجهم.

لقد كان الشيخ الطنطاوي - غفر الله لنا وله - يستطيع أن يحرّك دمشق كلّها بخطبة واحدة من خطبه، وكان يستطيع أن يحشد أهل دمشق إلى أيّ قضيّة يريد، بالرغم أن عدو الله ميشيل عفلق - أحد مؤسسي حزب البعث - لم يكن يستطيع أن يجمع حوله مائة شخص من أجل تنظيم مظاهرة أو درس، بل لم يكن يستطيع البعثيّون والشّيوعيّون أن يكسبوا أصوات الجهلة في قرى سوريا حتّى يضعوا أمام أسمائهم لقب شيخ أو حاج.

المسلم المهتدي معه توفيق الله تعالى وبالتّالي هو أقرب إلى تحصيل أهدافه من الكفّار، ومن أسماء الشرع عندنا: الهداية، ومعناها البصيرة في إدراك المطلوب، فبالتّالي ما هو شرعيّ أقرب إلى غيره في الوصول إلى الهدف فمُمْتَثِل الطّريقة الشّرعيّة أقرب من العاصي في إدراك المراد.
لماذا حتى الآن لم يسأل المشايخ أنفسهم: لماذا وصل الكافر إلى هدفه وجنى المسلم ضدّ مراده ؟ لماذا بنى البعثيّون دولتين وشيوخ الإسلام لم يجدوا مأوى لهم ؟ مع أنّ كلّ أدوات المعركة كانت بين أيدي المسلمين ومشايخهم كما قدّمنا وكان القليل منها بيدِ أعدائهم خلافاً لواقعنا الآن.

أليس هذا السؤال يوجب عليّ وعلى كلّ عاقلٍ -لم يؤجّر عقله لغيره - أن يعتقد أنّ ما قاله المشايخ عن الطريقة النبويّة في إقامة الدولة الإسلاميّة هو خطأ على الطريقة النبويّة، وليس خطأ من الطريقة النبويّة ؟

إنَّ الطريقة النَّبوية هي عينها الطريقة الكونيّة في إقامة الدُّول إلاّ أنّ الخطاب الشرعي لا يَثبُت إلاّ بدليلٍ شرعي، وبالتّالي فإنّ مِن الخطأ الشّنيع أن يظنّ أحدٌ أنّ السّيرة النّبويّة لها نظام خاصٌّ وقواعد مستقلّة خارج نظام وقواعد وسنن التّغيير السّننيّ في البشر جميعاً، وهذا فيه ردٌّ على أولئك الذين يجعلون الطّريقة النّبويّة طريقة خاصّة لا يعرفها إلاّ أهل الإسلام في إقامة الدّولة.

إنَّ الطريقة الكونيّة التي يسلكها عقلاء البشر في بناء دَولتهم هي عينها الطريقة النبويّة في إقامة الدولة الإسلاميّة، لأنّ الدَّولة شيءٌ وجوديٌّ كونيٌّ واسمها يُطلق على شيء واحد عند البشر جميعاً ولكن المضاف إلى هذه الدولة هي الأحكام والقِيَم التي تحكم بها هذه الدولة، فهذه دولة إسلاميّة لأنها تحكم بالإسلام وقِيَمُها مستمدّة من الإسلام، وهذه دولة شيوعيّة لأنها تحكم بالقيم الشيوعية، وهذه دولة بعثية لأنها تحكم بقيم حزب البعث، ولكن اسم الدولة مشترك بينها جميعاً وهو يُطلق على شيءٍ وجودي واحد، والشيء الوجودي [السُنَّة القدريَّة] شيء جامع للبشر جميعاً بغضِّ النظر عن دينه وقيمه.

من الممكن أن أدلل على ما جاء بالمقال بكلام لعلماء السلف كابن القيم وابن تيمية، ولكن ما فائدة ذلك إذا كان القوم عقولهم لا تدرك ذلك بدون أقوال هؤلاء الأعلام.

من مجمل ما سبق يتضح للقارئ كيف أني عقبت على كلام المعترض على المقال السابق أن كلامه صحيح بقدر ما، ولكني ذكرت أن هناك بعض التحفظات منها:

- أن أهداف الأغيار قد يختلط فيها أهداف مشروعة في ديننا وأهداف غير مشروعة ومن ثم تكون السنن الكونية التي تحقق لهم أهدافهم مختلطة بما هو جائز وما هو غير جائز.

وذلك لأن كل السنن الشرعية والوسائل المشروعة أو المأمور بها شرعاً لتحقيق هدف ما ؛ هي أنجع السنن الكونية لتحقيق ذلك الهدف ضرورة لأن الله أكمل لنا الدين وأنزله لنا يهدي للتي هي أقوم، بينما القدر الكوني لا يلزم أن يكون شرعياً، فإن السرقة تحصل بها على المال إلا أنها غير مشروعة.

للأغيار أهداف تشابه الأهداف المشروعة للمؤمنين وأهداف مغايرة، فمثلاً هدفهم إقامة دولة لكن مثلاً تجد العزة فيها لعنصر طائفي معين، أما المؤمنون فالناس عندهم سواسية والدولة عندهم من أهدافها رحمة جميع الخلائق، لتؤمن فيها الدعوة لهداية البشرية التي أضلها الشيطان، وعدم إهدار أموال وإزهاق أنفس بدون داعي، لذلك حتى تتحقق لهم أهدافهم تحتاج لما ينال بها من أسبـاب كونية،فأخذهم بالقتال كسبب كوني يحيطونه بأسباب أخرى كونية - وهي شرعية بالطبع - تحقق مجموع أهدافهم، فهم يتجنبون تقصد الأطفال والنساء ما دام لا توجد مصلحة شرعية أكبر في استهدافهم - كردع العدو على القيام بمثل ذلك في مذهب بعض أهل العلم -، وهم لا يتقصدون العدو لعنصره وجنسيته فمن تاب من العدو وأصلح يأخذ بعمله مكانة في الدنيا والآخرة أكبر من المؤمن السابق، ما دام عمله أفضل.

بينما الأغيار قد لا يراعون هذه الضوابط إلا لحاجتهم لأهداف أخرى أو أهداف تشابه أهداف أهل الإيمان.

كذلك الأغيار لا مانع عندهم من الاتحاد الكامل مع من يخالفهم كلياً في اعتقادهم ضد عدو مشترك، في حين أن من أهداف أهل الإيمان صفاء المبدأ والعقيدة عن الخلط والفساد، فلا يعملون بهذه السنة في هذه الصورة، ولهذه النقطة الأخيرة درجات وتفصيل.

كذلك انتصار المبدأ والأجر الأخروي مقدم على المصالح المادية عند المؤمنين، لذلك فقد يستمرون في المعركة على الرغم من تحقق الهزيمة رغبة في نيل الشهادة أو عدم الرضوخ أمام الأعداء، بينما الأغيار قد يرضخون أمام الأعداء لتحقيق هدف معين، أو لتحصيل بعض المصالح المادية أفضل من لا شيء.

أهم ما نريد أن نخرج به من هذه التحفظات:

(1) أن أخْذَنا بالأسباب الكونية ينبغي أن يتحدد طبقاً للأهداف الشرعية التي نسعى إليها، فلا يحدث منا تجاوز، فعند استفادة الحركة المجاهدة من كتب الأغيار في فنون الحرب كحرب العصابات وغيرها من كتب فنون وأساليب الحروب والقتال ينبغي الحذر ومراعاة أنهم وضعوا في هذه الكتب أساليب يحققون بها أهداف تشابه أهدافنا الشرعية مع أهداف لا تشابه أهدافنا الشرعية.

الحمد لله انتشر في العقد الأخير في ظل الانترنت أبحاث كثيرة لأهل التوحيد تم فيها تنقية لكتب فنون الحرب عند الأغيار مما لا يجوز، إلا أن الأمر لا يسلم من احتمال الحاجة لاستعمال بعض كتب الأغيار عند تعذر الحصول على الكتب المنقحة لذا لزم التنويه، ولقد كانت الساحة في العقود السابقة مشحونة بكتب لبعض الجماعات تضفي - بالتدليس والخلط - الشرعية على أغلب المنهاج السياسي والعسكري للأغيار - خاصة السياسي - مدعية زوراً وبهتاناً أن ذلك من السياسة الشرعية النبوية، بينما الأبحاث المنضبطة وقتها كان من الصعب الحصول عليها، ونحن نحذر هنا أنَّ الكتب السياسية والأمنية والعسكرية التي وضعتها الحركات البدعية - كالإخوان - هي أكثر خطورة من كتب الأغيار من حيث كونها تخلط بين سطورها أدلة الكتاب والسنة ووقائع السيرة بعد تحريفها، بينما كتب الأغيار الكل يقرأها وهو يعلم أن واضعها كافر، إنَّ اختراق الفكر الإخواني للبنية الفكرية للجماعات الجهادية خطيرٌ ومدمر، وإذا كانت الجماعة دعوية جهادية كان التدمير أشد، خاصة أن في الكتابات القديمة لبعض رموز الإخوان دعوة للجهاد يظن القارئ لها أن كاتبها متأصل في الفهم، في حين أنهم يخلطون في المفاهيم وتقريباً لم ينج من ضلالاتهم - ممن انتسب إليهم - إلاَّ الشيخ عبد الله عزام - رحمه الله - وشرح ذلك يطول.

القصد: يجب أن نعتبر بما حصل في الجهاد الأفغاني الأول من حكمتيار هدانا الله وإياه وسياف ورباني، ولولا خشية الإطالة لنقلت كيف أن الأصول التي تربى عليها هؤلاء كانت الكتابات الإخوانية المنحرفة، مع عدم المقدرة على التمحيص خاصة لكون أصولهم أعجمية، لذلك قيل إذا أراد الله بأعجمي خيراً هداه إلى صاحب سنة.

(2) الأمر الثاني: الذي يجب أن نتنبه إليه - وهو مرتبط بالأمر الأول كذلك - وهو أن السياسة الشرعية عند أخذها بالسنن الكونية التي أخذ بها الأغيار أخذت بها في صورتها المثلى.

فمثلاً الحركات اليسارية تركز على أهمية المال وتضع له تأثيراً كبيراً في حركتها وحركة أعدائها، بل تعتبره أكبر دافع يحرك الصراع والمعارك بين البشر، أما السياسة الشرعية عندنا فهي لا تغفل دور المال وتأثيره على البشر لكن لا تجعله المحرك الوحيد أو الدافع الرئيسي للصراع خاصة بالنسبة للمؤمنين، والشرع يؤكد على أن حاجة نفس المؤمن للعبودية للخالق أكبر دافع ومحرك للصراع وأنَّ ذلك ما تمليه الفطرة السوية على أي إنسان لم تنتكس فطرته، كما يؤكد على دور المال في الصراع بما يتفق على حجمه الحقيقي، قد يكون عند أغلب قادة الأعداء وكثير من الجند والأتباع محرك أساسي، لذلك كان الضغط الاقتصادي على الأعداء من السياسة الشرعية، إلاَّ أنه عند صف المؤمنين فالأمر مختلف فالسياسة الشرعية لا تغفل عن كون المال محركاً لبعض المؤلفة قلوبهم ومحركاً ثانوياً وتابعاً لبعض الصف المؤمن، إلاَّ أنه غير أساسي لتحريك القاعدة الصلبة من المؤمنين، كذلك الشرع يجعله عنصراً أساسياً كوقود للمعركة والصراع عند الطرفين، لذلك تجد الآية تشير إلى أن المال عصب المعركة وأن نضوب النفقة على المعارك والنفقات الضرورية العادية يؤدي إلى انفضاض من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاَّ أنَّه يطمئن المؤمنين أنه إذا انقطعت أسباب المنفقين على تكاليف المعركة والنفقات الضرورية للمؤمنين فإن لله خزائن السماوات والأرض، كل ذلك مع حث المؤمنين على النفقة في سبيل الله والتأكيد على أحكام شرعية تجعل موارد للمال كالزكاة والغنيمة ونحو ذلك.

نأخذ مثالاً آخراً لذلك الأمر ألا وهي السرية فنجد أن الشرع لم يغفل أهمية السرية كسبب كوني في الأمور العسكرية لكن لم ينس الشرع أننا في الأصل حركة هداية فعندما نغالي في الأخذ بالسرية نخرج من حيز حركات الهداية إلى حيز عصابات المافيا أو طرائق الحركات الباطنية، بل إن المبالغة في السرية بهذه الصورة المغرقة قد تعوق تنمية الكم بأن تجعل الحركة يمر عليها السنين الطوال ولم يتحصـل لها إلا أعداد هزيلة، وتعوق تنمية [الكيف] وقد بينت ما يتعلق بالـ [كيف] في خاتمة الدراسة التفصيلية، ولذلك وضع الشرع هذه السنة الكونية [السرية] بصورة مُثلى تناسب طبيعة الحركة والمنهاج الإسلامي.

ومن الأمثلة أيضا لهذا الأمر ما ذكرناه في خاتمة الدراسة التفصيلية فيما يخص الانقلاب العسكري، وبينا أنه قد ينجح كسبب كوني لقيام دولة الإسلام بصورة جزئية وذلك لأن عناصره ناقصة فينتج عنه نتائج ناقصة لا تلبث أن تنتكس، وهو حل يمكن القيام به كجزء مكمل لحركتنا لكن لا تُبنى عليه أساس الدولة الإسلامية كما حدث من العبد الصالح أبي فيروز الديلمي رضي الله عنه مع الأسود العنسي، نعم هو حل يأخذ بجانب من السنن وقد يقيم دولة للقائمين عليه كأفراد لكن يصعب استمرار هذه الدولة على صورة إسلامية متكاملة إلا إذا كان هذا الحل جزءاً من خطط وأعمال الحل السنني المتكامل الذي طرحته الدراسة المفصلة، فقد كانت حركة أبي فيروز الديلمي رضي الله عنه جزءاً من حركة الجماعة المسلمة ولم تكن عماد التحرك لها، مع ملاحظة أنه قد يكون حل سنني متكامل لحركة غير إسلامية هدفها فقط الوصول للحكم أما المنهج الإسلامي فله أهداف متعددة.

ومن الأمثلة أيضا للنقطة الأولى والثانية معاً: المؤسسات التي يتكون منها كيان الحركة أولاً وكيان الدولة ثانياً، من مؤسسات سياسية واقتصادية وعلمية فقهية وعلمية دنيوية، يدخل هذا الأمر في الواجبات التي يأمر بها الشرع تحت نصوص عامة وخاصة ولكن محاولة البعض للقفز بإقامة هذه المؤسسات قبل أوانها أو دون الطريقة الشرعية الكونية المثلى ومحاولة تقليد الأغيار كاليهود والشيعة الروافض والأحزاب السياسية الطاغوتية يؤدي حتماً إلى الوقوع في المخالفات، فاليهود يتقربون لأصحاب القوة والسلطان حتى لو كانوا يعتقدون بكفرهم، فهم يعتقدون بكفر النصارى ولكن بنوا مؤسساتهم قبل دولتهم بالتقرب لكل كافر يملك القوة والسلطان، لذلك أحيانا نقرأ لبعض الاتجاهات الإسلامية كلاماً يبين أهمية السنن الكونية ولكن عندما ننظر إلى التطبيق نجد الخلل واضحاً، فقد كتب حاكم المطيري أمين عام الحركة السلفية بالكويت مقالاً بموقع الإسلام اليوم ذكر فيه كيف أن تجاهل الجماعات الإسلامية للأخذ بسنة القوة والسعي الجدي للتمكين والحصول على السلطان أولاً يجعلها تدور في حلقة مفرغة، حتى أنه قال صراحة (.. لقد ضل أكثر علمائهم ودعاة الإصلاح فيهم عن هذه السنن الإلهية.. )، وقال: إن هذه الحركات استحالت أن تحصل على الكثرة ولو مر عليها آلاف السنين بدون سلطان، ولكن عند التطبيق نجد أن حركته تسعى للقوة عن طريق التقرب للطواغيت أهل القوة في بلده، بل للتقرب للأمريكان حيث صرح هو وقادة حركته أخيراً عندما اجتمعوا هذا العام بالسفير الأمريكي ووفد أمريكي مرافق: أن مشاريع الأمريكان في المنطقة فيها الخير الكثير!! فماذا اختلف هؤلاء عن طريقة اليهود أليس فقط الاختلاف الوحيد بينهم وبين اليهود هو دياثة اليهود باستخدامهم النساء للتقرب من أهل السلطان والقوة.

القصد: الإسلام يجعل بناء المؤسسات المشروعة بالقوة المشروعة التي تأتي عن طريق مشروع، مع ملاحظة أنَّ أيَّ عمل بنائي لمؤسسات أو غيرها يمكن تحصيله في مرحلة البدايات بدون قوة وسلطان لا يمنع الشرع من تحصيله مادام مشروعاً وموضوعاً في توقيته السنني الصحيح.

في النهاية نؤكد على أن الدّنيا دار سنن لا يجوز تركها أو معارضتها، فهي تطحن من وقف أمامها أو تلعّب بها أو تغاضى عنها بحجّة انشغاله بصلاح قلبه أو بأوراد ذكره وعبادته، فالسّنن الإلهيّة لا تُحابي أحداً ولا تتخلّف لأمنية رجلٍ كائناً من كان وهذا من تمام رحمة الله بعباده، والصحابة رضي الله عنهم خير مَن جَمَع الإتقان السننيّ للكونيّات والفَهمَ السّننيّ للشّرعيّات فاستحقّوا الولاية الدّينيّة والولاية الكونيّة، نسأل الله أن يجعلنا على هديهم ويلحقنا بهم إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 2:01 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

المقالة الخامسة: منهاجنا رحمة للعالمين .

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} .

الحمد لله والصلاة والسلام على الرحمة المهداة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي بعث بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده وجعل الذل والصغار على من خالف أمره وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:

فالمتأمل في هذا الدين الخاتم يجد أثر الرحمة في كل ما شرعه الله لعباده: العبادات - حتى التي فيها مشقة وتحتاج إلى صبر - لا يتذوقها عابد إلا وعلم مقدار ما فيها من رحمة تتدفق على جوانب مختلفة من حياة الفرد والمجتمع، أما المعاملات فقد شرع الله للبشرية منهاجاً للمعاملات والآداب بين البشر في المجتمع الواحد حتى أصغر وحدة فيه [الأسرة] وبين المجتمعات المتجاورة ما يشهد بربانية هذا الدين وكونه منزلاً من لدن رب عليم رحيم بعباده.

وقد يتعجب البعض عندما نقول إن عبادة الجهاد على الرغم مما يحف طريقها من الدماء والأشلاء والجماجم، وما تشمله شعائرها من قتل وقتال هي من أكثر الشرائع رحمة بالعباد، إن لم تكن أكثرها بالفعل، خاصة أن كثيراً من تفاصيل شعائرها في شرعنا قد اختص به نبينا عليه الصلاة والسلام وأتباعه مما يجعلها من أكثر ما يدخل في مفهوم الآية وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ .

أسئلة كثيرة نحتاج للتأمل في إجاباتها: لماذا جعل الشرع أهمية كبيرة لهذه العبادة ؟ حتى إنه جعلها ذروة سنام الإسلام، لماذا جعل تاركها حال الوجوب موسوماً بالنفاق ؟ بل من لم يحدث نفسه بها في الجملة على شعبة من النفاق، لماذا رغب الشارع فيـها بجعل الرزق الذي يأتي عن طريقها أشرف الأرزاق , حتى لا ينشغل عنها منشغل بتحصيل الضروري من الرزق ؟ لماذا هي رحمة للعالمين ؟

طرحنا هذه الأسئلة ليتأملها ويعقلها المؤمنون، وفي هذا المقال سنناقش السؤال الأخير، أقول وبالله التوفيق:

المعادون لهذه العبادة بتفاصيلها التي شرعها رب السماوات يتفاوتون ما بين غلاة وخبثاء وجهال، وإن كان الجهل يجمع بينهم جميعا، أما الغلاة فهم المتشددون والحمقى من الكفار الأصليين من يهود ونصارى وغيرهما الذين يتهمون الإسلام بكل شرائعه بالقسوة وعدم الرحمة وهؤلاء من حماقتهم يشتكي بنو قومهم، أما الخبثاء فهم من نفس الفئة السابقة والذين يقولون الإسلام دين الرحمة والسلام والجهاد تطرف وغلو!! وهو ليس من الإسلام في شيء، أما من يجمع بين الغلو والخبث والجهل والبلاهة - أو يحمل بعض ذلك - فهم بني جلدتنا ممن اتبع سنن من كانوا قبلنا ودخلوا معهم حتى جحر الضب، فمنهم من ارتد بالكلية كالأحزاب القومية والديمقراطية والبعثية، ومنهم غرق في الضلال من بعض الحركات الإسلامية السلمية، والمفارقة هنا أن الأحزاب المرتدة وإن أنكرت أن الجهاد الهجومي من شرعة الإسلام إلا أنها تقر وتدعو لجهاد الدفع على تفاوت بينها، بينما الحركات الإسلامية السلمية مع إقرارها النظري بالجهاد الهجومي والدفاعي فإنها تضع لهما من الشروط ما لم يتحقق منذ نزول الوحي، وغير ذلك عندهم منافٍ للرحمة يعين على الفساد!!
ما سنركز عليه هنا هو تبيين أن كل هذه الأصناف من كفار ومرتدين وضلال قد اتخذوا من المناهج ما جلب الشقاء على البشرية وأبعدها كل يوم عن الرحمة المهداة من رب العالمين، وأن المنهج الذي يصوره الشيطان في عقول البشرية أنه مليء بالقتل والدماء هو أكثر المناهج رحمة بالخلق، وأكثرها حقناً للدماء.

بداية: علينا أن نعلم أن خالق هذا الكون الهائل البديع لا يمكن إلا أن يكون له صفات الكمال وله الكمال في الصفات، فهو الخالق البارئ المصور وهو الرحمن الرحيم وهو المنتقم الجبار المتكبر، وأن جميع أقدار الله الشرعية والكونية هي مقتضيات أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.

ومن تمام رحمته بعباده أن يعلم عباده فوائد ما فرض عليهم من شرائع على لسان نبيهم، من خلال تجربة من سبقه من أنبياء لتظهر لهم حكمة الله في التشريع، ليشعر النبي وأتباعه أن هذا الفارق له ما يبرره من حكمة الله تعالى، فسبحانه في علاه يدعوهم إلى الحق بكل الصور التي تدفعهم للقبول والرضا، إذ لا يشرع سبحانه لعباده من أمرٍ إلا ويقطع لهم من الحقائق الكونية التي تثبت لنفوس البشر التواقة للمعرفة أن ما قاله وشرعه موافق لما خلقه وأبدعه، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق ُّ } .

لقد خلق الله الإنسان ومن عليه بالسمع والبصر وغير ذلك، وسخر له ما في الأرض ورزقه من الطيبات ثم بعد ذلك يكفر ويشرك به ويسفـك الدماء ويهلك الحرث والنسل وينتهك حرمات الله ويفسد في الأرض، ولأن رحمة الله - سبحانه وتعالى - سبقت غضبه فقد أرسل الرسل تنبه البشرية إلى ما فيه هدايتها وتحذرها من عاقبة الكفر والشرك بالله ومخالفة أمره وما فيها من فساد يعم الأرض ويضر بالبشر، وكل ذلك يؤدي إلى غضب الرب ونزول عقابه في الدنيا والآخرة لأنه رب حكيم منزه عن العبث فهو لم يخلق هذه الدنيا عبثاً، ولأنه رب حكم عدل منزه عن الظلم لن يترك الظالم يظلم ويفسد دون عقاب يرده عن فعله.

وعلى الرغم من رحمة الله بإرسال الأنبياء إلا أن أكثر الناس اتبعوا الشيطان وعاندوا الأنبياء، وقبل أن ينزل الله شرعة الجهاد أراد أن يُري البشر المصير دون جهاد حتى يروا تمام حكمة الشارع سبحانه وتعالى، فالمصير كان رهيباً: معاندة غبية من أغلب البشر واتباعٍ للشيطان حتى يضيق الأمر بالأنبياء عندما يرون أن الأمر يزداد سوءً يوما بعد يوم، وأن الكافر والمعاند لا يلد إلا ذرية يقوم بتربيتها على الكفر والمعاندة، فيلحق الجيل الجيل الذي بعده وهكذا الأجيال تفسد في الأرض وتنشر الكفر والفساد بين البشر، بل ويعمل هؤلاء على فتنة القلة المؤمنة سواء بضغط مباشر أو بفتنة علو الكفر وأهله في أعين القلة المستضعفة من المؤمنين، ويكون مصير الجميع أهل الكفر ومن فتن وانقلب من القلة المؤمنة الجحيم المؤبد في الآخرة، وهذا الضيـق من الأنبياء ليس عندهم في شرعهم ما يدفعه سوى أن يدعوا الله أن ينزل عذابه على الكافرين ولو كانوا بالملايين، فينزل الله عذاباً هائلاً يليق بجبروته وغضبه لانتهاك حرماته ومحاربة أوليائه، عذاب يحقق العدل الغائب ع1ن الأرض ولعذاب الآخرة أشد، مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا .

وكل هذا أيضا من تمام الرحمة بالبشرية في الدنيا وآخرة، أولاً: حتى لا يتسبب ترك الحبل لهؤلاء في إفساد الأرض وتدميرها بعد أن يعم الكفر والشرك والظلم البشرية، وثانياً: إنقاذاً من النار لأجيال قادمة ستأتي متأثرة بهذه الآية الربانية إلى أمد حتى يصيبها النسيان وينجح عدو الله وعدو بني آدم في إضلالهم مرة أخرى.

مع ملاحظة هامة أرجو التنبه لها: أن عذاب الله الدنيوي كان يعم أهل الشرك والكفر والظلم ومن لم ينههم من أهل الإيمان.

أما في هذه الرسالة الخاتمة فرسولنا عليه الصلاة والسلام أرسل رحمة للعالمين والشرائع التي نزلت عليه كلها أرحم بالبشر ومنها الجهاد في سبيل الله، فهو أرحم بالبشرية من أن ينزل عليها عذاب الله الهائل مباشرة، فشرع الله لهذه الأمة القيام بعذاب من يستحق العذاب بأيدي المؤمنين، مع نزول عذاب الله أحياناً لو تأخر أهل الإيمان أو تقاعسوا عن النهي والجهاد أو ينزل عذاب الله بصورة جزئية إعانة للمجاهدين خاصة في ظل ضعفهم كسنة من سنن الدعوات , قال تعالى  قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ  وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  وقال سبحانه:  قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ .
فجعل الله في السيف وقفاً للكافرين عند حدهم ومنعاً لتماديهم وهداية لبعضهم، بينما عذاب الله الذي كان ينزل في السابق كان لا يبقي إلا المؤمنين.

من أسياف المسلمين التي نزلت على من يستحقها رحمة بالبشرية:

سيفٌ على المشركين من العرب حتى يسلموا، قال تعالى فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .

وسيف على اليهود والنصارى والمشركين من غير العرب حتى يسلموا أو يسترقوا أو يقادوا بهم وهم من سبوا ربهم بنسبة الولد له أو أشركوا به، قال تعالى قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ .

فرحمة بمن خلفهم نزل السيف عليهم وحتى يعود منهم من قدر الله له الهداية..

وسيف نزل على الممتنعين ممن ينتسب للقبلة، وهؤلاء إذا عمت فتنتهم ألحقوا بالبشرية العذاب، فلنأخذ الربا كمثال: وهو كما يقول شيخ الإسلام آخر المحرمات ومعصية ترتكب برضا الطرفين، فما بالنا بالامتناع عن شرائع قد يرضاها طرف دون طرف، في هذا المثال عذاب شديد حتى قال أهل التفسير: إن أخوف آية نزلت في القرآن نزلت فيه، لأنها تهدد المؤمنين بالعذاب الذي أعد للكافرين قال تعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين َ لذلك نزل السيف على أهل البلد من المسلمين رحمة بهم إذا فعلوا هذه الكبيرة، وقد اتفق علماء الأمة على ذلك السيف، قال تعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ  قال أهل العلم تعليقاً على هذه الآية أن ذلك ليس فقط في من يستحل الربا بل وفي من فعله فقد اتفقت الأمة أن من يفعل المعصية يحارب كما لو اتفق أهل بلد على التعامل بالربا.

ومن الأسياف أيضا التي تلحق بالسيف السابق السيف على كل مرتد حاكم أو محكوم، علم هذا الدين ثم خرج منه يفتن المؤمنين وينشر الفساد والظلم في الأرض.

و مما يجلي - أكثر - المفاهيم والمعاني التي نريد أن نخرج بها من هذا المقال أن جميع أصناف المنكرين على أهل الإيمان العمل بالجهاد قد جروا على البشرية من القتل والدمار والفساد أكثر مما ينسبونه زوراً إلى أهل الجهاد أنه من نتائج الجهاد في حين أن حقيقته أنه من نتائج فسادهم وإفسادهم، تعالى شرع الله على أن يكون فيه شيء من الفساد، أقصد بأصناف المنكرين جميعهم من يهود ونصارى ومرتدين [القوميين والبعثيين والديمقراطيين] وكذلك من ضلال الحركات الإسلامية السلمية، وبيان ذلك كالتالي:

- أما اليهود والنصارى فقد ارتكبوا في القرن العشرين وحده من المذابح فيما بينهم، وعلى رقاب المسلمين ما لم يتم ارتكابه في تأريخ البشرية كلها، حتى أن أقسى الناس سيرة كالتتار لم يسفكوا من الدماء مثلهم، وقد أهدروا من أموال المسلمين وأموالهم - التي هي مال الله في الحقيقة - على ترويج الكفر والفسق والفجور بينما ملايين البشر تموت جوعاً ما لو تم تعداده في كتاب لما صدقته بعض العقول.

- أما القوميون والبعثيون والديمقراطيون فقد جروا على الأمة من إفساد الدين وهلاك النفوس ما تقشعر له الأبدان، فما قام به صدام والأسد ومبارك وفهد والحزب الاشتراكي باليمن وغيرهم في جانب هلاك النفوس فقط يفوق من قتل في جميع حروب المجاهدين في هذا القرن، مع الفارق أنهم أهلكوا الناس في سبيل الشيطان، وما دفعوا عذاب الله عن الأمة سواءً بتسليطنا بعضنا على بعض أو بغير ذلك، بينما المجاهدون قاموا بذلك في سبيل الحق والعدل ونصرة دين الله، ودفعاً لعذاب الله أن ينزل على الأمة - فيجب أن نتنبه لذلك - أنه لو لم يقم الجهاد في بلد لأنزل الله من العذاب عليه أو من تمكن الكفر ما يتضاءل بجواره أي مفاسد متوهمة من الجهاد والتي هي في حقيقتها من أفعال المجرمين ولا تُلام عليها فريضة الجهاد بحال.

- أما الحركات السلمية فإن تركهم للجهاد وحثهم للأمة على ترك الجهاد أهم أسباب نزول عذاب الله على الأمة، سواء بتسليط بعضنا على بعض - في غير نصرة الدين - أو بتسليط أعداء الله وتجرؤهم علينا أو بغير ذلك من الكوارث التي ينزلها الله كالزلازل ونحو ذلك.

والغريب أن هذه الحركات الإسلامية السلمية تأنف أن تضع أيديها في أيدي أهل التوحيد الجهاد، بل وتسوغ حربهم واستئصالهم بحجة أنهم يسببون القتل للأمة - زعموا - في حين أنه لا مانع لديهم من وضع أيديهم في أيدي طوائف وفرق وأحزاب سياسية ونصارى ممن ارتكبوا أكثر المذابح فظاعة ودناءة، وهم يعلمون أن هؤلاء يعدون مرتكبي المذابح أبطال قوميين في تأريخهم [المجيد]!، سواء كانوا حزبا أو دولة، وتجد هذه الحركات الإسلامية لا مانع عندها من الاتحاد أو التعايش أو المحاورة واللقاءات والابتسامات مع كل سفاح سفك دماء المسلمين ، في حين يفعلون نقيض كل ذلك مع المجاهدين!! وسبحان من هدى قوما وأضل آخرين.

البشرية تنتقل من كفر إلى كفر أشد، ومن يتابع أحوال الغرب في العقود الأخيرة يرى بوضوح دركات الكفر والفسق التي تنزل فيها جيلا بعد جيل، بل وتظن أنها تزداد رقياً، فكفرها يتجذر يوماً بعد يوم، أما أمتنا فهي تنتقل من ضلال إلى الأكثر ضلالاً ما بين كفر وفسق، فالناس تموت على التعامل بالربا والخنا وعلى التحاكم للقوانين، وكل ذلك عاقبته العذاب في الدنيا والآخرة، ومن عذاب الدنيا تسلط من يكلف البشرية أضعاف أضعاف القتلى في الجهاد وفي سبيل رفعة دين الله، وكل ذلك من السنة القدرية التي قدرها الله على العباد ولهذا شرع القتال لهذه الأمة ليكف به بأس الكافرين ويعذب من يشاء ويتوب على من يشاء برحمته ممن يعرف بعلمه أنه يستحق الهداية، لذلك فالحل وعلاج ذلك كله بأن يقاتل الدعاة بكل ما تعنيه كلمة قتال من معنى، وفي ذلك كما قلنا تمام الرحمة بالعباد، حتى أنه يأتي أناس يوم القيامة يُجرون إلى الجنة بالسلاسل كما في الحديث، فإن كان هناك عجزٌ شرعي حقيقي وجب رفع العجز، قد يقول قائل أين الدعوة وأين الأمر بالمعروف ودرجاته أقول: الدعوة لها دور لم يفقهه القاعدون حتى الآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له دور لم يفقهه ولم يقم به القاعدون حتى الآن، وقد تناولنا ذلك فيما مضى من مقالات وفي الدراسة التفصيلية.

أسأل الله أن يبصرنا بديننا وعظمة شرائعه وتوافقها مع سنن الكون , والحمد لله رب العالمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 2:10 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

المقالة السادسة: فتنة المصطلحات.. المصلحة والمفسدة نموذجاً .

{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:

لا نبالغُ إذا قلنا أنّ فتنة الشعاراتِ والمصطلحاتِ في هذا العصرِ هي أعظمُ الفتن التي عصفت بالناس بصفةٍ عامةٍ والشبابِ المسلم بصفةٍ خاصة، بل حتى في العصورِ والأممِ السابقةِ ما انحرفَ الناسُ عن طريقِ الهدى إلا خلْف الشعاراتِ البرَّاقةِ التي تؤمِّنُ لهم شهواتهم، وترسِّخُ من الشبهاتِ والوساوس التي تملأ عقولهم، أمّا في أمةِ محمّدٍ عليه الصلاة والسلام فكلّما ابتعدنا عن القرنِ الأولِ كان وقعُ هذه الفتنة أشدّ، فإذا أراد الله بعبده خيرًا عصمه منها ووفّقه لصحبةِ أئمة الهدى، الذين هم قائمون إلى قيام الساعة يذبّون عن الملّةِ تأويلَ المبطلين وتحريفَ الغالين، ثابتون تحت رايةِ الكتابِ والسنّةِ بفهم الصحابة الكرامِ ومن تبعهم بإحسان.

الألفاظُ التي جاءت في الكتاب والسنّةِ تتعلق بها أحكامٌ شرعيةٌ وقدريةٌ، فإذا قام أحدهم بإفسادِ هذه الألفاظِ العظيمة وقعت الأحكامُ الشرعيةُ - بالتالي - على غير وجهها، ومن هنا تحدث الفتنةُ التي خافها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة أكثرَ من فتنةِ الدجّال.

سأتكلم في هذا المقالِ عن ضربين من أهمِّ الضروبِ التي تقع عليها هذه الفتنة , وقد أشار إليهما الشيخ عمـر محمود أبو عمر - فك الله أسره - في دروسه المنشورة على الشبكة، ثم سأتوسّعُ بذكر مثالٍ هامٍّ على الضرب الثاني من هذين الضربين.

الضرب الأول: رفضُ بعضِ المتصدرين للشبابِ التعاملَ مع الواقع بالحكم الشرعي والألفاظِ الشرعيّة المحددة، واللجوءُ إلى إطلاق العباراتِ والألفاظِ الفضفاضةِ وتوسيعها كالعباءةِ التي إذا لبسها السمين أو النحيف كانت جيدةً لأيٍّ منهما، فعندما تحدث مشكلةٌ أو مصيبةٌ أو وضعٌ يتطلب جهادًا أو حركةً يأتي البعض إلى أحد هؤلاء المشايخ فيبادرُ بإطلاقِ هذه العباراتِ المطّاطةِ لسترِ جهله أو جُبنه، أو من أجلِ ألاّ يحاسبَ أو يُراجعَ لو ظهر الأمرُ بخلافِ ما ذهب إليه، من أجلِ أن يبقى هو الرجلُ الذي لا يخطئ، صاحبُ الفكرِ والتنظير وأحقّيةِ الرجوعِ إليه بالفتوى والاستشارة، فيهرب من الألفاظِ الشرعيّةِ المحددةِ التي تنشئ موقفًا وحركةً وإرادةً، والتي تُلزمه وتُلزمُ السائلَ بالفروضِ الشرعيّة، ويترقب من بعيدٍ إلى أين تسيرُ الأمور، أهو الجهادُ قد آتى أُكُلَه ؟ فحينئذٍ هو مسعّرُ حربِه وصاحبُ الرأيِ الذي أفرزه، وإذا حدثت هزيمةٌ قدَّرها الله لأيّ سبب، أخرجَ عصاه من تحتِ عباءَتِه يمارسُ الجلدَ على المسلمين، فهم في هذه الحالة السَّببُ في كلِّ المصائب، بينما هو عاصمُ الأمة من الضلال!!، مع أنه لا يشكّ متأملٌ أنَّ أحدَ أهمِّ أسبابِ الهزيمةِ وقتَها - بل لعلّه يكون أهمها - كان تلاعبُ هؤلاءِ بالأمّةِ والشبابِ، وتركِهم في حيرةٍ مع تمييعِ الأحكام الشرعيّةِ الخاصّةِ بالحالةِ الجهاديّةِ التي تمرُّ بهم، خاصّةً عند من وثق فيهم من الشباب، والحالُ في كلِّ مرّةٍ يغني عن السؤال، فلا الشبابُ يعرف هل الجهادُ فـرضٌ من الفروض، أو هو وسيلةٌ من الوسائلِ يمكن الاختيارُ بينها وبين غيرها!! ولا الشبابُ يعرف الأحكامَ التفصيليةَ لقتالِ طوائفِ الأعداء، فتجدُ أحدَهم عندما يُسأل عنهم يجيب أنهم مجرمون، فإن قيل له نريد حكمًا محددًا مفصَّلاً تُبنى عليه حركةٌ وإرادةٌ وأحكامٌ شرعيةٌ محددةٌ يهربُ ويصرُّ على ألا يزيد عن قوله إنهم مجرمون!! - ليتنبه القارئ أن المقال لا يتحدث عن علماءِ السلاطين-.

القصد: [الهروب إلى العمومات] هو فَنُّ المشايخ الذي يتقنونه بعد إتقانهم فنَّ الشِّعارات، وإلا فأين هي أبحاثُ المشايخ التي تبينُ حكمَ الله في الأممِ المتحدةِ وميثاقها والشرعيّةِ الدوليّةِ ؟ وحكمَ الله في نظامِ الجنسيّةِ وترسيمِ الحدودِ والوطنية ؟ ما حكمُ الله المفصّل في كلِّ هذه الأمورِ وغيرها مما تهرّبَ من الحديث عنها المشايخ ؟ وكذلك ماذا قال الله في علاجِ ما ينتجُ عن هذه الأمور من أحكام ؟

الضرب الثاني من الضروبِ التي تقعُ عليها فتنةُ المصطلحاتِ كذلك هو: تحديدُ المصطلحاتِ تحديدًا خاطئًا منحرفًا، فيتخرجُ عن ذلك تحريفُ المعاني والأحكامِ التي تتخرجُ على هذه الألفاظ والمصطلحات، ومن هنا تنشأُ فتنٌ وفسادٌ عريضٌ بين الناس، وتدورُ الأمةُ في قضايا زائفةٍ مفتعلةٍ لا تخدم دينَ الله.

حيث يتمُّ إفساد معاني الألفاظِ العظيمةِ التي تكلمَ بها الله - سبحانه وتعالى - وتكلم بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي تعليق الأحكامِ الشرعيّةِ على غيرِ وجهها، فإذا نظرنا مثلاً إلى مصطلحِ [الإيمان] تسبَّبَ الخطأُ والخلطُ في تحديده إلى فسادِ الفهمِ والعملِ في أحكامٍ شرعيةٍ كثيرةٍ تتعلق به، كذلك أحكامٌ قدريةٌ لا تقعُ ولا تتحققُ إلا بتحققه، كذلك ليتأمل القارئُ لفظَ [الكفر] أليس عارًا أن تقودَ جماعةٌ الشبابَ سنينَ طويلةً فإذا وقعت فتنةٌ فإذا هم لا يعرفون مدلولَ كلمةَ [الكفر] ؟!

مصطلحَ [الجهاد]: كيف تقاتل الأمةُ بعضَها بعضاً في سبيلِ الطاغوتِ ويسمّون ذلك [جهاداً] ؟ والناس يسيرون خلف هذه الكلمةِ العظيمةِ الشريفةِ ولكنهم يموتون في غيرِ سبيلِ الله.

وللأسف مصطلحاتٌ كثيرةٌ في واقعنا المعاصرِ كان الخطأُ - عن قصدٍ أو عدمِ قصدٍ - في تحريرها وتحديدِ المعاني التي يتنزلُ عليها لفظُها السبب في فسادٍ عظيمٍ وفتنٍ لا تنقطع، سواءً في جانبِ الإفراطِ أو التفريط وعلى سبيل المثال لا الحصر: [الحربي / المدني / الجاهلية / الطاغوت / المرحلية / المصلحة والمفسدة] بل إنّ مصطلحَ [فتنة] نفسَه تَسبَّب عدمُ تحريرِه في الوقوعِ في الفتنة!! فما هي الفتنةُ التي يجبُ على المرءِ أن يعتزلها ؟ وما هي الفتنةُ التي يجب على المرءِ أن يكونَ وسطَها وفي معمعتها فإذا ماتَ ماتَ شهيدًا ؟ والتي تكون فيها الفتنةُ هي اعتزالُ الفتنة ؟.

ولنتوقف هنا قليلاً عند مصطلحٍ يتداخلُ مع كل حركةٍ من تحركاتنا في مسيرةِ تغييرِ واقعِ الأمة، والخروجُ بها من النفقِ المظلمِ التي دخلت فيه، ألا وهو مصطلح [المصلحةِ والمفسدةِ]، وسنختارُ لبيانِ التحريفِ الذي حدث في تنزيل ذلك المصطلحِ على الواقعِ قضيةً واحدةً وهي قضيةُ [المصلحةِ والمفسدةِ في الخروجِ على الحاكمِ المرتدّ] وهي مثالٌ عمليٌ جيدٌ لقضايا الجهادِ المماثلةِ في قتالِ الكفّارِ الأصليّين الذين يصولون على ديارِنا في القرنين الأخيرين والتي حدث الانحرافُ في التعاملِ معها بسببِ عدمِ فهم مصطلحِ المصلحةِ والمفسدةِ وتحريره تحريرًا صحيحًا.

يبدأ أهلُ التحريفِ بمقدمةٍ صحيحةٍ أنّ أوامرَ الشرعِ جاءت لتحصيلِ المصالحِ وتكميلها ودرءِ المفاسدِ وتقليلها، ويدخل في ذلك الأمرُ بالخروجِ على الحاكمِ المرتدّ، والأمرُ حتى هنا صحيحٌ، لكن ذهبوا بعد ذلك إلى قياسِ جهادِ الحاكمِ إذا ارتدَّ على أحكامِ دفعِ ظُلمِ الحاكمِ المسلمِ الظالمِ، فجاءوا بأقوالٍ ننتظرُ منهم إلى يوم القيامة أن يأتوا لنا بسلفٍ لهم فيها وهيهات، ونتج عن ذلك الخطأِ خلافاتٌ في الساحةِ الإسلاميةِ كنّا في غنىً عنها لو كان موقفهم من هذه القضيّةِ سلفيًّا، وتم رفعُ شعارِ المصلحةِ والمفسدةِ بالباطلِ في وجه أهلِ التوحيدِ والجهاد ليصرفوا الناس عن الجهاد، وبيانُ خطأهم باختصارٍ كالتالي:

إن الخروجَ على الحاكمِ المرتدِّ جهادُ دفعٍ مأمورٌ به، وهو فرضُ عينٍ على الأمّةِ مالم تتحقق الكفاية، وقد نقل ابنُ حجرٍ الإجماعَ على ذلك بقوله: ( ينعزلُ الإمامُ بالكفرِ إجماعاً فيجبُ على كلِّ مسلمٍ القيامُ في ذلك، فمن استطاع فله الثوابُ ومن عجزَ فعليه الهجرةُ ومن داهنَ فعليه الإثم ) بل الأمرُ بجهادِ الحاكمِ المرتدِّ يدخلُ تحتَ كلِّ الآياتِ والأحاديث الآمرةِ بجهادِ الكفارِ والمرتدين، بينما الخروجُ على الحاكمِ الظالمِ غيرُ مأمورٍ به أصلاً، وإنما دفعُ ظلمه يدخلُ تحت بعضِ النصوص العامة، بل إنّ الأصلَ هو الأمرُ بالصبر وعدمُ دفعِ ظلمِ الحاكم المسلم إذا كان دفعه سيؤدي لظلمٍ أكبر، بل إنَّ دفعَ الظلمِ بصفةٍ عامةٍ لا يستلزمُ نزعَ اليد من الطاعة، فبأيّ أصلٍ يمكنُ قياسَ الضوابطِ التي وضعها العلماءُ حولَ دفعِ ظلمِ الحاكمِ المسلمِ الظالمِ على جهادِ الحاكمِ الكافرِ أو المرتدّ ؟! فإذا علمنا أن أصغرَ طالب علمٍ مبتدئٍ يعلم أن قتلَ النفوس في الجهاد واحتمالَ وقوعِ هزيمةٍ لم يكن أبدًا مفسدةً معتبرةً لتعطيلِ الجهاد، علمنا مقدارَ الدجلِ الذي مارسه القومُ لإدخال مفاسد لم يعتبرها الشارعُ في هذه القضية قياسًا على قضيةٍ أخرى يعتبر فيها الشارعُ هذه المفاسد، فيجب أن نعلم أن المفسدةَ التي ثبتَ الحكمُ مع وجودها بالدليل الشرعيِّ تكون مفسدةً غير معتبرة.

يدندن القومُ حولَ الأمن والأمان والطمأنينةِ ورغدِ العيش - في ظلّ حكمِ القوانين الوضعية!! -
للمجتمعات الإسلامية التي يحكمها المرتدون، وهؤلاء تناسوا أننا في هذه الأوضاع - على الحقيقةِ إذا تم توصيفُ الواقعِ بطريقةٍ سلفيةٍ منضبطةٍ - أقول إنَّ الواجبَ علينا في أوضاع الأمن أشدُّ من الوضع الذي يفرض علينا جهادَ دفعِ العدو الصائل أثناء صياله بكل ما يعنيه ذلك الوضع من عدمِ الرضوخ بحالٍ ومقاومةِ ذلك العدو حتى نهلك دونَ ذلك، وبيانُ ذلك كالتالي:

يتصور البعضُ - بعقليتهم الفذة - أن جهادَ العدوّ الصائل فقط عند بدايةِ قدوم هذا العدو بقواته بينما إذا استقرّ هذا العدوُّ وتحقق له غرضه فإن من المفاسدِ إفساد ذلك الاستقرار والأمن الذي يعيش فيه الناس!! بينما في الحقيقة أنّ المصلحةَ - كلَّ المصلحة - في إفسادِ ذلك الاستقرار لأنّ الكافرَ أو المرتدَّ إذا استقرَّ واستتبَّ له حكمُ بلدٍ ما سيبدأ في العمل على إخراج الناس من دينها، ولينظر القارئُ إلى الشيشان الآن والشيشان قبل ربعِ قرنٍ عندما كان هناك شعبٌ يعيش في أمان وقد سلخه الحاكم الكافر عن دينه، بينما من أراد أن يقرأَ في المصحف فعليه أن يذهب إلى غرفةٍ خفيةٍ أسفلَ المنزل يقرأُ فيها كتاب الله ويخشى أن يعلم بذلك أحد، وليتأمل القارئ جهادَ المجاهدين في الجزائرِ على مدارِ نصفِ قرنٍ بدون انقطاعٍ تقريبًا وليغمض عينيه وليتخيل الجزائرَ بدون جهادٍ، ولينظر لمثال تونس بجوارها فإن فيه الكثير من العبر لمن يفهم عن الله ورسوله ويعلم طبيعةَ الكفر وأهله.
إن ما يبين خذلانَ الله للقوم وعقابه لهم بعدمِ الفهم جراءَ قعودهم، أنهم يجعلون المفاسد التي تقع على المخلّفين تمنع من القيامِ بالجهاد، ولسانُ حالهم يقول إذا قعد قاعدٌ عن الجهاد وتسبب قعوده في تأخير النصر وطول المعركة ووقوع المفسدة عليه وعلى القاعدين أن يتوقف المجاهدون عن الجهاد ويجلسوا بجوار المخلفين الذين هم السبب في ذلك!! فإن هؤلاء المخلفين واجبٌ عليهم قتال المرتد كما نص ابن حجر ونقل الإجماع على ذلك، وبهم - وهم بالملايين - يغلب الظنُّ بالظفر وذلك حريٌّ أن لا يسقط الوجوب إلى الاستحباب بحال، فهل يقول عاقلٌ أنّ بقعودهم وبما يتسبب عنه يُلزِمون المجاهدين بترك الجهاد ؟، هؤلاء في أحسن أحوالهم أن يكونوا مستضعفين - مع كون ذلك لا يثبت في حقهم بالمقياس الشرعي - فإذا كانوا من المستضعفين ففي التقيةِ والهجرةِ مندوحةٌ لهم في تجنب أضرار الجهاد التي لا ينفك عنها جهاد - فإذا عجزوا عن الهجرةِ ولم تنقذهم التقيةُ من تلك الأضرار فهم شهداء إذا قتلوا ومأجورون إذا وقع عليهم أيُّ إيذاءٍ، ولا يتحمل وزرَ هذا الإيذاء الجهادُ والمجاهدون بحالٍ وإنما يتحمل وزره الكافرون المرتدون الظالمون أولاً، وثانيًا يشارك في الوزرِ من وقع عليه الإيذاءُ ممن يأثم بقعوده لقدرته على اللحاق بالمجاهدين، حتى إنّ شيخ الإسلام أشارَ أن القتل والإيذاء يكثر في الفارّين من القتال أكثرَ مما يلحق بالمجاهدين.

ونريد أن نؤكِّد كذلك على أن من طبيعةِ الجهاد منذ البعثةِ النبويّة أن يخرج من بين الصفوف غلاةٌ يسفكون الدماءَ المعصومةَ ويسببون من الفتنِ ما الله به عليم، ولا تكون هذه مفسدةٌ ينبغي وقفُ الجهاد من أجلها، ومن طبيعته كذلك خروجُ من ينقلب على عقبيه من بين الصفوف ولا تعتبر تلك مفسدةٌ نوقِفُ الجهادَ من أجلها، وهذا الصديقُ رضي الله عنه يأتيه الفجاءةُ فيطلب منه مالاً ورجالاً لقتال المرتدين فيعطيه المالَ ويؤمِّره على مجموعةٍ من الرجال فيصبح بهم قاطعَ طريقٍ يقتل المسلمين والمرتدين ويأخذ مالهم، حتى أنه قتل أناساً جاءوا يبايعون أبا بكر وقد حرقّه الصديق رضي الله عنه بعد ذلك، وما دعا ذلك الصديق رضي الله عنه ليوقف الجهاد، بل إذا انقلب البعض تحججًا بمثل ذلك يجب قتالهم أيضًا، فقد ارتدَّ بعضُ النصارى على عهد عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قائلين إن دينَهم الذي كانوا عليه أفضلُ من هذا الدين الذي لا يمنع أصحابَه من سفكِ الدماءِ وإخافةِ السبيلِ، وقاتلهم علي بن أبي طالب على الردة، ومازال الله يَزيغُ قلوبَ أقوامٍ ليرزق منهم المؤمنين إلى قيامِ الساعة، وهذه هي طبيعة الحياة لو نفقه هذا الدين، ويجب أن نعلم أنه لو توقف الجهادُ والدفع لفسدت الأرض، هكذا نصَّ كتابُ الله وهكذا فهم الصحابةُ السننَ والدنيا من حولهم، فهم يعلمون أنهم لو تركوا الكافر ليستقرّ فسيحدث من الفساد الكبير الذي تتضاءل بجواره أيُّ مفاسد أخرى، وسيحق من عذاب الله في الدنيا والآخرة ما يتمنى الناس إذا عرفوه أن ترفع راية الجهاد مهما جاء من وراء رفعها.

أسأل الله أن يمكن لأهل التوحيد الجهاد ويقمع أهل الشرك والإفساد، والحمد لله رب العالمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 2:15 am 
متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14746
مكان: مصـــــر المحروسة

المقالة السابعة: الاستقطاب والمال .

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:

كف بأس الذين كفروا وكف شرورهم عن المسلمين مقصد شرعي وهدف هام ينبغي أن تسعى إليه الحركة المجاهدة بكل الوسائل المشروعة التي تبلغنا هذا الهدف، فإذا عملنا ليس فقط على كف بأس الناس عنَّا بل تحويل بأسهم وقوتهم لصالح المسلمين لتحققت من مقاصد الشرع ونلنا من الخير لأهل الإيمان أكثر من كف بأسهم فقط.

إذا سألنا أنفسنا لماذا يعمل القادة العسكريون في جيوش الكفر الأصلي أو جيوش الردة مع أعداء الله ؟ ولماذا يعطي المُطاعون في الناس - وهم لهم قوة وسلطان بحكم أن لهم أتباع - الولاء لأنظمة الكفر والردة ؟ سنجد أن الإجابة باختصار أنه يوجد جانب عقدي عند بعضهم، لكن هناك جوانب أخرى تزيد من دافعهم لإعطاء الولاء للأنظمة الكفرية، فأنظمة الكفر بما تملك من إمكانيات توفر لهم الراحة والأموال والرفاهية وكل مغريات الحياة، فعلى الرغم من ضعف عقيدة الكفر بصفة عامة أمام فطرة الإيمان المفطورة عليها النفس البشرية إلا أن الجوانب الأخرى التي ذكرناها تجعلهم في غفلة عن الآخرة واطمئنان للدنيا وزينتها.

وقد عالجنا في بعض المقالات السابقة بعض هذه الجوانب وبينا كيف أن الردع الذي يطال القادة والأتباع يدفعهم للتوقف عن نصرة العدو، فضلاً على أن حرارة معركة حامية الوطيس تحرك نفوسهم لاستبيان حقيقة الصراع، وكل ذلك يدفعهم إلى الانضمام لجانب أهل الحق ليموتوا على الإيمان بدلاً من أن يخسروا الدنيا والآخرة بموتهم في صف أهل الكفر والظلم أو على الأقل يفروا ويقفوا على الحياد انتظاراً لنتيجة المعركة، وبينا كذلك أن استهداف اقتصاد العدو سياسة شرعية للضغط على العدو ليعلم أن الاستمرار في حرب أهل الإيمان فيه خسارة الدنيا والمصالح التي هي غرضهم الباطن في الحقيقة، والمغلفة بالشعارات والمبادئ الكاذبة.

وفي هذه المقالة نتناول جانباً آخر هاماً من جوانب استقطاب الناس لصف أهل الإيمان، وهو جانب الاستقطاب بالمال لتأليف قلوب الناس من الأعداء وممن هم على الحياد، فنعطيهم شيئاً من الدنيا لجذب ولائهم لنا.

ونقدم لهذا الجانب بمقدمة هامة:

أن الأوامر الشرعية جاءت لتجلب أكبر قدر ممكن من المصالح ودفع أكبر قدر ممكن من المفاسد، فهي لا تجلب كل المصالح في الغالب ولا تدفع كل المفاسد في الغالب، وذلك ليس لعجز الشارع سبحانه وتعالى عن الإتيان بأوامر تجلب كل المصالح وتدفع كل المفاسد ولكن لطبيعة النقص التي في البشر وهذه الحياة بحكم أنها مخلوقة طبعت على النقص، كذلك إن الحكمة الإلهية ومقتضيات كمال أسمائه وصفاته تجعل من هذه المفاسد في الحقيقة جزءً من عظمة وكمال حكمة الله سبحانه وتعالى في الأقدار التي قدرها.

كما قلنا أن بعض الناس يدخل في ولاء أهل الباطل للمـال فقط مع علمه بالحق ولكن حب الدنيا وإيثارها لا يلحقه بأهل الإيمان، فعندما نوفر لهم هذا المرجح يدخلون في ولاء أهل الإيمان، فإذا دخلوا واختلطوا بأهل الإيمان وعايشوا أحوالهم ورأوا النور والكرامات والآيات وخالطت قلوبهم بشاشة الإيمان لانت قلوبهم للحق وعملوا لأجل الدين فقط وقدموا أرواحهم فداه وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الذي لم يترك لنا خيراً في الدنيا ولا الآخرة إلا ودلنا عليه وعلى هذا سار صحابته قادة الدنيا من بعده.

فعلينا توجيه هؤلاء المؤلفة قلوبهم ( أغلبهم سيكونون من الشعوب والجنود المسحوقين اقتصادياً وبعض الرتب الدنيا من الجيوش ) أقول علينا توجيه هؤلاء بصفة خاصة والمؤمنين بصفة عامة أن ما عند الله خير وأبقى، فتذكير الجميع يتم في أجواء المعركة التي يتربون في أحداثها  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا .

بعض هؤلاء المؤلفة قلوبهم بالمال قد يرتد بعد ذلك ويسبب بلاء للمؤمنين لأنه التحق بهم بدون نية صالحة ولم يتربَّ على الطاعة من البداية ولكن تربى على العطايا والمادة والمصلحة وأعطى ولاءه من أجل المال، ومع كون هذا قد يحدث في منتصف الطريق عند هزة مثل وفاة الرسول أو القائد أو عند انتكاسة ونحو ذلك وقد يتسبب عن ذلك مفاسد عظيمة إلا أنه كما نخرج من المقدمة التي قدمنا بها أن إدخال هؤلاء في صف أهل الإيمان في البدايات [حال الضعف] يجلب من المصالح ما يفوق المفاسد العظيمة التي تقع بعد ذلك، كما أن درء تلك المفسدة وتحصيل المصلحة الكاملة لن يتحقق عقلاً وشرعاً أو قل قدراً وشرعاً، فكما قلنا أن أوامر الشرع جاءت لدرء المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكميلها، فأن يكون لدينا جميع القادة متربين على الإيمان فقط مصلحة كاملة لكنها لن تتحقق قدراً لأن الجاهلية وأهلها لن يمكنوننا من ذلك، ومفسدة ارتداد البعض تحقق مصالح أخرى بعد ذلك، بأن تستكمل القاعدة الصلبة [قاعدة أهل الأيمان] تربيتها في دفع مصاعب جديدة من نوع جديد وتبصر المؤمنين بطبيعة الناس والحياة ومعرفة سبل الشيطان واتخاذ شهداء وتمييز الخبيث من الطيب ليجتبي الله من يحبهم ويحبونه الذين لا يخافون لومة لائم ويجزي الشاكرين، فهو حدث يُشكل وجدان المؤمن وقد بينا ذلك في قاعدة [التربية بالحدث]، فضلاً وهو الأهم عن تحقق مصلحةٍ من وراء الاستقطاب بالمال لن نستطع تحصيلها لو اتبعنا مثالية لا تناسب الظرف القدري المرافق لمرحلة البدايات وما يصاحبها من سنن، وهذه المصلحة هي أنه عند ارتداد هؤلاء تكون قد تكونت قواعد انطلاق للمؤمنين والسيطرة على أرض وبلاد كمأوى ومنطلق لتكوين دولة الإيمان ومرافق وأجهزة ومعدات..الخ، ونستطيع بما تحصلنا عليه أن نعالج الردة الجديدة إذا حدثت - لا قدر الله - نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

لكن يجب أن تعرف عصابة الحق من قواعدنا الصلبة ومن الشباب المجاهد تفاصيل أحكام تأليف القلوب بالمال ومنها: أن من قاتل من أجل المال لا أجر أخروي له، ومن كانت نية المال أو الغنيمة تابعة وليست أصلية ونيته الأصلية أن تكون كلمة الله هي العليا نقص أجره بحيث أن من سلم وغنم عُجل له ثلثي أجره، ومن أريق دمه وتلف ماله أخذ أجره كاملا، وأن الأنصار تركوا ما حضـروا له أنفسهم من المال في غزوة حنين من أجل تأليف قلوب الطلقاء، وليعلموا أنه ممكن لهم أن ينالوا المال في النهاية كما نالـه الصحابة وأبناء الصحابة والتابعون إلا أن فتنته أشد من فتنة الفقر ونحن لا نملك ثبات الصحابة رضوان الله عليهم، فكما جاء في الحديث ".. ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تُفتح عليكم فتهلككم كما أهلكتهم..".

لقد آن الأوان للراسخين في العلم من أهل التوحيد والجهاد لتأصيل وبيان تفاصيل تأليف القلوب بالمال، فعليهم أولاً أن يخرجوا أصول هذه الأحكام وتفاصيلها من كتـب فقه الجهاد وكتب السياسة الشرعية وتنزيل هذه الأصول والتفاصيل على واقعنا المعاصر، والاجتهاد في الصور الحادثة التي يمكن أن نقوم بها بما لا يخالف الشرع، وهناك أمثلة كثيرة في الواقع يمكن أن نستفيد منها بتنزيل هذا الفقه العظيم الذي أعتقد أنه آن أوان تطبيقه في ظل التطورات القريبة للمعركة الحالية، فعلى سبيل المثال نحن نعلم أن للأمير أن يجعل لمن قتل قتيلاً سلب هذا القتيل، فهل يجوز للقيادة العليا للمجاهدين مثلاً أن تجعل لقادة وجيوش وحراسات العدو إذا التحق أحدهم بأهل الإيمان - وقتل قبل أن يلتحق بهم ويفر إليهم وزيراً أو أحد الأمراء وأمثال هؤلاء - مبلغاً أكبر من سلب القتيل ولتكن عشر ثروته مثلاً، على أن يتحصل عليها بعد تمكين المؤمنين وكل ما عليه فعله أن يكفي المؤمنين شر ذلك الأمير أو الوزير على أن يرتب أن يفر إلى مكان آمن بعد ذلك لحين الالتحاق بأهل الإيمان، قلت:

هذا مثال فقط والأمثلة كثيرة ومطلوب من الراسخين في العلم أن يتباحثوا في مدى شرعية مثل هذه الخطوات بحيث يبدأ القادة الميدانيون بتطبيق بعضها حال التخطيط ووضع الاستراتيجيات.

كذلك طرحت أبحاث سابقة لأهل التوحيد والجهاد أن من أهدافهم: إعادة توزيع ثروات المسلمين، وآن الأوان لتجلية المقصود من هذه العبارة وبيان أحكامها التفصيلية لكون هذا الأمر أولاً يخص مرحلة هامة قادمة في معركتنا - أعني عند حصول تمكين جزئي بإذن الله - وثانياً يتعلق بما تكلمنا عنه في هذه المقالة من استخدام المال العام في تأليف القلوب، فعلى الراسخين في العلم أن يوضحوا للناس بالدليل كيفية توزيع ثروات المسلمين توزيعاً عادلاً، أولاً: كل بلد فيها ثروات تختلف عن البلد الأخرى، ولولا السرقة والنهب لكانت شعوبنا من أغنى الشعوب ولكن عند التوزيع العادل لثروات المسلمين هل تجمع ثروات المناطق وتوزع على المسلمين ؟ أم تختص كل منطقة بثرواتها , وكل ما في الأمر أن عليـها إخراج زكاة أموالها - التي بالطبع ستكون وفيرة ومتنوعة بفضل الله - بحيث توزع الزكاة في المناطق الأخرى التي ابتليت بالفقر ؟، ثانياً: عن كيفية توزيع المال العام بين المسلمين هل هناك أفضلية وتخصيص زائد لمن يعطي من [الناس والقبائل والأحزاب والتجمعات] الولاء والنصرة والإيواء ويجاهد بنفسه وماله ممن هم دون ذلك من الذين اكتفوا فقط بأصل الإسلام.
القصد هناك مسائل كثيرة دقيقة وحساسة ينبغي بحثها وتأصيلها من الآن حتى لا يقع فيها أخطاء قد تكلفنا الكثير وتفتح أبواباً من الفتن نحن في غنى عنها، أو ترسب بقايا في النفوس عند البعض نستطيع تلافيها إذا كانت هناك قواعد معلنة مبنية على الدليل والاجتهاد المنضبط الصحيح.

في ختام هذه المقالة نؤكد على أن معركتنا هي معركة توحيد ضد كفر وإيمان ضد شرك، وليست معركة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، لكن علينا ألا ننسى أن من السياسة الشرعية عند مخاطبة ضعاف النفوس من طبقات الناس المختلفة بالوعد باستعادة أموالنا وحقوقنا، بل غنم مال الله الذي يتسلط عليه شرار الخلق، ونحن لا نظن أن مثل هذه الوعد حرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان تسلية لهم وتحريكا لضعاف النفوس من الناس ليقبلوا على الإسلام، ولا يلبس الحال بهم بعد ذلك من خلال الحياة بين أهل الإيمان وأتون المعركة إلى انصلاح حالهم وتحركهم من أجل التوحيد قبل كل شيء، لذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم لأن يخاطب أسرى العدو بقوله:  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .

الله أسأل أن يرزقـنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يعز هذه الأمة بالطاعة التي هي مفتاح كل خير، والحمد لله رب العالمين.

تم النقل بحمد الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يناير 05, 2016 3:50 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727

صورة

صورة

صورة

عندما أعدمت مصر سيد قطب قامت إيران بعمل طابع بريد باسمه...

عندما أعدمت مصر الإسلامبولي قاتل السادات قامت إيران بتسمية أكبر شوارعها علي اسمه...

وكذلك تم تسمية شارع السفارة السعودية باسم نمر النمر مؤخرا ..
.


_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يناير 05, 2016 4:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 11, 2013 3:59 am
مشاركات: 1218
الصور تجد كلمة قبل اسم الشارع تقريبا الشوارع عندهم اسمها خيابات
خيايبان فلان :)
خيابان علان :)
صدقتم الاتنين خيبانين واهل فتن وضلال يجعل طرقكم كلها خيابات ديما ان شاء الله :D

_________________
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يناير 05, 2016 5:26 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
mohammed farghal كتب:
الصور تجد كلمة قبل اسم الشارع تقريبا الشوارع عندهم اسمها خيابات
خيايبان فلان :)
خيابان علان :)
صدقتم الاتنين خيبانين واهل فتن وضلال يجعل طرقكم كلها خيابات ديما ان شاء الله :D


الفاضل mohammed fargha

" خيابان " بالفارسية ومعناها بالعربية شارع :D :D :D

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: إدارة التوحش : دستور ومنهجية الخوارج في تدمير الدول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 14, 2016 2:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين فبراير 11, 2013 3:59 am
مشاركات: 1218
الطارق كتب:
mohammed farghal كتب:
الصور تجد كلمة قبل اسم الشارع تقريبا الشوارع عندهم اسمها خيابات
خيايبان فلان :)
خيابان علان :)
صدقتم الاتنين خيبانين واهل فتن وضلال يجعل طرقكم كلها خيابات ديما ان شاء الله :D


الفاضل mohammed fargha

" خيابان " بالفارسية ومعناها بالعربية شارع :D :D :D

ايوة الاخ الفاضل الطارق اخدت بالي
بس المفارقة مقدرتش اتجاهلها

_________________
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 27 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 11 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط