[align=center]في اخذ الميثاق على النبيين, آدم فمن دونه من الأنبياء أن يؤمنوا صلّى الله عليه وسلّم وينصروه إذا بعث فيهم[/align]
[font=Tahoma]قال الله تعالى: و(إذ) نصب بمصدر محذوف (أخذ الله ميثاق النبيين) عهدهم (لما) بفتح اللام للابتداء أو دخلت لتوكيد معنى القسم, لأن أخذ الميثاق قسم في المعنى. وبكسرها متعلّقة بأخذ, وما موصولة على الوجهين أي الذي (آتيتكم) وفي قراءة: آتيناكم (من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم) أي من الكتاب والحكمة, وهو صلّى الله عليه وسلّم (لتؤمننّ به ولتنصرنّه) جواب القسم, أي إن أدركتموه, وأممهم تتبع لهم في ذلك.
قال الله تعالى لهم: (أأقررتم) بذلك (وأخذتم) قبلتم ووافقتم (على ذلكم إصري) عهدي (قالوا أقررنا. قال فاشهدوا) أي فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار. واشهدوا: خطاب للملائكة (وأنا معكم من الشاهدين) عليكم وعليهم (فمن تولّى) أعرض (بعد ذلك) الثبات (فأولئك هم الفاسقون)أي الخارجون عن الطاعة.
روى ابن أبي حاتم عن السّدّي في الآية قال: لم يبعث الله نبياً قط من لدن نوح إلاّ أخذ ميثاقه ليؤمننّ بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وينصره أن أدركه وخرج وهم أحياء.
وروى ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الآية قال: لم يبعث الله نبيّاً, آدم فمن بعده, إلا اخذ عليه العهد في محمد صلّى الله عليه وسلّم: لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه, وأمره بأخذ العهد على قومه.
وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ما بعث الله نبيّاً قط إلا أخذ عليه العهد: لئن بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه, وأمره بأخذ الميثاق على أمّته إن بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم وهم أحياء ليؤمننّ به ولينصرنّه.
رواه البخاري في صحيحه. كما نقله الزركشي في شرح الردة, والحافظ ابن كثير في تاريخه وأول كتاب جامع المسانيد, والحافظ في الفتح في باب حديث الخضر مع موسى, ولم أظفر به فيه, ورواه ابن عساكر بنحوه.
قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السّبكي قدس الله سره في هذه الآية من التّنويه بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وعظيم قدره ما لا يخفى أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلاً إليهم. فتكون نبوّته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته, ويكون قوله صلّى الله عليه وسلّم: "بعثت إلى الناس كافة" لا يختصّ به الناس في زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضاً. وإنما أخذ المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدّم عليهم وأنه نبيهم ورسولهم. وفي (أخذ) وهي في معنى الاستخلاف, ولذلك دخلت لام القسم في (لتؤمنن ّبه ولتنصرنّه) لطيفة اخرى, وهي كأنها البيعة التي تؤخذ للخلفاء ولعل أيمان الخلفاء أخذت من هذا, فانظر إلى هذا التعظيم للنبي صلّى الله عليه وسلّم من ربه. فإذا عرفت هذه فالنبي صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الأنبياء, ولهذا أظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه. وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلى بهم, ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الأيمان به صلّى الله عليه وسلّم ونصرته. وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم, فنبوته صلّى الله عليه وسلّم ورسالته إليهم معنىّ حاصل له. وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه, فتأخر الأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما يقتضيه. وفرق بين توقّف الفعل على قبول المحلّ وتوقّف أهليّة الفاعل, فهنا لا توقّف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبيّ الشريفة, وإنّما هو من جهة وجود العنصر المشتمل عليه, فلو وجد في عصرهم لزمهم إتباعه بلا شك, ولهذا يأتي عيسى صلّى الله عليه وسلّم في آخر الزمان على شريعته صلّى الله عليه وسلّم, وهو نبيّ كريم, لا كما يظنّ بعض الناس أنه يأتي واحداً من هذه الأمة, نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلنا من إتباعه للنبي صلّى الله عليه وسلّم, وإنّما يحكم بشريعة نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن والسنة, فكل ما فيهما من أمر ونهي فهو متعلق به كما يتعلّق بسائر هذه الأمة, وهو نبيّ كريم على حاله لم ينقص منه شيء ولذلك لو بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم في زمانه أو زمان موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرّين على نبوّتهم ورسالتهم إلى أممهم. والنبي صلّى الله عليه وسلّم نبي الله ورسوله إلى جميعهم, فنبوّته ورسالته أعمّ وأشمل وأعظم, ويتفق مع شرائعهم في الأصول لأنها لا تختلف, وتقدم شريعته فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع, إما على سبيل التخصيص وإما على سبيل النّسخ أو لا نسخ ولا تخصيص بل تكون شريعة النبي في تلك الأوقات بالنسبة إلى تلك الأمم مما جاءت به أنبياؤهم, وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة الشريفة, والأحكام باختلاف الأشخاص والأوقات. انتهى كلامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فإن قيل: قال الله سبحانه وتعالى: (أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده). فالجواب: بأن هداهم من الله وهو شرعه صلّى الله عليه وسلّم, أي الزم شرعك الذي ظهر به نوّابك, ن إقامة الدين وعدم التفرقة فيه ولم يقل الله بهم اقتده وكذا قال تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً) وهو الدين, فهو صلّى الله عليه وسلّم مأمور بإتباع الدين, فإن أصل الدين إنما من الله تعالى لا من غيره, وأين هذه من قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلاّ أن يتبعني" فأضاف الإتباع إليه, وأمر هو صلّى الله عليه وسلّم بإتباع الدين, فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوّابه حكم إلا له, فإذا غاب حكم النّاب بمراسيمه, فهو الحاكم في الحقيقة غيبة وشهادة.
[poet font="Tahoma,4,orange,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" shadow(color=green,direction=135)"] فإنّك شمس والملوك كـواكـب= إذا ظهرت لم يبد منهنّ كوكب [/poet]
وقد أشار إلى ذلك المعنى البوصيريّ, وتوفي قبل مولده السّبكي رحمهما الله تعالى: [/font]
[poet font="Tahoma,4,orange,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" shadow(color=green,direction=135)"]
وكلّ آي أتى الرّسل الكرام بهـا= فإنّما اتصلت من نـوره بـهـم
فإنّه شمس فضل هم كواكبـهـا= يظهرن أنوارها للنّاس في الظّلم
[/poet]
[fot] اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد سيد المرسلين و أشرف النبيين، المبعوث رحمة للعالمين و على آله الطيبين الطاهرين حق قدره و مقداره العظيم [/fot]
_________________
ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته
|