اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm مشاركات: 6413
|
قمة المأساة واستشهاد الإمام الحسين ظل الإمام الحسين يقاوم الأعداء ، ويواجههم جماعة بعد جماعة ، فى بأس شديد وتجلد كبير ، بعد أن سقط معظم أصحابه وآل بيته . وهنا نصل إلى ذروة الفجيعة ، وقمة المأساة فقد أعمى الله بصائر أعدائه ، وختم على قلوبهم وكتب عليهم الشقاء الأبدى والخلود فى النار فقد غافله ( مالك بن البشير ) فضربه بسيفه ضربة قطعت البرنس واصابت رأسه فامتلأ البرنس دما ، فقال الإمام لمالك : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين ( وقد استجاب الله دعاء الإمام عليه ، فقد روى أنه دخل على امرأته بعد المعركة ومعه برنس الإمام مليئا بدمه ففزعت امرأته وقالت : أسلب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل بيتى ! ؟ أخرجه عنى .... وذكر أصحابه أنه عاش بعد ذلك فقيرا تعيسا حتى مات ... عليه لعنة الله . وبدأ الإمام يشعر بالإعياء بعد ما عاناه من جهد وجهاد ، وما نزف من دمائه الطاهرة ، وفى الوقت نفسه ارتفع صراخ صبى من أبنائه من شدة العطش – وهو عبد الله بن الحسين فاتجه الإمام إلى فسطاطه ، وأجلسه فى حجره ، وأخذ يحتضنه ويقبله وكأنه يودعه ، وبينما كان يوصى أهله ، نفق إليه سهم من سهام العدو فأصاب أبنه وأرداه شهيدا ، فرفع الإمام يديه المخضبتين بدماء أبنه وهو يقول : رب إن تك حبست عنا النصر من السماء فأجعله لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤاء الظالمين . واشتد العطش بسيدنا الحسين – وكان قد حيل بينه وبين ماء الفرات – ولكنه فاجــــأه ( حصين بن تميم ) بسهم وقع فى فمه ، فانتزعه ففار الدم من مكانه ، فتلقاه بيديه ورفعهما إلى السماء وهو يقول اللهم إنى أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تذر على الأرض منهم أحدا . وظلت مجموعات الأعداء تخادم فسطاطه وفيه أهل بيته وعياله محاولة الفتك به والقضاء عليه .. وكان يقود هذه المجموعات 0 شمر بن ذى الجوشن ) الذى أخذ يحرض جنوده قائلا : ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم . فنظر إليه الإمام الحسين فوجده قبيح الصورة ، أشبه ما يكون بالكلب الأبقع لما به من برص ، فأدرك أنه هو الكلب الأبقع الذى سبق أن تنبأ به جده عليه الصلاة والسلام حين قال : ( كأنى أنظر إلى كلب أبقع يلغ فى دماء أهل بيتى ) . واشتدت ضراوة القتال ، وتتابعت هجمات الأعداء ، وسيدنا الحسين يصدهم بكل ما استطاع من بأس وقوة ، حتى رأى ابن أخيه الحسين وهو غلام صغير أن عمه يقاتل منعه ، ووقف بجوار عمه وصاح بأحد المعتدين : يا ابن الحبيثة أتقتل عمى فضربه الشفى بسيفه فاتقاه الغلام بيده فقطعها فصاح الغلام يا أمتاه فاحتضنه الحسين وقال له : يا ابن أخى أصبر على ما نزل بك واحتسب فى ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين : برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى بن أبى طالب وحمزة وجعفر والحسن بن على صلى الله عليهم أجمعين . وظل الإمام رضى الله عنه يقاوم ويناضل وهو يتقى وحده ضربات الأعداء ، فيردهم مرة ويصيبونه أخرى ، وهو يصيح فيهم قائلا ك أعلى قتلى تجتمعون ؟ أما والله لا تقتلون بعدى عبدا من عباد الله أسخط عليكم بقتله منى ، وأيم الله إنى لأرجو أن يكومنى الله بهوانكم ، ثم ينتقم الله لى منكم من حيث لا تشعرون ، أما والله لو قتلتمونى ألفقى الله بأسكم بينكم ، وسفك دماءكم ، ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم . وهنا خرجت السيدة زينب عليها السلام وصاحب تقول : ليت السماء تطابقت على الأرض ، ثم قالت لعمر بن سعد وقد دنا من الحسين : ايقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟ فصرف وجهه عنها وهو يكاد يحس الخزى لفداحة ما هو قادم عليه , كل ذلك وسيدنا الحسين يعانى من شدة العطش ، وجهد النضال ، وألم الجراح ، وما نزف منه من دماء ، مما جعله يحس وطأة الإعياء وشدة الضعف ، وقد زاد من ضعفه وإعيائه تلك الضربة التى وجهها إليه ( زرعة بن شريك ) فأصيب بها فى كتفه . وعلى الرغم من شدة الضربة ، هجم عليه الإمام وضربه ضربة صرعته .. ولكن الإمام عليه السلام أخذ يكبو وينوء من شدة الإعياء والضعف . وظل الأعداء وقتا طويللا وهم يترددون فى الإجهاز عليه استشعارا لهذا الذنب العظيم ، وأخذ بعضهم يقدم البعض الآخر ويتقى به ويود أن يكفيه مؤونة هذا الجرم الفظيع .. فلما طال ذلك بهم ، صاح شمر فى الناس قائلا ك ويحكم ، ماذا تنتظرون بالرجل ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم . فحملوا عليه من كل جانب ، وقد شجعهم ما اصابه من شدة الإعياء والضعف ، وأخذوا يضربون كفه اليسرى تارة وعاتقه مرة أخرى ، إلى أن حمل عليه الغار ( سنان بن أنس ) فطعنه بالرمح فوقع على الأرض ، ثم قال سنان ( لخولى بن يزيد الأصبحى ) احتز رأسه ، فجبن وأصابته رعدة ، فقال له سنان : فت الله عضديك وأبان يديك ، ثم نزل إليه بنفسه فأجهز عليه واحتز رأسه ، ووقف يشده بسيفه على كل من يدنو منه مخافة أن يغلبه على عنيمته التى يرجوا أن تحقق له ما تطمع فيه نفسه الخبيثة – لدى سادته من مال وجاء ، فلما اطمأن رفع بلارأس الشريف إلى صاحبه خولى بن يزيد وأمره أن يحملها ويتحفظ عليها . ثم اندفع إليه بقية الأعداء فسلبوه وجردوه من سلاحه كما سلبوا خباءة ولم يتركوا حتى ثباب النساء من أهل بيته ، حيث كانوا ينتزعونها انتزاعا لا تجد معه السيدة بدا من تركه ... ) وقد وجد فى جسده الشريف ثلاث وثلاثون طعنة من رمح وأربع وثلاثون ضربة من سيف . وكان موعده مع لقاء ربه بين الظهر والعصر من يوم الجمعة الموافق للعاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة وكان عمره إذ ذاك 56 عاما وقيل 58 عاما – وذلك بعد استيلاء يزيد على الحكم بستة اشهر . وهكذا انتهت المأساة باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام واستشهاد معظم أصحابه وكان عددهم اثنين وسبعين رجلا بينما قتل من أعدائه ثمانية وثمانون رجلا بخلاف مئات الجرحى منهم ، ولم يبق من أحفاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير ( على الأصغر ابن الحسين ) المسمى ( زين العابدين ) – بسبب مرضه غبان اشتداد المعركة . وكأنما شاءت العناية الإلهية أن ينجوا من هذه الأخطار والكوارث التى اجتاحت البيت النبوى الكريم ، ليبقى امتدادا للدوحة النبوية الشريفة ، وليظل النسب النبوى الشريف متصلا فى ذريته ، عليهم السلام أجمعين . وقبل أن تغيب شمس ذلك اليوم القاتم الكئيب ، أمر عمر بن سعد بدفن القتلى من جنوده . أما سيدنا الحسين عليه السلام فقد أمر عمر بن سعد عشرة من الفرسان أن يدوسوا جسده الشريف بحوافر خيلهم حتى الصقوه بالأرض ... ثم أخذ هؤلاء الفرسان يجزون رءوس الشهداء من أصحاب الإمام ... وفى اليوم الثالى للمعركة دفنت هذه الأجساد الطاهرة فى مكانها بكربلاء ، حيث أقيم عليها بعد ذلك مشهد عظيم ، لا يزال حتى الآن مقصدا للملايين من المسلمين
|
|