والظن : أن يترجح أحد المعتقدين على الآخر.
والعلم ينقسم إلى قديم وحادث ، فالقديم : علم الله تعالى وليس بضروري ولا كسبي ،والحادث : على ثلاثة أقسام ضروري وبديهي وكسبي.
فالضروري : هو العلم الحادث الذي يلزم ذات العالم لزوماً لاانفكاك له منه ، وليس للشك إليه سبيل وذلك مثل العلم الحاصل عن إدراك الحواس وعلم الإنسان بنفسه وما يلحقه من الألم واللذة وغيرها.
وأما البديهي فيقرب من الضروري :وهو علم الإنسان باستحالة اجتماع المتضادين ، مثل الحركة والسكون ، والسواد والبياض ،واستحالة كون الموجود الواحد في الوقت الواحد في مكانين ونحو ذلك.
وأما الكسبي : فالعلم الحاصل عن نظر واستدلال ، ومن حكمة جواز طريان الشك والإبطال عليه.
وأما العقل : فهو العلم ، والدليل عليه أنه لا يحسن أن يقول الرجلعلمت وما عقلت أو عقلت وما علمت ، إلا أنه اسم لنوع من العلم وهو البديهي دونالضروري والكسبي لأن أصل العلوم الضرورية الحواس ،ومن الجائز أن يكون الموجود عاقلاً ولا حاسة له.
والكسبي يحصل عن نظر والعقل يسبق النظر.
وأما الدليل : فهو المرشد إلى المقصود ، وينقسم ذلك إلى عقلي وسمعي.
فالعقلي : مثل دلالة الصنع على الصانع ، والسمعي : خبر الصادق مثل كتاب الله ، وسنة رسول الله ، وأما النظر : فهو فكر القلب ، والتأمل في حال المنظور لطلب حقيقة العلم أو غلبة ظن ، والنظر صحيح عندنا ويحصل به العلم ، وأنكرت طائفة من الدهرية صحة النظر وقالوا لا معلوم إلامن جهة الحواس وتطرقوا بذلك إلى نفي الصانع.
والدليل علي بطلان قولهم أن نقوللهم ، عرفتم فساد النظر أو تشكون فيه ، فإن قالوا نقطع ببطلانه فقد أبطلوا قولهم لامعلوم إلا من جهة الحواس ، لأن فساد النظر لا يعرف حسا ، وإن قالوا الشك في كون النظر طريقاً إلى العلم ، دعوناهم إلى النظر في الدليل ، فإن نظروا في الدليل واعترفوا بحصول العلم فقد أقروا ببطلان مذهبهم ، وإن أنكروا حصول العلم فقد قطعوا بأن النظر ليس بطريق إلى العلم ، وفيه إثبات علم حاصل لا بالحواس.
ومن الدليل على بطلان قولهم أن نقول لهم علمتم فساد النظرضرورة أو بالنظر ، فإن قالوا ضرورة عكسنا عليهم ، قلنا نحن علمنا بطلان مذهبكم ضرورة إذليس أحد الخصمين بدعوى ضرورة ينفرد بها بأولى من الآخر ، وإن قالوا عرفنا بطلانه نظراً فقد أقروا بكون النظر طريقا إلى العلم فإنهم عرفوا بالنظر فساد النظر ، فإن قيل يلزمكم مثل ذلك ، فإنكم جعلتم النظر طريقاً إلى العلم ، فعرفتم ذلك ضرورةً أو نظرا.
فإن قلتم عرفناه ضرورةً ادعينا نحن بطلانه ضرورةً ، وإن قلتم عرفنا نظراً ، فكيف يعرف الشيء بنفسه ، قلنا عن سؤالكم يلزمكم لأنه نوع من النظر فإن لم يكن مفيداً فهو لغوٌ ،وإن كان مفيداً للعلم ببطلان النظر ففيه إقرارٌ بأن النظر يفيد العلم ، ثم جوابنا عنه أنا نصحح النظر بنوع من النظر داخل في جملة النظر فصحح نفسه وغيره كالعلم يعلمبه المعلومات ويعلم بالعلم نفس العلم وفي كتاب الله تعالى آيات كثيرة وتدل على أن النظر طريق إلى العلم مثل قوله تعالى أفلا ينظرون ، أو لم يتفكروا ، وقوله تعالى :واعبدوا ، وذلك أكثر من أن يحصى.