سيتم اليوم الأحتفال بمولد بن دقيق العيد بساحته وبجوار ضريحه القائم على يمين السالك لسيدى عطاء الله السكندرى
أبو الفتح سيدى تقى الدين بن دقيق العيد (625-702)
يقول حسن قاسم فى كرامات الأولياء
محمد بن على بن وهب بن مطيع بن أبى الطاعة القشيرى ، أوب الفتح تقى الدين ذاتا ونعتا ، السالك الطريق التى لا عوج فيها ولا أمتا (1) ، الشيخ المام ، علامة العلماء الأعلام ، ذو العلوم الشرعية ، والمعارف الصوفية ، كان رحمه الله آية من آيات الله ، قالت علماء عصره : إنه رأس المئة السابعة . ولا شك أنه كذلك ، فقد جمع رحمه الله بين العلم والعبادة والزهد والورع . ومناقبة رحمه الله كثيرة . وقد ترحمه غير واحد ، وكان رحمه الله من أصحاب الكرامات الخارقة .
ولد ووالده متوجه إلى الحجاز الشريف فى البحر المالح يوم السبت خمس وعشرين من شهر شعبان عام 625 بساحل ينبع ، البحر المالح ، ثم إن والده أخذه وطاف ودعا الله تعالى أن ينشئه عالما عاملا ، وكان كما قال ، فإنه نشأ رحمه الله محبا للعلم ، فبدأ بقراءة كتاب الله العظيم حتى حصل منه على حظ جسيم ، ثم رحل فى طلب الحديث إلى دمشق والإسكندرية ، فسمع من الحافظ المنذرى .
وكان رحمه الله يدرس الحديث ويمليه بدار الحديث الكاملية ، وكان يحضر محلسه أفاضل أهل عصره .
وكان قدرس سره كريما جوادا سخيا تولى النيابة بمصر .
وكانت له كرامات تنسب إليه ، وكان السلطان يقبل يديه ، وله مكانة رفيعة عند الأمراء وأرباب الجاه والمناصب .
وله تصانيف عديدة منها كتاب الإلمام (2) وهو كتاب بديع ، وله نثر أحسن من الدرر ، ونظم أبهج من عقود الجواهر .
وكان رحمه الله يحاسب نفسه على الكلام ، ويأخذ عليها بالملام .
توفى يوم الجمعة حادى عشر صفر عام سبع مئة واثنين ، ودفن يوم السبت بسفح المقطم بجوار شيخه سيدى ابن عطاء الله السكندرى رضى الله عنهما ، وكان يوم وفاته يوما مشهودا عزيزا فى الوجود ، سارع الناس إليه ، ووقف جيش مصر ينتظر الصلاة عليه رحمه الله تعالى . وقدر زرته ، ووجدت عليه قبة معقودة ، وضريح قد نقش بالآيات القرآنية بالخط الجميل داخل زاوية مفردة ، ورأيت على هذا المقام من التجلى والإكرام ما تنشرح لرؤيته الصدور ببركة أسراره ، وضريحه قبل ضريح شيخه بببضع خطوات اللهم أنفهنا وأمدنا بإمداداتهم . آمين
وأمام ضريحه مقام الكمال الهمام رضى الله عنه وأمامه سيدى أبن سيد الناس وأبن أبى جمرة وخلوة السيدة نفيسة رضى الله تعالى عنهم جميعا .
---------------------------------------------------------
(1) الأمت : المكان المرتفع . و- : الاختلاف فى المكان ارتفاعا وانخفاضا ، ورقة وصلابة . و - : العوج و-: العيب أو الضعف والوهن (ج) أموت .
(2) كتاب الإلمام : فى أحاديث الأحكام للشيخ تقى الدين محمد بن على المعروف بابن دقيق العيد الشافعى المتوفى 702 جمع فيه متون الأحاديث المتعلقة بالأحكام مجرة عن الأسانيد ثم شرحه وبرع فيه وسماه الإمام . قيل إنه لم يؤللف فى هذا النوع أعظم منه لما فيه من الاستنباطات والفوائد ولكنه لم يكمله ( كشف الظنون 158)
---------------------------------------------------------
ابن دقيق العيد
أبو الفتح تقى الدين ابن مجد الدين القشيرى المصرى – كان يلقب بتقى الدين – ولد فى البحر المالح وكان والده فى طريقه الى الحج من قوص الى مكة وهو من أكابر العلماء كان حافظا زاهدا ورعا مجتهدا حسن الاستباط من كتب السنة ، تفوق فى العلوم العقلية والنقلية ، سمع بمصر والشام والحجاز – وكان من تلاميذ الشيخ العز تلقى عليه العلم سنة 1925 وكان زطيا شاعرا طلق اللسان قال عنه العز : أنه مفخرة مصر ، ولقد شرح مختصرا ابن الحاجب وعاون أستاذه العز ولازم مجلسه وانتفع الشيخ بنبوغه المبكر ، عالم من علماء صعيد مصر ولد بمكة المكرمة ونشأ بقوص أحدى قرى صعيد مصر ودفن بسفح المقطم هذا الجبل الذى تكلمنا عنه مرارا بأن فيه غراس الجنة - هذا الجبل الذى اتخذه الاولياء والصالحين منه كهوف للعبادة مثلما سنتكلم عنه بالتفصيل فى الآثار الإسلامية وبعد ذلك من كهوف للعبادة إلى مثوى للدار الآخرة
إنه ابن دقيق العيد من قوص إلى مكة المكرمة إلى صعيد مصر إلى بلاد الشام ثم القاهرة – وقوص : هي مدينة ومركز بمحافظة قنا. وتقع علي الساحل الشرقي من النيل جنوب القاهرة بحوالي 645 كم. .
أصل التسمية
قيل انها سميت على اسم رجل اسمه "قوص" وقال أخرون أنها كلمة قبطية تعني "الكفن" لأن اهلها كانوا مهرة في دفن الموتي وتكفينهم. وقال آخرون إن اسمها يعود الي كلمة ناقوس لكثرة مابها من كنائس وأديرة كانت منتشرة بها لدرجة أن وصل عدد المذابح الكنسية إلى 365ً.
ونرجع إلى صاحب الترجمة فقال السبكى فى الطبقات هو شيخ الاسلام الحافظ الزاهد الورع الناسك المجتهد المطلق ذو الخبرة التامة بعلوم الشريعة الجامع بين العلم والدين والسالك سبيل السادة الأقدمين أكمل المتأخرين ولد بظهر البحر الملح قريبا من ساحل ينبع وابوه وأمه متوجهان من قوص للحج يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة ونشأ بقوص وتفقه بها ثم رحل الى مصر والشام وسمع الكثير وأخذ عن الشيخ عز بن عبد السلام وحقق العلوم ووصل الى درجة الاجتهاد وانتهت اليه رياسة العلم فى زمانه وشدت اليه الرحال قال الحافظ فتح الدين بن سيد الناس لم أر مثله فيما رأيت ولا حملت أنثى بأجل منه فيما رأيت ورويت وكان للعلوم جامعا وفى فنونها بارعا مقدما فى معرفة الحديث ، منفردا بهذا الفن النفيس فى زمانه بصير بذلك شديد النظر فى تلك المسالك . وقد قال الشهاب محمود الكاتب المحمود فى تلك المذاهب لم تر عينى أدب منه وقال أبو حيان هو اشبه من رأينا يميل الى الاجتهاد وقال الشيخ تاج الدين السبكى ولم أر أحدا من اشياخنا يختلف فى ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس المائة السابعة المشار اليه فى الحديث فانه أستاذ زمانه علما ودينا وله مصنفات منها الالمام فى الحديث وشرح العنوان فى أصول الفقه وكتاب فى اصول الدين وله ديوان خطب وشعر حسن مات يوم الجمعة حادى عشر صفر سنة اثنتين وسبعمائة ورثاه الشريف محمد بن محمد بن عيسى القوصى بقصيدة طويلة مطلعها
:
سيطول بعدك فى الطلول وقوفـى * أروى الثرى من مدمعى المذروف
أمحمد بن على بن وهب دعوة ** من قلب مسجون الفؤاد أسيف
لو كان يقبل فيك حتفك فدية **** لفديت من علمائنا بالوفا
أو كان من حم المنايا مانع **** منعتك سمرقنا وبيض سيوف
ما كنت فى الدنيا على الدنيا إذا** ولت بمحزون ولا مأسوف
وهى بتمامها فى حسن المحاضرة وقد أوسع صاحب الطالع السعيد الكلام فى ترجمته فكتب نحو كراستين فى فضائله التى لا تحصى
وقال وكان مع اجتهاده ووفور علمه وهيبته عند الملوك خفيف الروح لطيفا على نسك وورع ودين ينشد الشعر والموشح والزجل والمواليا ويستحسن ذلك وكان كثير المكارم النفسانية والمحاسن الانسانية لكنه كان غالبا فى فاقة فيحتاج الى الاستدانة قال وحكى لى شيخنا تاد الدين محمد بن الدشناوى قال حضرت مرة عنده ليلة وهو يطلب شمعة فلم يجد ثمنها فقال لأولاده فيكم من معه درهم فسكتوا وأردت أن أقول معى درهم فخشيت ان ينكر على فانه كان اذ ذاك قاضى القضاه بمصر فكرر الكلام فقلت معى درهم فقال لم نسألك وكان الشيخ تاج الدين تلميذه وتلميذ أبيه وابن صاحبه وحكى القاضى شهاب الدين بن الكويك التاجر المكارمى قال اجتمعت به مرة فرأيته فى ضرورة فقلت له يا سيدنا ما تكتب ورقة لصاحب اليمن فكتب ورقة لطيفة فيها هذه الأبيات
تجادل أرباب الفضائل اذرأوا *** بضاعتهم موكوسة القدر والثمن
فقالوا غرسناها فلم تلق طالبا *** ولا من له فى مثلها نظر حسن
ولم يبق الا رفضهاوأطراحها *** فقلت لهم لا تعجلوا السوق باليمن
وارسلها اليه فأرسل اليه مائتى دينار واستمر يرسلها الى ان مات يعنى صاحب اليمن وهى من كلامه رضى الله عنه
وقد تولى ابن دقيق العيد منصب قاضي القضاة في أخريات حياته في (18 من جمادى الأولى 695هـ= من مارس 1296م) بعد وفاة القاضي ابن بنت الأعز، وقبله بعد تردد وإلحاح، وكانت فترة توليه القضاء على قصرها من أكثر سني عمره خطرًا وأعظمها شأنًا، فقد أصبح على اتصال وثيق بالسلطان وكبار رجال الدولة، لكن كان له من ورعه ودينه وعلمه ما يجعله يجهر بالحق ويدافع عنه، فلا يقبل شهادة الأمير؛ لأنه عنده غير عدل، وإن كان الكبراء والعلماء يتملقونه ويقتربون إليه، فرد شهادة "منكوتمر" نائب السلطنة حين بعث إليه يعلمه أن تاجرًا مات وترك أخًا من غير وارث سواه، وأراد منه أن يثبت استحقاق الأخ لجميع الميراث بناء على هذا الإخبار، فرفض ابن دقيق العيد، وترددت الرسل بينهما، لكن القاضي كان يرفض في كل مرة، على الرغم من إلحاح منكوتمر عليه؛ لأن الأدلة لم تكن كافية لإثبات أخوة المذكور إلا شهادة منكوتمر، وأمام إصرار نائب السلطنة، استقال ابن دقيق من منصب القضاء احترامًا لنفسه وإجلالاً لمنصب القضاء، فلما بلغ السلطان "حسام الدين لاجين" ذلك أنكر على نائبه تصرفه في التدخل في عمل القضاء، وأرسل في طلب الشيخ، فلما جاء قام إليه وأجلسه بجواره، وأخذ يسترضيه ويتلطف به حتى قبل أن يعود إلى منصبه.
أموال الرعية، لا والله لا جاز لأحد أن يتعرض لدرهم ويذكر له وهو في منصبه أن رفض قيام السلطان بجمع المال من الرعية لمواجهة التتار، معتمدًا على
الفتوى التي أصدرها العز بن عبد السلام بجواز ذلك أيام سيف الدين قطز، وقال للسلطان: إن ابن عبد السلام لم يفت في ذلك إلا بعد أن أحضر جميع الأمراء كل
ما لديهم من أموال، ثم قال له في شجاعة: كيف يحل مع ذلك أخذ شيء من من أولاد الناس إلا بوجه شرعي" واضطر السلطان أن يرضخ لكلام القاضي الشجاع.
ولا شك أن ابن دقيق العيد قد ارتفع بمنزلة القاضي وحافظ على كرامة منصبه، فتطبيق الأحكام الشرعية هو سبيله إلى العدل دون تفرقة، والالتزام بالحق هو الميزان الذي يستعمله في قضاياه وفتاواه، فحين رأى بعض الناس تستحلّ أموال اليتامى القصّر الذين لا يستطيعون التصرف فيما يرثونه من أموال أنشأ ما يسمى "المودع الحكمي"، وهو شبه في زماننا "الديوان الحسبي" تُحفظ فيه أموال اليتامى الصغار، يقول ابن حجر العسقلاني: "وهو أول من عمل المودع الحكمي، وقرر أن من مات وله وارث إن كان كبيرًا أقبض حصته، وإن كان صغيرًا أحمل المال في المودع، وإن كان للميت وصي خاص ومعه عدول يندبهم القاضي لينضبط أصل المال على كل تقدير".
وكان ابن دقيق معنيًا بشئون القضاة الذين يتبعونه في الأقاليم، فيرسل إليهم الرسائل المطولة التي ترسم لهم ما يجب عليهم أن ينتهجوه ويلتزموه في أحكامهم، وكيفية معالجة قضايا الناس، وتضمنت رسائله أيضًا وصاياه لهم بالتزام العدل وتطبيق أحكام الشرع. وكان لـابن دقيق العيد ، الفقيه الشافعي المعروف، والقصيدة رائية، قالها في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اخترنا منها بعض الأبيات،. قال ابن دقيق العيد رحمه الله: يا سائراً نحو الحجاز مشمرًا اجهد فديتك في المسير وفي السرى وتدرع الصبر الجميل ولا تكن في مطلب المجد الأثير مقصرا اقصد إلى حيث المكارم والندى يلقاك وجههما مضيئاً مقمرا وإذا سهرت الليل في طلب العلا فحذار ثم حذار من خدع الكرى إن كَلّت النجب الركائب تارة فأعد لها ذكر الحبيب مكررا وابعث لها سر المدام فإنها بالذكر لا تنفك حتى تسكرا فالقصد حيث النور يشرق ساطعاً والطرف حيث ترى الثرى متعطرا قف بالمنازل والمناهل من لدن وادي قباء إلى حمى أم القرى وإذا رأيت مهابط الوحي التي نشرت على الآفاق نورًا نورا فاعلم بأنك ما رأيت شبيهها مذ كنت في ماضي الزمان ولا يرى شرفا لأمكنة تنزل بينها جبريل عن رب السماء مخبّرا فتأثرت عنه بأحسن بهجة أفدي الجمال مؤثّرًا ومؤثرا فتردد المختار بين بعيدها وقريبها متبدياً متحذرا ومهابة ملأ القلوب بهاؤها واستنزلت كبر الملوك مصغرا نزلت على قدم الزمان لتبع ودنت على بعد المزار لقيصرا هذه بعض أبيات قالها ابن دقيق العيد رحمة الله تعالى عليه في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قرأناها بعد أن اقتطفناها من ديوانه. هذا ما ذكره على باشا مبارك فى الخطط الوفيقية فى الجزء الرابع عشر صفحة 135
تقول الدكتورة سعاد ماهر فى الجزء الثالث ص 112
هو محمد بن على بن وهب تقى الدين بن دقيق العبد القشيرى ولد بالبحر الأحمر تجاه
ينبع عندما توجه والده لتأدية فريضة الحج فى يوم السبت الخامس عشر من شهر شعبان سنة 625 هـ فلما دخل الكعبة أخذه وطاف به ودعا له أن يجعله الله عالما عاملا – أمضى تقى الدين طفولته فى قوص حيث كان يقوم والده بالتدريس فى المدرسة التى بناها النجيب بن هبة الله سنة 607 هـ وتتلمذ على يد والده الذى كان يدرس الفقه على مذهب الإمام مالك والإمام الشافعى – أما والدته فهى أبنت الشيخ الإمام تقى الدين المظفر بن عبد الله بن على بن الحسين وهى من قوص ومن دار كريم –
وجاء فى الدرر الكامنة لأبن حجر : أن تقى الدين
نشأ فى قوص وأنشغل بالعلوم الدينية – قرأ كتاب الله العظيم حتى حصل منه على حظ وافر ثم رجل فى طلب العلم والحديث إلى الاسكندرية ودمشق بعد أن تفقه وسمع الحديث من والده وغيره من فقهاء وعلماء قوص ثم حضر إلى القاهرة وقام بالتدريس فى المدرسة الفاضلية التى أنشأها القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى بجوار المشهد الحسينى وقد حل محلها المسجد بعد توسعته
وهنا يقول المقريزى فى كتاب المواعظ والأعتبار جزء 4 ص 366 :
المدرسة الفاضلية هذه المدرسة بدر ملوخيا من القاهرة بناها القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيسانى بجوار دارة فى سنة ثمانين وخمسمائة ووقفها على طائفتى الفقهاء الشافعية والمالكية وجعل فيها قاعة للاقرءأ قرأ فيها الامام أبو محمد الشاطبى ناظم الشاطبية ثم تلميذه أبو بد اله بن محمد بن عمر القرطبى ثم الشيخ على بن موسى الدهان وغيرهم ورتب لتدريس فقه المذهبين الفقيه أبا القاسم عبد الرحم بن سلامة الاسكندرانى ووقف بهذه المدرسة جملة عظيمة من الكتب فى سائر العلوم يقال إنها مائة الف مجلد وذهبت كلها وكان أصل فقدان هذه الكتب عندما وقع الغلاء بالقاهرة أخذ الطلبة الكتب وذهبوا يبيعونها كل كتاب برغيف وذلك سنة أربع وتسعين وستمائة *
ثم درس بالمدرسة الصالحية التى أنشأها صلاح الدين الأيوبى بجوار مشهد الأمام الشافعى رضى الله تعالى عنه ويقول المقريزى : هذه المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة كان موضعها من جملة القصر الكبير الشرقى فبنى فيه قبة الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر أيوب هاتين *
والمدرسة الكاملية بالنحاسين ويقول المقريزى ( هذه المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة وتعرف بدار الحديث الكاملية أنشأها السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل أبى بكر بن ايوب بن شادى بن مروان سنة 622هـ وهى ثانى دار عملت للحديث فإن أول من بنى دارا على وجه الأرض الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى بدمشق ثم بنى الكامل هذا الدار ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوى ثم بعدها على الفقهاء الشافعية ووقف عليها الربع الذى بجوارها على باب الخرنفش ويمتد الى الدرب المقابل للجامع الأقمر ) وكان يسكن بجوار المدرسة الشيخ تقى الدين وانتهى بالتدريس بالمدرسة الصالحية التى أنشأها نجم الدين أيوب أخر سلاطين الدولة الأيوبية وقبلها كان يقوم بالتدريس بدار الحديث ببيت كان قد ورثها عن والده . ثم تولى القضاء فى عهد السلطان ( لاجين ) بعد امتناع شديد كما يذكر الاسنوى فى الطبقات حتى قالوا له إن لم تفعل ولو فلانا وفلانا = لرجلين لا يصلحان للقضاء فرأى ان القبول واجب عليه حينئذ وقد عزل نفسه عدة مرات ثم يعود ويضيف السيوطى بعض أحواله عندما ولى القضاء فيقول فكان القضاء فيقول فكان القضاء بخلع عليهم الحرير فامتنع الشيخ تقى الدين عن لبس الخلعة وأمر بتغيرها الى الصوف فاستكرت حتى القرن التاسع الهجرى ويضيف إنه حضر مرة عند السلطان لاجين فقام السلطان وقبل يده
*
سبب تسميته بأبن دقيق :
يسمى ابن دقيق العيد بمحمد بن عبد الله بن وهب، إلا أن اللقب الذي غلب عليه هو ابن دقيق العيد، وهو لقب جده الأعلى الذي كان ذا صيت بعيد، ومكانة مرموقة بين أهل الصعيد، وقد لقب كذلك لأن هذا الجد كان يضع على رأسه يوم العيد طيلساناً أبيضاً شديد البياض، فشبهه العامة من أبناء الصعيد لبياضه الشديد هذا بدقيق العيد *
يقول الأستاذ محمد عبده الحجاجي عن ابن دقيق العيد فى كتبه أعلام من الصعيد فى عصر الأيوبيين والمماليك
قاضى قضاة المسلمين فى العصر المملوكى ( ابن دقيق العيد 702هـ - 1302م )
لم أر مثله فيمن رأيت ولا حملت عن أجل منه فيما رأيت ورويت وكان للعلوم جامعا وفى فنونها بارعا مقدما فى معرفة علل الحديث على أقرانه منفردا بهذا الفن النفيس فى زمانه سعيدا بذلك شديد النظر فى تلك المسالك وكان حسن الأستباط للأحكام والمعانى من السنة والكتاب مبرزا فى العلوم النقلية والعقلية
نشر هذا الموضوع فى مجلة الأمة القطرية العدد الثامن والثلاثين السنة الرابعة صفر 1403 هـ الموافق نوفمير 1983 م من ص 66 ، 67
مولده ونشأته :
بينما كان العالم الفقيه على أبن وهب المعروف بمجد الدين القشيرى يأخد طريقه الى اداء فريضة الحج يوم السبت يوم 25 من شعبان سنة 625 هجرية – 1227م على ظهر أحدى السفن وبصحبطه زوجتة كريمة الشيخ الزاهد الورع مفرج الدمامينى احد كبار متصوفى الصعيد فى القرن السابع وذلك عن طريق البحر الاحمر الذى كان يسمونه فى العصر الاسلامى ببحر القلزم وما أن قاربت السفينة ساحل الينبع حتى حمل البشير اليه نبأ ادخل السرور والبشرى الى قلبه وهو أن زوجته قد وضعت غلاما فرفع العالم الفقيه مجدى الدين القشيرى يده الى السماء شاكرا حامدا نعمة الله عليه سبحانه وتعالى على هذه المنه العظيمة – ولما قدم مكة حمل رضيعه المبارك بين يده وطاف به البيت وهو يدعو الله سائل ان يجعله عالما عاملا وقد استجاب الله الى دعائه ووصل الفتى بجده وذكائه فى الددرس وتحصيل العلم الى مرتبة قاضى قضاه المصريين فى العصر المملوك .
وقد كان يدعو محمد ابن عبد الله ابن وهب الى ان اللقب الذى غلب عليه هوا ابن دقيق العيد وهو لقب جده الاعلى الذى طان ذا صيت بعيد ومكانه مرموقة بين اهل الصعيد وقد لقب كذلك لان هذا الجد كان يضع على راسه يوم العيد طيلسانا ابيض شديد البياض فشبه العامة من ابناء الصعيد لابياضه الشديد هذا بدقيق العيد .
نشأ ابن دقيق فى مدينة قوس التى كانت تشتهر فى ذلك الوقت بمدارسها العديدة ونهضضها الثقافية الواسعة تحت رعاية والده مجدى الدين القشيرى الذى على يديه الاف من ابناء الصعيد كما يشير الى ذلك الادفو فى طالعه الصعيد فى تراجم متفرقة وقد عاش شبابه طقيا نقيا ورعا طاهر الظاهر والباطل يتخرى الطهارة فى كل امر من امور دينه ودنياه –
حفظ القرآن الكريم حفظاً تاماً، وتفقه على مذهب الإمام مالك على يد أبيه، ثم رجع وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على يد تلميذ أبيه البهاء القفطي، كما درس النحو وعلوم اللغة على يد الشيخ محمد أبي الفضل المرسي، وشمس الدين محمود الأصفهاني، ثم ارتحل إلى القاهرة التي كانت في ذلك الوقت مركز إشعاع فكري وثقافي يفوق كل وصف، تكتظ بالعلماء والفقهاء في كل علم وفن، فانتهز ابن دقيق العيد هذه النهضة العلمية الواسعة التي شهدتها القاهرة في ذلك الوقت، والتف حول العديد من العلماء، وأخذ على أيديهم في كل علم وفن في نهم بالغ » انتهى .
أساتذته وشيوخه
لازم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام حتى وفاته، وأخذ على يديه الأصول وفقه الإمام الشافعي، وسمع الحافظ عبد العظيم المنذري، وعبد الرحمن البغدادي البقال، ثم سافر بعد ذلك إلى دمشق وسمع بها من الشيخ أحمد عبد الدايم وغيره، ثم اتجه إلى الحجاز ومنه إلى الإسكندرية فحضر مجالس الشيوخ فيهما، وتفقه. وقد جمع بين فقهي الإمامين مالك والشافعي. ومكث بالقاهرة فترة يسيرة \اتجه على \اثرها الى مسقط رأسه قوص حيث تقلد منصب التدريس بالمدرسة التجيبية وهى أحدى المدارس الشهيرة فى قوص وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره فألتف خوله المريدين يأخذون على يديه فى مختلف الفنون والمعرفة الاسلامية وقد عرف بغرازة علمه وسعة \افقه فذاع صيته بين الناس حتى أن الى قوص قد أسند إليه مذهب القضاه على مذهب الامام مالك ثم اتجه بعج ذلك الى القاهرة وثام فيها بالتدريس بالمدرسة الفاضلية والكاملية والصالحية والناصرية وكان ثقة فى كل ما يقوله أو يشرحه ختى بلغ فى النفوس مكانة سامية مرموقة وقد وصفه كثير من المؤرخين ومتاب التراجم والطبقات كالسبكى وابن فضل الله العمرى والأدفوى وغيرهم بأنه لم يزل حافظا للسانه مقبلا على شأنه وقف نفسه على العلوم ووقصدها فأوقاته كلها معمورة بالدروس والمكالعة او التحصيل والاملاء قال الأدفوى فى طالعه السعيد كان له قدرة على المطالعة رأيت خزانة المدرسة التجيبية بقوص فيخا جملة كتب من جملتها ( عيون الأدلة لأبن القصار ) فى نحو من ثلاثين مجلد وعليها علامات له أيضا ويقال أنه طالع كتب المدرسة الفاضلية بالقاهرة عن أخرها وقد كان دأبه ان يقضى الليل فى المطالعة والعبادة فكان يطالع فى الليلة الواحدة المجلد والمجلدين وربما ثلا أية واحدة من القرآن الكريم فكررها ختى مطلع الفجر وقد استمع له بعض أصحابه ليلة وهو يقرأ فوصل الى قوله تعالى ( فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ( سورة المؤمنون 101 ) قال فما زال يكررها الى طلوع الفجر وكان يقول ما تعلمت كلمة ولا فعلت فعلا الا وأعددت له جوابا بين يد الله عز وجل ( طبقات السبكى ج6 ص 4 )
(1) قال عنه بن سيد الناس: «
لم أرَ مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجلّ منه فيما رأيتُ ورويتُ، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعاً، مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفرداً بهذا الفن النفيس في زمانه، بصيراً بذلك شديد النظر في تلك المسالك.. وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، مبرزاً في العلوم النقلية والعقلية » . طبقات الشافعية للسبكي ج6، ص2-3
(2) قال الأدفوي في طالعه السعيد: كان له قدرة على المطالعة، رأيت خزانة المدرسة النجيبية بقوص فيها جملة كتب من جملتها عيون الأدلة لابن القمار في نحو ثلاثين مجلدة وعليها علامات له، وكذلك رأيت في المدرسة السابقية السنن الكبير للبيهقي على كل مجلدة علامة له أيضاً.
من مآثره
ويقال إنه طالع كتب المدرسة الفاضلية بالقاهرة عن آخرها،وقد كان دأبه أن يقضي الليل في المطالعة والعبادة، فكان يطالع في الليلة الواحدة المجلد أو المجلدين، وربما تلا آية واحدة من القرآن الكريم فكرّرها حتى مطلع الفجر.
استمع له بعض أصحابه ليلة وهو يقرأ فوصل إلى قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) قال: فما زال يكررها إلى طلوع الفجر.
من أقواله
« ما تعلمت كلمة ولا فعلت فعلاً إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله عز وجل » .
من سماته
كان مغرماً بالقراءة ، كثير النقد والتحري والتدقيق فيما يقرأ، لا يقبل الشيء من غير أن يعمل فيه فكره فيقبله أو يرفضه.
وكان رحمه الله في قضائه وآرائه وفتواه مثلاً أعلى للصدق والعدالة والنزاهة، لا يخشى في الحق لومة لائم أو بطش سلطان، فما كان يراه حقاً يطمئن عليه الشرع ينفذه ولو كان في ذلك غضباً للحكام والسلاطين.
وقد كان رحمه الله كريماً جواداً بجانب غيرته على الحق.. لا يخشى فيه لومة لائم..
.
قاله عنه كامل عجلان فى كتابه سلطان العلماء سنة 1950
أبن دقيق العيد قاضى القضاة
حبنما توفى قاضى القضاه فى مصر وهوالتقى عبد الرحمن بن بنت الأعز فى ثامن عشر جماد الاول سنة 695 هـ - 24 / 1/ 1296م وخلا بموته هذا المنصب وذلك فى عهد السلطان منصور بن لاحين أشار أحد المقربين الى هذا السلطان قائلا : هل أدلك على محمد بن أدريس الشافعى وسفيان الثورى وابراهيم بن أدهم فعليك بأبن دقيق العيد فكان أن تقلد ابن دقيق العيد هذا المنصب الذى ظل شاغلا له مدة سبعة سنوات بلغت فيها شخصيته مكانة مرموقة فى الديار المصرية ويقول بعض المؤرخين ( ان ابن دقيق العيد تردد فى قبوله هذا المنصب حين عرض عليه وأبدى الامتناع والرفض لولا أن يحايلوا عليه ) وقد كان رحمه الله فى قضائه وأرائه وفتواه مثلا أعلى للصدق والعدالة والنزاه لا يخشى لومة تلائم أو بطش سلطان فما كان يراه حقا يطمئن عليه الشرع ينفذه ولو كان فى ذلك غضبا للحكام والسلاطين وقد ترتب على ذلك أن كثرة أعدائهم وحاسدوه الذين كانوا يدسون عليه ويكيدون له وقد أورد كثير من المؤرخين مواقف مشرفة تشهد له بالنزاهة والامانة فى عدله بين الناس من هذه المواقف أن الفقيه نجم الدين احمد بن الرفعة كان قد أفتى بوجوب هدم كنائس النصارى وبها اليهود من اجل انها حدث فى الاسلام وجمع القضاه وللفقهاء بذلك لكن ابن دقيق العيد لم يوافق على هدمها وقال أحتاج الى بينة تشهد بأنها حدث فى الاسلام فأن قامت البينة بهذا أقتيت وحكمت بهدمها ومتى لم تقم البينة فلا يجوز هدمها فوافقه الجماعة على ذلك وامتنع الناس عن هدم الكنائس وكانوا قد هموا بهدمها .
وقد وضع الاستاذ عبد المتعال الصعيدى بن دقيق العيد على رأس المجددين فلا الاسلام فى القرن السابع الهجرى فيقول ولابن دقيق العيد لفتة عابرة و تدل على انه كان فيه شىء من نوعة التجديد وذلك انه لما جاءت التتار الى الشام فى سنة 680 هـ 1281م ورد مرسوم السلطان الى القاهرة بعد خروجه منها للقائهم ان يجتمع العلماء ويقرؤوا صحيح البخارى فأجتمع العلماء وقرؤوه ال ان بقى شىء منه وكان هذا فى يوم الخميس فأخروا ما بقى الى ان يتموه يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة رأو ابن دقيق العيد فى الجامع فقال لهم ماذا فعلتم ببخاريكم فقالوا بقر ميعاد أخرناه لنختمه اليوم فقال اتفصل الحال من اسس العصر وبات المسلمون على كذا فقالوا نخبر عنك فقال نهم فجاء الخبر بعد ذلك وكان النصر فيه للمسلمين وقد عد السبكى هذا من كرامات ابن دقيق لكن قول ابن دقيق العيج ناذا فعلتم ببخاركم يريد منه ان النصر قد تم بما أمر الله بأعداده من قوله ومن رباط الخيل وليس بقراءة البخارى ونحوه على عكس ما فهم الامام السبكى لآن المسلمين قد اعتمدوا على مثل هذه الوسائل وتركوا الأعتماد على العلوم التى تمكنهم من اعداد ما امرهم الله به من القوة الحربية .
وفى الكواكب الدرية ج2
هو على بن وهب بن مطيع بن أبى الطاعة مجد الدين القشيرى المنفلوطى ثم القوصى المعروف بابن دقيق العيد ، والد الشيخ تقى الدين العالم العامل ، الإمام الكامل ، كان ممن جمع بين العلم والعبادة ، والورع والزهد مع بذل الإحسان وائتلاف الخاص والعام . ولد بمنفلوط فى رمضان سنة إحدى وثمانين وخمس مئة وبها نشأ ، فحفظ القرآن الكريم ، وأخذ الحديث والأصوال عن الحافظ ابن المفضل المقدسى وبه تفقه فى مذهب مالك وعن البهاء ابن بنت الجميزى وبه تفقه فى مذهب الإمام الشافعى ، وحدث عن أبى روح .( هو المعز بن محمد بن أبى الفضل الأنصارى )
وأخذ عنه الأكابر كالتقى والسراح والتاج والبهاء القفطى( هما أولاد تقى الدين ) والجلال الدشناوى والمحسب الطبرى والضياء الحسينى( هو ضياء الدين جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسينى ) والنجيب بن بن مفلح ( هو عثمان بن مفلح ينعت بالنجيب ) والقاضى شمس الدين بن قدس ( وفى الأصول ابن ورس وهو أحمد بن محمد بن هبة الله ) والسراح الأزمنتى ( وهو القاضى الفقيه السراح الدين يونس بن عبد المجيد الأرمنتى ) والنجم بن ناشئ ( فى الأصول : باشى ، وهو القاضى نجم الدين أحمد بن ناشئ ) والحافظ ابن سليم ( وهو منصور بن سليم ) والدمياطى ( وهو الحافظ عبد المؤمن الدمياطى ) والبدر بن جماعة ( وهو قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة ) وأحمد بن عبيد * وطلبه لقوص ابن هبة لما بنى مدرسته بإشارة ابن الصباغ ، فاستوطنها فعمت بركته وانتشرت حفدته وأقام شعائر مذهب السنة بأسلوب حكيم ووهى مذهب الشيعة وزال الرفض بعد أن فشا فى ذلك الإقليم وارتحل الناس من الأقطار لالتماس دعائة حتى من الأمصار وناب فى الحكم بمنفلوط وأسيوط وغيرهما * وكان كثير القشف والتقلل من الدنيا كثير الثلاوة حتى أنه ليقرأ فى اليوم ختمتين مع ما هو عليه من صيام الدهر والتهجد والإقراء والتصنيف .
وسبب تسمية والده بدقيق العيد : أنه مر يوم عيد بطيلسان شديد البياض فقيل كأنه دقيق العيد فجرى عليه ، وكان والده هذا ذا علم وكرامات * وحكى تلميذه البرهان المالكى أنه توجه معه لزيارة أبى الحجاج بالأقصر ، فدخلها عشية فقال لا ندخل على الفقراء ليلا ونزل فى مكان بجماعته فلما كان جوف الليل طرق الباب فخرجوا فوجدوا أبا الحجاج فقال رأيت المصطفى صلى الله عليه وسللم فقال لى الفقيه أبو الحسن قدم وهو بمحل كذا قم فسلم عليه