اشترك في: السبت ديسمبر 21, 2013 9:44 pm مشاركات: 1662
|
وجه المقاربة في تفسير الآيتين: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً) و(وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأرض)
http://www.numidianews.com/ar/article~21373.html
استدل بعض المتكلمين من اليهود الذين يحاولون أن يضللوا الناس بشأن تفسير قوله تعالى في كتابه العزيز من سورة الإسراء: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا. قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا. فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا. وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) الإسراء/101-104.
وقد ناسب ذكر هذا المقطع من قصة موسى وبني إسرائيل سياق سورة الإسراء كاملة، حيث بدأت بالحديث عن بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض، ثم أعاد الحديث هنا عن واحد من مواقف التكذيب التي وقفها بعض بني إسرائيل، رغم إرسال تسع معجزات ظاهرات باهرات، ورغم الآية العظيمة التي رأوها عيانا حين انفلق البحر فلقتين .
فجاءت هذه الآيات في سياق الامتنان على بني إسرائيل بالتمكين في الأرض، وتذكيرهم بنجاتهم من فرعون وعمله، ووعظهم بأن هذا المتاع إنما هو إلى أجل مسمى، وهو أجل الآخرة، فإذا جاء يوم القيامة حشر الناس كلهم، المؤمن والكافر، والظالم والمظلوم، في صعيد واحد مجتمعين ليقضي الله بينهم يوم الحساب الأكبر .وهذا معنى قوله عز وجل: ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا).
يورد الشيخ محمد متولي الشعراوي لفتة جميلة حول الآيتين، قوله تعالى: (مِن بَعْدِهِ) أي: من بعد موسى ( ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ ) أغلب العلماء قالوا: أي الأرض المقدسة التي هي بيت المقدس، التي قال تعالى عنها: (يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ..).المائدة:21. فكان ردّهم على أمر موسى بدخول بيت المقدس: (إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا..). المائدة:22. وقالوا: ( إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) المائدة: 24
لكن كلمة ( الأَرْضِ ) هنا جاءت مجرّدة عن الوَصْف ( ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ ) دون أنْ يُقيِّدها بوصف، كما نقول: أرض الحرم، أرض المدينة، وإذا أردتَ أنْ تُسكِنَ إنساناً وتُوطّنه تقول: اسكن أي: استقر وتوَطّن في القاهرة أو الإسكندرية مثلاً، لكن اسكن الأرض، كيف وأنا موجود في الأرض بالفعل؟! لا بُدَّ أن تُخصِّص لي مكاناً اسكن فيه.
نقول: جاء قوله تعالى ( ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ ) هكذا دون تقييد بمكان معين، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمتْ عليهم بالتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه، كما قال تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً..) الأعراف: 168
والواقع يُؤيد هذا، حيث نراهم مُتفرقِّين في شتَّى البلاد، إلا أنهم ينحازون إلى أماكن مُحدَّدة لهم يتجمَّعون فيها، ولا يذوبون في الشعوب الأخرى، فتجد كل قطعة منهم كأنها أمة مُستقلة بذاتها لا تختلط بغيرها.
وقوله تعالى: ( فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ) الإسراء: 104 والمراد بوَعْد الآخرة: هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل، حيث قال تعالى عن إفسادهم الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً) الإسراء:4-5
فقد جاس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال ديارهم في المدينة، وفي بني قريظة وبني قَيْنُقاع، وبني النضير، وأجلاهم إلى أَذْرُعَات بالشام، ثم انقطعت الصلة بين المسلمين واليهود فترة من الزمن.
ثم يقول تعالى عن الإفسادة الثانية لبني إسرائيل: ( فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً) الإسراء: 7
وهذه الإفسادة هي ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضُّوا على اليهود وهم في شتيت الأرض؟ لا بُدَّ أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمُّع في وطن قومي لهم كما يقولون، حتى إذا أراد أَخْذهم لم يُفلتوا، ويأخذهم أخْذ عزيز مقتدر.
وهذا هو المراد من قوله تعالى: ( جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ) الإسراء: 104 أي: مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين. ثم يقول الحق سبحانه: ( وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ... ).
خواطر في التفسير للشيخ محمد متولي الشعراوي
_________________ مدد ياسيدى يارسول الله مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس
|
|