12 ــ الطريق إلي الله حين هبط آدم إلي الأرض انقطع مجيء الذبابات التي كانت تصل إلي وأنا ذرة في ظهره حين كان في الجنة.. لم أعد أسمع.. لم أعد أري.. لم أعد أحس.. لم أعد هناك.
انقطع الاتصال فجأة.. أدركت أنني ميت.. هذه هي الموتة الأولي.
يقول تعالي في سورة غافر: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين.
قال المفسرون: إن الموتة الأولي كانت في أصلاب الآباء قبل الخلق, والحياة الأولي هي الحياة الدنيا, ثم يموت الناس في الدنيا, وهذه هي الموتة الثانية, ثم يحييهم ربهم يوم البعث والقيامة, وهذه هي الحياة الثانية.
لم أزل في أحضان الموتة الأولي.. ليس الموت مخيفا كما نتصور, إنما هو جزء من رحلة الإنسان في الكون, هو صورة من الصور شأنه شأن النوم, نحن ننام خلال حياتنا علي الأرض ثم نستيقظ, ننام ساعات ثم ننهض, ليس الموت سوي نوم لسنوات أو قرون, لا يعرف المرء حين يستيقظ أنه نام غير لحظة, لا يدري كم نام, ولا يعرف وهو نائم أن الوقت يمر, وهذا هو جوهر الموت أيضا, ليس فيه إحساس بمرور الوقت, وليس الإحساس بمرور الوقت ممتعا دائما.
نفخ الله من روحه في الخلايا والدم فأحسست أنني أتحرك.. تحركت حركة سريعة فضربت جدارا لينا لم أعرف ما هو, المكان ظلام هائل, وأنا متكور علي نفسي تماما, تحولت من نطفة رجل وبويضة امرأة إلي خلية عجيبة تنقسم إلي ملايين الخلايا التي تصنع المخ, وملايين الخلايا التي تصنع العظام, وملايين الخلايا التي تصنع شبكة الأعصاب, وبلايين الخلايا التي تصنع بقية الجسد الإنساني, ومن المدهش أن كل خلية كانت تعرف طريقها برغم أن الدنيا ظلام مطبق, ثمة عمل لا يتوقف في بطن أمي, وهكذا رأيت يد الرحمة الإلهية وهي تعمل من وراء ستار قوانين معقدة متشابكة لا تضل أبدا, ولا تخطئ, ولا تنسي.
سجدت في رحم الأم لهذا الإعجاز الذي يقع لي دون أن يراه أحد. يتبع بمشيئة الله
|