التجسيم خلاصته هو التمهيد لمسيح الضلالة الأعور الدجال ، فترسيخ صورة الإله المتجسد في أذهان البشر هي أهم دعامة لهذا الملعون عند خروجه وادعاء الألوهية.
الأديان الوضعية المؤمنين بها الأمر منتهي عندهم فالإله أو الآلهة عندهم في صورة مجسدة بالفعل.
وكذلك في اليهودية والنصرانية.
أما في الرسالة الخاتمة الإسلام فالأمر مختلف ، فتحريف الكتاب والعبث بمتن النص محال لحفظ الله تعالى له.
فبقيت لهذا الملعون طريق واحدة وهي العبث بمفهوم النصوص.
ولكن الله عز وجل قيد لهذه الأمة علماء ربانيين نقلوا لنا طبقة عن طبقة منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا صحيح الفهم لمعاني الدين ومرادات النصوص إجمالاً أو تفصيلاً بشكل ينفي أباطيل وتوهمات وفهوم الزيغ والضلال.
لكن وعبر التاريخ وخلال مرحلة تزييف الفهم لنصوص الشريعة بعيداً عما ذكرته قريباً وجدت مدرسة عمدت إلى فهم النص بشكل يؤدي إلى التجسيم المحض وهذا في النهاية لن يستفيد منه إلا مسيح الضلالة الأعور الدجال وخطته في دعوى الألوهية وترسيخ فكرة الإله المتجسد.
وإن كانت خطوات تلك المدرسة في الفهم التجسيمي كانت على مراحل عبر تاريخ الأمة وبشكل متناثر وإن كانت قد خفتت قرناً وراء قرن وأماتها بعد فضل الله بركة جهود العلماء العاملين إلا أنه وفي عصرنا هذا عصر فشو الجهل وقبض العلم والفتن كقطع الليل المظلم رأينا من عمل على إعادة إظهار وتدوير ذلك التراث التجسيمي وجمعه وتقديمه كوحدة واحدة لجماهير الأمة حالياً على أنه هو معتقد أهل السنة والجماعة وسلف الأمة وخلفها.
وما كانوا صادقين في دعوتيهم ، فلا هم أهل السنة والجماعة ، ولا ما قدموه هو معتقدهم معتقد أهل الحق.
ولأن معرفة الشر تنجي من الوقوع فيه فأحببت أن أعرض لجهود هؤلاء المعاصرين في نشر بدعة التجسيم.
ولكن قبل هذا العرض فلابد من تتبع الخطوات والأصول التاريخية لتلك المؤلفات التي أصلت لتك البدعة عبر تاريخ الأمة وعملت مدرسة الخوارج في عصرنا هذا على إعادة نشرها.
فأبدأ وبالله التوفيق بعرض التالي من هذا التراث.
أولًا: كتاب الرد على الجهمية وكتاب نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد. (لعثمان بن سعيد الدارمي( ٢٨٠هـ).
أما كتاب الجهمية فقد احتج فيه بكثير من الأسانيد الواهية والمتون المنكرة التي تخالف التنزيه وأثبت فيه أن العرش يئط من ثقل الجبار فوقه، وأنه ينزل في الليل إلى جنة عدن وهي مسكنه يسكن معه فيها النبيون والصديقون والشهداء، وأنه يهبط من عرشه إلى كرسيه ثم يرتفع عن كرسيه إلى عرشه، وعقد فيه بابًا في تكفير الجهمية، وبابًا في قتلهم واستتابتهم من الكفر.
ولا يخفى أن الجهمية مصطلح تشنيع لا يراد به فرقة انتسبت إلى الجهم بن صفوان لأن الجهم مات وماتت معه أفكاره إلا أن الدارمي ومن تابعه يعنون بالجهمية من خالفهم في صفات الله عز وجل فيدخل في هذا الوصف المعتزلة وأهل السنة من الأشاعرة والماتريدية.
أما كتابه الآخر فهو مثل سابقه، وزاد فيه إثبات الحركة لله عز وجل، وفيه إثبات الحد، وأنه مس آدم مسيسًا بيده، وأنه يقعد على العرش فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع، وأنه قادر على الاستقرار على ظهر بعوضة، وأنه إذا غضب ثقل على حملة العرش، وأن رأس المنارة أقرب إليه من أسفلها، وغير ذلك مما هو مبسوط في موضعه.
وهذان الكتابان لهما منزلة عظيمة عند ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وقد أكثرا النقل عن هذين الكتابين ويقول ابن القيم بعد الثناء على الدارمي: (وكتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدًا. وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما.
ثانيًا : كتاب السنة لابن أبي عاصم.
هذا الكتاب لمؤلفه أبي بكر بن أبي عاصم أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني من أهل البصرة ( ٢٨٧هـ) وكان مذهبه القول بالظاهر.
وأثبت في كتابه من الأخبار المنكرة ما هو مذكور في موضعه، ومنها أن الله خلق آدم على صورة وجهه، وعلى صورة الرحمن، وأنه تجلى للجبل منه مثل الخنصر، وأن العرش يئط به من ثقله، وأنه يقعد محمدًا صلى الله عليه وسلم معه على العرش، وأن المؤمنين يجالسون الله عز وجل في الجنة وغير ذلك.
يتبع إن شاء الله.