|
[font=Arial]( حَتَّى تَوَلَّيْتَ قُلُوبَهُمْ فِي الْمَلَكُوتِ وَجَالَتْ بَيْنَ سَرَائِرِ حُجُبِ الْجَبَرُوتِ )
ــــــــــــــــــــــــــــــ
( عالم الجبروت:
الجبروت هو الجبر والقهر, من حضرة أسماء الجلال, كالجبار والقهار, قال الشريف الجرجاني: "عالم الجبروت، أي عالم المجردات، وهو مظهر عالم الأعيان الثابتة، وهو مظهر الأسماء الإلهية والحضرة الواحدية، وهي مظهر الحضرة الأحدية".
قلت: وعالم الجبروت هو باطن عالم الملكوت, وعالم الملكوت ظاهره, فهو غيب بالنسبة لعالم الملكوت, وغيب الغيب لعالم الملك, ولا يدرك بالقلب,
وإنما يدرك بثمرة التجلي, ففيه التجلى بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا, على ما بيناه في جزئية الفناء والبقاء.
وفيه حضرة المقادير, وغلبة الأقدار, وصريف القلام, والأرواح المهيمة, والأميون المسقون من ماء الحياة, النابع من حياء الدرة البيضاء, ونبيهم سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم هو أصلهم ومددهم.
وهذا العالم يدرك بعقل الروح (انظر جزئية العقل والتعقل) وبالسر, وليس بعقل علماء الظاهر ولا الفلاسفة, كما قلنا يدرك بعقل الروح, وذلك على حسب حظ الإنسان من القسمة. وحضرة عالم الجبروت بدايات حضرة الكشف الأقدس, والحضرات القدسية, وهؤلاء لهم نصيب من حضرة الرحموت.
قال ذو النون المصري:
«أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي ابْتَدَعْتَ بِهِ عَجَائِبَ الْخَلْقِ فِي غَوَامِضِ الْعِلْمِ، يَجُودُ جَلَالُ جَمَالِ وَجْهِكَ فِي عَظِيمِ عَجِيبِ تَرْكِيبِ أَصْنَافِ جَوَاهِرِ لُغَاتِهَا، فَخَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ سُجَّدًا لِهَيْبَتِكَ مِنْ مَخَافَتِكَ أَنْ تَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ سَرَحَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي الْعُلَى وَحَطَّتْ هِمَمُ قُلُوبِهِمْ فِي مُغَلِّبَاتِ الْهَوَى حَتَّى أَنَاخُوا فِي رِيَاضِ النَّعِيمِ، وَجَنَوْا مِنْ ثِمَارِ التَّسْنِيمِ، وَشَرِبُوا بِكَأْسِ الْعِشْقِ وَخَاضُوا لُجَجَ السُّرُورِ وَاسْتَظَلُّوا تَحْتَ فِنَاءِ الْكَرَامَةِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ شَرِبُوا بِكَأْسِ الصَّفَا فَأَوْرَثَهُمُ الصَّبْرَ عَلَى طُولِ الْبَلَاءِ حَتَّى تَوَلَّيْتَ قُلُوبَهُمْ فِي الْمَلَكُوتِ وَجَالَتْ بَيْنَ سَرَائِرِ حُجُبِ الْجَبَرُوتِ، وَمَالَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي ظِلِّ بَرْدِ نَسِيمِ الْمُشْتَاقِينَ الَّذِينَ أَنَاخُوا فِي رِيَاضِ الرَّاحَةِ وَمَعْدِنِ الْعِزِّ وَعَرَصَاتِ الْمُخَلَّدِينَ».
عالم الخلق وعالم الأمر: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف 54)
لعلك تذكر ما قدمناه في جزئية القسمة من النور ما جاء في حديث طَاوُس، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: «مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ» قَالَ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي, قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو, فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ, قَالَ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: فَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ)
(الجاثية 13) فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا كَانَ لِيَأْتِي بِهَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم». وشرحنا قول الإمام البيهقي, واختلاف أسيادنا العلماء في فهم هذا الحديث, وذكرنا جزئية أن من المخلوقات ما خلق من شيء, ومنها ما خلق من غير شيء.
فعالم الخلق هو ما خلق من شيء.
وعالم الأمر هو ما خلق من غير شيء, فعالم الأمر ما كان مخلوقاً بكلمة "كن".
والعالمان الخلق والأمر, كلاهما مخلوقان.
ذكر العلامة البقاعي نقطة لطيفة في فصل إجابة الأسئلة الثلاثة - التي سألها اليهود للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم عن الروح, وأصحاب الكهف، وذي القرنين - إلى سورتين: سورة الإسراء وسورة الكهف, فقال:
"ولما كانت الروح من عالم الأمر, الذي هو من سر الملكوت، ضمت إلى سورة الإسراء الذي هو من أبطن سر الملكوت لاسيما بما علا به من المعراج الذي جعل لغرابته كالرؤيا
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ)(الإسراء 60) , ولذلك فصلت عن السؤالين الآخرين، لأنهما من عالم الملك". انتهى
وكعادة ابن تيمية في الهجوم على خلق الله تبديعاً وتضليلاً وتشريكاً, فقد ضلل من قال ما شرحناه عن عالم الملك والملكوت والجبروت في معظم كتبه وخاصة كتابه الذي ألفه في الرد على الإمام أبي الحسن الشاذلي: "الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق", واتهمه فيه بسوء من القول, كما اتهم الإمام الغزالي, وحرف الكلام كعادته, قال ابن تيمية: "وأبو حامد يجعل عالم الملك عالم الأجسام وعالم الملكوت والجبروت عالم النفس والعقل ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والمسلمين لم يقصدوا بهذا اللفظ هذا. بل ما يثبته المتفلسفة من العقل باطل عند المسلمين بل هو من أعظم الكفر فإن العقل الأول عندهم مبدع كل ما سوى الله والعقل العاشر مبدع ما تحت فلك القمر وهذا من أعظم الكفر عند المسلمين واليهود والنصارى".
وقال ابن تيمية أيضاً: "وأبو حامد يفرق بين عالم الخلق وعالم الأمر فيجعل الأجسام عالم الخلق والنفوس, والعقول عالم الأمر, وهذا أيضاً ليس من دين المسلمين بل كل ما سوى الله مخلوق عند المسلمين والله تعالى خالق كل شيء". انتهى
قلت: قل لي بالله عليك, هل وجدت في أي كلام سبق أن الله تعالى ليس بخالق كل شيء سواء عالم الملك أو الملكوت أو الجبروت أو الأمر أو الخلق؟
وقد شرحنا معنى العقل عند المتصوفة, أما غيرهم فلا شأن لنا بهم, فلماذا يتبع أسلوب خلط الأوراق؟!!
لم يلبث ابن تيمية أن وقع في القول بحوادث لا أول لها, ونفى رواية: "كان الله ولا شيء معه", إثباتاً لوجود العرش بأولية الله, فرد عليه الحافظ ابن حجر وقال: "وفي رواية أبي معاوية "كان الله قبل كل شيء" وهو بمعنى كان الله ولا شيء معه وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية .. "
وقد نقل ابن حزم الإجماع على كفر من يقول بذلك, فالأول هو الله, أول بلا بداية, وآخر بلا نهاية.
أما قوله: " ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والمسلمين لم يقصدوا بهذا اللفظ هذا "
فنقول بالرغم من تحريفه لمعنى عالم الملك والملكوت, نقول: من أخبرك هذا؟!! ومن أين أتى هذا المعلوم؟ في أي حديث؟ في أي قول لسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم؟ في أي قول لإمام أن ما تقوله قول حق؟ ناهيك أنه يدخل الكلام بعضه بعضاً, فيجعل عالم الملكوت هو نفسه النفس أو العقل أو الروح!! ويخلط بين كلام الفلاسفة وكلام المتصوفة خلطاً عظيماً, ثم يكفر الفلاسفة, ثم يقول إن اعتقاد الإمام الغزالي أو غيره هو قول الفلاسفة الكفرة, وأن قول الفلاسفة هو أعظم الكفر عند المسلمين واليهود والنصارى!!
لا ريب أنه لا يقتل أحد أحداً بوازع ديني من خوارج عصرنا هذا إلا وهو مستدل بأقوال ابن تيمية, فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ونقول أيضاً: شتان بين ما يقوله الأئمة الأعلام وبين ما ينسبه إليهم ابن تيمية, وقد وضحنا أن المراد بعالم الملك أنه العالم الذي يدرك بالحواس, وعالم الملكوت يدرك بالقلب, فشتان بين العالم نفسه وبين ما يدرك به هذا العالم. ولو أن أبا حامد الغزالي وقع في جزئية خطأ في هذه التعريفات فالتعميم هو أخطر ما يكون, وقد قيل: اتقوا لحوم العلماء فإنها مسمومة, ومن العجب أن المتمسلفة دائمو الاستدلال بهذه المقولة حتى لا تبين عوارهم, وقائل هذا القول إمام دافع عن الأشعرية, وأنت تعلم أن فريق ابن تيمية وأتباعه يبدعون الأشاعرة, فقائل هذه العبارة هو الحافظ ابن عساكر صاحب كتاب تاريخ دمشق, فانظر كيف يبدعونه ويستعملون قوله في حقهم ولا يستعملونه في حق قائله.
وقد أثبتنا في كتاب أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته أن ابن تيمية كثير الادعاء وأنه ادعى كذباً أكثر من اثنتي عشرة مرة أن الإجماع أو الاتفاق وقع على أمور, ويكون كلامه مخالفاً تماماً للواقع حيث يكون العكس هو الصحيح, وتحدينا بفضل الله أتباعه في تكذيب ما أثبتناه, وأن يثبتوا ما قاله ابن تيمية في العلماء السابقين لعصره, وحتى الآن ما من مجيب, ومن أجاب قال: قال ابن تيمية!! )
ـــــــــــــــــــــ
من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية
للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين[/font]
_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
