القول بعدم طهارة شعر سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم طامة من الطامات, وكارثة من الكوارث, ما لهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؟!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 5 ـ موضوع طهارة شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. أستغفر الله العظيم من إيراد هذا الموضوع, فهو موضوع محزن للغاية, ولولا أنه أحد أسباب الحجب الشديدة ما ذكرته, النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لا يقاس به شيء, النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إني لست كهيئتكم» , فلا تجعله صلى الله عليه وآله وسلّم غرضاً في كلامك, ولا تُشَبِّه حاله صلى الله عليه وآله وسلّم بحال أي أحد, ولا تستدل في قضية به ولا بأحد من أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلّم , وإن فعلت فقد تجاوزت كثيراً. موضوع شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم للأسف زلت فيه أقدام كثير من العلماء خاصة علماء الشافعية, فمنهم والعياذ بالله من قال بنجاسته!! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, ومنهم من قال: فيه وجهان، يعني : فيه رأيان رأي بالطهارة ورأي بغيرها, وهذه كارثة أخرى. ننقل بخط مائل نقول بعض العلماء ممن قال بذلك ـ وللأسف فيهم أئمةـ وقول بعض من رد عليهم, وفي ردود بعضهم للأسف خفة. قَالَ ابن المنذر (319 هـ): وَفِي قَسْمٍ مِنْ قَسْمِ شَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم بَيْنَ النَّاسِ بَيَانٌ عَلَى طَهَارَةِ الشَّعْرِ، وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: شَعْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم، فَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ يَقْصُرُ فَهْمُهُ يَقُولُهُ: وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ شُعُورُ سَائِرِ النَّاسِ كَشَعْرِهِ نَبَيِّنُ لَهُ لَيْسَ يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ الشَّعْرَ طَاهِرٌ شَيْئاً إِلَّا دَخَلَ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَجُّ فِي طَهَارَتِهِ بِفَرْكِ عَائِشَةَ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم وَلَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْءٌ إِلَّا دَخَلَ فِي الْآخَرِ مِثْلُهُ، وَالتَّحَكُّمُ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْقَوْلِ لَا يُفَارِقُ بَعْضَ مَنْ خَالَفَ مَا قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: مَنْ مَسَّ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ زَوْجَتِهِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ، وَإِنْ مَسَّ شَعْرَهَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ. انتهى. وقال الماوردي: "وَالثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ آدَمَ لَمَّا اختص شعره بِالطَّهَارَةِ مَيِّتًا اخْتُصَّ شَعْرُهُ بِالطَّهَارَةِ مُنْفَصِلًا، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُ أَنَّ شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وَحْدَهُ طَاهِرٌ وَشَعْرُ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ نَجِسٌ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حِينَ حَلَقَ شَعْرَهُ بِمِنًى قَسَّمَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَنَعَهُمْ مِنْهُ وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ اخْتِصَاصُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ قِيلَ لَهُ: وَإِنْ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى طَهَارَةِ شَعْرِهِ فَقَدْ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ وَشَرِبَ مِنْ دَمِهِ بِحَضْرَتِهِ أَفَتَقُولُ إِنَّ دمه طاهر؟ فركب الباب، وقال: أقول بطهارته؛ لأنه لا يجوز أن يقر أحد على منكر، وقد أقر أبا طَيْبَةَ عَلَى شُرْبِهِ. قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امرأة شربت بوله فقال: «إِذًا لَا يُوجِعُكِ بَطْنُكِ» أَفَتَقُولُ بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ مُنْقَلِبٌ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّعْرُ وَالدَّمُ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، قِيلَ لَهُ: فَقَدْ بَطَلَ دَلِيلُكَ عَلَى طَهَارَةِ دَمِهِ بِإِقْرَارِهِ أَبَا طَيْبَةَ عَلَى شَرَابِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ مَدْخُولٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كسائر أمته كان منهم طاهراً ونجساً، وَمَا فَعَلَهُ مِنْ قَسْمِ شَعْرِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَدْ أَلْقَى شَعْرَهُ مِرَارًا وَلَمْ يُقَسِّمْهُ وَلَا خَصَّ بِهِ أَحَدًا وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بِمِنًى، وَقَصَدَ بِهِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إِمَّا التوصل إِلَيْهِمْ مِنْ بَرَكَتِهِ وَإِمَّا لِتَمَيُّزِ مَنْ خَصَّهُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ لَهُمْ شَرَفًا وَفَخْرًا، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى أَبِي طَيْبَةَ شُرْبَهُ دَمَهُ وَنَهَاهُ عَنْ مِثْلِهِ وَقَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ جِسْمَكَ عَلَى النَّارِ». فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَالْمَذْهَبُ نَجَاسَةُ الشَّعْرِ بِالْمَوْتِ لِحُلُولِ الرُّوحِ فِيهِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: أَقُولُ فِيهِ: لَا حَيَاةَ وَلَا أَقُولُ فِيهِ رُوحٌ، وَهَذَا اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ تَتَّفِقُ الْمَعْنَى فِيهِ". وقال الشيرازي: "وأما شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فإذا قلنا إن شعر غيره طاهر فشعره صلى الله عليه وآله وسلّم أولى بالطهارة، وإذا قلنا إن شعر غيره نجس ففي شعره عليه الصلاة والسلام وجهان: أحدهما: أنه نجس؛ لأن ما كان نجساً من غيره كان نجساً منه كالدم، وقال أبو جعفر الترمذي: هو طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس، وكل موضع قلنا إنه نجس عفى عن الشعرة والشعرتين في الماء والثوب؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه، فعفى عنه كما عفي عن دم البراغيث، فإن دبغ جلد الميتة وعيه ... ". ولا نرضى أبداً عن ما قاله أبو حامد الغزالي (505 هـ) وهو من هو, قال: "وَأما شُعُور الْآدَمِيّ فقد نقل إِبْرَاهِيم الْبَلَدِي أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رَجَعَ عَن تنجيسه وَهُوَ الصَّحِيح، وَإِن حكم بِنَجَاسَتِهِ فَفِي شعر رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وَجْهَان". وقال أيضاً: "وَالنَّظَر فى فضلات خَمْسَة: الأولى: الدَّم والقيح فَهُوَ نجس من كل حَيَوَان إِلَّا من رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فَفِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا أَنه نجس طرداً للْقِيَاس، وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لما رُوِيَ أَن أَبَا طيبَة الْحجام شرب دَمه فَقَالَ لَهُ: «إِذا لَا يبجع بَطْنك أبداً». الثَّانِيَة: الْبَوْل والعذرة نجس من كل حَيَوَان وَيسْتَثْنى عَنهُ موضوعان: الأول: بَوْل رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فَفِيهِ وَجْهَان: وَجه الطَّهَارَة لما رُوِيَ أَن أم أَيمن شربت بَوْله فَلم يُنكر عَلَيْهَا فَقَالَ «أما إنك لا تتجعين بطنك أبدا» الثَّانِي: رَوْث السّمك وَالْجَرَاد وَمَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة فَفِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا نجس طرداً للْقِيَاس، وَالثَّانِي أَنه طَاهِر؛ لِأَنَّهُ إِذا حكم بِطَهَارَة ميتتهما فكأنهما فى معنى النَّبَات وَهَذِه رطوبات فى بَاطِنهَا". وقال الشاشي القفال: "وَأما شعر رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فَإِن قُلْنَا شعر غَيره نجس فَفِي شعره صلى الله عليه وآله وسلّم وَجْهَان, قَالَ أَبُو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ هُوَ طَاهِر, وَقَالَ غَيره هُوَ نجس". ورد الإمام النووي (676 هـ) على ذلك كله وقال: "المذهب الصحيح الْقَطْعُ بِطَهَارَةِ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ، وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ وَعِظَمُ مَرْتَبَتِهِ صلى الله عليه وآله وسلّم، وَمَنْ قَالَ بِالنَّجَاسَةِ قَالُوا إنَّمَا قَسَّمَ الشَّعْرَ لِلتَّبَرُّكِ قَالُوا وَالتَّبَرُّكُ يَكُونُ بِالنَّجِسِ كَمَا يَكُونُ بِالطَّاهِرِ كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَسِيرًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَالصَّوَابُ القطع بالطاهرة كَمَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ، وَأَمَّا بَوْلُهُ صلى الله عليه وآله وسلّم وَدَمُهُ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ فِي الْعَذِرَةِ وَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُمَا فِي الْعَذِرَةِ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْغَزَالِيِّ طَرْدَهُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَذِرَةِ وَزَعَمَ أَنَّ الْعَذِرَةَ نَجِسَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالْبَوْلِ وَالدَّمِ، وَهَذَا الْإِنْكَارُ غَلَطٌ بَلْ الخلاف في العذرة نَقَلَهُ غَيْرُ الْغَزَالِيِّ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فَقَالُوا فِي فَضَلَاتِ بَدَنِهِ صلى الله عليه وآله وسلّم كَبَوْلِهِ وَدَمِهِ وَغَيْرِهِمَا وَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي الْخَصَائِصِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: جَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ صلى الله عليه وآله وسلّم طَاهِرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَهَذَا نَقْلُ الْقَفَّالِ وَهُوَ شَيْخُ طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَعَلَيْهِ مَدَارُهَا، وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ هَذِهِ الْفَضَلَاتِ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلّم كَانَ يَتَنَزَّهُ مِنْهَا، وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهَا بِالْحَدِيثَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ الْحَاجِمَ حَجَمَهُ صلى الله عليه وآله وسلّم وَشَرِبَ دَمَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَأَنَّ امْرَأَةً شَرِبَتْ بَوْلَهُ صلى الله عليه وآله وسلّم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا، وَحَدِيثُ أَبِي طَيْبَةَ ضَعِيفٌ، وَحَدِيثُ شرب المرأة البول صحيح رواه الدارقطني وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ لِكُلِّ الْفَضَلَاتِ قِيَاسًا، وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلّم لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا ولم يأمرها بغسل فمها ولانهاها عَنْ الْعَوْدِ إلَى مِثْلِهِ، وَأَجَابَ الْقَائِلُ بِالطَّهَارَةِ عَنْ تَنَزُّهِهِ صلى الله عليه وآله وسلّم عَنْهَا: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّظَافَةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَجَاسَةُ الدَّمِ وَالْفَضَلَاتِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَخَالَفَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ الْجَمِيعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" وقال العلامة ابن حجر رداً عليهم فقال: " .... وتعقب بأن شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مكرم لا يقاس عليه غيره ونقضه ابن المنذر والخطابي وغيرهما بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل والأصل عدمه قالوا ويلزم القائل بذلك أن لا يحتج على طهارة المني بأن عائشة كانت تفركه من ثوبه صلى الله عليه وآله وسلّم لا مكان أن يقال له منيه طاهر فلا يقاس على غيره، والحق أن حكمه حكم جميع المكلفين في الأحكام التكليفية إلا فيما خص بدليل وقد تكاثرت الأدلة على طهارة فضلاته وعد الأئمة ذلك في خصائصه فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك فقد استقر الأمر بين أئمتهم على القول بالطهارة، وهذا كله في شعر الآدمي، أما شعر الحيوان غير المأكول المذكى ففيه اختلاف مبني على أن الشعر هل تحله الحياة فينجس بالموت أو لا، فالأصح عند الشافعية أنه ينجس بالموت، وذهب جمهور العلماء إلى خلافه .. ". وقد رد العلامة العيني رداً طيباً فقال: "وَقد اخترق بعض الشَّافِعِيَّة، وَكَاد أَن يخرج عَن دَائِرَة الْإِسْلَام، حَيْثُ قَالَ: وَفِي شعر النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلّم وَجْهَان، وحاشا شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من ذَلِك، وَكَيف قَالَ هَذَا وَقد قيل بِطَهَارَة فضلاته فضلاً عَن شعره الْكَرِيم؟ وَقد قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِنَّمَا قسم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، شَرعه للتبرك، وَلَا يتَوَقَّف التَّبَرُّك على كَونه طَاهِراً. قلت: هَذَا أشنع من ذَلِك، وَقَالَ كثير من الشَّافِعِيَّة نَحْو ذَلِك، ثمَّ قَالُوا: الَّذِي أَخذ كَانَ يَسِيراً معفواً عَنهُ. قلت: هَذَا أقبح من الْكل، وغرضهم من ذَلِك تمشية مَذْهَبهم فِي تنجيس شعر بني آدم، فَلَمَّا أورد عَلَيْهِم شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. أولُوا هَذِه التأويلات الْفَاسِدَة، وَقَالَ بعض شرَّاح البُخَارِيّ فِي بَوْله ودمه وَجْهَان والأليق الطَّهَارَة، وَذكر القَاضِي حُسَيْن فِي الْعذرَة وَجْهَيْن، وَأنكر بَعضهم على الْغَزالِيّ حكايتهما فِيهَا، وَزعم نجاستها بالِاتِّفَاقِ. قلت: يَا للغزالي من هفوات حَتَّى فِي تعلقات النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة أَن جمَاعَة شربوا دم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مِنْهُم أَبُو طيبَة الْحجام، وَغُلَام من قُرَيْش حجم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَعبد الله بن الزبير شرب دم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم فِي (الْحِلْية). ويروى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه شرب دم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَرُوِيَ أَيْضاً أَن أم أَيمن شربت بَوْل النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلّم، رَوَاهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم، وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) فِي رِوَايَة سلمى امْرَأَة أبي رَافع أَنَّهَا شربت بعض مَاء غسل بِهِ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ لَهَا: «حرم الله بدنك على النَّار». وَقَالَ بَعضهم: الْحق أَن حكم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَحكم جَمِيع الْمُكَلّفين فِي الْأَحْكَام التكليفية: إلاَّ فِيمَا يخص بِدَلِيل. قلت: يلْزم من هَذَا أَن يكون النَّاس مساويين للنَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَا يَقُول بذلك إلاَّ جَاهِل غبي، وَأَيْنَ مرتبته من مَرَاتِب النَّاس؟ وَلَا يلْزم أَن يكون دَلِيل الْخُصُوص بِالنَّقْلِ دَائِماً، وَالْعقل لَهُ مدْخل فِي تميز النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من غَيره فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء، وَأَنا اعْتقد أَنه لَا يُقَاس عَلَيْهِ غَيره، وَإِن قَالُوا غير ذَلِك فأذني عَنهُ صماء". قلت: وآخر كلام العلامة العيني هو ما عليه الأدب, رحمة الله عليه. وقال أيضاً: "وَالشَّافِعِيَّة يحكمون بِنَجَاسَة الشّعْر الْمُنْفَصِل، وَمِنْهُم من بَالغ حَتَّى كَاد أَن يخرج من الْإِسْلَام، فَقَالَ: وَفِي شعر النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلّم وَجْهَان، نَعُوذ بِاللَّه تَعَالَى من هَذَا الضلال". وتعليقاً على من قال بعدم طهارة شعر سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال العلامة العيني أيضاً: " ... إساءة الأدب والجرأة في الإقدام بهذا الذكر الشنيع في حق هذا الجناب الرفيع، وفي اعتقادي أن مثل هذا كاد يكون كفراً، وأنا كنت أنزه نفسي عن إيراد هذه القضية السخيفة في هذه المواضع، ولكني ذكرته ليقف عليه من لم يخطر علمه به، ويعلم أن المذهب الحق منه هو الدين الحنفي، والذي رسخت في قلوبهم قواعد الدين إجلال قدر هذا النبي الكريم حكموا بطهارة فضلات النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فكيف بشعره الطاهر المطهر، فنسأل الله البعد عن الزيغ والضلال". وعلق القسطلاني صاحب المواهب اللدنية على ذلك في شرحه للبخاري تعليقاً لم يعجبني, ولا ينبغي أن يكون هذا التعليق, قال: "فإن قلت: ما وجه الدلالة من الحديث على الترجمة؟ أجيب: بأن ذلك من حفظ أنس لشعر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وتمنى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه لطهارته وشرفه، فدل ذلك على أن مطلق الشعر طاهر، وإذا كان طاهراً فالماء الذي يغسل به طاهر، وتعقب بأن شعره صلى الله عليه وآله وسلّم مكرم لا يقاس عليه غيره. وأجيب: بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والأصل عدمها وعورض بما يطول فالله أعلم". وبالقطع : الله أعلم, لكن لم يرد بما ينبغي. القول بعدم طهارة شعر سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم طامة من الطامات, وكارثة من الكوارث, ما لهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؟!! فما حفظوا لسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قدره, ولا سكتوا عما لم يحيطوا به علماً فجعلوا جسد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قضية يتدراسونها, أفهو تحت حكمكم أم أنتم تحت حكمه؟!! إن هذا لشيء عجيب! أنتم تحت أحكامه, أما هو فلا أحد يقول حكمه إلا ربه الذي سجد له ورآه فكان قاب قوسين أو أدنى, لا جرم أن الجرأة في هذا الكلام إن لم تستأصل جزءاً من الدين فستستأصل درجات ودرجات. فاحذر منهجية جَعْل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تحت دائرة حصرك وعلمك وفهمك, فهي مزلة أقدام علماء أقوياء, فتجرأوا على الكلام بما رأيت. يستغل الشيطان وقوع العلماء في هذه الفتنة فيحدث فتنة شديدة أيضاً وهي الإيحاء لبعض الناس أن علماء الظاهر فيهم وفيهم, فيتلقفهم بعض مدعي علم الباطن, فيكون المريد والسالك بين نارين: نار يرى فيها جفوة من بعض علماء الشريعة, ونار أخرى فيمن قد يرى معه بعض أمور الخير ولكن ليس على قواعد شرعية, فتكون فتن وفتن, فلا يجد الناس العارف بالله حقاً, ولا يجدون الفقيه الذي لا يتعدى حدوده. واعلم أن لكل جواد كبوة, فعالم لا يقع في براثن القول بـ .... شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم , ولكنه يقع في قول شديد مخيف, كما حدث من الحافظين ابن حجر والسيوطي من موافقة بعض السابقين على ما جاء في موضوع الغرانيق! الشيطان يرضى من كل عالم بزلة, ثم ينسج نسيجاً كاملاً من شبكة عنكبوتية لا يخرج منها أحد سليماً أبداً, إلا ما شاء الله وهم نادر النادر, فما هو موضوع الغرانيق؟ ) يتبع ـــــــــــــــــــــ من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين)
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|