موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 540 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 9, 10, 11, 12, 13, 14, 15 ... 36  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الأربعاء مايو 12, 2010 1:29 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة الخامسة والثلاثون بعد المائة من الحكم
العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق فيك ونسب إليك )

الحق تعالى فاعل بالمشيئة والإختيار
{ لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون }
أي لا يسئل عما يفعل حقيقة وهم يسئلون شريعة

ثم إن الحق سبحانه وتعالى قسم عباده على ثلاثة أقسام :

قسم أعدهم للإنتقام فأظهر فيهم إسمه المنتقم وإسمه القهار
أجرى عليهم صورة العصيان بحكمته , ونسبها إليهم بعدله وقهره

{ ولو شاء ربك ما فعلوه } , { ولو شاء الله ما أشركوا }

فقامت الحجة عليهم بإعتبار النسبة وإظهار الحكمة :
{ وما ربك بظلام للعبيد } , { وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }

وقسم أعدهم الله للحلم , ليظهر فيه إسمه الحليم وإسمه الرحيم
أجري عليهم العصيان وحلاهم بالإيمان فأستحقوا العقوبة على العصيان
ثم إن الحق تعالى حلم عليهم وعفا عنهم وأدخلهم الجنان

وقسم أعدهم الله للكرم ليظهر فيهم إسمه الكريم وإسمه الرحيم
خلق فيهم الطاعة والإحسان وحلاهم بالإسلام والإيمان وربما
زادهم التجلي بالإحسان , فأدخلهم فسيح الجنان ومتعهم بالنظر
إلى وجه الرحمن
فإذا أراد الله تعالى أن يلحقك بهؤلاء السادات هيأك لأنواع الطاعات
وخلق فيك القوة على فعل الخيرات , ثم نسب إليك ذلك الفعل فقال :
يا عبدي فعلت كذا كذا من الخير فأنا أجازيك عليه , أدخل الجنة برحمتي
وترق إلى مقامك بعملك فمقامك حيث أنتهى عملك قال تعالى :
{ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً
أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }
وقال تعالى :
{ أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون }

ثم ينبغي لك أيها الإنسان أن تتأدب مع الملك الديان , فلا تنسب إليه
النقص والعصيان , وإنما أغوتك نفسك والشيطان قال تعالى:
{ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } أي الشيطان

فما كان من الكمال فأنسبه إلى الكبير المتعال
وما كان من النقصان فأمسحه في منديل النفس والشيطان
قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه :
إذا عمل العبد حسنة وقال : يا رب بفضلك أستعملت وأنت أعنت
وأنت سهلت شكر الله ذلك له وقال : عبدي بل أنت أطعت وأنت تقربت
وإذا نظر إلى نفسه وقال : أنا عملت وأنا أطعت وأنا تقربت أعرض
الله عنه وقال له : يا عبدي أنا وفقت وأنا أعنت وأنا سهلت وإذا عمل
سيئة وقال : يا رب أنت قدرت وأنت قضيت وأنت حكمت غضب المولي
جلت قدرته عليه وقال : يا عبدي بل أنت أسأت وأنت جهلت وأنت
عصيت وإذا قال ك يا رب أنا ظلمت وأنا أسأت وأنا جهلت أقبل المولي
جلت قدرته عليه وقال : يا عبدي أنا قضيت وأنا قدرت وقد غفرت وقد
حلمت وقد سترت اهـ

ثم إن هذه النسبة التي نسب الله لعبده بما خلق فيه بها يستحق
المدح والذم فإذا خلق فيه الطاعة ونسبها إليه أستحق المدح بلسان
الشرع , وإذا أجرى عليه المعصية وقضاها عليه إستحق
الذم بلسان الشرع أيضاً

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: السبت مايو 29, 2010 2:20 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة السادسة والثلاثون بعد المائة من الحكم
العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :



( لا نهاية لمذامك إن أرجعك إليك ولا تفرغ مدائحك

إن أظهر جوده عليك )

إذا أراد الله إهانة عبد وإذلاله رده إلى نفسه وهواه فأحيل
عليها ووكل إليها فيوليه ما تولي , فإذا إستولى عليه الهوى
أعماه وأصمه , وفي مهاوي الردى أسقطه كما قال الشاعر:


تركك نفسك وهواها ... سعى لها في رداها

فالهوى مختصر من الهوان وموجب له كما قال البرعي رحمه الله :

لا تتبع النفس في هواها ... إن إتباع الهوى هوان

وإذا أراد الله إعزاز عبده وعنايته , أظهر عليه جوده وكرمه
فتولاه وحفظه , ولم يتركه مع نفسه وهواه طرفة عين ولا أقل من ذلك

فلا نهاية لمذامك أيها الإنسان أن ردك إلى نفسك وحكمها فيك
وتركك مع هواك لأن ذلك من علامة الإهمال وسقوطك من
عين الكبير المتعال , والعياذ بالله من كل خسر ووبال

ولا تفرغ مدائحك أن أظهر جوده عليك فتولاك بحفظه ورعاك
بعنايته وحجزك عن نفسك , وحال بينك وبين تدبيرك وحدسك .

ومن دعائه عليه السلام :
" إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعوزة وذنب وخطيئة
وإني لا أثق إلا برحمتك "

والحاصل أنك إن كنت بربك تكمل عزك ولا يتناهي مدحك
وإن كنت بنفسك تكامل ذلك ولا يتناهي ذمك
كما قال الشاعر:

إذ كنا به تهنا دلالا ... على كل الحرائر والعبيد

وإن كنا بنا عدنا إلينا ... فعطل ذلنا ذل اليهود

أو تقول من أهمله الله وتركه مع نفسه وهواه لا نهاية لمذامه
وقبائحه , فإن للنفس من النقائص ما لله من الكمالات

ومن تولاه الله وأظهر جوده عليه ولم يتركه مع نفسه وأزعجه
عن حظه وحال بينه وبين هواه , فلا نهاية لمدائحه إذ كمالات
الله لا نهاية لها وما هنا إلا مظاهره

فكما لا نهاية لجلاله كذلك لا نهاية لجماله والله تعالى أعلم

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثير


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: السبت يونيو 12, 2010 8:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة السابعة والثلاثون بعد المائة من الحكم
العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :


( كن بأوصاف ربوبيته متعلقاً بأوصاف عبوديتك متحققاً )

أوصاف الربوبية هي العز والكبرياء والعظمة والغنى
والقدرة والعلم وغير ذلك من أوصاف الكمالات التي
لا نهاية لها

وأوصاف العبودية هي الذل والفقر والعجز والضعف والجهل
وغير ذلك مما يناسب العبودية من النقائص
وكيفية التعلق بأوصاف الحق هو أن تلتجيء في أمورك إليه
وتعتمد في حوائجك عليه , وترفض كل ما سواه ولا ترى
في الوجود إلا إياه
فإذا نظرت إلى عزه وكبريائه وعظمته تعززت به ولم تعزز بغيره
وصغر في عينك دونه كل شيء
وإذا نظرت إلى وصفه تعالى بالغني تعلقت بغناه , وأستغنيت
عما سواه , ولم تفتقر إلى شيء وأستغنيت به عن كل شيء
وإذا نظرت إلى وصفه تعالى بالقدرة والقوة لم تلتجئ في
حال عجزك وضعفك إلا إلى قدرته وقوته وأستضعفت
كل شيء
وإذا نظرت إلى سعة علمه وأحاطته أكتفيت بعلمه
وأستغنيت عن طلبه وقلت بلسان الحال :
" علمه يغني عن سؤالي "
وهكذا في جميع الأوصاف والأسماء فكلها تصلح للتعلق
والتخلق والتحقق
وكيفية التخلق بأوصافه تعالى :
أن تكون في باطنك عزيزاً قوياً به عظيماً كبيراً عنده , قويا
ً في دينه وفي معرفته عالماً به وبأحكامه , وهكذا

وحاصلها إستعمال الحرية في الباطن والعبودية في الظاهر
وكيفية التحقق بأسماء الله تعالى : أن تكون تلك المعاني فيك
راسخة متمكنة متحققاً فيك وجودها
فالتخلق مجاهدة والتحقق مشاهدة : أي يكون وجودها غريزياً

وكيفية التخلق بأوصاف العبودية :
هو التحقق بالذل في الظاهر حتى يصير الذل عندك حرفة
وطبيعة لا تأنف منه , بل تستحليه وتغتبط به , وكذلك
الفقر والضعف والجهل , وسائر أوصاف العبودية تتحقق
بوجودها في ظاهرك حتى يكون ذلك شرفاً عندك

وكان شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه يقول :
أهل الظاهر يتنافسون في العلو أيهم يكون أعلى من الآخر
وأهل الباطن يتنافسون في الحنو أيهم يكون أحنى من الآخر اه
بالمعنى
وقال الشيخ زروق رضي الله عنه :
أوصاف الربوبية أربعة تقابلها أربعة , هي أوصاف العبودية :
أولها : الغنى , ويقابله الفقر
الثاني : العز , ويقابله الذل
الثالث : القدرة , ويقابلها العجز
الرابع : القوة , ويقابلها الضعف
وكل هذه متلازمة أن وجد واحدها وجد جميعها , ووجود
المقابل ملزوم بوجود مقابله .

فمن أستغنى بالله أفتقر إليه , ومن أفتقر إلى الله أستغنى به
ومن تعزز بالله ذل له ومن ذل له تعزز به
ومن شاهد قدرته رأى عجز نفسه , ومن رأى عجز نفسه
شاهد قدرة مولاه , ومن نظر ضعف نفسه رأى قوة مولاه
ومن رأى قوته علم ضعف نفسه
لكن إن كان البساط النظر لأوصافك فأنت الفقير إلى الله
وإن كان البساط النظر إلى أوصافه فأنت الغني بالله , وهما
يتعاقبان على العارف , فتارة يغلب عليه الغنى بالله ,فتظهر
عليه آثار العناية , وتارة يظهر عليه آثار الفقر إلى الله فيلتزم
الرعاية , فحين غلب الغنى بالله على حبيب الله أطعم الفا
من صاع , وحين غلب عليه الفقر إلى الله شد الحجر على
بطنه من الجوع فأفهم اه

والتحقيق ما قدمناه من أن التعلق بأوصاف الربوبية يكون
في الباطن , والتحقق بأوصاف العبودية يكون في الظاهر
فالحرية في الباطن على الدوام , والعبودية في الظاهر على
الدوام , فحرية الباطن هي شهود أوصاف الربوبية وهو
معنى التعلق بها , لكن أن كان مجاهدة فهو تعلق
وإن كان طبيعة وغريزة فهو تحقق.

أو تقول إن كان حالاً فهو تعلق وإن كان مقاماً فهو تحقق
وعبودية الظاهر هي شهود أوصاف العبودية قياماً بالحكمة
وسترا للقدرة .

والحاصل أن عظمة الربوبية ظهرت في مظاهر العبودية
فمن نظر للعظمة صرفاً تحقق بعظمة الربوبية
ومن نظر لظاهر المظهر تحقق بأوصاف العبودية
والكامل ينظر لهما معاً فيتحقق بعظمة الربوبية في الباطن
ويتحقق بأوصاف العبودية في الظاهر , فيعطي كل ذي حق
فالجميع في باطنه مشهود , والفرق في ظاهره موجود
والله تعالى أعلم

فإن أظهر أوصاف الربوبية فقد تعدى طوره , وجهل قدره
فلا بد أن تؤدبه القدرة

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثير


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الثلاثاء يوليو 13, 2010 3:04 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة الثامنة والثلاثون بعد المائة من الحكم
العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( منعك أن تدعي ما ليس لك مما هو للمخلوقين أفيبيح لك
أن تدعي وصفه وهو رب العالمين )

الحق تعالى غيور فلا يحب لعبده أن يفشي سر خصوصيته
ولا يرضى لعبده أن يشاركه في أوصاف ربوبيته فمن غيرته تعالى
أن ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية ولولا ذلك لكان
سر الربوبية مبتذلاً ظاهراً وذلك مناقض لحكمته وكيف وهو
يقول : { أن ربك حكيم عليم }

ومن غيرته تعالى أن أختص بأوصاف الربوبية ونهانا عن
أظهاراها والتحلي بها حالاً أو مقالاً وذلك كأتصاف العبد بالعز
والعظمة والكبر وطلب الرياسة والعلو أو أدعاء ذلك بالمقال
فإن فعل شيئاً من ذلك أستحق من الله الطرد والنكال
ففي الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يقول الله تبارك وتعالى :
" الكبرياء ردائي , والعظمة أزاري , فمن نازعني واحداً منهما
قصمته "

وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم :
" لا أحد أغير من الله , فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "

وفي البخاري في قصة سيدنا موسى عليه السلام :
" أنه خطب على الناس خطبة ذرفت منها العيون , فقام إليه رجل
فقال له : هل تعلم أحداً أعلم منك ؟ فقال لا , فعتب الله عليه إذ
لم يرد العلم إليه , فقال له : بلى عبدنا خضر هو أعلم منك
فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه "

فأنظر كيف أدبه بطلب غيره حتى صار تلميذاً له يأمره وينهاه
بقوة وصوله من عظم قدره وجلالة منصبه , وما ذلك إلا لإظهار
شيء من الحرية فكل من أظهر الحرية رده إلى العبودية بالقهرية
وكل من أظهر العبودية حقق له في باطنه الحرية وملكه الكون
بالكلية , فمن تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره
ومن غيرته تعالى أيضاً أن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن
والفواحش كل ما فحش قبحه وعظم جرمه : كالزنى والغصب
والسرقة والتعدي , وأكل أموال اليتامى وغير ذلك من حقوق العباد
فإذا كان منعك أن تدعي ما ليس لك مما هو للمخلوقين من العرض
الفاني , فكيف يبيح لك أن تدعي وصفه من العزة والكبرياء
وهو رب العالمين

فإذا ادعيت ما ليس لك سلبك ما ملكك , وإذا تحققت بوصفك
وسلمت له وصفه منحك ما لم يكن عندك وأتاك ما لم يؤت أحداً
من العالمين

فكلما نزلت بنفسك أرضاً أرضاً سما قلبك سماء سماء

وقد تقدم هذا المعنى في الخمول والله تعالى أعلم .

تنبيه : أعلم رحمك الله ووفقك للتسليم لأوليائه أن الحرية إذا
تحققت في الباطن لا بد من رشحات تظهر على الظاهر :

* فكل أناء بالذي فيه يرشح *

وصاحب الكنز لا بد أن يظهر عليه السرور , وصاحب الغنى
لا يخلو من بهجة وحبور وكما قال الشاعر:

ومهما تكن عند أمرء من خليقة
وأن خالها تخفي على الناس تعلم

ولذلك تجد أهل الباطن رضي الله عنهم جلهم أقوياء في الظاهر
فربما تصدر منهم مقالات تستخرجها القدرة منهم , فيظن الجاهل
بحالهم أن ذلك دعوى وظهور, وليس كذلك , وإنما ذلك رشحات
من قوة الباطن لا قدرة لهم على إمساكها

منها ما يكون تحدثاً بالنعم , ومنها ما يكون نصحاً للعباد , ليعرفوا
حالهم فينتفعون بهم في طريق الإرشاد , ومن هذا الأمر
رفضهم كثير من أهل الظاهر المتعمقون في العبادة أو المتجمدون
على ظاهر الشريعة أو من لم تطل صحبته معهم في الطريقة
وإن كان كاملاً .

ومن ذلك ما وقع للشيخ زروق رضي الله عنه مع أبي المواهب
التونسي رضي الله عنه حين ظهرت عليه آثار القوة الباطنية
حتى قال فيه الشيخ زروق :
دعواه أكبر من قدمه وليس كذلك فإن الشيخ أبا المواهب
عظيم الشأن راسخ القدم في العرفان أخذ عن أبي عثمان المغربي
وكان يقول : لبست خرقة التصوف من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وله شرح حسن على الحكم إلا أنه لم يكمل وله كلام
رائق نظماً ونثرا ومن نظمه رضي الله عنه :

من فاته منك وصل حظه الندم ... ومن تكن همه تسمو به الهمم
وناظر في سوى معناك حق له ... يقتص من جفنه بالدمع وهو دم
والسمع أن جال فيه من يحدثه ... سوى حديثك أمسى وقره الصمم
في كل جارحة عين أراك بها ... مني وفي كل عضو بالثناء فم
فإن تكلمت لم أنطق بغيركم ... وكل قلبي مشغوف بحبكم
أخذتم الروح مني في ملاطفة ... فلست أعرف غيراً مذ عرفتكم
نسيت كل طريق كنت أعرفها ... إلا طريقاً تؤديني لربعكم
فما المنازل لولا أن تحل بها ... وما الديار وما الأطلال والخيم
لولاك ما شاقني ربع ولا طلل ... ولا سمعت بي إلى نحو الحمى قدم

وأطال الشعراني في ترجمته في الطبقات بما يدل على كمال
خصوصيته وتمام ولايته , وما حمل الشيخ زروقاً على مقالته
تلك إلا القوة التي صدرت من أبي المواهب مع كونه لم تطل
صحبته معه مع ما صدر منه في جانب الشيخ ابن عباد رضي الله
عنهم والله تعالى أعلم .

وهذا الأمر الذي ذكرنا من القوة التي في العارفين لا يجهله إلا من
لم يبلغ مقامهم وحسب من لم يبلغ مقامهم التسليم .

وسر هذه القوة التي ظهرت في العارفين هو من جهة الروح
وذلك أن الروح جاءت من عالم العز والقوة , فلما ركبت في
هذا البدن حجبت وقهرت
فأرادت الرجوع إلى أصلها فطلبته بالعز الأصلي والقوة الأصلية
فمنعت منه وأتت من كوة الذل والإفتقار
وخرقت عوائد نفسها فأنخرقت لها حينئذ الحجب , فرجعت إلى
أصلها فلما رجعت إلى أصلها أتصفت بالقوة التي كانت لها
فأمرت أن تجعل ذلك في باطنها ففعلت
لكن ربما رشح شيء من ذلك على الظاهر غلبة

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثير


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الخميس أغسطس 12, 2010 3:23 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة التاسعة والثلاثون بعد المائة من الحكم
العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( كيف تخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من نفسك العوائد )

العوائد كل ما تعودته النفس وألفته وأستمرت معه حتى صعب
خروجها عنه سواء كان ظلمانياً أو نوراناً كتتبع الفضائل وكثرة التوافل
وهي على قسمين :
عوائد ظاهرة حسية , وعوائد باطنة معنوية

فمثال العوائد الحسية : كثرة الأكل والشرب والنوم واللباس
وخلطة الناس والدخول في الأسباب , وكثرة الكلام والمخاصمة
والعتاب , والإستغراق في العبادة الحسية أو العلوم الرسمية
وغير ذلك .

ومثال العوائد المعنوية : حب الجاه والرياسة وطلب الخصوصية
وحب الدنيا والمدح , وكالحسد والكبر والعجب والرياء , والطمع في الخلق
وخوف الفقر وهم الرزق , والفظاظة والقسوة وغير ذلك مما تقدم

فمن خرق من نفسه عوائدها الحسية بالرياضات القهرية خرقت له
العوائد الحسية : كالطيران في الهواء والمشي على الماء , ونفوذ الدعوة
وغير ذلك من الكرامات الحسية

ومن خرق من نفسه عوائدها المعنوية خرقت له العوائد الباطنة :
كرفع حجب الغفلة وتطهير القلوب وكشف الحجاب وفتح الباب
وتحقيق العرفان والترقي إلى مقام الإحسان وهذا هو المعتبر عند
الأكياس وهو المطلوب من سائر الناس .

وأما خرق العوائد الحسية فقد تكون لمن ليست لهم خصوصية
كالسحرة وأرباب الشعوذة : نعم من جمع بينهما خرقت له فيهما
فكيف تطلب أيها المريد أن تخرق لك عوائد نفسك حتى تدخل حضرة
قدسك وأنت لم تخرق عوائد نفسك

فما حجب النفس عن الشهود إلا ما تعودته من رؤية هذا الوجود
فلو غابت عن رؤية هذا الوجود لتحقق لها أمر الشهود
ولا يمكن أن تغيب عنه إلا بخرق عوائد نفسها

وقد تقدمت حكاية الرجل الذي كان مع أبي يزيد ثلاثين سنة فلم
يذق شيئاً , فقال له لو صليت ثلاثمائة سنة لم تذق شيئاً
لأنك محجوب بنفسك ثم قال له : اذهب الساعة إلى الحجام واحلق
رأسك ولحيتك وانزع هذا اللباس واتزر بعباءة وعلق في عنقك مخلاة
واملأها جوزاً وأجمع حولك صبياناً وقل بأعلى صوتك يا صبيان من
يصفعني صفعة أعطه جوزة , وأدخل السوق وأنت على هذه الحالة
حتى ينظر إليك كل من عرفك , ثم قال له : فلا مطمع لأحد فيما حجب
عن العامة من أسرار الغيب حتى تموت نفسه ويخرق عوائد العامة
فحينئذ تخرق لك العوائد وتظهر لك الفوائد اه

وتقدمت أيضاً في باب الخمول قصة الغزالي والشتتري والمجذوب
وغيرهم ممن خرقوا العوائد فخرقت لهم العوائد وظهرت لهم الفوائد

وأما من بقي مع عوائد نفسه فلا يطمع أن يتمتع بحضرة قدسه
قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه :
من أدعى شهود الجمال قبل تأدبه بالجلال فأرفضه فإنه دجال
ولا جلال أعظم على النفس من خرق عوائدها :
كتبديل العز بالذل والغنى بالفقر والجاه وبالخمول وغير ذلك .

وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه :
اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزّوا
وحكمت عليهم بالفقد حتى وجدوا , فلا مطمع في نيل العز بالله
حتى يتحقق بالذل له , ولا في نيل الغنى به حتى يتحقق بالفقد مما سواه

وقال أبو حمزة البغدادي رضي الله عنه :
علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى ويذل بعد العز ويخفي
بعد الشهرة اه

فهذه الأخبار كلها تدل على أن خرق عوائد النفس شرط في تحقق
نيل الخصوصية , فمن إدعاها قبل أن يخرقها فهو كذاب كما تقدم
عن أبي المواهب

وكتب شيخ شيخنا رضي الله عنه إلى بعض الإخوان :
أما بعد , فإن أردتم أن تكون أعمالكم زكية وأحوالكم مرضية
فقللوا من العوائد فإنها تمنع الفوائد اه

وسمعته رضي الله عنه : يقول من جملة العوائد تتبع الفضائل وكثرة
النوافل فإنه يشتت القلب , وإنما يلزم المريد ذكراً واحداً وعملاً
واحداً كل واحد مما يليق به أو كلام هذا معناه .

فخرق العوائد إبدالها بضدها كتبديل كثرة الأكل والنوم وبالجوع والسهر
وكتبديل كثرة اللباس بالتقلل منه أو ما خشن من الثياب كالمرقعات
ونحوها , وكتبديل الخلطة بالعزله والأسباب بالزهد , والكلام بالصمت
وسوء الخلق بحسن الخلق , وكتبديل حب الجاه والرياسة بالذل والخمول
وسقوط المنزلة عند الناس , وحب الدنيا بالزهد فيها والفرار منها
وكاتصافه بالتخلية من الرذائل والتحلية بالفضائل .

فإذا تحقق المريد بهذه الأمور خرقت له العوائد على ما يريد حتى يكون
بسم الله عنده موافقة لكن من الله , فيكون أمره بأمر الله :
( وما ذلك على الله بعزيز )

ولا بد في خرق العوائد الباطنية من شيخ كامل جامع بين
حقيقة وشريعة يحملك بهمته
فإذا رميت يدك في نفسك حملتك الهمة ونصرتك القدرة فقتلتها بالمرة

وأما إذا لم يكن لك شيخ فكلما قتلتها رجعت أكبر مما كانت
ولا تموت النفس الحية إلا مع الأموات كما قال شيخنا رضي الله عنه
هذا الأمر مجرب وبالله التوفيق .

وخرق العوائد الباطنية التي هي رفع الحجب وشهود المحبوب لا يكون
بمجرد الطلب دون السعي في السبب مع تحقق الأدب .


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: السبت أغسطس 21, 2010 1:22 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( ليس الشأن وجود الطلب إنما الشأن أن ترزق حسن الأدب )

كما تقدم أن الطلب كله مدخول عند المحققين أولى الألباب
لما يقتضيه من وجود النفس والوقوف مع الحس
إذ العارف المحقق لم تبق له حاجة يطلبها لأنه قد حصل له الغني الأكبر
وفاز من مولاه بالحظ الأوفر وهو معرفة مولاه والغيبة عما سواه
فإذا فقد من وجدك فليس الشأن وجود صورة الطلب , وإنما الشأن
أن تستغني به عن كل مطلب , وترزق معه حسن الأدب
والإكتفاء بعلم الله والوقوف مع مراد الله .

قال الشيخ زروق رضي الله عنه :
والأدب على ثلاثة أوجه :
آداب في الظاهر وذلك بإقامة الحقوق
وآداب في الباطن بالإعراض عن كل مخلوق
وآداب فيهما وذلك بالإنحياش للحق والدوام بين يديه على بساط الصدق
وذلك هو جملة الأمر وتفصيله وتفريعه وتأصيله اهـ

فالطلب عند العارفين ليس هو بلسان المقام
وإنما هو بلسان الحال وهو الإضطرار وظهور الذلة والإفتقار

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الأحد أغسطس 29, 2010 4:09 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة الواحد و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( ما طلب لك شيء مثل الإضطرار ولا أسرع بالمواهب
مثل الذلة والإفتقار )

إنما كان طلب العارفين بلسان الحال دون المقال , لما حققهم به
من وجود معرفته حتى شهدوا منته في محنته , ونعمته في نقمته
فإذا تجلى لهم بالقوة والجلال تلقوه بالضعف والإذلال
فحينئذ يتجلى لهم بإسمه الجميل فيمنحهم كل جميل , وإذا تجلى
لهم بإسمه العزيز أو القهار تلقوه بالذلة والإفتقار
فتتوارد عليهم المواهب الغزار .

فإذا أردت أيها العارف أن تطلب من مولاك شيئاً جلباً أو دفعاً
فعليك بالإضطرار
والإضطرار : هو أن يكون كالغريق في البحر , أو الضال في
التيه القفر, ولا يرى لغياثه إلا مولاه , ولا يرجوا لنجاته من
هلكته أحداً سواه , فما طلب لك من مولاك شيء مثل
إضطرارك إليه والوقوف بين يديه متحلياً بحلية العبيد
هنالك تنال كل ما تريد كما قال الشاعر :

أدب العبيد تذلل ... والعبد لا يدع الأدب
فإذا تكامل ذله ... نال المودة وأقترب

وقال آخر :
وما رمت الدخول عليه حتى ... حللت محلة العبد الذليل
وأغضيت الجفون على قذاها ... وصنت النفس عن قال وقيل

وإذا أردت ورود المواهب عليك وهي العلوم اللدنية والأسرار
الربانية , فلا شيء أسرع لك بها مثل الذلة والإفتقار بين يدي
الحليم الغفار يكون ذلك قلباً وقالباً
فينبغي لك حينئذ أن تستعد لكسب المواهب ونيل المراتب
قال تعالى :
{ إنما الصدقات للفقراء والمساكين }
وقال تعالى :
{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه }
وقال أيضاً :
{ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة }

وقال صلى الله عليه وسلم :
" إن النصر مع الصبر , وإن الفرج مع الكرب
وإن مع العسر يسرا"

وقال سهل بن عبد الله رضي الله عنه :
ما أظهر عبد فاقة إلى الله في شيء إلا قال الله تعالى للملائكة :
لولا أنه لا يحتمل كلامي لأجبته لبيك لبيك اهـ

فإذا طلبت الدخول مع الأحباب , فقف ذليلاً حقيراً بالباب
حتى يرفع بينك وبينهم الحجاب
من دون حيلة منك ولا أسباب
وإنما هو فضل من الكريم الوهاب


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الخميس سبتمبر 16, 2010 3:50 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا
معنا اليوم الحكمة الثانية و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى
:
( لو كنت لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبداً
ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه ستر وصفك بوصفه وغطي نعتك بنعته
فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه )

الوصول إلى الله هو العلم به وبإحاطته , بحيث يفني من لم يكن
ويبقي من لم يزل , وهذا لا يكون إلا بعد موت النفوس
وحط الرؤوس , وبذل الأرواح , وبيع الأشباح لقوله تعالى :

{ إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة }

أي جنة المعارف لأهل الجهاد الأكبر , وجنة الزخارف لأهل
الجهاد الأصغر ولقوله عليه السلام :

" موتوا قبل أن تموتوا "
ذكره النقشبندي في شرح الهائية حديثاً .

وقال في لطائف المنن لا يدخل على الله إلا من بابين :
أحدهما : الموت الأكبر وهو الموت الحسي
والثاني : الموت الذي تعنيه هذه الطائفة يعني موت النفوس

وقال الششتري رضي الله عنه :

أن ترد وصلنا فموتك شرط ... لن ينال الوصال من فيه فضله

وقال أيضاً

ليس يدرك وصالي ..... كل من فيه بقيا

وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه :
لا يصل الولي إلى الله تعالى ومعه شهوة من شهواته أو تدبير من
تدبيراته وإختيار من إختياراته اهـ

وهذه التصفية ليست هي من فعل العبد وكسبه وإنما هي بسابق
عناية ربه , فلو كان العبد لا يصل إلى الله تعالى إلا بعد فناء مساويه
ومحو دعاويه من حيث هو هو لم يصل أبداً لكن الحق تعالى من كرمه
وجوده إذا أراد أن يطوي عنه مسافة البعد أظهر له من أنوار قدسه ونعوت
وصفه ما يغيب به العبد عن شهود نفسه فحينئذ
تفني المساوي وتمتحق الدعاوي , فيحصل الوصول ويبلغ المأمول
بما من الله إلى العبد من سابق العناية والوداد , لا بما من العبد إلى
الله من الكد والإجتهاد .

وإن شئت قلت : فناء المساوي هو التطهير من أوصاف البشرية
وهي الأخلاق المذمومة من حيث هي
ومحو الدعاوى وهو التبري من الحول والقوة بحيث لا يرى لنفسه
فعلاً ولا تركا ولا نقصاً ولا كمالاً , وإنما هي غرض لسهام الأقدار تجري
عليها أحكام الواحد القهار
فتحقيق هذين الأمرين على الكمال , مع وجود النفس كاد أن يكون من المحال
لكن الحق تعالى لكرمه وجوده إذا رأى منك صدق الطلب وأراد أن يوصلك إليه
وصلك إلى ولي من أوليائه , وأطلعك على خصوصيته وأصفائه فلزمت الأدب
معه , فما زال يسير بك حتى قال لك ها أنت وربك

فحينئذ يستر الحق تعالى وصفك الذي هو وصف العبودية بوصفه الذي هو
وصف الحرية , فتتحد أوصاف البشرية بظهور أوصاف الروحانية ويغطي أيضاً
نعتك الذي هو الحدوث بنعته الذي هو القدم
أو غطي نعتك الذي هو العدم بنعته الذي هو الوجود .

وقال الشيخ زروق :
ستر فقرك بغناه , وذلك بعزه , وعجزك بقدرته , وضعفك بقوته ويصرفك عن
شهود ذلك منك وإليك بشهود ما منه إليه اهـ

وهو لازم لما فسر به من وصف العبودية ونعت الحرية , فوصلك حينئذ بما
منه عليك من الإحسان واللطف والإمتنان لا بما منك إليهمن المجاهدة
والطاعة والإذعان

ومثال النفس كالفحمة كلما غسلتها بالصابون زاد سوادها , فإذا إشتعلت
فيها النار ونفخ فيها الريح كستها النار ولم يبق للون الفحمة أثر
فكذلك أوصاف البشرية إذا كساها نور الروحانية تغطت ظلمة البشرية
ولم يبق لها أثر فتنقلب البشرية في صفة روحانية وفي ذلك يقول
الششتري في بعض أزجاله :

فمتى ما يبين لي ... زالت البشريا
وتحولت غيري ... في صفا روحانيا

والنار التي تحرق البشرية هي : مخالفة الهوي , وتحمل النفس ما يثقل
عليها كالذل والفقر ونحوهما مع دوام ذكر الإسم المفرد
فكلما فنى فيه ذابت بشريته وقويت روحانيته حتى تستولي على بشريته
فحينئذ يكون الحكم لها فتغيب في نور مذكورها , وتغرق في شهود عظمة
محبوبها , فحينئذ يحصل الوصال ويتحقق الفناء في ذي العظمة والجلال

وللششتري أيضاً رضي الله عنه: فالتفت الخطاب، وسمعت مني، كلي عن
كلي غاب، وأنا عني مغني، وارتفع لي الحجاب، وشهدت أني ما بقي لي أثر
غبت عن أثرى، لم أجد من حضر، في الحقيقة غيري
وبالله التوفيق

وحاصلها أمرك بالتعلق بأوصاف الربوبية , والتحقق بإوصاف العبودية وعدم
مشاركتك له في وصف الحرية , وما تعودت به من ذلك
فأخرق لها تلك العوائد هنالك حتى تتهذب وتتأدب وتكتفي بعلم الحال عن وجود
الطلب , فيكون طلبها شاهد حالها من الذلة والإنكسار وظهور الفاقة والإضطرار

فحينئذ تترادف عليها المواهب , وتنال بذلك غاية المطالب
ومنتهى الرغائب وهو الوصول إلى حضرة القدس ومحل الأنس
من غير حيلة ولا اكتساب وإنما هو منة من الكريم الوهاب
منّ عليها بالوصول وتفضل عليها بالقبول

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 21, 2010 4:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا

معنا اليوم الحكمة الثالثة و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى
:
( لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلاً للقبول )

لأن العمل الذي يكون أهلاً للقبول , هو الذي تتوفر فيه شروط
القبول , وهو سر الإخلاص وغاية الحضور , والتبري فيه من
الحول والقوة وهذا في غاية الندور
فلولا أن الله سبحانه تفضل علينا بجميل ستره , فغطي مساوينا
بجلائل لطفه وبره ما كان عمل أهلاً للقبول أصلاً
ولكن الذي من بوجود الأعمال يمن بوجود القبول والإقبال

قال بعضهم : ما هناك إلا فضله ولا نعيش إلا في ستره , ولو
كشف الغطاء لكشف عن أمر عظيم .

وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه :
مسكين ابن آدم , جسيم معيب , وقلب معيب , يريد أن يخرج من
معيبين عملاً بلا عيب اهـ

ولهذا المعنى قال تعالى :
{ أولئك الذي نتقبل عنهم أحسن ما عملوا }

فعبر بعن التي تدل على التجاوز ولم يقل نتقبل منهم , فكأنه قال :
أولئك الذين نتجاوز عنهم في أعمالهم فنتقبلها منهم
والله تعالى أعلم

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :

" البلاء والهوى والشهوة معجزة بطين آدم " اهـ

قيل : وهو معنى قوله تعالى :

{ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه }

أي : أخلاط , فاختلط به البلاء والهوى والشهوة ,فركب ابن آدم منها
فلزمته الثلاثة ما دامت بنيته قائمة وبشريته موجودة
فإذا انهدمت البشرية حساً أو معنى لم يبق حكم النطفة إلا مشاجية
وصار الحكم للروح النورانية , والله تعالى أعلم .

فإذا تقرر أن عملنا مدخول وليس أهلاً للقبول
لولا جميل ستره المأمول
علمت أن افتقارنا إلى عمله وعفوه في حال الطاعة
أعظم من افتقارنا إليه في حال المعصية

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الأربعاء سبتمبر 29, 2010 10:20 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا
معنا اليوم الحكمة الرابعة و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :


( أنت إلي حلمه إذا أطعته أحوج منك إليه إذا عصيته )


وذلك لأن الطاعة بساط العز والرفعة , وللنفس فيها
شهوة ومتعة , ولأن الناس يلحظون صاحب الطاعة الظاهرة
وينظرونه بعين التعظيم ويبادرون إليه بالخدمة والتكريم
وكل ما عظم في عين الخلق سقط من عين الحق
إن كان يفرح بذلك ويقنع به دون الملك الحق

بخلاف المعصية فإنما هي بساط الذل والإنكسار ,ومحل
السقوط والاحتقار , وكل ما سقط من عين الخلق عظم
في عين الحق
فكان العبد في حال طاعته لربه أحوج إلى حلمه وعفوه منه في
حال معصيته , لأن الطاعة التي ينشأ عنها العز والاستكبار
أقبح من المعصية التي تورث الذل والافتقار , بل في الحقيقة
ليست بطاعة , لأن الطاعة التي توجب البعد ليست بطاعة
والمعصية التي توجب القرب ليست بمعصية
وفي الحديث :
" يقول الله تبارك وتعالى : أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي "

ومن كان الله عنده فهو أعظم من ألف مطيع توجب له طاعته طرده وبعده

أوحى الله تعالى إلي بعض الأنبياء عليهم السلام :
قل لعبادي الصديقين لا يغتروا , فإني إن أقم عليهم عدلي
وقسطي أعذبهم غير ظالم لهم , وقل لعبادي الخاطئين
لا ييئسوا من رحمتي , فإنه لا يكبر على ذنب اغفره اهـ

وقال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه :
توبة المعصية واحدة , وتوبة الطاعة ألف توبة .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى استغفر ثلاثاً تعليماً
للامة في شهود التقصير , وإلا فلا استغفار من طاعة
ولا ذنب على المختار صلى الله عليه وسلم .

ولما كانت المعصية بساط الذل والاحتقار كما تقدم , وهي
أقرب لمقام العبودية
والطاعة بساط العز والرفعة , فافتقرت إلى حلم الله أكثر
صار الناس يطلبون الستر في المعصية أو عنها خوفاً مما ينشأ عنها .


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الخميس أكتوبر 07, 2010 2:39 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا
معنا اليوم الحكمة الخامسة و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :


( الستر على قسمين ستر عن المعصية , وستر فيها .
فالعامة يطلبون الستر من الله فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق
والخاصة يطلبون الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحق )

الستر هو الحفظ والتغطية , وهو فى الحس من الآفات والبليات
التى توجب هلاكه , وفى المعنى من الفضيحة والمقت
وسقوط المرتبة .
وهو باعتبار المعصية على قسمين :
قسم يقع الستر فيها فلا يفضح صاحبها .
وقسم يقع الستر عنها فلا يقع العبد فيها ولو طلبها لما
شمله من حفظ الله ورعايته .
فالعامة يطلبون الستر من الله فيها مع وقوعها لئلا يسقطوا
من عين الخلق فهم :
{ يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم }
{ والله ورسوله أحق أن يرضوه أن كانوا مؤمنين }

فمحط نظرهم إنما هو شهود الخلق غائبين عن نظر
الملك الحق , وذلك لضعف إيمانهم وقلة يقينهم وانطماس
بصيرتهم , وفي بعض الأخبار :
" يقول الله تبارك وتعالى : يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني
لا أراكم فالخلل في إيمانكم وإن كنتم تعتقدون أني أراكم
فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم " اهـ

وأما الخاصة فهم يطلبون من الله الستر عنها والعصمة منها
خشية أن يسقطوا من عين الحق , لأن صدور المعصية من
العبد سوء أدب , ومن أساء الأدب مع الأحباب طرد إلى
الباب , فإذا وقعت منهم معصية بادروا إلى الاعتذار
وصحبهم الخجل والانكسار ثم وجدوا في سيرهم ولم يقفوا
مع نفوسهم , إذ لا وجود لها في نظرهم ولا التفات لهم إلى
الخلق إذ لم يبق في نظرهم إلا الملك الحق
غابوا بشهود الحق عن رؤية الخلق أو بشهود المعنى عن
رؤية الحس , أبو بشهود الموسوط عن الواسطة .

وأما خاصة الخاصة فلا يطلبون شيئاً ولا يخافون من شئ
صارت الأشياء عندهم شيئاً واحداً , واستغنوا بشهود
واحداً عن كل واحد , فهم ينظرون ما يبرز من عنصر القدرة
فيتلقونه بالقبول والرضا فإن كان طاعة شهدوا فيها المنة

وإن كان معصية شهدوا فيها القهرية , وتأدبوا مع الله فيها
بالتوبة والانكسار , قياماً بأدب شريعة النبي المختار صلى
الله عليه وسلم .
وقد وردت أحاديث في المقامات الثلاثة تعليماً للامة , فقد
دعا عليه السلام بالستر على المساوى ومنها , وهي العصمة
والحفظ , وطلب مقام الرضا والتسليم لأحكام الله القهرية

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الأربعاء أكتوبر 13, 2010 3:42 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا
معنا اليوم الحكمة السادسة و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمنن سترك
ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك )

إذا كان الحق تعالى تولى حفظك برعايته , وستر مساويك
بستر عنايته , فغطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته , ثم توجه
الناس إليك بالتعظيم والتمجيد والتكريم , فاعرف منة الله
عليك , وانعزل عن شهود نفسك
فمن أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره .

{ فلولا فضل الله عليكم ورحمته ولا تبعتم الشيطان إلا قليلاً }
{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحداً أبداً }

فالحمد في الحقيقة إنما هو لمن سترك لا لمن أكرمك
إذ لو أظهر للناس ذرة من مساويك لمقتوك وأبغضوك , فاشكر
الله على ما أسدي إليك من الكرم , وغطى عليك من المساوى
التي توجب أنواع الإذاية والنقم .

قال الشيخ زروق رضي الله عنه :
إذ لولا ستره عن المعاصي ما كنت مطيعاً
لولا ستره فيها لكنت مهاناً عند الخلق ومخصوصاً بالمقت بينهم
{ ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين }

فالخلق كلهم إنما يتعاملون بينهم بستر مولاهم , ولو خلا
عبده من ستره لأبغضه أحب الناس إليه , ولآذاه أشفق الخلق
عليه , ولأهلكه أرأف الخلق به , ولله در القائل :

يظنون بي خيراً وما بي من خير
ولكنني عبد ظلوم كما تدري

سترت عيوبي كلها عن عيونهم
وألبستني ثوباً جميلاً من الستر

فصاروا بحبوني وما أنا بالذي
يحب , ولكن شبهوني بالغير

فلا تفضحني في القيامة بينهم
وكن لي يا مولاي في موقف الحشر

ولما بلغت الأذية كل مبلغ من حبيب الله صلى الله عليه وسلم
ما زاد على أن قال :
" لا غنى لي عن عافيتك , عافيتك أوسع لي " الحديث اهـ

وسيأتي التقسيم في شهود الخلق في حالة النعم
وأن الناس على ثلاثة أقسام :
قوم عوام لا يشهدون إلا الخلق
وقوم خواص لا يشهدون إلا الخالق
وقوم خواص الخواص يشهدون الخالق في الخلق , والموسوط في
الوسطة : فيعطون كل ذي حق حقه كما يأتي مبيناً أن شاء الله

وإذا تحققت أن الذي أكرمك هو الذي ستر عيوبك وغطى
مساويك بعد اطلاعه على خفاياها , وعلمه بخباياها
فاتخذه صاحباً , وكن له مراقباً ودع الناس جانباً .

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الأربعاء أكتوبر 20, 2010 2:55 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا
معنا اليوم الحكمة السابعة و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( ما صحبك من صحبك وهو بعينك عليم وليس ذلك إلا مولاك الكريم )

وإذا علمت أنه ليس لك صاحب إلا مولاك , فاعرف حقيقة صحبته
والزم الأدب في ظاهرك وباطنك , واستحى منه أن يراك حيث نهاك
أو يفقدك حيث أمرك .

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لأصحابه :

" استحيوا من الله حق الحياء , قالوا : إنا نستحي والحمد لله
قال لهم : الحياء من الله حق الحياء , أن تحفظ الرأس وماوعى
والبطن وما حوى, وتذكر القبر والبلى , فمن فعل ذلك فقد استحيا
من الله حق الحياء " اهـ

فالصاحب الذي يدوم لك هو الذي يصحبك وهو عالم بعينك
لأن ذلك داع للسلامة من التكلف والرياء والتصنع , وليس ذلك
إلا مولاك العالم بخفاياك , المطلع على سرك وعلانيتك
إن عصيته سترك , وإن اعتذرت إليه قبل عذرك
وقد قيل من الحكمة في قوله تعالى :

( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم )

مع أن الكل ملكه , ثلاثة أشياء :

أحدها : البشارة بعدم الرد بالعيب , لأن المشتري عالم به

الثاني : ليسلم العبد نفسه إليه فيتولى تدبيره , إذ لا يتم بيع
بالتسليم , ولا كفاية إلا بعد إقباض

الثالث : إظهاراً لتمام الفضل في ظهور النسبة لله سبحانه
وذكر الصحبة في جانب الحق وقعت في حديث :

" أنت الصاحب في السفر "

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 26, 2010 8:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا
معنا اليوم الحكمة الثامنة و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( خير من تصحب من يطلبك لا لشئ يعود منك إليه )

ولا يوجد هذا الوصف المجيد إلا للغني الحميد , الفعال لما يريد
يحب من يشاء بلا علة ولا سبب , ويمقت من يشاء بلا ضرر يلحقه
ولا تعب يقرب من يشاء بلا عمل , ويبعد من يشاء بلا زلل .

{ لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون }
{ ولو شاء ربك ما فعلوه } , { ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً }

وكلامنا إنما هو مع أهل التحقيق
وأما باعتبار الحكمة وأهل التشريع فلا يظلم ربك أحداً
ولكن فاعل السبب هو فاعل المسبب

" من وجد خيراً فليحمد الله , ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "

وللجيلي رحمه الله :

إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً ... فإني في حكم الحقيقة طائع

فخير من تصحبه أيها الإنسان , مولاك الذي يطلبك لحضرته
ويجتبك لمحبته من غير نفع منك إليه وإنما هو
برور واحسان منه إليك
فكيف تتركه وتطلب الإنس بغيره وضرره وأقرب من نفعه .

قال بعضهم :
جرب الناس تجدهم عقارب , فإذا طلبت الصحبة
فاصحب العارفين الذين ينهضك حالهم , ويدلك على الله مقالهم

ولله در صاحب العينية حيث يقول في عينيته:

فشمر ولذ بالأولياء فإنهم
لهم من كتاب الحق تلك الوقائع

هم الذخر للملهوف والكنز والرجا
ومنهم ينال الصب ما هو طامع

بهم يهتدي للعين من ضل في العمى
بهم يجذب العشاق والربع شاسع

هم القصد والمطلوب والسؤل والمنى
وإسمهم للصبر فى الحب شافع

هم الناس فالزم أن عرفت جمابهم
ففيهم لضر العالمين منافع

وقال في التحذير من صحبة غيرهم من الغافلين والعوام

وقاطع لمن واصلت أيام غفلة
فما واصل العذال إلا مقاطع

وجانب جناب الأجنبي لو انه
لقرب انتساب في المنام مضاجع

فللنفس من جلاسها كل نسبة
ومن خلة للقلب تلك الطبائع

والحاصل : أن صحبة من يوصل إلى الله فما هي إلا صحبة الله
إذ ما ثم سواه , والنظر إلى العارف بالله فإنما هو نظر إلى الله
إذ لم تبق فيه بقية عليه لغير الله , فصار نوراً محضاً من نور الله
وفيهم قال عليه الصلاة و السلام :

" إن لله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً " اهـ

وهم موجودون لا ينقطعون أبداً , ظاهرون ظهور الشمس لا يخفون
إلا على من أراد الله منه طرداً وبعداً
والعياذ بالله من السلب بعد العطاء , ومن سوء القضاء وشماتة
الأعداء , وعضال الداء , وخيبة الرجاء , وزوال النعمة
وفجأة النقمة . آمين

ثم فائدة صحبه العارفين هو حصول اليقين


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركةمرسل: الاثنين نوفمبر 01, 2010 10:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19559
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله
وسلم تسليماً كثيرا
معنا اليوم الحكمة التاسعة و الأربعون بعد المائة من الحكم العطائية
لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( لو أشرق لك نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب إليك من أن ترحل
إليها , ولرأيت محاسن الدنيا قد ظهرت كسفة الفناء عليها )

اليقين هو العلم الذي لا يزاحمه وهم , لا يخالطه ريب ولا يصحبه
اضطراب مشتق من يقن الماء : إذا حبس ولم يجر , شبه به العلم
إذا صحبته الطمأنينة , ولم يبق للقلب فيه تحرك ولا اضطراب
وإشراق نوره و هو ظهور أثره على الجوارح , فيظهر فيها الزهد في
الدنيا والرغبة في الآخرة , ويظهر منه الانحياش إلى الله
والاشتياق إلى حضرة جماله , والسكون والخضوع تحت قهر
جلاله , والمسارعة إلى ابتغاء مرضاته , والمبادرة إلى مظان محابه
ولهج اللسان بذكره , وشغل القلب بالفكرة في عظمته , وهيمان
الروح في حضرة قربه , وسكرها من شارب حبه , واغتمارها
بشهود قربه , فهذه علامة إشراق نور اليقين في القلب
ومن علامته أيضاً أن يصير الآجل عاجلاً , والبعيد حاصلاً
والغيب شهادة :
{ إن ما توعدون لأت وما أنتم بمعجزين }

ولنا في هذا المعنى :

فلا ترضى بغير الله حباً ... وكن أبداً بعشق واشتياق
ترى الأمر المغيب ذا عيان ... وتحظى بالوصال وبالتلاق

كنت ذيلت بهما قول القائل :

فلا دهش وحام الحي حي ... ولا عطش وساقي القوم باق
فما الدنيا بباقية لحي ... وما حي على الدنيا ببــــــــــــــاق

فلو أشرق نور اليقين في قلبك لرأيت الآخرة الآتية حاضرة لديك
أقرب إليك من أن ترحل إليها , إذ هي الراحلة إليك والمدركة لك
ولرأيت محاسن الدنيا الوهمية الفانية , قد ظهرت كسفة الفناء
عليها : أي قد انكسف نور وجودها بظهور ظلمة فنائها فصار
ما كان ظاهراً باطناً , وما كان ظاهراً باطناً , وما كان كثيفاً صار
لطيفاً , وما كان لطيفاً صار كثيفاً , وما صار شهادة صار غيباً
وإنما بعد ذلك عن الخلق ضعف إيمانهم وقلة نور إيقانهم
ولو أشرق نور اليقين في قلوبهم , لرأوا الدنيا مكسوفة أنوارها
بادية عوارها , كما رآها حارثة رضي الله عنه حين أخبر عن
حقيقة إيمانه

فقد روى عن أنس رضي الله عنه قال :

" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشي إذا استقبله شاب من
الأنصار , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمناً بالله حقاً , فقال له :
انظر ما تقول فإن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟
فقال : يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا أي أدبرت وهربت
فأسهرت ليلى , وأظمأت نهاري , فكاني بعرش ربي بارزاً
وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها , وكأني أنظر إلى أهل
النار يتعاون فيها , فقال له : أبصرت فالزم
عبد نور الله الإيمان في قلبه , قال رسول ادع الله لي بالشهادة
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم بدر شهيداً
فجاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
يا رسول الله قد علمت منزلة حارثة منى , فإن يكن في الجنة
أصبر , وإن لم يكن في الجنة ترى ما أصنع , فقال :
أوهبلت ؟ أجنة هي ؟ إنها جنان , وإن ابنك أصاب الفردوس
الأعلى , فرجعت وفي تضحك وتقول بخ بخ يا حارثة " اهـ

وكما رآها معاذ بن جبل رضي الله عنه حين دخل على النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له :
" كيف أصبحت يا معاذ ؟ قال : أصبحت مؤمناً , فقال أن لكل قول
مصداقاً , ولكل حق حقيقة , فما مصداق ما تقول ؟ فقال :
يا رسول الله ما أصبحت صباحاً قط إلا ظننت لا أمسي , وما أمسيت
قط إلا ظننت لا أصبح , ولا خطوت خطوة قط إلا ظننت أني
لا أتبعها بأخرى , وكأني أنظر إلى كل أمة جاثية كل أمة تدعى
إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التي كانت تعيد من دون الله وكأني
أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة فقال صلى الله عليه
وسلم عرفت فالزم "

فهذان الرجلان الأنصاريان أشرق نور الإيقان في قلوبهما
وشرح الله به صدورهما فرأيا ما كان آجلاً عاجلاً , وما كان
آتياً واصلاً .
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

" إن النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح , قيل
يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها ؟ قال : نعم
التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود , والاستعداد
للموت قبل نزوله " أو كما قال عليه السلام

وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله :
اليقين نور يجعله الله في قلب العبد حتى يشاهد به أمور آخرته
ويخرق به كل حجاب بينه وبينها حتى يطالع الآخرة
كالمشاهدة لها اهـ

فإذا تكامل إشراق الإيقان غطى وجود الأكوان , ووقع العيان
على فقد الأعيان , ولم يبق إلا نور الملك الديان .


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 540 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 9, 10, 11, 12, 13, 14, 15 ... 36  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 12 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط