كثرة ذكر الشئ : موجبة لدوام محبته : يا سعادة المكثرين : من الصلاة على طه الضمين صلى الله عليه وآله وسلم : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( الثانية والثلاثون: أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه واستولى على جميع قلبه وإذا أعرض عن ذكره وإخطاره وإخطار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه . ولا شيء ألذ لعين المحب من رؤية محبوبه , ولا أقر لقلبه من ذكره وإخطار محاسنه . فإذا قوي هذا في قلبه : جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه , ويكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه , والحس شاهدٌ بذلك . حتى قال بعض الشعراء في ذلك : عجبت لمن يقول ذكرت حِبي * وهل أنسى فأذكر ما نسيت ؟! فتعجب هذا المحب ممن يقول : ذكرت محبوبي , لأن الذكر يكون بعد النسيان , ولو كمل حب هذا : ما نسى محبوبه . وقال آخر : أريد لأنسى ذكرها فكأنما* تمثل لي ليلى بكل سبيل . فهذا أخبر عن نفسه أن حبه لها مانع من نسيانها . وقال آخر يُراد من القلب نسيانكم *وتأبى الطباع على الناقل . فأخبر أن حبهم وذكرهم قد صار طبعاً له . فمن أراد منه خلاف ذلك : أبت عليه طباعه . والمثل المشهور : من أحب شيئاً أكثر من ذكره . وفي هذا الجناب الأشرف : أحق ما أنشد : لو شق عن قلبي يُرى ضمنَه* ذكرُك , والتوحيد في سحري . فهذا قلب المؤمن : توحيد الله وذكر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم : مكتوبان فيه لا يتطرق إليهما محو ولا زالة . ولما كانت كثرة ذكر الشئ موجبة لدوام محبته , ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفها , وكان الله سبحانه هو المستحق من عباده نهاية الحب مع نهاية التعظيم , بل : الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو أن تشرك به في الحب والتعظيم فتحب غيره من المخلوقات وتعظمه كما تحب الله تعالى وتعظمه : قال الله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} , وأن المؤمن أشد حباً لله من كل شئ. وقال أهل النار في النار : {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} . ومن المعلوم أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأله والعبادة . وإلا فلم يقل أحد قط أن الصنم أو غيره من الأنداد مساوٍ لرب العالمين في صفاته وفي أفعاله وفي خلق السموات والأرض وفي خلق عباده أيضاً , وإنما كانت التسوية : في المحبة وفي العبادة . والمقصود أن دوام الذكر لما كان سبباً لدوام المحبة, وكان الله سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال : كان كثرة ذكره : من أنفع ما للعبد , وكان عدوه حقاً هو الصادّ له عن ذكر ربه وعبوديته . ولهذا أمر الله بكثرة ذكره في القرآن وجعله سبباً للفلاح فقال تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} وقال تعالى : {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وقال تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " سبق المفردون " قالوا : يا رسول الله وما المفردون ؟ قال : " لذاكرون الله كثيراً والذاكرات" . وفي الترمذي : عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورِق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : " ذكر الله" . وهو في (الموطأ) موقوف على أبي الدرداء . وقال معاذ بن جبل : " ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله : من ذكر الله " وذكر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تبع لذكره. والمقصود : أن دوام الذكر : سبب لدوام المحبة . فالذكر للقلب كالماء للزرع وكالماء للسمك لا حياة له إلا به . ) ـــــــــــــــــــــــــ العارف النبهاني رحمه الله في كتابه / سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين صلى الله عليه وآله وسلم
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|