فأما أهل الرحمة فعلق قلوبهم به وصرف همتهم إليه سبحانه، فصارت حركاتهم وسكناتهم تابعة لذلك : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( وسألته رضي الله عنه عن الكشف والنظر فيه، وسبب العيب الحاصل منه. فقال رضي الله عنه: الكشف والحظ وغيرهما مما هو في معناهما، سبب الجميع انقطاع القلب عن الله عز وجل، وخراب الباطن من سلطانه تعالى، وذلك أن العبد إذا أحضر ربه في قلبه، وعلم أنه تعالى هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا مدبر غيره، ولا شريك له في ملكه جل وعلا، وأنه تعالى لطيف بعباده، يعطيهم أكثر مما يتمنون، ويرحمهم فوق ما يظنون، فعند ذلك يرضى العبد بربه وكيلا، ويتخذه في جميع أموره دليلا، وينحاش إليه بالكلية، وينقطع إليه بالطوية، ويضع مقاليده وجميع أزمته في يديه، ولا يعول في جميع أموره إلا عليه، وعند ذلك يشاهد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الخيرات التي يفعلها به سيده ومالكه، هذا شأن من قلبه معمور بالله عز وجل. وأما من خلا قلبه من ربه سبحانه، واستولت الغفلة عليه، وصار لا يشاهد إلا ذاته، ولا يرى الأفعال صادرة إلا عن نفسه، فهذا هو الذي يتعاطى ما سبق ويريد أن يطلع على الغيب ليستكثر من الخير في نظره المكسوف ورأيه المكشوف، وعند ذلك يكله ربه تعالى إلى نفسه، ويجعل تدميره في تدبيره، ويبتليه بالرزايا والبلايا وخيبة الرجاء وفوات المقصود، كما هو مشاهد في أرباب هذا الفن، نسأل الله السلامة بمنه وفضله. وذلك قليل في حق من أعرض عن سيده، ولم يرض بما خرج له في القسمة. قال: وقد وقع لبعض رهبان النصارى ما يستغرب، وذلك أنه كان كبيرهم ومقدمهم على الكنيسة، فكان إذا أراد الخروج من الكنيسة لا يعرض عن الصليب ويعطيه بالظهر حتى يخرج من الكنيسة، إلى أن كان في بعض الأحيان، فسافر ولده في وقت هيجان البحر وكثرة زلازله، فدخله من الخوف على ولده ما لا يكيف، فصار يترقب أخباره ويستشرف إليها، حتى جاءه الخبر بقدومه سالما فغلبه الفرح حتى ترك العادة في خروجه من الكنيسة، فاستدبر الصليب وخرج، فلما سلم على ولده تذكر ما فعل مع الصليب، فرجع من فوره، وقال للرهبان: اضربوني ألف سوط، فقالوا: لم؟ فقال: لأني استدبرت الصليب في هذا اليوم. فاستعظموا ذلك الإستدبار، فجعلوا يضربونه حتى أكملوا العدة، ولا غابت عليه محنة، فكان الناس عند ذلك يظنون أنه لأجل البلاء الذي حصل له من الضرب تتبدل نيته في الصليب ويرجع عن دينه، فلم يشعروا به حتى أخذ الشفرة وقطع رجليه من الكعبين وقال: هذا جزاء من يعرض عن سيده. قال رضي الله عنه: فإذا كان هذا يصدر من قوم على الضلال والباطل، فكيف ينبغي أن يكون حال من هو على الحق ويعبد الحق سبحانه. قال: ولكنه تبارك وتعالى لما سبق منه في سابق علمه وإرادته أنه خلق أقواما وجعلهم أهل رحمته، وخلق آخرين وجعلهم أهل نقمته، جعل حركاتهم وسعيهم على وفق السابقة. فأما أهل الرحمة فعلق قلوبهم به وصرف همتهم إليه سبحانه، فصارت حركاتهم وسكناتهم تابعة لذلك، فصلاتهم له، وصيامهم له، وقيامهم له، وقعودهم له، وسهرهم له، ومحبتهم له. ولم يزل تعالى يحركهم فيما يحبه إلى أن وصلوا إليه وظفروا برحمته، فحصلوا على ما سبق لهم من قسمة الرحمة. وأما أهل نقمته فعلق قلوبهم بغيره، وصرف همهم إلى ما هو أوهى من خيط العنكبوت كالأمور المتقدمة، فصارت حركاتهم وسكناتهم تابعة لذلك، فقيامهم لغيره تعالى لئلا يتعلقوا به سبحانه، وقعودهم كذلك، وسهرهم كذلك، وجميع مسعاهم لغيره تعالى، حتى ينفذ الوعيد السابق ويظفروا بما سبق لهم من قسمة العذاب. وحكى لنا عن بعض الصالحين أنه قال: جلست إلى جنب رجلين طعنا في السن، وبلغا نحو السبعين سنة من الصبح إلى الزول، وهما يتحدثان في أمور الدنيا ولم يجر على لسانهما ذكر الله تعالى ولا النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ثم قمت فجددت الوضوء، ثم جلست إلى جنب صبيين صاما أو قربا من الصوم، فجعلا يتحدثان في وحدانية الله تعالى وما له من الصفات، فسمعت منهما ما لا يطاق، فتعجبت من حالهما ومن حال الشيخين الكبيرين. ) ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وحكى رضي الله تعالى عنه لنا في تأييد أنه تعالى إذا علق قلب عبد بغيره تعالى، فإنه يملي له من حيث لا يحتسب، ويمده بما هو فتنة له حتى يظهر عليه إخبار بغيب أو نحوه، حكاية تمتلئ القلوب منها رعبا. وهي أن وليا سلبه الله وانقطع نور الحق من قلبه، فكان قبل السلب تظهر عليه كرامات الأولياء، وكان بعد السلب تظهر على يده من أمور الطب ما يتعجب منه فتنة له، وليظن بعد السلب أنه على شيء. فتسامع الناس به من كل مكان، ووفدوا عليه بالأموال الثقيلة، وكان جموعا لها. فبقي على ذلك مدة قريبة من ثلاثة عشر عاما، وجمع سبعين ألف دينار، ومات ولم يترك وارثا، وورثه بيت المال، وكان عاقبة أمره خسرا، نسأل الله السلامة والعافية، والله تعالى أعلم. ) ــــــــــــــــــــــــــــــــ الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز ج1 ص 417 نسخة الشاملة ـــــــــــــــــــــــ اللهم صل على سيدنا محمد النور وآله وسلم
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|