بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الآية
سَيِّدِي الْعَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى فَضِيلَةُ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ
الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَلِيمِ مَحْمُود (رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)
• ولي عارف بالله تعالى، تقي نقي ورع زاهد متبتل، عالم عامل جواد سخي كريم، صفوح عفو رحيم، عفيف صادق أمين، راجح العقل صائب الفكر عذب الحديث خاشع البصر سليم القلب، يقدره العلماء والأولياء والأنقياء، ويجالسه الرحماء والأوفياء، ويصاحبه أهل الود وأهل الصفاء، ويخشاه الأمراء ويحبه الفقراء والضعفاء والبسطاء، داع إلى الله تعالى على بصيرة وفطنة، ومصلح قوي العزيمة والشكيمة، لا يخشى في الحق لومة لائم ولا كيد منافق وحاسد.
• مؤيد وممكن بواسع المدد والتمكين، أتم الله على يديه عظائم الإنجازات المباركة، فبتوليه مشيخة الأزهر عاد للأزهر هيبته وعالميته كحصن حصين للمسلمين في كافة الأرجاء، وكمعهد تربوي ديني عظيم تؤمه البعثات الطلابية من جميع الأقطار الإسلامية، وكمجمع للبحوث القرآنية والفقهية للعالم الإسلامي، وكحفيظ على لغة القرآن بلاغة ونحوًا، واتسع في عهده صرح التعليم الأزهري بكافة مراحله، وانتشرت معاهده في الوجهين البحري والقلبي، وكان الأزهر في عهده الحاجز المنيع لكافة التشريعات التي استهدفت تقويض دعائمه أو تنظيم الأسرة بما يخالف روح الإسلام الحنيف.
• وعاش مثالًا للصوفية الحقة البعيدة عن الإفراط والتفريط والغلو والتسيب، الصوفية الملتزمة بالكتاب والسنة المطهرة، وعاش على محبة الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) وعترته المباركة والأولياء جميعًا (رضي الله تعالى عنهم)، وكان كل ذلك ببركة والديه وأسرته الكريمة وقريته (أبو أحمد) ببلبيس ونشأته الدينية وحفظه للقرآن؛ فقد كان ميلاده عام 1910م وانتقاله عام 1978م حيث دفن بقريته التي أطلق عليها قرية السلام.
• وله مؤلفات وتصانيف عن التصوف والدعوة وتراجم الأولياء والخلق الإسلامي وغيرها من الموضوعات، وضريحه الأنور سيظل بإكرام الله تعالى لصاحبه موطنًا للتبرك واستجابة الدعاء.
• ففي موكب حزين مهيب ضم الساسة والعلماء وأهل الدعوة والتصوف وأهل الوفاء والنقاء ونخبة المحبين والمحبوبين من الأبناء والمريدين ودعت مصر والعالم الإسلامي الإمام الأكبر رائد الشريعة والحقيقة وحامل لواء الجهاد لنصرة الإسلام في كل مكان ومقيم دعائم الأزهر الشريف ثابتة الأركان، إلى مثواه الأخير بالضريح المقام بمسجده في قرية السلام بجوار بلبيس بمحافظة الشرقية.
نفحة حسينية
تَحِيَّةٌ وَوَفَاءٌ
لَمْ يَزَلْ صَوْتُهُ يُدَوِّي فِي الْفَضَاءِ
هَاتِفًا بِالْحَقِّ جَهْرًا فِي إِبَاءِ
رُوحُهُ لِلْعُلَا تَسْمُو وَتَعْلُو
لِجِنَانِ رَغَدٍ وَخُلُودِ بَقَاءِ
***
عَاشَ نِبْرَاسًا وَهَدْيًا لِلْوَرَى
خَاشِعَ الْقَلْبِ وَقُورًا فِي حَيَاءِ
ضَمَّهُ الْمَوْلَى لِأَعْلَامِ الْوَفَا
خُلَّصِ الْخَلْقِ أَرْبَابِ الصَّفَاءِ
ظَلَّ لِلْعِلْمِ وَالشَّرْعِ يَسْتَقِي
يَنْهَلُ الْفَيْضَ وَمَعِينَ الْأَتْقِيَاءِ
***
وَسْطَ رِيفٍ بَالِغِ النَّقَا
كَانَ مَوْلِدُهُ مَنَارًا لِلضِّيَاءِ
حَفِظَ الْقُرْآنَ صَغِيرًا وَارْتَوَى
مَنْهَجَ الْعَدْلِ وَتِرْيَاقَ الشِّفَاءِ
سَعَى لِلْأَزْهَرِ مَوْفُورَ الرَّجَا
اجْتِهَادًا وَصَبْرًا لِنَيْلِ لِوَاءِ
لِلْغَرْبِ سَافَرَ بِاللهِ وَاثِقًا
لِيَحُوزَ سَبْقًا فِي قِمَّةٍ عَلْيَاءِ
شَرُفَ بِالتَّدْرِيسِ بِالْأَزْهَرِ مُشْرِقًا
فَاسْتَحَقَّ الرُّقى وَعِمَادَةَ الْعُلَمَاءِ
اخْتِيرَ لِلْوَزَارَةِ عُنْوَانًا لِلْوَفَا
فَكَانَ مُخْلِصًا للهِ فِي اتِّقَاءِ
رَعَى الْمَسَاجِدَ وَاهْتَمَّ مُوَفَّقَا
بِحَفَظَةِ الْقُرْآنِ وَشَبَابٍ نُبَغَاءِ
جَاءَهُ التَّقْدِيرُ مِنْ رَبِّ السَّمَا
فَتَوَلَّى مَشْيَخَةَ الْأَزْهَرِ الْغَرَّاءِ
أَعَادَ لِلْأَزْهَرِ السَّبْقَ وَاللِّوَا
لِجُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ نَاشِرًا لِلضِّيَاءِ
يَجُوبُ أَقْطَارًا يُوَاصِلُ الْخُطَا
دَاعِيًا بَصِيرًا لِلْخَلْقِ جَمْعَاءِ
***
مَا رَأَى الْمَشْيَخَةَ كَسْبًا وَمَرْتَعًا
وَلَكِنْ جِهَادًا يَطُولُ فِي ابْتِلَاءِ
دِفَاعُهُ عَنِ الْأَزْهَرِ الصَّرْحِ شَاهِدٌ
بِتَارِيخٍ خَطَّهُ أَجَلُّ الْعُلَمَاءِ
أَجْهَضَ قَانُونًا لِلْأُسْرَةِ وَالنِّسَا
يُنْقِصُ الرَّجُلَ حُقُوقًا بِافْتِرَاءِ
وَاسْتَعَدَّ دَوْمًا لِمُوَاجَهَةِ الْعِدَا
خَادِعِي الْبُسَطَاءِ وَعُمُومِ الدَّهْمَاءِ
جِهَادٌ مَوْصُولٌ صُبْحًا وَمَسَا
بِاللهِ يَدْحَضُ دَعَاوَى السُّفَهَاءِ
بِعَوْدَةِ الْأَوْقَافِ طَالَبَ فِي نِدَا
لِنُصْرَةِ الدِّينِ بِالْحَضَرِ وَالْغَبْرَاءِ
لِلْبَحْثِ عُلَمَاءُ اخْتِيرُوا فَأَنْجَزُوا
يَسَّرُوا الشَّرْعَ بِاجْتِهَادٍ وَإِثْرَاءِ
وَأَتَمُّوا تَقْنِينًا لِلشَّرْعِ فِي جَلَا
مَوَادًّا وَقَوَانِينَ لِشَرِيعَةٍ سَمْحَاءِ
دَعَا جِهَارًا لِلْعَمَلِ وَلِلْبدَا
لِتَطْبِيقِ الشَّرْعِ دُونَ إِبْطَاءِ
نِدَاءَاتٌ لِكُلِّ حَدَثٍ قَدْ جَرَى
لِدَرْءِ الصَّدْعِ وَحَقْنِ الدِّمَاءِ
لبْنَانَ وَسُوريَا مَعَارِكُ تُفْتَرَى
وَفِلِبِّينَ الَّتِي تُبَادُ فِي الظَّلْمَاءِ
أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ تُرْقَبُ فِي الْعَنَا
ضَرَّاءٌ بِالْغَرْبِ وَالشَّرْقُ فِي بَلْوَاءِ
حَذَّرَ شُعُوبًا مِنْ طَمْسٍ جَرَى
لِحُرُوفٍ غَربِيَّةٍ تُكْتَبُ فِي الْإِمْلَاءِ
فَنَشْرُ الْغَرْبِيَّةِ حُرُوفًا لِلْهِجَا
بِتُرْكِيَا وَمَالِيزْيَا بِتَخْطِيطِ الْأَعْدَاءِ
نَادَى بِحَقِّ الْأَقَلِّيَّاتِ فِي الْبَقَا
عَلَى دِينٍ ارْتَضَتْهُ وَرَسُولِ اصْطِفَاءِ
وَنَاقَشَ ذِمِّيَّيْنِ بِحِكْمَةٍ تُحْتَذَى
عَنْ تَفَرُّدِ دِينٍ بِشَرِيعَةٍ سَمْحَاءِ
وَاصَلَ نَهَارًا وَسَهِرَ مَسَا
جِهَادًا مَشْهُودًا بِإِخْلَاصِ عَطَاءِ
مَقَالَاتٌ وَخُطَبٌ شَاعَتْ بِالْوَرَى
تُدْحِضُ أَبَاطِيلَ مُلْحِدِي الْجُهَلَاءِ
عَارَضَ تَثْقِيفًا لِلْأَدْيَانِ مُوَحَّدَا
فَلِلْعَقَائِدِ اخْتِلَافٌ فِي نَهْجٍ وَانْتِمَاءِ
اهْتِمَامًا أَوْلَاهُ لِلْمُصْحَفِ بَالِغًا
إِذَاعَةً وَنَشْرًا فِي شَتَّى الْأَنْحَاءِ
أَهْدَى الْحَدِيثَ ضِيَاءً وَسَنَا
بِتَحْقِيقِ مُصَنَّفَاتٍ لِأَجَلِّ فُقَهَاءِ
وَرَسَمَ مِنْهَاجًا لِلتَّقَدُّمِ وَالنَّمَا
فَالْإِسْلَامُ سَبِيلٌ لِتَحْقِيقِ الرَّخَاءِ
لَنَا شَرْعٌ وَدِينٌ وَقِيَمٌ تُرْتَضَى
وَلِلْغَرْبِ فِكْرٌ يُرْدِيهِ بِأَلْفِ دَاءِ
***
فَاجَأَ بِاعْتِزَالِ الْمَشْيَخَةِ وَانْطَوَى
لِقَانُونٍ يُعِيدُ الْأَزْهَرَ لِلْوَرَاءِ
وَعَادَ مُعْتَزًّا فِي حَمْدٍ وَرِضَا
بِنُصْرَةِ الْحَقِّ وَقَبُولِ الدُّعَاءِ
أَثْرَى الْمَكْتَبَةَ بِفَيْضٍ يُرَى
لِلطَّالِبِينَ مَفَازًا مِنَ الْأَنْوَاءِ
أَبْرَأَ التَّصَوُّفَ وَأَبَانَ لِلْوَرَى
تَوَاكُلَ وَبِدَعَ وَزَيْفَ الْأَدْعِيَاءِ
فَالصُّوفِيُّ الْحَقُّ مُلْتَزِمٌ بِالْوَفَا
لِأَحْكَامِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْغَرَّاءِ
لَا جَذْبَ يُنَحِّيهِ عَنْ سُبُلِ الْهُدَى
وَلَا حَالَ يُخْرِجُهُ عَنْ سَمْتِ الصَّفَاءِ
أَشَادَ بِحَيَاةِ أَعْلَامٍ تُقْتَدَى
فِي كُتُبِ سِيَرِ قِمَمِ الْأَوْلِيَاءِ
***
وَصْفُ الْإِمَامِ حَقٌّ بِلَا هَوَى
فَسِيرَتُهُ لَمْ تَعُدْ يَوْمًا فِي خَفَاءِ
عَقْلُهُ رَاجِحٌ مُتَوَهِّجُ الضِّيَا
وَلِسَانُهُ صَدُوقٌ كَأَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ
وَقَلْبُهُ مُنِيرٌ مُشْرِقٌ فِي رِضَا
ذَاكِرٌ للهِ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ
وَجَسَدُهُ صَبُورٌ فِي الشَّدَائِدِ وَالْعَنَا
فِي هِمَّةٍ يَحْيَا وَعِظَمِ رِضَاءِ
يَكْسُوهُ تَوَاضُعٌ أَيْنَمَا سَرَى
عَطُوفٌ شَفُوقٌ بِكَرَمٍ وَسَخَاءِ
ذَكُورٌ شَكُورٌ إِنْ بَدَا أَوْ خَفَا
حَاجٌّ مُعْتَمِرٌ طَائِفٌ فِي حَيَاءِ
مُتَيَّمٌ فِي عِشْقِ أَمِيرِ الْأَنْبِيَا
وَعِتْرَةٍ تَسَامَتْ لِبَنِي الزَّهْرَاءِ
فِي كُلِّ رَكْبٍ لِلْأَوْلِيَاءِ سَائِرٌ
مُحِبٌّ وَصُولٌ لِتُقَاةٍ أَصْفِيَاءِ
فَازَ بِحُبٍّ وَاسِعِ الْمَدَى
لِعُمُومِ الْخَلْقِ وَصَفْوَةِ الْعُلَمَاءِ
دَهَاهُ الْأَلَمُ فَصَلَّى وَدَعَا
اسْتَدْعَى طَبِيبًا بِأَمَلِ الشِّفَاءِ
إِذَا الْعُمُرُ وَلَّى وَحَانَ الْقَضَا
لَا طِبَّ يُرْجَى وَلَا نَاجِعَ الدَّوَاءِ
وَلَقِيَ الْإِمَامُ رَبَّهُ خَاشِعًا
رَاضِيًا مَرْضِيًّا بِعِظَمِ رَجَاءِ
بَكَتِ الْأَرْضُ رَحِيلَهُ وَالسَّمَا
وَطُيُورُ الْهَجْرِ نَعَتْهُ فِي حِدَاءِ
***
فَيَا رَبَّاهُ صَلِّ عَلَى نُورِ الْهُدَى
أَوَّلِ الْخَلْقِ مَبْعُوثِ السَّمَاءِ
وَآلٍ وَصَحْبٍ أَعْطَارِ النَّدَى
نُجُومِ الشَّرْعِ صَفْوَةِ الْخُلَصَاءِ
وَامْدُدْ بِمَدَدٍ وَاسِعِ الْعَطَا
عَبْدَكَ الْمُزَكَّى إِمَامَ الْأَوْفِيَاءِ
***
(وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)
كتبها الفقير إلى الله تعالى
محمد محمد بيومي
شوال 1416 هـ
مارس 1996 م