موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 8 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 12:56 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة
جلجامش من اقدم قصص واساطير حول زواج الانس بالمخلوقات اخري
وهي قصه من العراق في عهود قديمه استعرض لكم يا احباب في هذا المنقول للقصه ولنفهم ما فيها






جلجامش



صورة
إنه لممّا يُتحف الروح ، ويُترف الحسّ ، ويُطلق فعاليات الذات أن نعيش تجاربنا كجزء من تاريخ التجارب الإنسانيّة ... لقد اعتدنا أن نمارس حيواتنا راسِفين في قيود اللحظة الراهنة ، وقلّما يتاح لنا أن ننفُذ من أقطارها إلى ذلك الامتداد المنعتق من الزمان والمكان والأفق ، ونختبر تجاربنا البكر التي غمرتها المستحدثات ...

هذا الإحساس بالتحرّر الحقيقيّ الكامل ، والانطلاق المنعش الذي يستنفد وسع الأجنحة والأشواق ، منحتني إيّاه صحبتي لجِلجامِش . فكنت أمضي إليه تارة ، وأستقدمه إليّ أخرى أعواماً خمسةً أو تزيد ، حتى مَرِنّا على القفز فوق القرون ، وطُويت لكلينا المسافات .
وكانت التجارب أثمن من أن أسمح بضياعها ، فكتبتُ " هكذا قرأت جِلجامِش "

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 1:04 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة
إن ملحمة جِلجامِش ، في أكثر نسخها حضوراً وأمانة للمدوَّنات الأخباريّة الأولى ، أثر أدبيّ أكّاديّ ، أخرجه كاهن بابليّ في نهايات الألف الثاني قبل الميلاد ، وأضاف إليه مقدّمة تتضمّن التعريف بجِلجامِش ، وبأبرز أعماله.

وقد اكتُشف في مكتبة آشور بانيبال عدد قياسيّ من نسخ الملحمة ، الأمر الذي يدلّ على مكانتها ، وعلى اعتبارها ، في ذلك العصر ، عملاً تراثيّاً قيّماً من تلك الأعمال التي يُحرَص عليها ، ويُحتفَظ بنسخها للمزيد من التوثيق.



تحكي الملحمة قصّة جِلجامِش ملك أُوروك الواسع المعرفة ، الهائل الطموح ، ذي الهمّة الخارقة ، والصيت الذائع ، والسلطان العظيم ، والأعمال الجليلة . والذي جنّد شعبه كلّه بحزم وصرامة لخدمة مملكته ، وجعْلِها حاضرة حواضر زمانها ، حتى أُرهق الناس وضجّوا ، وشكوا أمرهم إلى آلهة المدينة . فصنع الآلهة لجِلجامِش مُعادِلاً أو نِدّاً ، على تفاوت في الترجمات ، هو إنكِيدو الرجل الفطريّ ، الذي دُرّب على نمط الحياة الحضريّة ، واعتنق مفاهيمها . ثم ألقت به الآلهة في طريق جِلجامِش.

وربطت صداقة فريدة ، أقرب إلى التوءمة الروحيّة ، بين جِلجامِش وإنكِيدو ، وكان من نتائجها إقدام جِلجامِش على تذليل غابات الأَرْز التي تمدّ المنطقة بخشب البناء ، والقضاء على الرعب الذي كان يمنعها من الناس ، الأمر الذي أثار غضب الآلهة .

وأوغل جِلجامِش في طموحاته الخارقة تشجعه تلك الصداقة الملهِمة ، حتى انتهى به الأمر ، وهو الملك الشاب الذي ترتمي تحت قدميه كلّ لذات الدنيا ومتعها ، إلى تحدّي غواية المرأة ، في واحد من وجوه عشتار إلهة الحب والخصب ، وقهرها . مما أثار الآلهة مرّة أخرى ، فانتقمت منه بأخذ صديقه .

زلزل موت إنكِيدو جِلجامِش ، فارتحل عن مملكته تاركاً وراءه كلّ شيء ، وقرّر أن يمضي إلى أُوتُنابشتيم المخلّد علّه يستطيع حلّ معضلة الموت . وبعد مغامرات أسطوريّة استهلكت نصف الملحمة ، وصل جِلجامِش إلى المخلّد ، ووقف على سبب خلوده وملابساته ، فاقتنع بأن البحث عمّا هو فوق طوق البشر عبث ، وبأنه لا يمكنه مناطحة أبسط قوانين هذا الوجود .

وفي مرحلة لاحقة ، وبعد تجارب وجدانيّة وميدانيّة عديدة ، يتوصّل جِلجامِش إلى أن الخلود الذي ينشده أمر آخر غير الحياة الأبدية ، وأن هذه الحياة المحدودة كافية لتحقيقه عن طريق العمل الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض .

وهكذا استقرت قدما جِلجامِش على أرض الواقع ، وبدأ تطبيق قناعاته التي اهتدى إليها بعد بحث خارق .

كانت تلك الخطوط الرئيسية لملحمة جِلجامِش كما قرأها أولئك الذين أسعدني الحظّ بالاطّلاع على أعمالهم . أمّا أنا فقد بدت لي الملحمة مسرحيّة رمزيّة في أصل وضعها ، ولكنّ الفكر العاميّ ، الذي تلقّاها وتداولها على مدى العصور ، انتزع أجنحة الرموز ، وسجنها في قوالب ألقت عليها شَبَه الحقائق . وهكذا تحوّلت الرموز إلى أساطير وخوارق .

وقد استحوذت عليّ تركيبة جِلجامِش الفكريّة والروحيّة المذهلة ، فاتّخذتها لبّاً للعمل ، ومركزاً لأحداثه ، بل رأيت الأحداث كلّها تسعى في ركاب تلك الشخصيّة الفذّة ، كلّ منها يثبت واحدة من خصائصها .

وبدا لي جِلجامِش شخصيّة يتداخل فيها الواقع والخيال . ومهما يكن من غلبة هذا أو ذاك ، فقد وجدتني أمام النموذج الإنسانيّ الأرقى بين تلك النماذج التي أُريد لها أن تحكي رؤية وفكر وتطلُّعات الشعوب التي صنعتها ... تلك النماذج التي نلتقيها في الملاحم اليونانية ، وفي صور الكَمَلة والمُمدَّحين في الشعر العربيّ ، وفي نبلاء عصر الأدب الجميل في أوروبا ، وفي النماذج المطروحة للرجل الفائق في إعلام عصر العولمة .



ففي حديثها عن جِلجامِش تقول الغانية لإنكِيدو :

سنَمضي إليهِ

لكي تتعرَّفَ أقوى الرجالِ

أَجَلَّ الرجالْ

ولَستُ مُبالغةً في مقالي

فجِلجامِش ماله مِن مِثالْ

ستَلقَى إذا تلتقيه الرُّجولةَ ...

تَلقى الفُتُوّةَ ...

كلَّ الفُتُوّةِ ...

تَلقى المُحالْ

وثَمّةَ تُدرِكُ أنْ لا مُحالْ

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 1:10 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة
فجِلجامِش منذ السطر الأوّل في الملحمة بدا رجلاً متميّزاً ، متفوّقاً في قدراته النفسيّة والفكريّة والجسديّة، وملكاً لا مثيل له، ورث عن أبيه مُلكاً مستقرّاً، فلم تستهلك قدراتِه القلاقلُ والفتن والحروب ، فوجّهها إلى الإنجاز الحضاريّ، وكانت إنجازاته أقرب إلى المعجزات في منظور عصره ، ولا سيّما في ميدانَي العمارة والفكر.



ووقفتُ مذهولة أمام جِلجامِش الذي ينوء بأشواق قلبه المتطلّع :

ما سِرُّ أَسرِ الشوقِ !

كيف يُجَسِّد الخَطَراتِ ! ...

يُلبِسها كِياناً ضافِيا !

بل كيف يَسكُب في رَماد الأُمنِياتِ الدمعَ ! ...

يَبعثُها كما يَهوى ! ...

ويَنفُخ في إهاب الطينِ رُوحاً مُحيِيا !

وأدهشتني عزيمته وهمّته في إمضاء ما يرى ، وإصراره البديع على تحقيق ما يبتغي :

لن يَثنيَ ماء الموت خُطايَ

ولن يَنهاني أنّ نسيمَ الأرضِ شَحيحْ

يا ألفَ جَوادٍ فيَّ هَلُمِّي

ما المَحظورُ ؟

وما المَسموحْ ؟

إن تَنفَدْ دونَ خُطايَ الأرضُ

فإنّي فوقَ الماء سَـبُوحْ

ادفعْ يا نَزْرَ الريحِ رِدائي

ادفعْ ...

فرِغابُ القلب سَنُوحْ

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 1:13 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة
حتى إذا ما جاء ذكر نُشدانه الخلود ، جرؤت على الصدع بما هجس في قلبي : لا بدّ لجِلجامِش ، في سلسلة نزوعاته الفذّة إلى الأقصى فالأقصى ، من الوصول إلى التفكير في الخلود ... ذلك أن الإنسان الذي يؤتى من قوّة الروح ما أوتي جِلجامِش يعرف يقيناً ، كأيّ نبيّ ، أن هذا الذي في داخله غير قابل للفناء . ومن هنا وجدت أن سائر أحداث الملحمة لم تَزد على صقل فكرة جِلجامِش عن الخلود ، وتهذيبها وترشيدها .



أُورشَنابي ...

قال لي ! ...

قلتُ لنفسي ! ...

فيَّ شيءٌ لن يموتْ

قائمٌ يُومِض في أفناء فكري ...

في حُروفي

في خَفاءٍ ...

في خُفوتْ

وهْوَ معنًى

وهْوَ إحساسٌ خَفِيٌّ

كالتَّسامي ...

كالقُنوتْ

وهْوَ ذاتي

وهْيَ ما قَدَّمتُ ...

يَبقى

غِبتُ جِسماً

أم بَقِيتْ

ووجدتُ أن جِلجامِش في قرارته ، وقبل أن يتوصّل إلى قناعاته الأخيرة ، لم يكن يبحث عن خلود الجسد ، فقد كان عالمه الداخليّ الصاخب أكثر حضوراً وأهميّة لديه . ولا يمكن لمن يعيش تلك الأشواق ، ويمارس تلك الفعاليّات أن تَلزم حدودُ أفقه حدودَ ذاته ...

لقد كان جِلجامِش ، في لا وعيه ، وفيما ذكرتِ الملحمة من إنجازاته ونزوعاته وأشواقه ، يتطلّع إلى الخلود ، وقد هداه ذلك الهاجس إلى تحقيق إنجازات مجيدة ، ولكن بلا وعي فلسفيّ لتطلّعاته من ورائها ، ففي حديث للغانية عنه تقول لإنكِيدو :



ذاك العظيمُ البأسِ يَفضُـلُ مَن عليها هِمّةً وجَلالَ خاطِرْ

مَن دأْبُه الأمجادُ

يَبني أو يُقاتلُ

أو يُغامرْ



وبدت لي سلسلةَ رحلات جِلجامِش الأخيرة أشبه بالهجرة . والهجرة دأب ذوي العقول الفذّة ، وعلى رأسهم الأنبياء ، ذلك أنها الطيف الأوسع للخلوة بالذات لتصفية التفاعلات الفكريّة والروحيّة ، فالهجرة بحث عن أفق للذات . وهذا ما تصوره تأملات جِلجامِش وهو يهيم على وجهه لدى موت إنكِيدو :



بَرِماً بضَيق الأرضِ

تأنَسُ بالفضا ...

بالأُفْقِ

إذ لا حَدَّ دونَ المُطلَق المَنشود ثـَمَّ

ولا حِجابْ

ولَسوف تَحلُم

حينَ يُغرِقك السرابُ

بأن يكونَ الحُزن أيضاً مِن سَرابْ

ولَسوف تُطلِق في الفَضا غِربانَ حُزنكَ

ثم تَرقُبُها تَذوبُ

فلا تَخال لها إيابْ

ولَربّما أَحسستَ همَّك

في المَدى المُمتدّ

سطراً في كتابْ

أو ربّما أَلقَيتَ نفسَك في اليَبابِ

فضِعتَ والأحزانَ

في هُوِّ اليَبابْ





_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 1:22 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة
وتتبّعتُ إرهاصات اللقاء بين جِلجامِش وإنكِيدو ، ثم تداعياته ، فوقفت على دور إنكِيدو في حياة جِلجامِش ... إنها مأساة الأفذاذ ، وافتقارهم إلى وطن يتّسع لعوالمهم المترامية ، في سجن الغربة الذي تفرضه عليهم فرادتهم وتميّزهم . لقد كان جِلجامِش يتحرّق نزوعاً إلى ذات تسع ذاته ، وسمع بإنكِيدو :



أتكونُ أنتَ !

كأنّني مُذْ كنتُ في ظَمَأ إليكْ

أتكونُ أنتَ !

فإنّ بي لَهَـفاً إلى حُلـُمٍ

فهل حُلُمي لَدَيكْ !

أتكون أنتَ !

أنا أُنادي قبلَ مِيلادِ النِّداءِ

فهل أُصادِفُ مَسمَعَيكْ !



وكان إنكِيدو فرصة لكي يواقعَ جِلجامِش أقصى ما يدفعه إليه عُرام أشواقه الفريدة . وقد صنعته الملحمة على مقاس الدور المنوط به ، دون زيادة أو نقصان ، ومنحته فسحة من الحياة لا تتجاوز حدود الحاجة إلى تأدية هذا الدور .

ومات إنكِيدو ، فأحال موته الدنيا رماداً ، ولم يبق في عالم جِلجامِش على سعته وامتداده سوى الموت ، يأخذ عليه كل سبيل ، وكل فكرة ...



إنكِيدو ماتْ

النَّبضُ الفائر في شُرُفات الخافِقِ ماتْ

الأُفْق الأرحبُ

تحتَ جُموح النظرة ماتْ

والصرخة ماتتْ

والشوق المُتأجِّج ماتْ

وأمانُ الرُّوح على طُرُقات الهاجِس ماتْ

وجَناح الفكرةِ

مَهدُ النظرةِ

حُضنُ الرَّغبةِ

ماتْ ...

جِلجامِش يَعرفُ

أنّ الرُّوحَ الباعِثَ ماتْ

والخُطوة ماتتْ ...

والصوت المُتمرِّد ماتْ ...

ورَواءُ العطَش المُجهِد ماتْ

جِلجامِش يعرف أنّ القلبَ البلسَمَ لَبِس سُكون العَدَمِ

و... ماتْ.



لقد ذاق جِلجامِش مع إنكِيدو طعم الأنس والصحبة ، والإنجاز المعجز ، الذي وافق أقصى أشواط طموحه ، وأرضاه ، وهو الآن يجد نفسه وحيداً من جديد ، عاجزاً عن التوفيق بين أشواقه الهائلة المستبدّة ، وعبثيّة الموت التي تقتلّ كل شيء . وكان الغضب:



يا موتُ

مالي لا أَرى جِرماً

فأُعملَ حَربتي في وَجهه تَمزيقا

مَن ذا الذي لم تَقتحمْ آمالَهُ

مَن لم تَجدْ يوماً إليه طريقاً !

يا ذلك الصَّلْدُ

الأصَمُّ

المُجتَرِي

الأعمى الخُطا

ما يَنثني تَفرِيقاً

لو أنّ لي مِن سُمِّ كأسكَ جُرعةً

في حَجم فِعلكَ خِسّةً فتَذُوقا



وقف جِلجامِش أمام الموت عاجزاً مبلِساً ، وكان هذا الواقع مما لا يتقبّله ، فهرب منه ، ومضى هائماً على وجهه ، متخفِّفاً من كلّ ما يقف دون خطاه إلى عالمه الداخليّ الحميم ، الذي يستطيع منه أن ينطلق إلى معرفة الحقيقة المرهِقة.



وعلى امتداد القسم الثاني من الملحمة ، كان جِلجامِش هائماً على وجهه وحيداً في الخلاء ، يذرع عوالم فكره بخطاه الحثيثة الجبّارة ، يبحث عن طريقة لقهر غريمه الموت ، ويجهد في تقليب الفكرة على وجوهها ، واستعراض التقاطعات فيما بينها وبين الأعراف ، والمعتقدات ، والطبيعة البشريّة ، والقوانين المتحكّمة في الواقع الماديّ المحيط به من حوله .

ثم راح يؤلّف بين تلك الرموز ، ويستنطقها حوارات أبرزت معالجته للفكرة ، وسعيه إلى تحصيل النتائج ، التي كان منذ البداية يبحث عنها . فكلّ المغامرات التي خاضها بعد موت إنكِيدو إنّما هي مغامرات فكريّة ، أفرزها استعراضه لإمكانيّة قهر الموت ، والوصول إلى الخلود ، وما يفترض أن يحول دون ذلك من العقبات.



خلصت إلى هذا عندما رحت أراقب جِلجامِش في مواقف لم أطمئنّ إلى تفسيرها إلاّ من هذا المنطلق ، ولا سيّما ما لاحظته في استعراضه المتكرّر لبطولاته ومآثره ، فهو يقتصر في هذا الاستعراض على ما هو سابق لموت إنكِيدو ، ولا يذكر شيئاً من أحداث تلك الرحلات الملأى بالخوارق كاجتياز طريق الشمس ، وقهر مياه الموت . وحملني هذا على الاستنتاج أن البطولات الأولى هي الحقيقيّة ، وأنه يستعرضها ليجد الشجاعة على طرح السؤال التالي على نفسه : ألا يستطيع من فعل هذا أن يهزم ما يدعونه بالمستحيل ، ومنه قهر الموت.



هكذا استقام لي اعتبار تلك الرحلات تمحيصاً ذهنيّاً لإمكانيّة القيام بها ، وامتداداً لحدث كان في بداية انطلاقه إلى البريّة للانفراد بذاته ، حيث وجد نفسه في مأسدة يمرح وحشها ، فأحفظه ذلك ، وأعمل سيفه فيها . وهاهو ذا وقد فرغ إلى نفسه يبكّتها على ما فعله في سورة اهتياج وغضب:



يالِلخطيئةِ !

كيف تَزرع مَضجعي شَوكاً

وتُوسِع أَجفُني تأريقاً !

أَمسكتُ قلبي باليمينِ

وضاءَ " سِنْ "

فرأيتُ قلبي في السلام غَريقاً



ثم يناجي " سِن " إله القمر ، متبرّئـاً من زلّة نفسه تلك ، ومن زلاّت أخر قد يزلّها . ويسلّم قياده لربّه ، مستهدياً مستعيناً سائلاً إيّاه أن يتولاّه ، ويرشده إلى ما يريد:



صلَّيتُ أسألُه السَّدادَ لخَطوتي

أَرجوهُ إرشاداً ...

هُدًى ...

توفيقاً

ياسيِّدَ الليل العظيمَ تَوَلَّني

هَبني إلى ما شئتَ أنت طريقاً



وينقدح في ذهنه ، كما لو كان استجابة لدعائه السابق ، أن يمضي إلى المخلّد أُوتُنابشتيم، الذي منحته الآلهة الخلود لإنقاذه الجنس البشريّ في قصة الطوفان البابلية ، علّه يعرف كيف قهر الموت ونال الخلود:



ماضٍ أنا لأرى أبي أُتْنابشَتِيمَ الخالدا

ذاك الذي لم يَبقَ في أَسرِ الفَناءِ مُقيَّدا

مَن جاز برزخَ نُخبة البَشَرِ

الأُلى خَرُّوا على باب الأُلوهة سُجَّدا

ولَسوف أَسألُ :

كيف حَطّم ذلك البابَ العنيدَ الموصَدا ؟

بل كيف أَبحرَ في الخلودِ !

وكيف توَّجَه الخلودُ على الخليقة سيِّدا !

ما الموتُ ؟

ما مَعناهُ ؟

ما سُلطانُهُ ؟

لم ليس يجدي فيه أن تتمرّدا !

لمَ ينحني كَرهاً لهُ

مَن ليس يَحني هامَه للعاصِفات تَجَلُّدا !

لمَ يَصمِت المُتَفاخِرونَ ؟

ويَسكُن المُتناحِرونَ ؟

ويُقلِع المُتَلذِّذون إذا بَدا ؟

بل ما الحَياةُ ؟

هلِ المَماتُ نِهايّة ؟

أم أنّه مثلُ الحياة المُبتَدا ؟



ويبحث جِلجامِش في أعماق عقله الحيّ عن طريق لبلوغ المخلَّد ليسأله عن السرّ ، ويرجع إلى مخزون ذاكرته من الحكايات ، وهي مصدره المعرفيّ الأكبر ، إن لم يكن الوحيد ، ويَفترض أنّ عليه أن يجتاز جبال ماشو ، ليتّبع الطريق الذي تقطعه الشمس كلّ غروب لتعود إلى الشرق من جديد. ويستعرض المحاذير والعقبات التي عليه مواجهتها على لسان حراس ماشو:



يا غريبَ السَّمْت أَكثرتَ السُّؤالْ

هل تَغَيَّا هَتْكَ أسرار الجِبالْ ؟

نَصرُك البِدْعُ الذي حقَّقتَه ذاتَ يومٍ

هاهُنا عَينُ المُحالْ

لا تُحاوِلْ قهرَ ماشُو

أنت إن لم تُقَصِّرْ هِمّةً

ضاق المَجالْ



ويمحّص أهوال الطريق التي يتوقّع أن يسلكها ، ثم يغلب على ظنه أنه سوف ينتصر في النهاية:



قد سرتُ سَيرَ الشمسِ

جُزتُ طريقَها

ما جاوزَتني في المَسِيرِ

فيا لِيا !

هل ثَمَّ مَن دانى فَعالي في الوَرى ؟

حتى يُطاوِلَ في المآل مآلِيا !



ويتوقّع أن يصل إلى الفردوس ، حيث تتحقّق الأماني ، ومع ذلك نراه يشكّ في أن تتحوّل الأحلام إلى وقائع ، فهو في أعماقه موقن أنّ للحلم أجنحة لا تملكها الوقائع ، ونراه يعبّر عن هذا بلسان شِمِش، إلهه الحارس:



أيّها المَسكونُ بالأشواقِ ...

قفْ

لا تُعانِدْ ...

إنّه حُكمُ القدرْ

إنّ ما تَبغي مُحالٌ ...

باطِلٌ ...

ومصيرٌ لم يُقَدَّرْ للبَشَرْ

جنّة الأحلام هذي ...

والخُطا في جِنان الحُلْم ليست تستقِرّْ

حرِّر الأحلامَ من أَسرِ الخُطا ...

أعطِها أُفْقاً

وأطلقْها تَطِرْ

واكبَحِ الخُطْواتِ ...

لا تُسرِفْ بها

إنّ للخُطواتِ آفاقاً أُخَرْ

لن تنالَ الخلدَ

لا تَنثُرْ على دربِه الأيّامَ

واخطُرْ في حَذَرْ



ولكنّه في المقابل يعرف أنّ له قلباً حيّاً ، فائر الأشواق ، يأبى سكون وعدميّة الموت . ويبلغ إحساسه بتفرُّد هذا القلب وتميّزه أن يسأل إلهه استثناءه من هذا القدر:



كيف يَرضى ذلك القلبُ الذي ذاق شوقَ النَّبْض

حَيّاً فائرا

أن يَرُدَّ السَّيلَ في أَعماقِهِ

ثم يَثوِي مُستقِيلاً فاتِرا

يا إلهَ النورِ ...

دعْني أَلتمِسْ رُوحَك الأسنَى

الذي لستُ أَرى

فكَّ عني خَتْمَ طيني

آتِني منكَ ما لم يُؤتَه قطُّ الوَرى

هَبْ كِياني نَفحة الخلدِ

التي تَهزِم الموتَ

المَقِيتَ إذا اجتَرا



ويستعرض جِلجامِش ما يتوقّع من أحداث بعد اجتيازه طريق الشمس، إذ لا بدّ له من المرور بحان الآلهة ، وهناك سوف يلتقي الساقية سِيدُري ، ويشرح لها سبب وجوده في هذا المكان ، ويسألها بإصرار أن ترشده إلى طريق المخلّد:



إنّني إن لم أجد ما أبتغي

سوف أُمضي باحثاً عنه السنينْ

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 1:26 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة

ويتوقّع أن تنهاه عن متابعة طريقه ، وأن تذكّره بأن الموت قدر ، ويضع على لسانها ما يعرف ، في أعماقه ، ممّا يَنعم به الإنسان الذي حرم الخلود:



وإذا الأربابُ شاءت للوِرى

أن يكونَ الموتُ وِرْداً

فهْو وِرْدْ

أَمسكَت عنّا الخلودَ المُرتَجى

وحَبتنا دونَه ممّا تَجِدْ

زِينةَ الدنيا …

المَتاعَ المُشتَهى …

نعمةَ الإحساسِ …

لَذّاتِ الجَسدْ …

نَشوةَ الإنجازِ …

آفاقَ الرُّؤى …

جَنّةَ الأحضانِ …

إمتاعَ الوَلدْ

فاغتنِمْ هذا ، وبادِرْ

إنَه حظُّكَ المَقدورُ مِن بؤسٍ وسَعدْ



ويلاحَظ أن جِلجامِش لا ينفكّ ينفخ في عزيمته أمام كلّ موقف جديد ، فيستعرض سلسلة بطولاته التي حقّقها مع إنكِيدو ، وتكرّر الملحمة المقطع الذي يتضمّن ذلك في بداية كلّ مغامرة:



أنا جِلجامِش

مَن أَردى الردى

واستباحَ الأرز في الغاب الحَصينِ

من تَصدّى للأُسود الغُبْرِ

في ليلة قَمْراء غَرّاء الجَبِينِ

أنا مَن لم يُعيِهِ ثَورُ السّما

بل سقاهُ الموتَ في عُقرِ العَرينِ

ليس يَثني القِفلُ عن بُغيتِه عازِماً

لم يَثنِهِ رَيبُ المَنونِ



و يرفع جِلجامِش سويّة الأخطار التي تواجهه عندما يحصل على استثناء من ساقية حان الآلهة لمتابعة طريقه إلى المخلَّد ، وهذا يعني أن عليه أن يبحر في مياه الموت ، ولسوف يفعل رغم كلّ العقبات:



جَدِّفْ جلجامُ

استنفِدْ شوقَ ذِراعِكَ ...

شوقَ الفُلْكِ

وشوقَ الرُّوحْ

جَدِّفْ جلجامُ

اندحَر الموتُ

وفازَ الشوقُ

الحَقْ بالشوقِ بدونِ جُنُوحْ



ويصمّم على أن يصل ولو اقتضاه هذا السباحةَ في مياه الموت :

لن يَثنيَ ماء الموت خُطايَ

ولن يَنهاني أنّ نسيمَ الأرضِ شَحيحْ

يا ألفَ جَوادٍ فيَّ هَلُمِّي

ما المَحظورُ ؟

وما المَسموحْ ؟



وعلى رأس المواقف التي يتوقّع جِلجامِش أن يمرّ بها عند حلوله ضيفاً على المخلَّد احتمال أن يكتشف في كلّ خطوة أنه كان مخطئاً في افتراضه الأوّل الذي يحرّكه ، وهو هنا : هل يستحقّ الخلود ما يبذله في سبيله ؟



عَجَباً ...

كأنّ جُموحَ قلبي اغتيلَ

والأشواقَ تُرمى في الصَّميمْ

وهَجُ الخلودِ ...

بَريقُهُ ...

أُلفيه يَسقط من خلال أصابعي

ويضيعُ ...

يشربه الأَديمْ !

وأراكَ أنتَ ...

فلا أُصادف من خيالاتي سوى بعضِ الهَشيمْ

ويصل جِلجامِش إلى جدّه المخلَّد ، ويستعرض قصّة الطوفان التي كانت وراء خلوده بإسهاب وتفصيل ، فينتهي إلى السرّ الذي يبتغي كشفه ، ولكن أُوتُنابشتيم يضعه في مواجهة السؤال الفصل:



هو ذا سِرُّ الخلودِ ...

هل تَرى من سبيلٍ للذي جئتَ تَرومْ ؟

ما الذي أَعددتَ فَذّاً للحَياةِ

فتُُجزى بحياةٍ لا تَريمْ ؟



إن عليه لكي يفوز بالخلود أن يقدّم للحياة شيئاً ثميناً ، يعادل ما قدمه أُوتُنابشتيم ، حينما أنقذ الحياة على الأرض . ومع ذلك يعطي نفسه فرصة أخيرة بلسان أُوتُنابشتيم:



أَصغِ جِلجامِش

حاولْ أوّلاً أن تَحدّى سُلطةَ النومِ الغَشومْ

لا تَنمْ سبعاً منَ الليلاتِ

إن تستطعْ ذا

فانشُدِ العيشَ المُقيمْ



ويتوقّع أن يُخفق ، ويمتلئ خيبة ، ويرى أن علائم هزيمته أمام الموت قد بدأت تلوح في الأفق ، فيحاصره اليأس:



يا لاِجتِرار هزيمةِ الأحلامِ

والأملِ الكذوبْ !

قد فاز سهمُ الموتِ ...

كيف يموت معنًى رائعٌ !

أو غايّة مُثلى ! ...

وكيف تموت أشواق القلوبْ !



ويطأطئ العقل الفذّ ، ويبدأ التنازل ، فقد كان عليه العودة من حيث أتى ، بعد أن أيقن أن الخلود محال . وهاهو يبدأ طريق العودة ، في صحبة الملاّح أورشنابي الذي طُرد لمساعدته إيّاه . ويواجه الهزيمة بالتأمّل والتدبّر:



يا أرضاً لا تَعرف ما الموتُ

لماذا مات عليكِ الحُلْمْ ؟ !

مالي غادرتُكِ غيرَ مُبالٍ ؟

أوَ لم أُقدِمْ جَمَّ العزمْ ؟ !

أخلودُك وَهمٌ ؟

أم وَهمي ؟

أم موتُ الحُلْم هو الوَهمْ ؟ !



ويتشبّث جِلجامِش بذيول الحلم ، ويناضل في سبيل بديل أخير ... فليكن الشباب الدائم إن لم يكن الخلود ، ولن يكون الحصول على ذلك بالسهل ، ولكنّها آخر قطرة في كأس أحلامه، فهو يتشبّث بها:



قطرةَ الخمر التي في قَعر كأسي

حُزمةَ الضوء التي قبلَ المساءْ

سوف أستبقيكِ ...

أُبقي في يدِي سِرَّ خِصْب الشوقِ...

يَنبوعَ العَطاءْ

إنّ بعضَ الموت في شَيب الفَتى...

عَجزِهِ ...

تقصيرِه عمّا يشاءْ

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 1:29 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة
وكأن عقل جِلجامِش يأبى أن يتشبّث بالحلول السحرية الهشّة ، فسرعان ما يعلن إعدام البديل الأخير بكلّ جرأة ، فتأكل الأفعى نبتة الشباب . ولكنّ هذا لا يمنع القلب الحيّ المتطلّع من الحزن ، فليس من السهل أن ينظر بعد تلك الأسفار والمغامرات ليرى كفّه مصفِرة .

ويتمخّض اليأس والحزن عن الشرارة ، ويومض في ذهنه مشهد غيّبه تقلّب الحال بالرغبات ، واللهاث وراءها على كلّ تلك الدروب ... لحظة توحُّد وصفاء ، تجلّى له فيها إلهه ، فوضع النهاية لكلّ التساؤلات ، والحلول لكلّ المشكلات:



أُورشَنابي ...

قال لي : اسمعْ ...

ليس هذا ما تُريدْ ...

والصِّبا إمّا تَوَلّى لا يعودْ

والخلودْ ...

أُورشَنابي ...

لم يكُنْ ذاك الخلودْ !

إنّه فَهمُكَ هذا

إنّه عشقُكَ هذا

إنّه فعلُكَ هذا ...

إنّ هذا سِرُّ أسرار الوجودْ ...

إنّ لي في كلّ ما آتي وجوداً ليس يَفنى

فالفَعال الطَّيب وُجدانٌ جديدْ



لقد اهتدى جِلجامِش إلى طريقة لقهر الموت ... إنه الفعال الطيّب ... ما ينفع الناس ويمكث في الأرض . إرادة الخير التي لا تموت ، فإذا كانت بعضاً منك ، فقد خلد هذا البعض.

ولم يحصل جِلجامِش على ما كان يريد فحسب، ولكنه الآن يعرف أنه ملك يده ، وأن الموت لاينال منه إلاّ حظّ تلك الأرض ، وهو الجسد:



أُورشَنابي ...

إنّ هذا الجِرمَ بعضٌ من كِياني

مِثلُ ظُفري

مِثلُ سِنّي

مِثلُ شعري ...

صُحبةٌ مَحسوبةُ الساعاتِ

تُطوَى في تضاعيف الزمانِ ...

حظُّ تلك الأرضِ منّي ...

سوف يَفنى

وأنا لستُ بفاني .



لقد سمع هذا من قبل في جبال الأرز :

إنّما يَخلـُد شوقُ الرُّوحِ

يرعاه التفاني والعملْ

ذلك الشوقُ الذي يُلقي على الدنيا بزاهي لَونهِِ

يُثري أناشيدَ الرؤى مِن لَحنهِ

يَنساب في قلب الوجودِِ

يصير بعضاً منهُ ...

مِن بُنيانهِ

كّرُّ الليالي لا يَنال من الفتى

إلاّ وِعاءَ طُموحه وجَنانِهِ

وتظلُّ في قلب الحياة هِباته وحروفهُ

بعدَ انقضاءِ زمانهِ

ما مات مَن أحيا الثَّرى

ما مات مَن صنعَ الرغيفْ

ما مات مَن رفعَ البِنا

ما مات مَن نَقش الحُرُوفْ

بَصَماتُهم غدتِ الحياةَ

وصَوتُهم صار الحَيا

والمَرءُ شوقٌ ...

هِمّةٌ ...

عمَلٌ تجودُ بهِ رؤى إيمانهِ

ولئن كان قد سمع هذا من قبل ، فقد تعلّم الآن كيف يعيشه .





ولئن رأى بعضهم جِلجامِش ظالماً بطّاشاً جبّاراً ، فقد رأيته مرهَقاً مبتئساً ، يرزح تحت وطأة تفوّقه وفَرادته ، ومن ثَمّ وِحدته وغربته الشعوريّة ... ذلك أنه كان من تلك النماذج الناصبة ، التي تنزو في أغلال بشريّتها متشوّفةً إلى المطلق الذي لا يطال ، فلا هي بلغت النبوّة فتأنس بوحي السماء ، ولم تُغنها أُلهِيات الراهن فتصرفها إلى الأرض ...

فهل كان الكاتب البابليّ ، الذي وضع مقدّمة الملحمة ، يشاركني رؤيتي تلك حين وصف جِلجامِش بأنه ثلثا إله ، أو ثلث إله ؟

لقد شفّ لي جِلجامِش عن سريرة نقيّة ، وقرأت في تأمُّلاته صفاءً داخليّاً أدنى إلى صفاء أصحاب الكشف.



لو رُحتَ تُبحِر بينَ أمواجِ الأماني رَيثَ لا يَبقى بِحارْ

ولبِثتَ تَنبِذُك الشواطئُ

والمَوانئُ

والمَجاهِلُ

والقِفارْ

لو راح يَنفَدُ دونَ ما ترجوهُ ليلُكَ

ثم يَرتحِل النهارْ

أو رُحتَ تُبصِر في بَيادِرك الحَصادَ

يمُجُّ أَدخِنةً ونارْ

فلَسوف تُوقنُ عندَ ذلك أنّ أمراً مّا سيحدُثُ

خارقاً

دونَ انتظارْ



كما بدا لي متديّناً ، يقدّس كلّ ما يرمز إلى قيمة انتهى الناس إلى تقديسها ، ويلجأ إلى سنده الغيبيّ القدير ، يستعينه ويستهديه في مناجاة لافتة جدّاً :

لأنّك خيرٌ سأَمضي بأمركَ

أَجتَثُّ رمزَ الأذى والشرورْ

فهَبني كمِثْل وَلائي اقتِداراً

وهَبني كشَوقي فؤاداً جَسُورْ

أَحَلْني امتِثالاً لأمركَ ...

أمراً كما شِئتَ

يَخلُدُ عبرَ الدُّهورْ

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: جلجامش
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 30, 2012 1:33 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4147
مكان: الديار المحروسة
إنها نجوى داخليّة لإله في الذاكرة أو في القلب ، وقد تكون سجوداً لهذا الرمز الغيبيّ الذي لا يُرى ـ إذا وثقنا بدقّة الترجمة التي استعملت الكلمة ـ وليست طقوساً ممّا يمارسه المتديّنون أمام الأصنام أو الأوثان . ولم أستطع ، في كلّ ما قرأته وذكرته عن الآلهة في هذه الملحمة ، أن أنسى لحظة واحدة القول العظيم للسيد العظيم ابن عربيّ : ( ما عُبد غير الله في معبود قطّ ) ... لقد كنت أناجي ربّي بلسان جِلجامِش ، وما أحسب إلاّ أن جِلجامِش كان يخاطبه ... فمتى أخلصت القلوب التقت على الله .



لقد كان جِلجامِش بطلاً ملحميّاً فريداً ، ذلك أنه كان بطلاً بلا حرب وبلا حبّ . فقد ترك له أبوه مُلكاً موطّأ الأكناف كفاه مؤونة الحروب والانشغال بالفتن . وكانت علاقته بالنساء ، في الوثائق التي تناولت أخبار شبابه الأوّل ، باهتة مختزَلة ، فلم تزاحم طموحاتِه . أمّا في الملحمة فكانت تلك العلاقة ممّا يدعو إلى التساؤل.



لم تربط العاطفة عبر الملحمة بين جِلجامِش وبين امرأة ، بل رأيناه يقف موقفاً معادياً من عشتار ربّة الخصب والحبّ ، مما جعل بعضهم يقول : إنه كان عدوّاً للمرأة ، ويأخذ على الملحمة تلك اللهجة القاسية في كلّ من خطابَي جِلجامِش وإنكِيدو للمرأة . ولكنّ كلا الخطابين كان موقفاً من بنات الهوى العابثات اللواتي يرفضهن الرجل النبيل ، وليس من المرأة عموماً . فجِلجامِش أحبّ أمّه وقدّسها ، وكان خطابه لها قمّة في التوقير والحبّ والإكبار.



لقد امتلأت نفس جِلجامِش بهاجس المجد ، فانشغل عن اللذّات الرخيصة ، ورفض غواية بنات الهوى ، وبائعات اللذة والمتع العابرة ، بل كان يعيبها وينبذها ، ويذود عنه عشتار ، التي كانت في الملحمة تمثلها ، باللسان وباليد . وقد أحفظها جِلجامِش فهدّدت بالانتقام ، ولكنّه أبطل مساعيها ، وسلبها أداة انتقامها بقتله ثور السماء.



وعلى ضوء هذا قرأت ما جاء في مقدّمة الملحمة من أن جِلجامِش لا يترك امرأة لرجلها، زوجة كانت أومحظيّة ، بل لا يترك بنتاً لأبيها ، فوافقت من قال : إنّه لم يكن سوى إشارة إلى تجنيده الشعب كلّه للعمل على تحقيق طموحاته ، حيث لم يحظ الأحداث بأي امتياز ناهيك بالنساء .

وعلى ضوئه كذلك قرأت إنه كان يدخل على العروس قبل زوجها ، فرأيته تقليداً كان معمولاً به ، وواحداً من حقوق الحاكم الراسخة التي لا تُناقَش . ولعلّ الحكّام أنفسهم كانوا يمارسونه كجزء من مهامّ الحكم وامتيازاته المتوارثة . وقد لبث هذا في بعض المجتمعات في الغرب حتى وقت متأخّر من التاريخ .



وقد لفتتني ظاهرة ممارسة البغاء التي أبرزها كثير من الترجمات بصورة تُوهِم القارئ أنها أمر عاديّ ومألوف في المجتمع الذي تنتمي إليه الملحمة. وهذا التوجّه قد يكون منطقيّاً

في ظلّ مقولة " الجنس المقدّس " لأسباب لا مجال لذكرها . ولكنّ القول في هذا المقام بأنّ ممارسة البغاء سلوك محمود ، بل على صلة بالقدسيّة ، يترك أكثر من علامة استفهام على لعنات إنكِيدو المحتضر لبنت الهوى التي أغوته ، وتلك السلسلة من المثالب والنقائص التي

رماها بها ، حيث يعيّرها بوضاعتها ، واحتقارها من المجتمع بكلّ فئاته ، ونبذها حتى لا تكاد تجد لها مأوًى:



ولْيُلازِمْكِ احتِقارُ الناسِ

حتى تَلبَسي ثوب الوُجومْ

ولْـتُحارِبْ ظِلَّكِ الجُدرانُ

لا تُؤويكِ حتى ظُلمةُ الليل البَهيمْ

ولْيَكُنْ شَوكُ الثَّرى نَعلَيكِ

حتى تعَرُجي مِن وَطأة الوَخْز الأليمْ

ولْتَنلْ خَدَّيك صَفـْعاتُ التَّقِيِّ البَرِّ



ولئن أمكن أن يُعتبر ذلك أمنيات يتمنّاها إنكِيدو ، أو قدراً لبنت الهوى ترسمه الآلهة بكلماته ، فلا يمكن أن نعتبر من هذا القبيل ما جاء على لسان جِلجامِش من شتائم لوجه عِشتار الذي يمثّل الغانية اللعوب ، أو بنت الهوى المُغوية . وهو مَنجم من المقولات التي تنطق بالاحتقار والآستهانة ، والتي يبدو بوضوح أنها ممّا تزخر به الذاكرة العامّة.



لستِِ إلاّ خَمرةً حمقاءَ

تُهدي مُحتَسِيها الجُبْنَ ...

ناراً تتلظّى

ثم تخبو عندَما يأتي الصقِيعْ

أنت بابٌ مالهُ قِفلٌ

فمالي ، إن تكوني لي ، هُجوعْ

أنت قصرٌ

لا ينالُ الحارسَ المنكودَ منهُ

غيرَ أن يُلفى على أعتابه يوماً صريعْ

لَذّةٌ بَتراءُ شَوها

ثم خُسرانٌ مُريعْ

أنت فَخٌّ ...

قِربةٌ مقطوعةٌ ...

غُصنٌ ضعيفٌ في جِدار مِن جُذوعْ





كلمة لا بدّ منها في نهاية هذا التقديم لعملي في ملحمة جِلجامِش : إن مقدّمة الكتاب ، وهذه المقاله المبنيّة عليها ، لا ترقيان إلى مرتبة الدراسة التي كنت أتمنّى ، ولا تعدوان الملاحظاتِ المتفرّقاتِ على أكثر الجوانب خصوصيّة في عملي . ذلك أنني لا أملك ، حالياً على الأقل ، الأدوات اللازمة للقيام بتلك الدراسة ، ولعل الله يقيّض للعمل من يقوم بها .

لقد قرأت العديد من ترجمات الملحمة ، ومن الدراسات التي كُتبت عنها ، ولكنني لم أستفد من ذلك ما استفدته من نصّها الذي ولّفه الباحث فراس السوّاح في كتابه " جِلجامِش ملحمة الرافدين الخالدة " . فقد أكسبتني قراءاتي المقارنة لمقاطع أوفصول بعينها ، في أكثر من ترجمة للملحمة ، ثقة كبيرة بما اختاره لتوليفته.



ولمّا كنت لا أتغيّا الدراسة العلميّة للملحمة ، بل القراءة الانطباعيّة التذوقيّة لها ، فقد كفيت نفسي عناء البحث والتقصّي ، وجعلت قراءتي هذه لنصّ فراس السوّاح أصلاً . ولكنني كنت أرجع إلى النصوص التي قرأتها في موجة القراءات الأولى قبل أن أبدأ كتابة " هكذا قرأت جِلجامِش " ، وكانت تسعفني كلّما استشكل عليّ أمر ، وإن كانت تسلمني بالمقابل إلى دوّامة من تضارب الترجمات وتباين الأفهام.



ونحن ، أمام النصوص الفنّية ، التي تنتمي إلى اللغات المندثرة ، وعلى قمّتها الشعر ، يسعفنا تعدّد الترجمات ، لأنّه يعني تعدّد الفهوم والذائقات ، ممّا يفتح أبواباً ، كثيراً ما يُجدي ولوجها . كما أنه لا بدّ لنا من التعويل على استلهام روح النصّ ، للتوصّل إلى قراءة أكثر صدقاً ، وأقرب إلى مراد المبدع . فقراءة هذه النصوص عمل مركّب ، متعدّد الجوانب ، الأمر الذي يجعلها تدخل في نطاق الإبداع .



ولم يحُل اعتمادي توليفة الباحث فراس السوّاح دون مخالفتي إيّاه في توجيه الكثير من العبارات ، وتفسير العديد من المواقف ، ذلك أنني قرأت نصّه بلُغتي من جهة ، ولم أستطع تنحية قناعاتي من جهة أخرى . ولكن عليّ أن أعترف بأنّ هذه القناعات لم تبلغ أن تكون مآمنَ ، فأنا أعرف أنّني قد أوتى منها رغم حذري ، وإنّما شجّعني أنّني أكتب رؤيتي الخاصّة للملحمة ، ولا أتصدّى لدراسة علميّة أكاديميّة موثَّقة لها .

وقد لا أكون أتيت بجديد ، فأنا لا أزعم ، رغم حرصي ، أنّني اطّلعت على كلّ ما كتب حول جِلجامِش ، ولكنّني قد أكون أتيت بتوليفة خاصّة بي ، وذلك على صعيد تفسير المواقف ، وتأويل النصوص وتوجيهها ، والنظر في الشخصيّات حصراً.



إن التصوّر الذي أقدّمه لملحمة جِلجامِش أمين أمانة تامّة على الخطّ الدراميّ للنصّ الذي التزمته ، الأمر الذي قد لا يرضي القارئ المعاصر في بعض الأحيان ، وذلك لطائفة من الأسباب ، على رأسها تنحّي عنصر الإثارة عن سُدّة عرشه الشرعيّ في النصّ .



وقد اخترت العمل وفقاً لهذا الخطّ في سياق حرصي الشديد على الملحمة كما حفظَتها لنا أقدم نصوصها التي وصلتنا ، ولأنّه يساورني شكّ ، لا أقوى على تجاهله ، في كون الترجمات الكثيرة التي حظيت بها الملحمة قد استطاعت النفوذ إلى حقيقة النصّ ومراميه، فأشفقتُ أن أزداد عن تلك الحقيقة بُعداً إن أنا تدخّلت في تساوق الأحداث أو نسقها .



وقد فرض عليّ التزامي الخطّ الدراميّ الأصليّ للملحمة أن أنشئ مسرحاً رمزيّاً للأحداث ، وقسرتني على ذلك بنية النصّ التي تقتضي الوعاء المسرحيّ . ولا بدّ لي من الإقرار أن المسرح الذي أنشأته هو مسرح ارتجاليّ ، كان وليد رؤيتي الخاصّة للملحمة، وهو واحد من مسارح تبلغ عدد قرّاء هذا الأثر الخالد.

كما فرض علي هذا الالتزام أن أتّخذ لي ما هو أشبه بالمنبر ، وذلك بوساطة الجوقة، التي كنت أُنطِقها بما أرى أنه يردم الفجوات في الخطّ الدراميّ ، سواء في ذلك الفجوات الفنّية المقصودة ، والأخرى الناتجة عن التلف والضياع في النصّ الأصليّ ، وكثيراً ما كانتا تتداخلان .

ومن جهة أخرى كانت الجوقة نافذة شخصيّة لي على الأحداث ، فقد عرضت على لسانها رؤيتي للأمور ، بل توجيهي وتفسيري لها في كثير من الأحيان . وجعلت ذلك كلّه في معزل عن النصّ الأصليّ ، حتى ليمكن الاستغناء عنه لمن أراد أن يلِج الملحمة من دون أن يأخذ بيده أحد .



والملحمة كما رأيتها مراحل متساوقة من حياة ونبض تلك الشخصيّة الآسرة الفذّة . وقد قمت بأكثر من محاولة لتقسيم النصّ إلى فقرات ، على قدر من التوازن الكميّ ، فلم يطاوعني ، ولكنّه تبدّى لي في كتلتين اثنتين ، الأولى كتلة الأحداث ، والثانية كتلة الحلم . وآثرت الإقلال من التقسيمات ، فلم أضع عناوين فرعيّة إلاّ في النصف الثاني من الملحمة ، وذلك لأنّني أردته أن ينضوي تحت عنوان واحد ، فكان لا بدّ من عدّة عناوين تندرج تحته .



وقادتني النصوص إلى الإيقاع الذي اختارَت ، فكان معظم العمل على البحور الشعريّة التقليديّة ، ولكنّ هناك طائفة قليلة من النصوص اختارت التفعيلة وعاءً ، لأن أنفاسها كانت من الاضطراب بحيث أزعجت قوالب الخليل ، فتخلّت عنها لتأخذ أشواطُها المدى الذي تقتضيه.

وما كنت متنبّهة إلى البحر الذي أستوعي ، ولا إلى التفعيلة أو التفعيلات التي أعتمد ، حتى بدأتُ مراجعة ماكتبت لتهيئة النصّ للطباعة ، فلاحظت كثرة كاثرة من " متفاعلن ، وفاعلاتن " سواء في إطار البحور الخليليّة ، أو خارج ذلك الإطار . ولعلّ النقد يعلّل ذلك.



ولا يغرنّ القارئ التوزيع السطريّ الذي يوحي بعكس ما ذكرت ، فقد عمدت إلى القفزات بين الأسطر كبديل لعلامات الترقيم ، إلاّ في حالتي التعجب والتساؤل ، ووجدت في ذلك عوناً على إبلاغ ما أريد ، ودليلاً قد يأخذ بيد من أراد الإلقاء ... ذلك الفنّ الرفيع الذي يذبح على مقاعد المدارس ، ويُجهَز عليه في أحرام الجامعات.



كما حرصت على أن أضبط بالشكل الكثير من الكلمات ، وكان هدفي من الضبط خدمة الإيقاع وإقامة الوزن لدى القراءة ، ولا سيّما في ضبط ما رأيت أن يُوقَف عليه ، فلم أُثبت تنوين الفتح على الألف عند الوقف ، وأثبتّ همزة على ألف الوصل في بداية الكلام ، حيثما تحتفظ ذاكرتي بقراءات لا تراعي ذلك .



وحملني الإيقاع على تخفيف الهمز في بعض المهموزات ، وقد أشرت إلى ما قد يلتبس من ذلك في الحواشي . وهذا من آثار طول النصّ ، والحرص على التقيّد به ما وسعني ذلك ، مما يكبّل الخطوات ، ويضيّق ما وسّعته العربيّة العظيمة .

وحرصت كذلك على الإشارة إلى ما وراء بعض الرموز ، والتعريف بالأعلام ، مما رأيت أنه لابدّ منه لاستيعاب المعنى .



إنّ الشعر لا يُترجَم ... ما زلت مؤمنةً بذلك ، فمن المستحيل أن تتكرّر لحظةٌ من الكينونة الروحيّة لأيّ منّا .

إنه الإفراد الذي يلغي النموذج ... آية إطلاق قدرة الله الحقّ في خلقه .

ولكنّ العمل الإبداعيّ ، ولا سيّما الشعر، عمل تحريضيّ استثاريّ، له خاصيّة التوالد، وكل قصيدة هي مشاريع قصائد يساوي عددُها عددَ قرائها ...

إنّ للعمل الإبداعيّ نسلاً كما للأحياء نسل. وكلّ وليد هو كيان جديد، ولكنّه يحمل في تضاعيفه الكيان الأب الذي ورِثه، ويورِّثه بدوره، إلى ما شاء الله.

http://www.landcivi.com/new_page_85.htm

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 8 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 7 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط