موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: شرح الاربعين حديث النوويه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 10, 2012 11:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس سبتمبر 15, 2011 11:56 am
مشاركات: 183
بسم الله و الحمد لله

فكرت كثيرا في موضوع يفيدنا جميعا و لم اجد افضل من تجميع و تقديم شرح بعض كلام سيد الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام و هي الاربعين حديث النوويه بما فيها من اهميه و خصوصا اذا حاولنا جميعا حفظ كل حديث نعرضه لعلنا نكون مِن مَن قال فيهم رسول الله : (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمور الدين أدخله الله الجنة، أو جعله الله من المتقين ) او كما قال صلى الله عليه و سلم و للحديث روايات مختلفه في نفس المعنى

نبدأ اولا بمقدمه عن الامام النووي و سبب التسميه بالاربعين حديث النوويه و ما استدركه بعض العلماء على الإمام النووي ثم شرح الحديث الاول:

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) متفق على صحته، رواه البخاري و مسلم






مقدمة عن مؤلف الأربعين النووية وسبب تأليفها



بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله: عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) متفق على صحته، رواه البخاري و مسلم ] .
فهذا أول حديث في مجموع النووي رحمه الله، المسمى بالأربعين النووية، و النووي رحمه الله يتفق علماء الرجال ويتفق المحدثون والفقهاء من بعده: على أنه إمام جليل، زاهد ورع، فقيه محدث، وهو محل اتفاق على جلالته وفضله في العلم، وله مصنفات عديدة وكلها نفع الله بها طلبة العلم، سواءً في الفقه كالمجموع شرح المهذب، ولا أعتقد أنه توجد موسوعة فقهية تضاهي هذا الكتاب، اللهم إلا إن كان المغني لـ ابن قدامة عند الحنابلة.
وله أيضاً كتاب روضة الطالبين في الفقه الشافعي، وله شرح مسلم، وله رياض الصالحين من أحاديث خاتم النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وكلها بحق مراجع في بابها.
وهذا الكتاب الذي اشتهر عند الناس بالأربعين النووية، نسبة إلى مؤلفه الإمام النووي ، الذي ينسب إلى نَوى، وهي منطقة تتبع الجولان من أعمال دمشق، ونشأ بها، ثم تعلم في دمشق أي في الجامع الأموي، ورحل إلى عدة أقطار وتعلم، ونفع الله سبحانه وتعالى به وبمؤلفاته








سبب تسمية الأربعين النووية



وأصل كتابه هذا الأربعين النووية، يقول بعض العلماء: إن كثيراً من العلماء قد ألفوا في الأربعينيات، فمنهم من يجمع أربعين حديثاً في موضوع واحد، كفضائل العلم، ومنهم من يجمع في فضائل البلدان، أو في المسلسلات أو في غير ذلك.
وأما سبب التحديد بهذا العدد فقد ورد حديث ضعفه البعض، ولكنهم عملوا به في فضائل الأعمال: ( من حفظ على أمتي أربعين حديثاً على أمتي من أمور الدين أدخله الله الجنة، أو جعله الله من المتقين )، ورتب صلى الله عليه وسلم جزاءً على من جمع أربعين حديثاً من أمور الدين.
قالوا: وإن كان ضعيفاً إلا أن كثيراً من العلماء جمعوا أربعينات في مواضيع مختلفة، وأصل الأربعين النووية كما ذكر ابن رجب في مقدمة شرحه: أن ابن الصلاح وهو من أجل علماء الحديث في الشام، جلس في يومٍ مجلساً ليملي أحاديث من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، فأملى ستةً وعشرين حديثاً في مجلسه ذاك، فجاء النووي رحمه الله وأخذ هذه الستة والعشرين وأضاف إليها ما أكمل الأربعين، وبالتحديد اثنين وأربعين حديثاً، انتخب فيها الأحاديث الجامعة التي تعد كأصل أصيل في الإسلام.
وبعضها يقول عنه بعض العلماء: ربع التشريع، أو ربع الدين، أو ثلث الدين، هناك أحاديث عامة كما جاء عن أحمد رحمه الله: أن ثلاثة أحاديث تدور عليها الشريعة كلها: حديث عمر بن الخطاب : (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث: ( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد )، وحديث: ( إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات، فمن ترك المتشابهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ).
ويقول أحمد لأن الأعمال كلها لا تقبل إلا بنياتها، والأعمال الفرعية لابد أن تكون مطابقة لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الحديث الثاني، والثالث: أن الأعمال منها ما هو بين حلال، ومنها ما هو بين حرام وبينهما المشتبهات، وجميع أحكام الفقه هكذا: إما حلال بين وإما حرام بين، وإما مشتبه بينهما، ليس هناك قسم رابع، (فمن ترك الشبهات استبرأ لدينه وعرضه) فيقول أحمد رحمه الله: لم يخرج حكم تشريعي عن هذه الأحاديث الثلاثة.
ويروون عن أبي داود رحمه الله أنه يقول: جمعت أربعمائة ألف حديث، ووجدتها تدور على أربعة أحاديث، وذكرها ابن رجب في مقدمته، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تعتبر قواعد عامة، وأخذوا ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: ( أوتيت جوامع الكلم ) ، فهو صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم والحكم؛ لأنه يجمع المعنى الكبير جداً في كلمتين، كما في هذا الحديث: ( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد )، فلو جئت بجميع أعمال المكلفين في الطهارة أو الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج .
إلخ، فقسه على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إن كان موافقاً لما جاء فيها فبها ونعمت، وإلا فهو مردود، ويشهد له قوله سبحانه، { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر:7].
و الشافعي رحمه الله كان له بحث أو له جمع آية وحديث، يقول: إن جميع الأحاديث النبوية لها أصل يشير إليه في كتاب الله، ولكن ما كل إنسان يجد هذا.
يهمنا أن العلماء جمعوا أربعينات في مسائل مختلفة، وكان ممن جمع فيها النووي رحمه الله، وكان جمعه في جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، وقد جمعت هذه الأربعين دون أن يلاحظ فيها التناسق بين الأحاديث، والمهم أنها موجودة في هذا المجموع لو استوعبها إنسان لكأنما استوعب جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
ما استدركه بعض العلماء على الإمام النووي
ويورد عليه بعض العلماء مما ترك من الأحاديث التي تعتبر الأم في بابها قالوا: ترك حديثاً في الفرائض هو أصل للفرائض ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى ذكر وارث ).
وقد اتفق علماء الفرائض أن هذا الحديث أصل في باب الميراث، والاتفاق على أن الإرث يكون بالفرض والتعصيب، إذاً: ألحقوا الفرائض على ما جاء في كتاب الله، فإن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، وبين ميراث الزوجين عند وجود الولد وعدمه، وبين حق الذكر مع الأنثى في الأولاد والأخوة والأخوات، وبين حق الأم والأب إذا كان هناك أولاد أو ليس هناك أولاد، وبين ميراث الجميع، وما بقي فلذوي العصبات، (لأولى رجل ذكر).
فيقولون: إنه لم يذكره وكان من حقه أن يذكره مع هذه الأحاديث، ولذا جاء ابن رجب رحمه الله وأخذ الأربعين أو الاثنين والأربعين وأضاف إليها ثمانية حتى كملت الخمسين حديثاً وأدخل فيها هذا الحديث، وما شاكله مثل: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) وهذا أيضاً أصل في بابه، فلم يفصل في ذكر المحرمات وأحال ذلك إلى ما ذكر من المحرمات من النساء في القرآن.
وهذا الحديث الذي بدأ به هذا المجموع المبارك يتفق العلماء على أنه أصل من أصول الدين، وعلى أنه ثلث أو ربع أو خمس الدين، ويتفق العلماء أيضاً على أن هذا الحديث يدخل في كل باب من أبواب الفقه، ولذا جاء عن بعض السلف أنه قال: لقد بدأ البخاري كتابه بهذا الحديث تنبيهاً على وجوب إخلاص النية في العمل لله، ولو ألفت كتاباً لجعلت مقدمة كل باب: ( إنما الأعمال بالنيات ) نأتي إلى هذا الحديث وإلى منطوقه ومضمونه وما يتناوله بقدر المستطاع إن شاء الله.
يروي النووي رحمه الله هذا الحديث عن عمر مباشرة، وقد أشار في مقدمته أنه التزم أمرين: - حذف السند ليسهل الحفظ.
- وصحة الحديث لنطمئن إليه، فلا يوجد في الأربعين النووية حديث ضعيف







تلقيب عمر بن الخطاب بأبي حفص والفاروق



وفي بداية الحديث عن هذا الإيراد لعلنا نتساءل عن هذه الألقاب والكنى والأسماء، أمير المؤمنين أبو حفص الفاروق عمر يبين علماء اللغة: أن العلم اسم يعين المسمى مطلقاً كما قال ابن مالك في الألفية، ثم بين أنه يأتي كنية وعلماً واسماً ولقباً، والعلم هو ما يعين مسماه بدون قرينة، وسمي الاسم اسماً لأنه وسم أي: علامة على صاحبه، وأصل الوسم العلامة للإبل ونحوها، وهو مأخوذ أيضاً من السمو وهو العلو، ومنه السماء، سما يسمو سمواً، لكأن الاسم سمة علت على صاحبها فميزته عن غيره.
والكنية ما صدرت بأب أو بأم كأبي حفص وأبو بكر، واللقب ما أشعر بمدح كالفاروق وذي النورين أو بذم.
السؤال هنا: ما هو سبب هذه الألقاب التي لقب بها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه؟ أما أمير المؤمنين فيقولون: إنه في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه كانوا يقولون لـ أبي بكر خليفة رسول الله، فلما جاء عمر كانوا يقولون: خليفة خليفة رسول الله، وطال الأمر فقالوا: جاء وافد من العراق يسأل أين أميركم؟ قالوا: من أميرنا؟ قال: عمر ، قالوا: جئت بها، فسموه أمير المؤمنين، وقالوا: إنه هو الذي قال: أنتم المؤمنين وأنا أميركم فأنا أمير المؤمنين، يهمنا أنه لقب جاءه بعد توليه الخلافة.
أبو حفص الحفص: الأسد قالوا: كني أبو حفص عمر بذلك لشجاعته وقوته وخفته، ويذكرون عنه رضي الله تعالى عنه أنه كان يمسك أذن الفرس بيد ويثب على ظهر الفرس، دون أن يعتمد على شيء، وذلك لنشاطه وخفته، وهذا القصد والوثب من سمات الأسد والنمر، فلقب أبو حفص لهذه الصفة كما يقولون.
أما الفاروق فقد لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لقب خالداً بسيف الله، ويذكرون ذلك في قصة إسلامه وأنه كان أشد الناس على المسلمين إيذاء، وفي يوم أخذ سيفاً، ومضى يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يقتله، فلقيه رجل وقال: أين يا عمر ؟ قال: أريد قتل محمد.
قال: هل ترى بني هاشم تاركيك؟ فقال له عمر : صبأت، قال: أدلك على أعجب من ذلك، أختك وزوجها أسلما.
فبدل أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت أخته، وكان عندها وعند زوجها خباب بن الأرت يقرئهما القرآن ويخفيان إسلامهما، فلما جاء عمر وسمع خباب صوته اختفى داخل البيت، ودخل عمر إلى البيت فقال لأخته وزوجها: ما هذه الهمهمة التي سمعتها، قال له زوج أخته: ما هو إلا حديث بيننا -وكانا يقرءان سورة طه-، فعدا على زوج أخته، فقامت أخته تدافع عن زوجها فلطمها فأدماها، فلما رأى الدم من أخته أسف على ذلك.
ثم قالت له أخته: رغم أنفك يا عمر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقال: أريني الصحيفة التي كنتما تقرآنها، قالت: لا.
إنك رجس وهذا كتاب الله، اذهب فاغتسل، فذهب ثم جاء وأخذ الصحيفة وقرأ ما فيها ثم قال: أين محمد الآن؟ فلما سمع خباب قول عمر نادى وخرج وقال: أبشر يا عمر ! لعل دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس أصابتك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم أعز الإسلام بـ عمر بن الخطاب أو بـ عمرو بن هشام ) قال: أين محمد الآن؟ قال: في الدار التي بأعلى الصفا.
فذهب عمر رضي الله تعالى عنه فوجد حمزة على الباب رضي الله تعالى عنه ومعه رجال، فلما رآه حمزة قال: لقد جاء عمر إن كان أراد الله له خيراً فالحمد لله، وإلا فقتله يسير علينا، فلما طرق الباب وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته خرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمسك بتلابيبه وبحمالة سيفه وقال: أما آن لك أن تسلم يا عمر !! قبل أن يخزيك الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
ثم جلسوا في الدار فقال عمر : يا رسول الله! ألسنا على الحق أحياءً وأمواتا؟ قال: والذي نفسي بيده إننا على الحق أحياءً وأمواتاً، قال: فلماذا نجلس هنا أفلا نعلنها، وخرج عمر وخرج رسول الله في صفين على أحدهما عمر وعلى الآخر حمزة وذهبا إلى البيت وطافا بالبيت، فساءت وجوه قريش، وقالوا: الآن انتصف المسلمون منا.
فحينئذٍ سماه الرسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق ، كأنه فرق في ذلك اليوم بين الخفاء بالدعوة وبين ظهورها، أو بين المسلمين والمشركين، حيث تميزت جماعة المسلمين حينما دخل عمر في الإسلام وكان ابن مسعود يقول: (إسلام عمر فتح، وهجرته نصر، وخلافته رحمة) من هنا سمي الفاروق ، وذلك كما سمى الله سبحانه وتعالى يوم بدر يوم الفرقان؛ لأنه يوم فرق الله فيه بين قوة الشرك الطاغية وبين قوة الإسلام الداعية إلى الله.







الشرح



1 ـ أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرُهم، وقد تفرَّد بروايته عن عمر: علقمة بنُ وقاص الليثي، وتفرَّد به عنه محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرَّد عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم كثر الآخذون عنه، فهو من غرائب صحيح البخاري، وهو فاتحته، ومثله في ذلك خاتمته، وهو حديث أبي هريرة (( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ... )) الحديث، وهو أيضاً من غرائب الصحيح.


2 ـ افتتح النووي أحاديث الأربعين بهذا الحديث، وقد افتتح جماعة من أهل العلم كتبَهم به، منهم الإمام البخاري افتتح صحيحه به، وعبد الغني المقدسي افتتح كتابه عمدة الأحكام به، والبغوي افتتح كتابيه مصابيح السنة وشرح السنة به، وافتتح السيوطي كتابه الجامع الصغير به، وعقد النووي في أول كتابه المجموع شرح المهذب فصلاً قال فيه (1/35): (( فصل في الإخلاص والصدق وإحضار النية في جميع الأعمال البارزة والخفية ))، أورد فيه ثلاث آيات من القرآن، ثم حديث (( إنَّما الأعمال بالنيَّات ))، وقال: (( حديث صحيح متفق على صحته، ومجمع على عظم موقعه وجلالته، وهو إحدى قواعد الإيمان وأول دعائمه وآكد الأركان، قال الشافعي رحمه الله: يدخل هذا الحديث في سبعين باباً من الفقه، وقال أيضاً: هو ثلث العلم، وكذا قاله أيضاً غيرُه، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف في عدِّها، فقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وقيل: اثنان، وقيل: حديث، وقد جمعتها كلَّها في جزء الأربعين، فبلغت أربعين حديثاً، لا يستغني متديِّن عن معرفتها؛ لأنَّها كلَّها صحيحة، جامعة قواعد الإسلام، في الأصول والفروع والزهد والآداب ومكارم الأخلاق وغير ذلك، وإنَّما بدأت بهذا الحديث تأسيًّا بأئمَّتنا ومتقدِّمي أسلافنا من العلماء رضي الله عنهم، وقد ابتدأ به إمام أهل الحديث بلا مدافعة أبو عبد الله البخاري صحيحه، ونقل جماعة أنَّ السلف كانوا يستحبُّون افتتاح الكتب بهذا الحديث؛ تنبيهاً للطالب على تصحيح النيَّة وإرادته وجه الله تعالى بجميع أعماله البارزة والخفيَّة، ورُوينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهديـ رحمه الله ـ قال: لو صنَّفت كتاباً بدأت في أوَّل كلِّ باب منه بهذا الحديث، ورُوينا عنه أيضاً قال: مَن أراد أن يصنِّف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث، وقال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي الشافعي الإمام في كتابه المعالم رحمه الله تعالى: كان المتقدِّمون من شيوخنا يستحبُّون تقديم حديث (الأعمال بالنيات) أمام كلِّ شيء يُنشأ ويُبتدأ من أمور الدِّين؛ لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها )).
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/61): (( واتَّفق العلماء على صحَّته وتلقيه بالقبول، وبه صدَّر البخاري كتابَه الصحيح، وأقامه مقام الخُطبة له؛ إشارة منه إلى أنَّ كلَّ عمل لا يُراد به وجه الله فهو باطل، لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة )).



3 ـ قال ابن رجب: (( وهذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدِّين عليها، فروي عن الشافعي أنَّه قال: هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين باباً من الفقه، وعن الإمام أحمد قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر (الأعمال بالنيات)، وحديث عائشة (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وحديث النعمان بن بشير: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن) )).
وقال أيضاً (1/71) في توجيه كلام الإمام أحمد: (( فإنَّ الدِّين كلَّه يرجع إلى فعل المأمورات وترك المحظورات، والتوقف عن الشبهات، وهذا كلُّه تضمَّنه حديث النعمان بن بشير، وإنَّما يتمُّ ذلك بأمرين:
أحدهما: أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السنَّة، وهذا هو الذي تضمَّنه حديث عائشة: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).
والثاني: أن يكون العمل في باطنه يُقصد به وجه الله عزَّ وجلَّ، كما تضمَّنه حديث عمر: (الأعمال بالنيات).
وأورد بن رجب نقولاً (1/61 ـ 63) عن بعض العلماء في الأحاديث التي يدور عليها الإسلام، وأنَّ منهم من قال: إنَّها اثنان، ومنهم مَن قال: أربعة، ومنهم من قال: خمسة، والأحاديث التي ذكرها عنهم بالإضافة إلى الثلاثة الأولى حديث: (( إنَّ أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه ))، وحديث: (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ))، وحديث: (( إنَّ الله طيِّب لا يقبل إلاَّ طيِّباً ))، وحديث: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه ))، وحديث: (( لا ضرر ولا ضرار ))، وحديث: (( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ))، وحديث: (( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ))، وحديث: (( الدِّين النصيحة ))

4 ـ قوله: (( إنَّما الأعمال بالنيَّات ))، (إنَّما): أداة حصر، و(الـ) في (الأعمال) قيل: إنَّها خاصة في القُرَب، وقيل: إنَّها للعموم في كلِّ عمل، فما كان منها قُربة أثيب عليه فاعله، وما كان منها من أمور العادات كالأكل والشرب والنوم فإنَّ صَاحبَه يُثاب عليه إذا نوى به التقوِّي على الطاعة، والألف واللاَّم بـ(النيات) بدلاً من الضمير (ها)، أي: الأعمال بنيَّاتها، ومتعلق الجار والمجرور محذوف تقديره معتبرة، أي: أنَّ الأعمال معتبرة بنيَّاتها، والنيَّة في اللغة: القصد، وتأتي للتمييز بين العبادات، كتمييز فرض عن فرض، أو فرض عن نفل، وتمييز العبادات عن العادات، كالغسل من الجنابة والغسل للتبرُّد والتنظُّف.


5 ـ قوله: (( وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى ))، قال ابن رجب (1/65): (( إخبارٌ أنَّه لا يحصل له من عمله إلاَّ ما نواه، فإن نوى خيراً حصل له خير ٌ، وإن نوى شرًّا حصل له شرٌّ، وليس هذا تكريراً مَحضاً للجملة الأولى، فإنَّ الجملة الأولى دلَّت على أنَّ صلاحَ العمل وفسادَه بحسب النية المقتضية لإيجاده، والجملة الثانية دلَّت على أنَّ ثوابَ العامل على عمله بحسب نيَّتِه الصالحة، وأنَّ عقابه عليه بحسب نيَّته الفاسدة، وقد تكون نيَّتُه مباحةً فيكون العملُ مباحاً، فلا يحصل له به ثوابٌ ولا عقاب، فالعملُ في نفسه: صلاحه وفساده وإباحته بحسب النية الحاملة عليه المقتضية لوجوده، وثوابُ العامل وعقابُه وسلامته بحسب نيته التي بها صار العملُ صالحاً أو فاسداً أو مباحاً )).


6 ـ قوله: (( فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدُنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه )).
الهجرة من الهَجر وهو الترك، وتكون بترك بلد الخوف إلى بلد الأمن، كالهجرة من مكة إلى الحبشة، وتكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، كالهجرة من مكة إلى المدينة، وقد انتهت الهجرة إليها بفتح مكة، والهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام باقية إلى قيام الساعة.
وقوله: (( فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله )) اتَّحد فيه الشرط والجزاء، والأصل اختلافهما، والمعنى: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نيَّة وقصداً، فهجرته إلى الله ورسوله ثواباً وأجراً، فافترقا، قال ابن رجب (1/72): (( لَمَّا ذكر * أنَّ الأعمالَ بحسب النيَّات، وأنَّ حظَّ العامل من عمله نيته من خير أو شرٍّ، وهاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليَّتان، لا يخرج عنهما شيء، ذكر بعد ذلك مثالاً من أمثال الأعمال التي صورتُها واحدة، ويختلف صلاحُها وفسادُها باختلاف النيَّات، وكأنَّه يقول: سائر الأعمال على حذو هذا المثال )). وقال أيضاً (1/73): (( فأخبر النَّبيُّ * أنَّ هذه الهجرة تختلف باختلاف النيَّات والمقاصد بها، فمَن هاجر إلى دار الإسلام حبًّا لله ورسوله، ورغبةً في تعلم دين الإسلام وإظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله حقًّا، وكفاه شرَفاً وفخراً أنَّه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله، ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه؛ لأنَّ حصولَ ما نواه بهجرته نهايةُ المطلوب في الدنيا والآخرة.
ومَن كانت هجرتُه من دار الشرك إلى دار الإسلام لطلب دنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها في دار الإسلام، فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك، فالأوَّل تاجرٌ، والثاني خاطب، وليس واحد منهما بمهاجر.
وفي قوله: (إلى ما هاجر إليه) تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدنيا واستهانة به، حيث لم يذكره بلفظه، وأيضاً فالهجرةُ إلى الله ورسوله واحدةٌ، فلا تعدُّدَ فيها، فلذلك أعاد الجوابَ فيها بلفظ الشرط، والهجرةُ لأمور الدنيا لا تَنحصر، فقد يهاجرُ الإنسانُ لطلب دنيا مباحة تارة ومحرَّمة أخرى، وأفراد ما يُقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر، فلذلك قال (فهجرته إلى ما هاجر إليه) يعني كائناً ما كان )).


7 ـ قال ابن رجب (1/74 ـ 75): (( وقد اشتهر أنَّ قصةَ مهاجر أمِّ قيس هي كانت سببَ قولِ النبَّيِّ *: (من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها) وذكر ذلك كثيرٌ من المتأخرين في كُتُبهم، ولَم نرَ لذلك أصلاً بإسناد يَصحُّ، والله أعلم )).


8 ـ النيَّة محلُّها القلب، والتلفُّظ بها بدعة، فلا يجوز التلفُّظ بالنيَّة في أيِّ قُربة من القُرَب، إلاَّ في الحجِّ والعمرة، فله أن يُسمِّي في تلبيته ما نواه من قران أو إفراد أو تمتُّع، فيقول: لبَّيك عمرة وحجًّا، أو لبَّيك حجًّا، أو لبَّيك عمرة؛ لثبوت السنَّة في ذلك دون غيره.


9 ـ مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 ـ أنَّه لا عمل إلاَّ بنيَّة.
2 ـ أنَّ الأعمال معتبرة بنيَّاتها.
3 ـ أنَّ ثواب العامل على عمله على حسب نيَّته.
4 ـ ضرب العالم الأمثال للتوضيح والبيان.
5 ـ فضل الهجرة لتمثيل النَّبيِّ * بها، وقد جاء في صحيح مسلم (192) عن عمرو بن العاص ، عن النَّبيِّ * قال: (( أمَا علمتَ أنَّ الإسلامَ يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يهدم ما كان قبله؟ )).
6 ـ أنَّ الإنسانَ يُؤجرُ أو يؤزر أو يُحرم بحسب نيَّته.
7 ـ أنَّ الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له، فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعةً إذا نوى به الإنسان خيراً، كالأكل والشرب إذا نوى به التقوِّي على العبادة.
8 ـ أنَّ العمل الواحد يكون لإنسان أجراً، ويكون لإنسان حرماناً









الفوائد التربوية :



الفائدة الأولى : أهمية النية الصالحة ، وعظم فضلها حيث أن جميع الأعمال مدارها على النية .
الفائدة الثانية : الناس يختلفون في قبول العمل وعدم قبوله ، وعظم الثواب والأجر ونقصانه بناء على اختلافهم في صدق النية وصلاحها أو فسادها ، وكمالها أونقصانها .
الفائدة الثالثة : مدار الثواب في الأعمال عند الله سبحانه مرتبط بالنية الصالحة وليس مجرد الفعل ، ومن هنا لم ينتفع المنافقون بأعمالهم وذلك لذهاب نيتهم الصالحة أو نقصانها .
الفائدة الرابعة : فوائد النية بالنسبة للأعمال : ـ
أ ـ تميز العبادة من العادة : مثل تميز غسل الجنابة عن غسل التبرد والتنظف .
ب ـ تميز العبادات بعضها من بعض : مثل تميز صلاة الظهر عن صلاة العصر .
ج ـ تميز المقصود بالعمل أهو الله وحده أم لا ؟

الفائدة الخامسة : بالنية الصالحة تتحول المباحات إلى مستحبات يثاب عليها الإنسان ، فمن جلس مع غيره وسامره وآنسه من غير باطل فيثاب على هذا المباح إن قصد مؤانسة أخيه المسلم وإدخال السرور عليه وهكذا .
الفائدة السادسة : يدل الحديث على وجوب تعاهد النية والعناية بها ومعالجتها .

الفائدة السابعة : النية الصادقة لابد لهاأن تكون على سنة نبوية حتى تقبل عند الله ، قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قال : أخلصه وأصوبه ، وقال إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ، قال : والخالص إذا كان لله وحده والصواب إذا كان على السنة .أ.هـ
الفائدة الثامنة : النية الصادقة هي شهادة أن لا إله إلا الله ، والسنة النبوية التي يكون عليها العمل هي شهادة أن محمداً رسول الله .
الفائدة التاسعة : الحديث يتكلم عن قضية النية فقط وأهميتها ولم يقصد به أن النية تكفي عن العمل حيث لم يرد ذكر له ولفظ الحديث وسبب وروده يؤيد ذلك .
الفائدة العاشرة : من أساليب التعليم : ذكر قاعدة ثم ذكر مثال يوضحها .
ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة وهي : " إنما الأعمال بالنيات " ثم ذكر لهامثالاً يوضحها وهو " الهجرة " .
الفائدة الحادية عشرة : قال ابن المبارك : رب عمل كبير تصغره النية . أ.هـ
ودلالة ذلك من الحديث أن الرجل الذي هاجر قد عمل عملاً من أجل الأعمال وهو الهجرة ، لكن صغر العمل وذهب أجره لفساد نيته .
الفائدة الثانية عشرة : أشد ملهيات الدنيا ومنقصات الدين الشهوة ، ولذلك خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر فقال " أو امرأة ينكحها " مع أنها داخلة في قوله " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " ففيه الإرشاد للحذر منها على وجه الخصوص .
الفائدة الثالثة عشر : الوساوس والخواطر والواردات التي ترد على النية لا تؤثر عيها مالم تغير أصل النية ، فالنية الفاسدة هي النية التي أصل عقدها ومنشئها وبدايتها لغير الله أو أن صاحبها غير نيته بعد أن كانت صالحة وصرفها عن أصلها .
ولذلك قال في شأن النية الفاسدة الباطلة " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " فأصل نيته إرادة الدنيا " لدنيا " ومن عرف هذا الأصل سلم من شبهات الوساوس وخواطر النفس بإذن الله سبحانه .

الفائدة الرابعة عشر : دل الحديث على أن إخلاص النية لله ، وإرادة العمل وجه الله سهل المنال بإذن الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بهذا الحديث الأعرابي في باديته ، والعامي والجاهل ولم يخص أناساً دون غيرهم .
لكن الشأن الصعب تصفية النية من الشوائب وكمالها وقوتها وصدقها وهذا موطن التفاضل ومن عرف هذه سهل عليه أن يحقق أصل النية ويسعى في كمالها لا كما يعتقد البعض أن تحقيق النية من الصعوبة بمكان ولا يستطيع عليه إلا القليل من الناس.


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: شرح الاربعين حديث النوويه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 10, 2012 11:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس سبتمبر 15, 2011 11:56 am
مشاركات: 183
المراجع:

1-فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين
2-شرح الأربعين النووية
3-تعليقات تربوية على الأربعين النووية


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: شرح الاربعين حديث النوويه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 28, 2012 5:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس سبتمبر 15, 2011 11:56 am
مشاركات: 183
السلام عليكم :)

اعتذر عن التأخير في تكملة الموضوع و ان شاء الله سوف اضيف الحديث الثاني قريبا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 32 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط