موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الثقة بالله.....
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 27, 2012 12:16 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الثقة بالله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد خلق الله الخلق جميعا لغاية واحدة؛ لعبادته وحده لا شريك له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات(56)]، وقد بين لهم -سبحانه وتعالى- كيفية العبادة، ووضَّح لهم صفتها، وفصَّل لهم أنواعها، فثمة عبادات ظاهرة"بالجوارح" كالصلاة والصيام، وما إلى ذلك، وعبادات باطنة"قلبية" كالخوف منه، والتوكل عليه، والرضا به، وما أشبه ذلك، ومن هذه العبادات القلبية التي تعبد الله بها عباده: الثقة به، وصدق الاعتماد عليه، وحسن التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه..
الثقة بالله صفة من صفات الأنبياء؛ فهذا خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- حينما ألقي في النار كان على ثقة عظيمة بالله؛ حيث قال :"حسبنا الله ونعم الوكيل" فكفاه الله شر ما أرادوا به من كيد، وحفظه من أن تصيبه النار بسوء، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء(69)].
ولما فر نبينا -عليه الصلاة والسلام- من الكفار فدخل الغار؛ فحفظ الله نبيه من كيد الكفار، وحرسه بعينه التي لا تنام؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق حدثه، قال: نظرتُ إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)[رواه البخاري(3653) ومسلم(2381) وهذا لفظ مسلم].
إنها ثقة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- العظيمة بالله، ولذلك خاف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على أن يصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأذى؛ فرد عليه بلسان الواثق بوعد الله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}[التوبة(40)]، وفعلا كان الله مع نبيه -عليه الصلاة والسلام- فحفظه وأيده ونصره، وجعل العاقبة له ولأتباعه من المؤمنين والمؤمنات.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران(173)][رواه البخاري(4563)].
ففي هذه الأوقات العصيبة والحرجة كانا حبيبا الرحمن إبراهيم ومحمد -عليهما السلام- في ثقة عظيمة بالله.

والثقة أيضا صفة من صفات الأولياء الصادقين؛ قال يحيى بن معاذ: "ثلاث خصال من صفة الأولياء: الثقة بالله في كل شيء، والغنى به عن كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء"[شعب الإيمان(2/354) للبيهقي].

وهي كذلك صفة من صفات العباد الزهاد، فقد جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال: "يا أبا عبد الرحمن أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد؟ فقال:"رأس الزهد الثقة بالله ووسطه الصبر وآخره الإخلاص"، وقال حاتم: "وأنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء: إلى المعرفة وإلى الثقة وإلى التوكل؛ فأما معرفة القضاء فأن تعلم أن القضاء عدل منه، فإذا علمت أن ذلك عدل منه فإنه لا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس أو تهتم أو تسخط، ولكنه ينبغي لك أن ترضى وتصبر. وأما الثقة فالإياس من المخلوقين, وعلامة الإياس أن ترفع القضاء من المخلوقين، فإذا رفعت القضاء منهم استرحت منهم واستراحوا منك، وإذا لم ترفع القضاء منهم فإنه لابد لك أن تتزين لهم وتتصنع لهم، فإذا فعلت ذلك فقد وقعت في أمر عظيم، وقد وقعوا في أمر عظيم وتصنع, فإذا وضعت عليهم الموت فقد رحمتهم وأيست منهم، وأما التوكل فطمأنينة القلب بموعود الله تعالى فإذا كنت مطمئنا بالموعود استغنيت غنى لا تفتقر أبدا"[حلية الأولياء(8/75) لابن الجوزي].

والثقة بالله تجعل العبد راضيا بالله، قال حاتم الأصم: "من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله: أولها الثقة بالله، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة"[حلية الأولياء(8/75)]، وتجعله يائسا مما في أيدي الناس؛ قيل لأبي حازم: "يا أبا حازم ما مالك؟ قال:"ثقتي بالله تعالى، وإياسي مما في أيدي الناس"[حلية الأولياء(3/231)].
ومن وثق بالله نجاه من كل كرب أهمه؛ قال أبو العالية: "إن الله -تعالى- قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}[التغابن(11)]، ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق(3)]، ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}[البقرة(245)]، ومن استجار من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا}[آل عمران(103)]، والاعتصام الثقة بالله، ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[حلية الأولياء(2/221- 222)][البقرة(186)]، فكون واثقا بالله، متوكلا عليه، معتصما به.

بل من تحلى بهذه الصفة فقد فاز بالجنة؛ قال شقيق البلخي -رحمه الله-: "من عمل بثلاث خصال أعطاه الله الجنة: أولها: معرفة الله -عز وجل- بقلبه ولسانه وسمعه وجميع جوارحه، والثاني: أن يكون بما في يد الله أوثق مما في يديه، والثالث: يرضى بما قسم الله له، وهو مستيقن أن الله تعالى مطلع عليه, ولا يحرك شيئا من جوارحه إلا بإقامة الحجة عند الله، فذلك حق المعرفة".
ثم بين الثقة بالله وشرحها وفسرها، فقال: "وتفسير الثقة بالله أن لا تسعى في طمع، ولا تتكلم في طمع، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شيء سواه، ولا يحرك من جوارحه شيئا دون الله، يعني في طاعته واجتناب معصيته"[حلية الأولياء(8/61)].

الثقة بالله نحتاجها جميعا رجالا ونساء؛ فهذه أم موسى - عليه السلام- كما قص الله علينا قصتها في سورة القصص؛ هذه المرأة المباركة عاشت في زمن جبار عنيد، وطاغوت فريد؛ لن نجد له في التاريخ مثيلا؛ هذا الطاغوت ادعى الربوبية: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات(24)]، ونفي الأولوهية عما سواه: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص(38)].
كن وثقا بثواب الله، وأنه تبارك وتعالى سيثيبك ثوابا جزيلا على أعمالك الصالحة؛ التي فعلتها ابتغاء وجه الله، مقتفيا فيها لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خرج ثلاثة نفر يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة، قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان، قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون-أي ترتفع أصواتهم وتختلط- عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال ففرج عنهم وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، قال ففرج عنهم الثلثين، وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء، فقال يا عبد الله أعطني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم)[رواه البخاري(2215) ومسلم(2743) وهذا لفظ البخاري]، ففي هذه القصة العظيمة يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه هؤلاء الثلاثة فعلوا هذه الأعمال الجليلة ابتغاء وجه الله، وتوسلوا إلى الله بها؛ ففرج الله عنهم، وكشف عنهم محنتهم.
وفي الحديث الآخر عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وفيه... قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ولن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك)[رواه البخاري(1296)].

كن واثقا بأن الله ناصر دينه، وعباده المؤمنين؛ فقد وعد بذلك، فقال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر(51)]، وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ}[الصافات(171)(172)، فإذا كنت مؤمنا بالله، واثقا بوعده؛ فلا تهن ولا تحزن، قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران (139)]، قال الألوسي -رحمه الله- : \"فلا تهنوا ولا تحزنوا -أيها المؤمنون- فإن الإيمان يوجب قوة القلب، ومزيد الثقة بالله - تعالى -، وعدم المبالاة بأعدائه\"[محاسن التأويل(2/416)].
فكن واثقا بالله، واثقا بحفظه لك إذا كنت حافظا لحدوده، واثقا بأنه كافيك ورازقك، ومثيبك على أعمالك الصالحة، وأنه ناصر دينه، وأوليائه، وفقنا الله وإياك إلى كل خير، وصرف عنا وعنك كل سوء ومكروه، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على خير البريات، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الثقة بالله.....
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 24, 2012 10:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الثقة بالله في الأزمات

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره , و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مُضل له و من يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ، أما بعد :

فإن المسلم يحتاج كثيرا في هذا الزمان إلى الثقة بالله سبحانه و تعالى ، الثقة بالله يا عباد الله ، الثقة بالله و التوكل على الله .

فلماذا يثق المؤمن بربه و يتوكل عليه ؟
- لأن الله سبحانه و تعالى على كل شيء قدير

- و لأن الأمر كله لله ، قل إن الأمر كله لله ، "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (يس 82)

- لأنه تعالى يورث الأرض من يشآء من عباده كما قال "....إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ...."(الأعراف 128)

- لأن الأمور عنده سبحانه كما قال عز و جل ".....وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" (البقرة 210) و ليس إلى غيره

- لأنه شديد المحال فهو عزيز لا يُغلب كما قال تعالى ".......وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ" (الرعد 13)

- لأنه سبحانه و تعالى له جنود السموات و الأرض فقال عز و جل "وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...." (الفتح 7)

- جمع القوة و العزة "......وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا" (الأحزاب 25)

- و قهر العباد فأذلهم ، فهم لا يخرجون عن أمره و مشيئته "......هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" (الزمر 4)

- "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات58) فهو ذو القوة و هو المتين سبحانه و تعالى

- و هو عز و جل يقبض و يبسط

- و هو يُؤتي مُلكه من يشآء "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (آل عمران 189)

- و هو سبحانه و تعالى الذي يضُر و ينفع "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ......" (الأنعام 17)

و لذلك لمّا قام أعداء الله على النبي صلى الله عليه و سلم فأجمعوا مكرهم و أمرهم فإن الله عز و جل أذهب ذلك فقال "......وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال 30) و قال "قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ...." (النحل 26) أتى الله بنيانهم من القواعد ، فإذاً المكر بمن مكر بالله ، فالله يمكر به ، و هو يخادع عز و جل "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ...." (النساء 142) و هو الذي يرد بأس المشركين فقال الله عز و جل ".......عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا" (النساء 84) و لذلك فإن النبي صلى الله عليه و سلم لمّا واجه الأعداء في القتال قال الله سبحانه و تعالى ".......عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا" (النساء 84) و قال "......وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" (البقرة 253) فهو الذي يقدّر الاقتتال و عدم الاقتتال "......فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة 52) و الله عز و جل قد أخبر نبيه صلى الله عليه و سلم بأنه القادر على إمضاء القتال أو وقفه "........كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ........" (المائدة 64) و لذلك فإنه عليه الصلاة و السلام لا يخاف إلا الله "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ......" (الزمر 36).

و الله عز و جل سبحانه و تعالى يفعل ما يشاء و يقدّر ما يشاء و لذلك كانت الثقة به و التوكل عليه واجبا ، فترى موسى عليه السلام لمّا جاء فرعون و جنوده و أجمعوا كيدهم و بغيهم و ظُلمهم و عدوانهم فأُسقط في يد ضعفاء النفوس و قال بعض من مع موسى عليه السلام إنا لمُدرَكون ، لا محالة هالكون ، لا فائدة ، لا نجاة ، محاط بنا ، ستقع الكارثة ، سيُدركنا فرعون ، سيأخذنا ، سيقتلنا ، سننتهي ، قال موسى الواثق بربه : كلّا إن معي ربي سيهدين ، الثقة بالله عز و جل

يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، إنه الله عز و جل ، و هي التي قالها النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة الحديبية : إنه ربي و لن يضيّعني ، و هي التي قالها الصحابة الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فما الذي حصل ؟ ما زادهم ذلك إلا إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و إتبعوا رضوان الله ، و لذلك قال تعالى بعدها "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ..... يعني يخّوفكم بأوليائه و مناصريه ......فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران 175).

لقد لفت علماء الإسلام إلى قضية خطيرة يقع فيها كثير من المسلمين و هي سوء الظن بالرب عز و جل ، يظنون أن الله لا ينصر شريعته و لا ينصر دينه ، و أن الله كتب الهزيمة على المسلمين أبد الدهر و أنه لا قيام لهم ، إذاً فلماذا أنزل الله الكتاب ؟ لماذا أرسل الرسول صلى الله عليه و سلم؟ لماذا شرع الدين ؟ لماذا جعل الإسلام مهيمناً على كل الأديان ؟ لماذا نُسخت كل الأديان السابقة بالإسلام إذا كان الإسلام لن ينتصر ؟

و لذلك قال عز و جل "مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا... و ليس في الآخرة فقط .....وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ..... فليمدد بسبب يعني بحبل ، إلى السماء يعني إلى سقف بيته ، ثم ليقطع يعني يختنق به ، يقتل نفسه ......فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ" (الحج 15) قال العلماء في تفسير هذه الآية : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه و سلم في الدنيا و الآخرة فليمدد بحبل يخنق به نفسه ، يتوصل إلى هذا الحبل الذي يشنق به نفسه إن كان ذلك غائظه لأن الله ناصر نبيه لا محالة ، قال تعالى "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (غافر 51-52) "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" (الصافات 171-173) ، و قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ....." (المجادلة 5) ، وفي الآية الأخرى "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي....." (المجادلة 20-21) ، فإذاً إذا تحققت شروط النصر فلابد أن ينصر الله الذين حققوا الشروط ، و إذا هُزموا فإنما يُهزموا لتخلّف تحقق الشروط.

و هذه الأمة تتربى بأقدار الله التي يجريها عليها ، و النبي صلى الله عليه و سلم قد علّمنا من سيرته كيف ينصر ربه فينصره "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد 7) "إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (آل عمران 160).

و الله عز و جل فعّال لِما يريد ، والله سبحانه و تعالى كتب المقادير قبل أن يَخلق السماوات و الأرض بخمسين ألف سنة ، ولذلك فإن كل ما يقع و يحدُث مكتوب عنده سبحانه و تعالى ، والله يعلم و أنتم لا تعلمون ، و قد يظن المسلمون بشيء شراً فإذا هو خير لقصر النظر و عدم معرفة الغيب ، و ما كان الله ليطلعكم على الغيب و قال تعالى ".....لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ......" (النور 11) و قال سبحانه و تعالى "....وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ...." (البقرة 216) ، و هذه القاعدة العظيمة التي جرت عبر التاريخ : "......إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...." (الرعد 11) و لذلك فإنه لابد من الثقة بالله عز و جل ، و لابد من اعتقاد أن القوة جميعا لله سبحانه و تعالى ، و لا يجري في الكون إلا ما يريد ، و لا يجري شيء و لا يقع إلا لحِكَم يُريدها سبحانه و لا يَدري الإنسان ماذا يترتب على الأمور و لذلك فلابد أن يوقن المسلمون بربهم ، لابد أن يكونوا على صلة بربهم معتمدين عليه متوكّلين ، يطلبون منه القوة و المَدد لأنه سبحانه و تعالى مالك القوة جميعاً و هو الذي يمنح أسبابها من يشاء عز و جل ، إن المسلمين في زمن الضعف يجب عليهم أن يستحضروا دائما الثقة بالله و التوكل عليه و استمداد القوة منه و الركون إليه و أنه عز و جل ينصر من نصره ، فإذا التجأ العبد إليه فقد أوى إلى ركن شديد ، اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام و المسلمين و أن تُعلي كلمة الدين و نسألك سبحانك و تعالى أن تجعل رجزك و عذابك على القوم الكافرين ، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الثقة بالله.....
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 24, 2012 10:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين أكتوبر 31, 2011 9:05 pm
مشاركات: 16892
الفاضلة مسلمة امنة
بارك الله فيكى كم تمتعينى بمشاركاتك

ثقتى بالله تكالى واعتمادى على الله

_________________
ومَـن تَكُـن برسـولِ اللهِ نُصرَتُـهُ *** اِن تَلْقَـهُ الأُسْـدُ فــي آجامِـهَـا تَـجِـمِ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الثقة بالله.....
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 26, 2012 8:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الفاضل يانور سيدنا النبى
اكرمك الله و اعزك و جزاك الله كل الخير و كل عام و حضرتك و جميع اعضاء المنتدى بالف خير و صحة و عافية

قيل لإبراهيم بن أدهم (ماِسر زهدك في هذه الدنيا فقال أربــع :
علمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمأن قلب
علمت أن عملي لا يقوم به أحد سواي فانشغلت به
علمت أن الموت لا شك قادم فاستعديت له .
علمت أني لا محاله واقف بين يدي ربي فأعددت للسؤال جواباً .)

وقال عامر بن قيس : ثلاث آيات من كتاب الله استغنيت بهن على ما أنافيه
قرأت قول الله تعالى : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ))الأنعام17
فعلمت وأيقنت أن الله إذا أراد بي ضر لم يقدر أحد على وجه الأرض أن يدفعه عني وإن اراد أن يعطيني شيئاً لم يقدر أحد أن يأخذه مني .

وقرأت قوله تعالى :
((فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ))البقرة 152
فاشتغلت بذكره جل وعلا عمّا سواه .

وقرأت قوله تعالى : ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ))هود6
فعلمت وايقنت وازددت ثقة بأن رزقي الله لن يأخذه أحد غيري .51

عباد الله هل نحن واثقين كل الثقة فيما عند الله من جزاء وجنة ونعيم ‍‍‍ ؟؟؟ إذا لماذا لا نعمل لننال ذلك الجزاء .

قال الربيع بن خيثم: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه،
ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له،
وتصديق ذلك في كتاب الله: ((وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)) التغابن:11
((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) الطلاق:3،
((إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَـٰعِفْهُ لَكُمْ)) التغابن:17،
((وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ)) آل عمران:101،
((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)) البقرة:186.

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الثقة بالله.....
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 04, 2012 8:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الثقة بالله..
تجدها في سيدنا إبراهيم عندما أُلقي في النار..
فقال بعزة الواثق بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل..
فجاء الأمر الإلهي: يانار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم

الثقة بالله..
تجدها في السيدة هاجر عندما ولى زوجها وقد تركها في واد غير ذي زرع..
صحراء قاحلة وشمس ملتهبة ووحشة..
قائلة: يا إبراهيم لمن تتركنا؟
الله أمرك بهذا ؟
قالتها فقط لتسمع منه كلمة يطمئن بها قلبها ..
فلما علمت انه أمر إلهي قالت بعزة الواثق بالله ..
إذا لا يضيعنا الله ففجر لها ماء زمزم وخلد سعيها..
ولو أنها جزعت وهرعت لما تنعمنا اليوم ببركة ماء زمزم !

الثقة بالله..
تجدها في أولئك القوم الذين قيل لهم ..
إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم..
ولكن ثقتهم بالله أكبر من قوة أعدائهم وعدتهم..
فقالوا بعزة الواثق بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل ..
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء !

الثقة بالله..
تجدها في ذلك المحزون الذي هام على وجهه ..
من يا ترى يقضي دينه أو يحمل عنه شيئاً من عبئه ..
إنه الله فانطرح بين يديه..
وبكى يتوسل إليه..
فكان أن سقطت عليه صرة من السماء قضى بها دينه وأصلح أمره !!

الثقة بالله..
تجدها في ذلك الذي مشى شامخاً معتزاً بدينه ..
هامته في السماء ..
بين قوم طأطأوا رؤوسهم يخشون كلام الناس !!

الثقة بالله..
نعيم بالحياة..
طمأنينة بالنفس..
قرة العين..
أنشودة السعداء !

فيا عباد الله ..
أين الثقة بالله..
يامن يتوق إلى الهداية ..أين ثقتك بالله ؟
يامن يريد السعادة ..أين ثقتك بالله ؟
وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ..
فهل هناك أصدق من الله؟؟

ومن أوفى بعهده من الله؟؟

فكيف با الله عليك يا عبد الله..

تتقلب في نعم الله ثم تبادره بما يغضبه
وتعصاة بما أنعم عليك بة من نعم
وذلك من ابشع الذنوب وابغضها الى الله

نستغفر الله العظيم من كل ذنب و نتوب اليه

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الثقة بالله.....
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 13, 2012 10:33 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الغفلة عن مراقبة الله عز وجل، وعدم استشعار عظمته هي طريق المعاصي المعبدة وسبيلها الممهدة، التي تقود أصحابها إلى درك الآثام، ومن ثم إلي المعاناة الأليمة من سوء أثارها ووخيم عواقبها.
فلو أن المؤمن استشعر مراقبة الله تعالى دائماً وأنه يتقلب في نعمائه، ويحيا في حفظه وكلاءته، لما أقدم على ما يغضبه ويسخطه سبحانه وتعالى، بل ولبذل المزيد من الشكر، ليستحق الزيادة من الإنعام والإحسان.
لكن الغفلة والنسيان من طبيعة الإنسان، ولذلك تفضل الله تعالى على عباده ببسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، وبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل، حتى تبلغ الروح الحلقوم.
ومن مزيد كرم الله تعالى وفضله: أن جعل هذا الباب بينه وبين عبده مفتوحاً يلج منه من شاء، متى شاء، لا يصده عنه حاجب، ولا يحول دونه حارس ولا بواب

(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )(186) (البقرة)

وكلما كان الإقبال بصدق وعن اضطرار، كانت الإجابة أقوى، وكشف الضر أسرع

(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) 62 (النمل)

ومن غلبه هواه وجمح به شيطانه عن جادة الصواب ونهج النبوة، وليس له من العلم والتقوى رصيد يلفته إلى ربه وسنة نبيه، فليلتمس دواءه عند أطباء القلوب الخبراء بعللها وأسقامها، كما يلتمس المعالج الحاذق والطبيب الماهر لعلاج أسقام جسمه وأدوائه.

والعلماء الربانيون هم أطباء القلوب، والمعالجون لعلل الأنفس وأمراضها، فكم من فاسد أصلحوه، وكم من ضال أرشدوه، وكم من حائر أخذوا بيده، ووضعوه على المحجة البيضاء!

حتى عاد الجميع بفضل الله وتوفيقه هداة مهتدين، ونماذج يشار إليها بالبنان: تقى وصلاحاً، صدقاً وإخلاصاً، عفة وسمو أخلاق، بل غدا الكثير منهم عناصر فاعلة في نقل الخير والنور إلى من حُرمهما من الحائرين والتائهين.

والعالم الرباني حريص على هداية الناس جميعاً، أمين في إسداء نصحه، مخلص في توجيهه وإرشاده، مدرك تمام الإدراك لما يجري في واقع الناس
وما يصرفهم عن الاستقامة على المنهج القويم،

والله تعالى اعلم واعلم و على رسوله الكريم افضل الصلاة واتم التسليم

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الثقة بالله.....
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 27, 2012 8:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وما قدمه إبراهيم بن أدهم رحمه الله من علاج لأحد المسرفين يبرهن على صدق ما نقول.
فقد جاء في ترجمته رحمه الله تعالى: أنه جاء إليه رجل من المسرفين فقال: يا أبا إسحق، إني مسرف على نفسي، فاعرض علي ما يكون لها زاجراً ومنقذاً؟
فقال إبراهيم: إن قبلت مني خمس خصال، وقدرت عليها لم تضرك المعصية.
قال: هات يا أبا أسحق.
قال: أما الأولى: فإذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه: قال: فمن أين آكل، وكل ما في الأرض من رزقه؟، قال: يا هذا، أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا، هات الثانية.
قال: إن أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه، قال: هذه أعظم، فأين أسكن؟ قال: يا هذا، أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتسكن أرضه، ثم تعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة.
قال: إذا أردت أن تعصيه، وأن تأكل من رزقه، وتسكن أرضه، فانظر موضعاً لا يراك فيه، فأعصه فيه!.
قال: يا إبراهيم: ما هذا؟ وهو يطلع على ما في السرائر؟ قال: يا هذا، أفيحسن بك أن تأكل رزقه، وتسكن أرضه وتعصيه وهو يراك، ويعلم ما تجاهر به وما تكتمه؟
قال: لا، هات الرابعة.
قال: فإذا جاءك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً، وأعمل لله صالحاً، قال: لا يقبل مني؟
قال: يا هذا، إنك إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟
قال: هات الخامسة.
قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة، ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم؟ قال: لا يدعونني، ولا يقبلون مني كلماً.
قال: فكيف ترجو النجاة إذن؟
قال: يا إبراهيم، حسبي، حسبي، أستغفر الله، وأتوب إليه، فكان لتوبته وفياً، فلزم العبادة، واجتنب المعاصي، حتى فارق الدنيا.
السعيد من نجا
إن الله تعالى قد سخر للإنسان ما في الأرض جميعاً، رحمة به، وإحساناً إليه، وذلل له سبل الانتفاع بها، وجعل له الأرض مستقراً ومتقلباً، يسعى في كون الله الفسيح، ليحقق طموحه وآماله، وبسط عليه نظره: يقظة ومناماً، حفظاً ورعاية، توفيقاً وتسديداً، كل ذلك وسواه كثير ليحيا في ظلال الطاعة، وينعم بعز العبودية.
فكم يشقى بعد ذلك من يتقلب في هذا النعيم، ثم يبادر مولاه بما يغضبه ويسخطه؟!
وهب أن عبداً نسي في ظلمه الغفلة المنعم سبحانه، وجرى مع لهوه وهواه! فهل ينسى أن له أجلاً محدوداً، وأمداً لا يستأخر عنه ساعة، ولا يستقدم؟
إن كل أسباب القوة والعافية لا تؤخر داعي الموت لحظة إذا حان الأجل!.
سبيل الموت غاية كل حي
وداعية لأهل الأرض داعي
ثم هل ينكر مؤمن أن له بعد الموت بعثاً ونشوراً، وحساباً وجزاءً، منتهاها إحدى منزلتين: إما نعيم مقيم، في مستقر الرحمة ودار الرضوان:
(تلك عقبى الذين اتقوا) (الرعد:35)
وإما إلى
( نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (6) (التحريم)
فالسعيد من نجا، ولا نجاة بغير طريق الهدى، والمؤمن من فاز، ولا فوز إلا باليقظة والحذر، والتسربل بالتقوى والورع، فقد جرى بذلك القضاء وسبق الكتاب:
( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) 63 (مريم).

إن المسلم الواثق بالله يُوقن بأنّ الله لن ُيتركه ولن يُضيعه إذا ما تخلى عنه كل من في الأرض فثقته بما عند الله أكبر من ثقته بما عند الناس .
والإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأنه لا حول لأي قوة في العالم ولا طول لها إلا بعد أن يأذن الله، الإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأن هذا الكون وما فيه من أنواع القوى ما هي إلا مخلوقات مسخرة لله، تجري بأمر الله وتتحرك بقضائه وقدره. ((وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ ءامَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقا)) الجن:13

الواثق بالله تراه دائماً هادئ البال ساكن النفس إذا ادلهمت وزادت عليه الخطوب والمشاكل فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ولسان حاله :
((قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ ))التوبة

قيل لإبراهيم بن أدهم ماِسر زهدك في هذه الدنيا فقال أربــع :
علمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمأن قلب
علمت أن عملي لا يقوم به أحد سواي فانشغلت به
علمت أن الموت لا شك قادم فاستعديت له .
علمت أني لا محاله واقف بين يدي ربي فأعددت للسؤال جواباً .
وقال عامر بن قيس : ثلاث آيات من كتاب الله استغنيت بهن على ما أنافيه
قرأت قول الله تعالى : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ))الأنعام17
فعلمت وأيقنت أن الله إذا أراد بي ضر لم يقدر أحد على وجه الأرض أن يدفعه عني وإن اراد أن يعطيني شيئاً لم يقدر أحد أن يأخذه مني .
وقرأت قوله تعالى :
((فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ))البقرة 152
فاشتغلت بذكره جل وعلا عمّا سواه .
وقرأت قوله تعالى : ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ))هود6
فعلمت وايقنت وازددت ثقة بأن رزقي الله لن يأخذه أحد غيري .51

عباد الله هل نحن واثقين كل الثقة فيما عند الله من جزاء وجنة ونعيم ‍‍‍ ؟؟؟ إذا لماذا لا نعمل لننال ذلك الجزاء .
قال الربيع بن خيثم: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له، وتصديق ذلك في كتاب الله: ((وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)) التغابن:11
((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) الطلاق:3،
((إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَـٰعِفْهُ لَكُمْ)) التغابن:17،
((وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ)) آل عمران:101، ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)) البقرة:186.

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 19 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط