بالجلابية والسمار النوبى ...
عم أمين.. سنبل النوبة ورحلة التعمير بعد الستين
السبت، 23 فبراير 2013 - 19:24
كتب حسن مجدى
خطوط طويلة حفرها الترحال فوق وجه أنهكه حزن 60 عاما على تمزق البلاد، بابتسامة عريضة تشكلت هذه الخطوط بلون الفرح بمجرد أن وطئت أقدامه مرة أخرى أرض بلاد الذهب السمراء، وارتدى جسده جلباب النوبة، الذى افتقده طوال سنوات غربة طحنته فى عمران المدينة الصاخبة، وسط أرض صحراوية صبغها لون النوبة الذهبى، وقف لتغرس يده بثقة باكورة حلم يمتد على طول أرض لطالما حاولت عيونه المتأملة الوصول إلى نهايته دون جدوى.
بين طنين الجرارات وهى تحرث الأرض، وعربات الرى التى تمهدها، يجلس عم "أمين ماهر" بملامحه السمراء الطيبة، وحيدا فى صحراء قرية "الخريجين" النوبية بجانب معبد "أبو سمبل"، تتجاهل يداه المصقولة بفعل الزمان تجاوز عمره الستين عاما، وهى تبدأ مشوار عودة النوبة إلى الخضار، قرر أن يسير على غرار "سنبل ورحلة المليون" وهو يقف وسط الصحراء وحيدا، يأتى يوما بجرار لحرث الأرض، ويوما آخر بعربة لريها من ظمأ هجر الفيضان لها، مارا بين ربوع أم الدنيا على شباب النوبة ليدعوهم للعودة إلى بلاد الذهب، ومشاركته فى حلم عودة الزراعة للنوبة.
رحلات "عم أمين" الطويلة بين النوبة، والقاهرة لعشرات السنين، حفرت فى ذهنه صورة هذه الأرض الممتدة والتى رواها فيضان النيل خصوبة لعقود تمتد بامتداد التاريخ، قبل أن يهجرها، ويهجر معها أهل النوبة جراء بناء السد العالى، دائما ما كان يخبر نفسه، إحنا المفروض نبقى سلة العالم للغذاء، عندنا الأرض الخصبة، والعمالة إللى مش لاقية حد يشغلها ببلاش، والنيل، ينقصنا فقط أن تنظر لنا الحكومة، وتنظم الأمر، وتدعو الشباب لبداية العمل والحرث فى أرضهم وأكل ما حرثت أيديهم.
بلهجته النوبية يحكى عم "أمين" كيف اكتشف أن انتظار نظرة الحكومة للمكان هى ضرب من ضروب الخيال الواسعة، يقول "الحكومة عاملة زى اللى ربنا مدى ليه بيت من عشر حجرات، وهو حابس نفسه، وأخواته، فى حجرة واحدة، وعمال يتخانق على مكان فيها" ويتابع "إحنا عندنا أرض تكفى العالم كله أكل بس لو شغلنا عقولنا وحاولنا نستغلها".
حواديت طويلة يقصها بمرارة عم أمين عن خير النوبة، وكيف يمكن أن يغير وجه مصر، ولكنه لم يستسلم للمرارة، حين دار على شباب النوبة ليبدءوا معه حلمه ويقول "روحت للشباب فى القاهرة، وإسكندرية، وكوم أمبو، قولت ليهم عايزين نبطل نشتغل عند الناس، وناكل من أرضنا".
سنبل النوبة بعد الستين، قرر أنه لن يعيش فى جلباب أبيه، ودعا كل الشباب أن يحذوا حذوه، وينظروا على مصر الواسعة، التى أصبحت محصورة فى بعض الكليات التى يتخرج منها طلبة لا يجدون عملا، ومدن لا يوجد بها موضع لقدم، وضع دعوة مفتوحة بين أيدى أهل الجنوب لمشاركته حلم تخضير أرض النوبة، والذى وصل الآن بأيدى الرجل وحيدا إلى مرحلة تمهيد الأرض، وينتظر فى الصيف القادم وضع البذور الأولى له.
رابط الخبر من موقع اليوم السابع :
http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=956468&SecID=89